الجامعات الخاصة والدولية تفرز المصريين طبقياً أم علمياً؟

مصروفات بعضها تبلغ مليون جنيه سنوياً

الجامعة الأميركية بالقاهرة
الجامعة الأميركية بالقاهرة
TT

الجامعات الخاصة والدولية تفرز المصريين طبقياً أم علمياً؟

الجامعة الأميركية بالقاهرة
الجامعة الأميركية بالقاهرة

عبر التركيز على المظاهر المادية «والاستعراض بالسيارات الفارهة» داخل الحرم الجامعي، أبرزت الدراما المصرية، التي تسعى عادةً لمحاكاة الواقع، مفهوم الطبقية في الجامعات الحكومية خلال القرن الماضي، لكن مع انتشار الجامعات الخاصة والدولية والاهتمام بجودة التعليم خلال العقدين الماضيين، سلطت الدراما الضوء على مستوى وأماكن تعليم أبناء الطبقة الغنية، بعد عزوف الكثير منهم عن الالتحاق بالجامعات الحكومية.

وعدَّ متابعون وخبراء علم اجتماع ارتفاع أسعار مصروفات الجامعات الخاصة والدولية يكرس الفجوة الطبقية، ويفرز المصريين على أساس مادي لا تعليمي؛ حيث لا يمكن للفئة المتوسطة أو الفقيرة إلحاق أبنائهم الذين يحصلون على مجاميع أبناء الطبقة الثرية نفسها بجامعات خاصة ودولية، تصل رسوم الالتحاق السنوية ببعضها إلى مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 48.5 جنيه مصري).

وتضم مصر 27 جامعة خاصة، و7 أفرع لجامعات دولية، كما يصل عدد المعاهد الخاصة فيها إلى 174 معهداً، حسب تصريحات سابقة للدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري.

واعتبر سؤال برلماني، تم توجيهه مؤخراً إلى رئيس مجلس الوزراء المصري ووزير التعليم العالي، أن «مصروفات الجامعات الخاصة في مصر هذا العام جاءت مخيبة لآمال الكثير من الطلاب وأولياء الأمور، حيث ترتفع كل عام بشكل مبالغ فيه، دون مراعاة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجميع بلا استثناء».

تفاوت لافت بمصروفات الجامعات الخاصة في مصر (المصدر: جامعة فاروس)

ويقول ياسر يحيى، وهو ولي أمر لإحدى الطالبات لـ«الشرق الأوسط»: «ترغب ابنتي في دراسة مجال الإعلام، ومع عدم تمكنها من تحقيق المجموع الذي يؤهلها لذلك في الثانوية العامة، فكرنا في الجامعات الخاصة، وأخذنا في البحث عن خيار مناسب من حيث التكلفة، لكن المفاجأة كانت في ارتفاع مصروفات كليات الإعلام الخاصة كافة، التي تصل مصروفات بعضها إلى 250 ألف جنيه كحد أقصى، وأقلها بـ45 ألف جنيه، وجميعها يفوق إمكاناتي المادية». وتعاني مصر من موجة غلاء لافتة، بدأت مع تدهور سعر العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.

وتُعدُّ مصروفات الجامعة الأميركية بالقاهرة الأعلى بين الجامعات الخاصة والدولية بمصر، التي تعتمد الدراسة فيها على نظام الساعات المعتمدة، ويصل معدل المصروفات الدراسية لكل ساعة معتمدة 667 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس المصريين، و735 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس الأجانب، وتتيح الجامعة للطلاب المصريين سداد المصروفات الدراسية بالدولار الأميركي أو بالجنيه المصري.

وخلال 4 سنوات هي مدة الدراسة للحصول على درجة البكالوريوس من الجامعة، يدرس الطالب ما لا يقل عن 138 ساعة معتمدة لجميع التخصصات النظرية، وكذلك ما لا يقل عن 144 ساعة معتمدة للتخصصات العملية التطبيقية، وفق ما ذكره الموقع الرسمي للجامعة على شبكة الإنترنت. وهو ما يعني أن الحد الأدنى لمصروفات العام الدراسي الواحد بالجامعة الأميركية بالقاهرة نحو مليون جنيه مصري. وهو مبلغ كبير لا تستطيع ملايين الأسر المصرية دفعه سنوياً.

حفل تخرج طلاب كلية العلاج الطبيعي جامعة القاهرة

وفي المقابل، تتفاوت أسعار رسوم الدراسة بالجامعات الحكومية لتبدأ من 500 جنيه ببعض الأقسام العربية والكليات النظرية، وتصل إلى 30 ألف جنيه في العام الدراسي ببعض الأقسام التطبيقية والبرامج التعليمية الحديثة، وفق بيانات صادرة من جامعتي القاهرة وعين شمس.

وأوضح البنك الدّولي في أحدث تقرير له عن الفقر في مصر، يعود إلى عام 2022، أن معدله ارتفع إلى 32.5 في المائة، وأشار إلى «ارتفاع التفاوتات المكانية بين المناطق الريفية والحضرية، حيث يعيش نحو 66 في المائة من الفقراء في مناطق ريفية.

