رغم أنه لم يمر على تأسيسها سوى 6 أشهر، فإن فرقة «فلكلوريتا» المصرية استطاعت لفت الأنظار إليها عبر مجموعة من الحفلات التي قامت بإحيائها في البيوت الأثرية والمراكز الثقافية المستقلة والحكومية.
وانطلقت «فلكلوريتا» في 2024 على يد مجموعة من الأصدقاء يجمعهم حب الفنون والموسيقى، وتحديداً الفلكلور والتراث الشعبي المصري، وفق أحمد محمد سكران مدير الفرقة، وأوضح: «أعمل في مجال الموسيقى منذ نحو 20 عاماً، ولدي استوديو تسجيلات وبروفات خاص بي، ومن ثم لديّ علاقة مباشرة مع الموسيقى والفنانين؛ واستوقفني خلال عملي أن الاهتمام بإحياء الفلكلور الغنائي المصري محدود جداً».
ويقول سكران في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «رأيت أنه في الوقت الذي تتمتع فيه مصر بتاريخ طويل من الأغاني الفلكلورية والشعبية الأصيلة، فإن محاولة الحفاظ عليه تكاد تنحصر في عدد قليل من الفرق التابعة للدولة، أو مجموعة أغانٍ متناثرة يقدمها فنان أو آخر».
ويرى مدير الفرقة أنه «حتى بعد انطلاق بعض الفرق المستقلة التي تسعى للحفاظ على التراث لم تجتذب الجمهور ـ لا سيما الشباب ـ بشكل كافٍ؛ بسبب تركيزها على جانب أو أكثر فقط من التراث الغنائي، وفي الغالب ينحصر في السيرة الهلالية أو موسيقى الزار على سبيل المثال، كما أنها تقدمه كما هو من دون الاستعانة بأجواء حديثة»، وفق تعبيره.
وتلاقت رؤية أحمد سكران مع شغف مجموعة من أصدقائه بالفلكلور الفني المصري: «تأثرت كثيراً بهذا اللون الفني، وقررت أن أتعلم الطبلة منذ نحو سنتين، وكان ذلك المدخل إلى عالم تراثنا الغنائي؛ إذ كنت أشارك أصدقائي العزف والغناء الشعبي في جلساتنا الخاصة، إلى أن فرض سؤال نفسه بقوة وهو: لماذا لا نؤسس فرقة متخصصة وهو ما حدث؟».
وقدمت «فلكلوريتا» أولى حفلاتها في فبراير (شباط) 2024، مكونةً من 24 فناناً وفنانة يهوون الطرب والغناء في الوقت الذي يمارسون فيه مهناً أخرى، فبينما تعمل دعاء وخديجة في الهندسة، فإن زميلتهم منى تعمل في إحدى الوكالات الدولية، وريتا في إحدى شركة الطيران، وهن المغنيات الرئيسيات في الفرقة، كما يعمل آخرون في مجالات أخرى كالبترول والتجارة.
وتقدم الفرقة الأغاني الفلكلورية من جميع أنحاء مصر؛ من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها: «نعمل على إعادة إحياء التراث المصري بكل أنواعه؛ فكل محافظة في مصر لها تراثها الغنائي، والطريقة التي تبرز بها فلكلورها».
وتابع: «على سبيل المثال نقدم تراث بورسعيد (شمال مصر) والمعتمد على الأغاني باستخدام آلة السمسمية، واللعب بالملاعق، وطريقة النطق الخاصة المميزة الخاصة بأهلها».
كما «تقدم الفرقة أغاني الصعيد (جنوب مصر) وهو فلكلور متنوع جداً؛ حيث أغاني محافظات قنا، الأقصر سوهاج، أسيوط، أسوان، وغير ذلك، ويجمع بين أغاني الصعيد العمق والثقل الفني»، وفق مؤسس الفرقة.
وتوجه الفرقة اهتماماً خاصاً للفلكلور السكندري: «يحبه الجمهور؛ لأنه سهل وخفيف، بسيط، ويحمل قدراً من الدلال والمرح، كما تعمل (فلكوريتا) راهناً على دراسة أغاني سيناء تمهيداً لتقديمها قريباً».
«تُكسب الفرقة الفلكلور شكلاً مختلفاً، وبصمة خاصة تلائم العصر، فإذا كانت جميع الفرق الشعبية المصرية تقدم الفلكلور باستخدام الآلات الشعبية مثل الكوالا والمزمار والربابة، فإنني في سبيل جعل الصوت (مودرن) وقوياً، أستخدم بعض الآلات الغربية مثل الدرامز والكيبورد وغيتار البيس، مع الآلات الشرقية، وفق مدير (فلكلوريتا) الذي يضيف: (أحياناً نقوم بإعادة توزيع الموسيقى، من دون أن نغير الثيمة الموسيقية أو اللحن؛ منعاً للعبث بالفلكلور؛ وحفاظاً على هوية ما نقدمه)».
وبجانب إعادة إحياء الأغاني الفلكلورية، تهتم الفرقة بكل التفاصيل المرتبطة بالتراث الغنائي الشعبي على غرار الاستعراضات والملابس، والديكور، حسب كل أغنية وحسب كل منطقة تشتهر بها».
ويعد سكران الإنجاز الحقيقي للفرقة جذبها مختلف فئات الجمهور للتراث الشعبي المصري بطريقة فنية راقية تأخذ الأجيال الجديدة إلى الجذور، والتأكيد على أن اللون الشعبي ليس مرادفاً لموسيقى المهرجانات، كما يعتقد الكثيرون، «أنا لست ضد المهرجانات، لكنها وحدها لا تمثل اللون الشعبي».
في إطار ذلك تعمل الفرقة على تقديم أغانٍ جديدة لتصبح بالنسبة للأجيال المقبلة فلكلوراً: «سنصدر في نهاية السنة ألبوماً يضم أغاني مستلهمة من التراث المصري، وأنماط الحياة اليومية، وقاموس المصريين الدارج، وقد انتهينا حتى الآن من بعضها، مثل أغنية (خمسة وخميسة) و(عين الحسود فيها عود) و (حدارجا بدارجا».
كما تجهز الفرقة لافتتاح مدرسة لتعليم فنون الفلكلور المصري، وتقوم بالتنسيق حالياً مع مهرجانات عربية ودولية شهيرة عدة لإقامة حفلات خارج مصر. وستقدم الفرقة حفلاً في مكتبة الإسكندرية يوم 27 أغسطس (آب) الحالي، وستقدم فيه ميدلي سكندرياً، وأغاني لسيد درويش، فضلاً عن أغانٍ شعبية تشتهر بها المدينة.