هند صبري لـ«الشرق الأوسط»: أحلم بالوقوف خلف الكاميرا

ترى أنّ أزمة الكتابة والاستسهال سبَّبا الاتجاه إلى النصوص الأجنبية

هند صبري تحلم بالوقوف خلف الكاميرا (صفحتها في «فيسبوك»)
هند صبري تحلم بالوقوف خلف الكاميرا (صفحتها في «فيسبوك»)
TT

هند صبري لـ«الشرق الأوسط»: أحلم بالوقوف خلف الكاميرا

هند صبري تحلم بالوقوف خلف الكاميرا (صفحتها في «فيسبوك»)
هند صبري تحلم بالوقوف خلف الكاميرا (صفحتها في «فيسبوك»)

استطاع مسلسل «مفترق طرق» لفت انتباه المُشاهد العربي من خلال رحلة امرأة قوية في وجه الشدائد. تتقاطع الخيانات مع الحبّ، والحقيقة مع الأوهام، ليجد نفسه أمام صراع درامي مثير. فبعد أن كانت «أميرة الألفي» - جسَّدت شخصيتها الفنانة التونسية هند صبري - تعيش حياة مستقرّة، وجدت نفسها في مفترق طرق حقيقي على أثر تورُّط زوجها في فضيحة مدوّية تهزّ أركان حياتها، ليبقى السؤال الصعب: كيف ستواجه هذه المرأة الصلبة تحدّيات القدر؟ وكيف ستعيد بناء حياتها؟

رغم تقديمها مسلسلاً مأخوذاً من نسخة أجنبية، فإنّ هند صبري تفضّل الأعمال الأصلية العربية، وتضيف: «أتمنّى أن نحظى بكتّاب يمتلكون درجة عالية من الحرفية، لكن ثمة أزمة كتابة في العالم العربي، ما يجعلنا نلجأ إلى تعريب الأعمال الأجنبية، لا سيما تلك التي حقّقت نجاحاً كبيراً لدى عرضها في الخارج».

هند صبري تفضّل القصص الأصلية العربية (صفحتها في «فيسبوك»)

وترى أنّ «هذا التعريب قد يكون نوعاً من الاستسهال في الكتابة، معزَّزاً بالبحث عن تحقيق الربح، إذ تسعى بعض شركات الإنتاج إلى تقديم عمل فنّي على منصة مأخوذ من عمل مضمون النجاح، رغم أننا نملك الموضوعات والمشاعر والشخصيات التي يمكنها صناعة أعمال درامية قيّمة».

وعن «مفترق طرق»، تتابع: «استطاع كل من الراحل شريف بدر الدين ووائل حمدي أن يضيفا إليه كثيراً من التفاصيل والشخصيات التي لم تكن في النسخة الأصلية لتعزيز الحبكة الدرامية. كما حُذف عدد كبير من القضايا والشخصيات لعدم تماشيها مع ثقافتنا العربية أو عاداتنا وتقاليدنا الشرقية»، لافتةً إلى أنها شعرت بالقلق عندما عُرض عليها العمل لأنه مكوَّن من 45 حلقة.

صفعتها للفنان ماجد المصري في المشهد الأخير من المسلسل تصدَّرت «الترند» خلال عرض الحلقة. عن كواليس هذه الصفعة، تقول: «كثّفنا التمارين لهذا المشهد الصعب، لذلك أحيي النجم ماجد المصري على اقتناعه به وحماسته له».

وتوضح أنّ «اللقطة صُوِّرت من غير زاوية لتبدو بالشكل الصادم الذي ظهر على الشاشة، إذ أحدثت ردود فعل قوية ومتباينة»، مشيرة إلى أنها لا تمانع تقديم جزء ثانٍ من العمل إذا ارتأت المنصة والشركة المنتجة ذلك.

كما تلفت إلى قرب عرض الجزء الثاني من مسلسل «البحث عن علا» الذي يتناول رحلة الصيدلانية «علا عبد الصبور» بعد انفصالها عن زوجها في محاولتها لاكتشاف نفسها والبحث عن الحبّ الحقيقي، مؤكدةً انضمام النجم ظافر عابدين إلى بطولة العمل الذي يُخرجه هادي الباجوري.

مع إياد نصار في كواليس «مفترق طرق» (صفحتها في «فيسبوك»)

وحصد الفيلم التونسي «بنات ألفة» جوائز وإشادات نقدية عدّة؛ عنه تقول: «السينما التونسية هي فنّ الهروب إلى الخيال، والفنّ المطلق الصعب تحقيقه في العالم. فتونس ليست لها حسابات في السوق التجاري، بقدر ما تقدّم سينما من أجل السينما».

وتعدُّ هند صبري نفسها «سعيدة الحظّ» كونها جزءاً من هذا التراث السينمائي في تونس، لا سيما تجربتها مع المخرجة الموهوبة كوثر بن هنية.

وتوضح أنها لم تتوقّع أن يكون الفيلم بهذه الجودة التي جعلته يصل إلى المنافسة على جائزة «أوسكار» في فئة أفضل فيلم وثائقي طويل، بالإضافة إلى حصوله على جائزة «سيزار» الفرنسية التي تمنحها سنوياً «أكاديمية الفنون والتقنيات السينمائية» منذ عام 1976؛ وهي المعادل الفرنسي لـ«أوسكار».

ووفق الفنانة التونسية، حاز الفيلم كذلك استحسان النقّاد بعد عرضه العالمي الأول في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان السينمائي» بدورته الـ76، وحصوله على جائزة «العين الذهبية» المرموقة، كما حصد جائزة قناة «الشرق الوثائقية» في النسخة الثالثة لمهرجان «البحر الأحمر السينمائي».

وتعزو ابتعادها عن السينما المصرية مؤخراً، بعد أحدث أفلامها «كيرة والجن» الذي عُرض عام 2022، لعدم التوصّل إلى السيناريو المناسب، موضحةً: «عُرض عليَّ أكثر من عمل، بعضها لم يجذبني، والبعض الآخر أعجبني لكنني كنتُ أصوّر (البحث عن علا) و(مفترق طرق)، فتعذَّرت الموافقة».

ورغم تحقيقها نجومية لافتة بمشاركتها في عشرات الأعمال الدرامية، فإنها تسعى إلى تحقيق حلمها المُتمثِّل بالوقوف خلف الكاميرا بوصفها مخرجةً: «أبذل كل جهد حالياً لتحقيق هذا الحلم الذي بدأ يراودني منذ مشاركتي في كتابة مسلسل (البحث عن علا)».

تختم حديثها بالتأكيد على أنّ قرار تقديم استقالتها من «برنامج الغذاء العالمي» التابع للأمم المتحدة بعد 13 عاماً على انضمامها إليه سفيرةً للنيات الحسنة، هو «من أهم القرارات التي اتخذتُها في حياتي»؛ لعجزها عن منع استخدام التجويع والحصار أسلحةَ حرب في غزة، مؤكدة: «كنت أنتظر أن يستخدم البرنامج صوته بقوة كما فعل في حالات الطوارئ والأزمات الإنسانية المتعدّدة، وهو ما لم يحدُث».


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.