وبنبرة حزينة يضيف الأب ياسر، الذي يعمل محاسباً بأحد مصانع الأدوية بمدينة العبور (35 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة): «بالتجول بين صفحات ومواقع الجامعات الخاصة، وجدنا زيادة في مصروفاتها هذا العام مقارنة بالعام الماضي بنحو 5 إلى 35 في المائة، ما يعني أن هذه الجامعات أصبحت حكراً على أبناء الأثرياء، أما الطبقات المتوسطة مثلنا فليس لأبنائنا مكان فيها؛ لأن الالتحاق بها مبني على المال وليس التفوق»، على حد تعبيره.

تضم مصر 27 جامعة خاصة تقدم برامج تعليمية متنوعة (المصدر: جامعة فاروس)

وتعد الحكومة المصرية الجامعات الخاصة والأهلية «رافداً مهماً من روافد منظومة التعليم العالي في مصر، تعمل على تخفيف الضغط عن الجامعات الحكومية، ويُمثل وجودها ضرورة لاستيعاب الطلب المُتزايد على التعليم الجامعي المصري»، حسب تصريحات سابقة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري.

ووفق الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، فإن «تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة تتفاوت ما بين جامعات ذات تكاليف معتدلة، تستطيع فئة كبيرة من أفراد المجتمع الالتحاق بها، وجامعات ذات تكاليف أعلى لا تقدر عليها سوى شريحة معينة من المجتمع المصري»، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط».

وهو ما يؤيده أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في مصر، جمال حماد، قائلاً: «المصروفات الدراسية في الجامعات الخاصة في مصر مرتفعة للغاية، مما يجعلها بعيدة عن متناول غالبية الطلاب، وبالتالي فإنها تخلق نوعاً من التمييز الطبقي؛ حيث يتمكن الأغنياء فقط من الحصول على تعليم عالي الجودة».

ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أمام هذه الحالة، يكون التساؤل منطقياً من جانب البعض، عندما يرددون: ما ذنبي أنني حصلت على 80 في المائة في الثانوية العامة ولكني لا أمتلك المال لدخول جامعة خاصة؟ وهو ما يأخذنا إلى المسؤولية الاجتماعية للدولة لكونها الراعي الأساسي للتعليم، وأهمية دورها في وضع ضوابط لمراعاة العدالة الاجتماعية ومراعاة الفقراء».

وبلغ عدد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي العام الماضي (2023 - 2024) نحو 3 ملايين و348 ألف طالب، كان نصيب الجامعات الخاصة منهم 71 ألف و811 طالباً وطالبة، وفق بيانات وزارة التعليم العالي.

الجامعة الأميركية بالقاهرة

ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن «الانقسامات المجتمعية في مصر تظهر بشكل كبير في الوقت الحالي، والتعليم الجامعي يعد أحد مؤشرات الفجوة الطبقية، فمن يملك المال يمكنه التعلم في مدرسة وجامعة خاصة».

ويؤكد صادق لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع الطبقي في مصر حالياً يظهر بين مجتمعي (مصر) و(إيجبت)، الأول يتعلم أبناؤه في الجامعات الحكومية، ويبحثون عن وضع اقتصادي ومعيشي أفضل، بينما يستطيع المجتمع الثاني دخول الجامعات الخاصة والذهاب إلى (الساحل الشمالي الشرير) للتنزه أو السفر للخارج، ومع التخرج من الجامعة يبحث عن عمل في بيئته نفسها، لأنه مؤهل لها، أما المتخرج من الجامعات الحكومية فيعاني للحصول على فرصة عمل».


مقالات ذات صلة

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق الطالبان الفائزان بمنحة «رودس تراست» الدراسية (الشرق الأوسط)

«رودس تراست» تقدم منحة لطالبَين سعوديَّين في جامعة أكسفورد

أعلنت مؤسسة «رودس تراست» اختيار شاب وشابة سعوديَّين متفوقَين بمنحتَين لعام 2025، ضمن مجموعة عالمية تضم أكثر من 100 من الطلاب المتميزين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)

أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

مع استمرار القصف اليومي الروسي بالصواريخ والقنابل، تواصل زابوريجيا بأوكرانيا بناء شبكة مدارس تحت الأرض مصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل وتستوعب 12 ألف طالب.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم يتحدث خلال مشاركته على هامش أعمال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن (وزارة الاقتصاد)

وزير الاقتصاد السعودي: «رؤية 2030» تقود تحولاً جذرياً يعيد تعريف منهجيات الصحة والتعليم

قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم إن «رؤية 2030» تقود تحولاً جذرياً يعيد تعريف المنهجيات المتعلقة بالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد خلال توقيع مذكرة التفاهم في «ملتقى الصحة العالمي 2024» (واس)

