غالية شاكر... «موسيقى الشارع» للجميع

الفنانة السورية لـ«الشرق الأوسط»: كممثلة أتدرَّب على الشعور بالأغنية

ترى النضج مسؤولية وشرطاً لموسيقى مُقنعة (صور غالية شاكر)
ترى النضج مسؤولية وشرطاً لموسيقى مُقنعة (صور غالية شاكر)
TT

غالية شاكر... «موسيقى الشارع» للجميع

ترى النضج مسؤولية وشرطاً لموسيقى مُقنعة (صور غالية شاكر)
ترى النضج مسؤولية وشرطاً لموسيقى مُقنعة (صور غالية شاكر)

محاكاة الأعمار المختلفة تُلهم الفنانة السورية غالية شاكر هويتها الموسيقية. نشأت في عائلة تُطربها الكلاسيكيات، وتتوقّف عند فئة يستميلها «تيك توك». «أنا مزاج ثالث بين المزاجين»، تقول لـ«الشرق الأوسط». عام 1977، هاجر والدها إلى الإمارات، وفيها كبُرت. تزور الشام كل صيف بإلحاح من صدى الجذور، وتشاء بفنّها الإصرار على عمق الرابط. يمنحها بهجةً مشهدُ الآتين من أجيال تتفاوت إلى حفلها: «بهذا أطمئن إلى أنّ فنّي لا ينحصر».

من بين الأعمار، يحضُر الصغار. يُفرحها أن تلمح ابتساماتهم وبراءة الطفولة ما لم تتوحَّش الحروب. سبق أن غنَّت لهم تهويدات هدَّأت المخيّلة وأحالت صورها على ما هو أحلى. تستطيع الشابة الشعور بالآخرين وإن بعُدت بالمسافة عن الأراضي المشتعلة: «الحرب هشَّمت أوطاننا ومَشهدياتها لوَّعت الأطفال. الجميع تأثَّر؛ بخسارة أحبّة أو بالأذى النفسي. هذا مؤلم. أردتُ بالفنّ مداواة خيال طفل، فغنّيتُ للسلام. معظم التهويدات باللغة العربية تحاكي أطفالاً لم يكتمل وعيهم. تساءلتُ؛ لِمَ لا أقدّم للصغار ما يفهمونه؟ ولم أتردّد في ذلك».

أرادت بالفنّ مداواة خيال طفل فغنّت للسلام (صور غالية شاكر)

تكثُر القضايا، وغالية شاكر تعلم أنّ بعضها، مثل اللجوء والمخيّمات والطفولة، مؤلم ومُلحّ. حِمْل الجذور ثقيل، لا يستريح دون الإنجاز الفنّي. إنها مسألة وعي أيضاً، فتقول: «صعبٌ اختيار الموضوع. حين نستمع إلى أغنية ونشعر بأنها لا تليق بفنان، فذلك يُعلّمني الانتباه. أغنيات أخبّئها للوقت المناسب أو أبيعها لآخرين لشعوري بعدم تماشيها مع نضجي. النضج شرط لموسيقى مُقنعة. وهو مسؤولية. أقدّم فناً يُعرف بـ(موسيقى الشارع). إنه نزعٌ للقفازات وإسقاط للأقنعة، ولكن مع مراعاة المناخ الاجتماعي. وصولها إلى الملايين يُرغمني على الصدق. أخشى البساطة أيضاً، فقد تكون جارحة. هنا يتدخّل النضج ويحسم الوعي الصراع، فآتي بالصادق المناسب».

الموضوع لحظات إنسانية وشعور عميم. غالية شاكر كاتبة أغنيات، ملحّنة، وعازفة على آلات من بينها الغيتار والطبلة، تشترط الإحساس بالفكرة قبل أن تتحوّل موضوعاً فنّياً للجميع. «ما لم أعشه، عاشه آخرون: حبٌ، أحزان، خسارة، خذلان... أضع نفسي في تلك المشاعر وأجعلها مني. كأنني ممثل أستعدّ لإتقان الدور. أهتم بالجانب النفسي للأغنية، وإلا فرغتْ. ذلك كلّه تدريب. لا يولد المرء ناضجاً، بل يكتسب نضجه. تعلّمتُ تبنّي الحالة الغنائية لموضوع كتبته قبل 5 سنوات مثلاً، فأغنّيه كأنني كتبته للتو».

مردُّ السعي إلى الفرادة، احترامُ المهنة: «ورثتُ ذلك من أبي. ألهمني الشغف والعمل، ثم المتابعة والتطوُّر. حضوره جعلني فنانة أجيد التأليف والتلحين والعزف والتوزيع. وأحبّ الطعام. أنشأت العائلة سلسلة مطاعم في الإمارات، وأبذل من أجلها بعض الجهد والوقت أيضاً».

تتدرَّب على الاحتراف، فهو مسار. يمرّ المرء بتعب، وفترات عصيبة، ومزاج مضطرب مثل غيوم نهايات الخريف. غالية شاكر تتعلّم ضبط النفس، فلا تنزلق إلى موقف محرج أو لحظة طيش: «أعمل لتطوّري الموسيقي ولاجتهادي الشخصي. السترس مرض العصر. وضعُه تحت السيطرة نضجٌ أيضاً».

تضع نفسها في مشاعر الآخرين وتجعلها منها (صور غالية شاكر)

تُكمل جولة تشمل حفلات في لبنان وليبيا ومصر وعمان وتونس... لدى الشابة العشرينية كثير بعد. أهمُّه صقل النفس بما يُحسِّن ويؤثّر. تنظر إلى الآتين من أجلها لتتأكد بأنهم يحفظون أغنياتها ويستهوون ما تُقدِّم. ذلك يحرِّك الدافع نحو الأفضل. مزجُ الثقافات يقرّب موسيقاها ممَن يشاؤون عدم اقتصار الذوق على لون واحد. ترى العالم منفتحاً جداً، وتجب مواكبة انفتاحه. لا حدود للفنّ ولا أفق للابتكار. تُجدِّد من دون التخلّي عما غرَفَت من إرثها. بل تتدخّل الجذور لولادة نغمة جديدة. على المسرح الذي تعشق منذ الطفولة، تشعر بالانتماء الكلّي: «لا أكون فنانة بقدر ما يتراءى لي أنني والجمهور نرتشف القهوة. يعاملونني بألفة، كأننا نتشارك المنزل».

تهوى الرياضة خارج الكتابة والتلحين والتوزيع والعزف والغناء والاهتمام بمطاعم العائلة بين الأحيان: «المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات الخاصة لعبور الصحراء، واللعب بالكرة على الشاطئ... أريد للأدرينالين أن يبقى في ذرواته».


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».