رسالة احتجاج من 300 فنان ضد المشاركة الإسرائيلية بمهرجان «ڤينيسيا»

«عن الكلاب والرجال» (AE Content)
«عن الكلاب والرجال» (AE Content)
TT

رسالة احتجاج من 300 فنان ضد المشاركة الإسرائيلية بمهرجان «ڤينيسيا»

«عن الكلاب والرجال» (AE Content)
«عن الكلاب والرجال» (AE Content)

وقّع 300 سينمائيّ عريضة احتجاج لإدارة مهرجان «ڤينيسيا»، المقام ما بين الـ28 من الشهر الحالي وحتى 7 سبتمبر (أيلول) المقبل بسبب استقبالها عرض فيلمين إسرائيليين في الوقت الذي أدانت فيه المحكمة العليا عمليات الإبادة التي يُنفّذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة والضفّة الغربية.

من الموقعين على هذه العريضة المخرج الإيطالي إنريكو برنتي والموسيقار أليساندرو بوريني والممثل نيكولو سيني والممثلتان سيمونا كاڤالاري وشيارا باشيتي. ومن العرب المخرج المعروف هاني أبو أسعد، والممثل صلاح بكري، لجانب آخرين.

وفي الواقع بدا الأمر نشازاً عرض فيلمين إسرائيليين في مهرجان «ڤينيسيا» في حين أن الأحداث لا تزال في أوجها، وأن إدارة المهرجان لم تشأ أي اشتراك روسي بسبب الحرب الأوكرانية.

الفيلمان هما «لمَ الحرب» للمخرج آموس غيتاي (معروف بأفلام تطرقت إلى موضوع العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين). فيلمه الجديد يمرّ على خلفيات الحرب القائمة وقيل إنه لا يتناولها مباشرة.

الفيلم الثاني هو الروائي «عن الكلاب والرجال» لداني روزنبيرغ، وهو فيلم روائي صُوّر على خلفية الأحداث الجارية، ومثّله فرنسيون من بينهم إيرين جاكوب، وماثيو أمالريك، وميشا لاسكوت.

لإجراءات مؤثرة تبدأ الرسالة حسب ما نشرته مجلة «ذَ هوليوود ريبورتر» في تقريرها اليوم (الخميس) بعنوان «لا تمييع فنياً في دورة مهرجان ڤينيسيا الـ81».

وتنص فقراتها على معارضة قيام المهرجان في هذا الوقت تحديداً باختيار فيلمين إسرائيليين في مسابقته بعيداً عن أخذ مجريات الوضع وقرار المحكمة العليا الدّولية بإدانة إسرائيل والإبادة الجماعية التي تقوم بها منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. تقول: «نحن الفنانون وصانعو الأفلام والعاملون في الثقافة الموقعون، نرفض تواطؤ مهرجان ڤينيسيا مع النظام العنصري (....) بعرض فيلمين إسرائيليين حُقّقا، مما يجعل المهرجان طرفاً في غسل أفعال القمع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين».

وفي فقرة أخرى تشير الرسالة الاحتجاجية إلى أن المهرجان بقي صامتاً حيال «فظائع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. هذا الصمت يغضبنا كثيراً (....) ندعو إلى إجراءات مؤثرة لإدانة التفرقة العنصرية الإسرائيلية بسبب جرائمها ونظام الاضطهاد الاستعماري ضد الفلسطينيين».

حتى كتابة هذه السطور لم يصدر عن المهرجان أي رد فعل أو تعليق، لكن الغالب أن رد المهرجان سيتضمّن نفي تأييده فعلياً ما يدور في غزّة والتمسّك بالتفرقة بين الفن والسياسة. وكان المهرجان تعرّض لاحتجاجات مماثلة في السابق ولو أصغر حجماً عندما عرض أفلام في دوراته القريبة السابقة لرومان بولانسكي، ووودي ألن، ولوك بيسون الذين اتُهموا بالتحرش الجنسي في مناسبات متعددة. حينها قرّر مدير المهرجان ألبرتو باربيرا أن المحكمة لم تدن أياً من هؤلاء، وأن الفن والتصرفات الشخصية أمران منفصلان في نظره.

هذا الاتهام الجديد بالتواطؤ مع إسرائيل عبر عرض فيلمين من إنتاجها هو تطوّر مختلف في هذا الصدد، وبذلك فعلى المهرجان إيجاد مبررات تتجاوز تلك التي ذُكرت سابقاً.

لا يمكن قبول أو إدانة فيلم لم يُعرض بعد ولو أن مضمون كل من هذين الفيلمين ليس مهمّاً للمُوَقعين على العريضة، ولسبب مفهوم. فيلم داني روزنبيرغ «عن الكلاب والرجال» يتمحور حول فتاة شابة تبحث عن كلبها المفقود وسط الحرب الدائرة. أما فيلم عاموس غيتاي (الذي يعدّه بعض النقاد العرب معادياً يسارياً للحكم في إسرائيل) فإن فيلمه «لمَ الحرب» (Why War)، قيل عنه إنه بصدد الخلفيات أكثر مما هو تعليق على الحاضر وإن كان ينطلق منه.


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، وتلعب بطولته الفنانة سلاف فواخرجي.

انتصار دردير (القاهرة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.