تعاون بين «الهلال الأحمر» السعودي و«جامعة المؤسس» لتنمية القدرات البشرية

وقّعت هيئة الهلال الأحمر السعودي، مذكرة تفاهم مع «جامعة الملك عبد العزيز»، لبناء تعاون مشترك بين الجانبين لتطوير ودعم جهود البحث والنشر العلمي، وتبادل الخبرات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الفنانة السورية يارا صبري: «العميل» أعاد اكتشافي درامياً

يارا صبري في مسلسل «العميل» (إنستغرام)
يارا صبري في مسلسل «العميل» (إنستغرام)
TT

الفنانة السورية يارا صبري: «العميل» أعاد اكتشافي درامياً

يارا صبري في مسلسل «العميل» (إنستغرام)
يارا صبري في مسلسل «العميل» (إنستغرام)

عادت الفنانة السورية يارا صبري إلى الدراما العربية من جديد بعد فترة غياب دامت 4 سنوات، بتجسيد شخصية الأم «ميادة» في مسلسل «العميل» مع الفنان أيمن زيدان، والفنان سامر إسماعيل.

وكشفت يارا في حوار لها مع «الشرق الأوسط» عن تفاصيل العودة للدراما، والتشابه بين شخصيتها الحقيقية وشخصية «ميادة» في المسلسل.

وأبدت الممثلة السورية سعادتها لما حققته شخصية «ميادة» في مسلسل «العميل» من حضور ونجاح في الشارع العربي، وقالت: «بلا شك المسلسل كان يعطي انطباعاً بالنجاح، ولكن بالنسبة لي، لم أكن أتوقع أن تحقق شخصية ميادة كل هذا النجاح، وتثير التفاعل في الشارع العربي والسوري، فأشكر الله على أن عودتي كانت قوية وجيدة، وأعد أن هذا المسلسل أعاد اكتشافي درامياً».

وأشادت يارا بأداء بطل العمل الفنان السوري سامر إسماعيل الذي يجسد شخصية ابنها «الضابط أمير»، مضيفة: «هذه هي المرة الأولى التي ألتقي فيها سامر إسماعيل في عمل درامي، ووجدته إنساناً مسؤولاً، ومجتهداً، ولطيفاً، وجذاباً، والعمل معه متعة، لا أريد أن تكون كلماتي عبارة عن مدح فقط، ولكنه يستحق كل كلمة قلتها في حقه، وأتمنى أن أراه دائماً في أحسن صورة، وأن يقدم أعمالاً جيدة لجمهوره السوري والعربي».

وعن سبب عودتها للتمثيل بعد انقطاع من خلال مسلسل «العميل»، تقول: «كان لابد من العودة مرة أخرى للتمثيل الذي أعشقه، ربما بعض الظروف الشخصية التي تعرضت لها مؤخراً كانت سبب غيابي، والعودة كانت مهمة للغاية، وللعلم لم تكن سهلة مطلقاً، فكان لابد من اختيار العمل الجيد الذي يعيدني للجمهور، وأحمد الله أن العودة كانت من خلال هذا العمل الذي توفرت فيه كل عوامل النجاح من إنتاج وبطولة وإخراج وتأليف، والتصوير الذي خرج في صورة رائعة».

يارا صبري وزوجها ماهر صليبي (إنستغرام)

وعن الصعوبات التي واجهتها في أثناء التصوير تقول الفنانة السورية: «أكبر عائق كان السفر إلى تركيا، حيث كنا نمضي أسابيع هناك لتصوير المشاهد، والتحضير للدور تطلّب وقتاً طويلاً». وأوضحت أن «شخصية (ميادة) في المسلسل تتمحور حول أم تحاول إعادة أولادها لحضنها بعد أن ضاع منها ابنها الثاني في طفولته، وصعوبة الشخصية تكمن في أن عليها إظهار الضعف في أغلب الوقت، ولكن أحياناً لابد أن تكون قوية، ورغم أن مبادئها فوق أي اعتبار، لكن قد تتنازل عنها من أجل أولادها، خصوصاً حينما تعلم بعمل نجلها في التهريب».

ترى يارا صبري أن حبها لأولادها هو العنصر الرئيسي المشترك بين شخصيتها الحقيقية، وشخصية ميادة في مسلسل «العميل»، وتقول: «في أي دور درامي أجسده، أحاول دائماً أن أربط يارا صبري بالشخصية، فميادة تشبهني كثيراً في حبها لأولادها، وفي أنها يمكن أن تضحي بأي شيء في حياتها من أجل أسرتها، ولكن يختلفان في الظرف والثقافة اللذين يعيشانهما والبيئة التي تربتا فيها، فميادة سيدة وجدت حالها ضعيفة بعد أن رحل زوجها الذى كان يعمل في الممنوعات، وترك لها ولداً وحيداً بعد أن تم خطف الثاني، ما جعلها تتحمل مسؤولية فوق طاقتها، عكس يارا التي كان معها زوجها في تربية أولادها».

يشار إلى أن الفنانة السورية رفضت تأكيد وجودها في الموسم الدرامي الرمضاني لعام 2025، وقالت: «حتى الآن لا أستطيع تحديد ذلك، هناك أعمال درامية معروضة عليّ، ولكنني لم أحسم موقفي بعد».