«داديو»... 90 دقيقة سينمائية داخل سيارة أجرة

فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)
فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)
TT

«داديو»... 90 دقيقة سينمائية داخل سيارة أجرة

فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)
فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)

في زمن الإنتاجات السينمائية القائمة على الحركة، والإثارة، وتَنوّع مواقع التصوير، وتَعدّد الممثلين، اختارت كريستي هول لتجربتها الإخراجيّة والكتابيّة الأولى مساراً معاكساً للسائد.

يبدأ فيلم «داديو»، الذي انطلق عرضُه في الصالات العالمية وعلى منصة «أبل تي في»، بصعود البطلة في سيارة الأجرة وينتهي بخروجها منها. تمرّ الدقائق الأولى غريبةً على المُشاهد الذي ينتظر أن تنتقل الكاميرا إلى موقعٍ آخر في أي لحظة، لكنه سرعان ما يتأقلم مع فكرة أن الساعة ونصف الساعة ستنقضي كاملةً في السيارة، وبرفقة شخصيتَي السائق والراكبة حصراً.

تصل الممثلة داكوتا جونسون إلى مطار جون إف كينيدي في نيويورك ليلاً، وتستقلّ منهكةً أول سيارة أجرة صفراء تجدها أمامها. تريد الوصول إلى شقّتها في مانهاتن بعد رحلةٍ عائليّة قامت بها إلى أوكلاهما، حيث تقيم شقيقتها. لكنّ السائق لا يمنحها الصمت المرغوب، ومَن سوى الممثل شون بِن قادرٌ على تحويل سائق أجرة ثرثار إلى شخصيّة أخّاذة في غرابتها، وغير مملّة رغم كثافة السيناريو وضيق المكان.

يبدأ «كلارك» بالشكوى من التكنولوجيا التي اجتاحت حياة الناس وسلبتهم إنسانيتهم، ومن تطبيقات سيارات الأجرة التي تهدّد مهنته. تُبادله الراكبة الحديث قدرَ المستطاعِ واللُطف، في حين يبقى اسمُها مجهولاً وتقتصر الإشارة إليها على لقب «غيرلي» أي فتاة.

ملصق الفيلم وهو التجربة الكتابيّة والإخراجية السينمائية الأولى لكريستي هول (سوني بيكتشرز)

يتحوّل الحوار السطحيّ بينهما تدريجياً إلى ما هو أعمق. الرحلة، بما فيها من مسافاتٍ طويلة وزحمة سيرٍ مفاجئة، يتوقّع لها المُشاهد منعطفاتٍ تأخذها في مساراتٍ جديدة؛ كأن تذهب في اتّجاه الجريمة أو الحركة أو الرومانسية مثلاً. لكن لا شيء من ذلك يحصل. وكأنّ المخرجة تعمّدت محاربة الأفكار المسبقة، من خلال قصتها ذات الأبعاد النفسية والإنسانية حصراً.

بعد العموميّات، ينتقل الحوار إلى القضايا الوجوديّة والغوص في الأعماق النفسيّة. وإذا كان بن هو مَن يدير دفّة الاستجواب بفضوله وفلسفته الخاصة، فإنّ جونسون هي القلب النابض للرحلة بتعابير وجهها وبريق عينَيها، حتى وإن قلّ كلامها.

«أعرف الناس. لا يمكنك أن تقود سيارة أجرة 20 عاماً وألا تعرف الناس». متسلّحاً بخبرةِ احتكاكه بالبشر، يسحب السائق من الراكبة ما لم تعترف به من قبل. تصبح الرحلة من المطار إلى المنزل، أشبه بجلسة في عيادة نفسيّة. لا يتردّد في طرح الأسئلة الشخصية عليها، وهي تتجاوب معه بدايةً من باب التهذيب ولاحقاً رغبةً منها في البوح بما يُثقل روحها.

يقدّم شون بن شخصية سائق أجرة فضوليّ يطرح الكثير من الأسئلة الشخصية على الراكبة (سوني بيكتشرز)

ليست جونسون مبرمجة الكومبيوتر الناجحة في مهنتها ولا الشابّة الجميلة فحسب، فهي تخبّئ طفولةً جارحة آخرُ تجلّياتها علاقة غير مُريحة مع رجلٍ متزوّج يكبرها بسنواتٍ كثيرة. لم يصعب على «كلارك» اكتشاف الأمر، وسحب المعلومات منها موجّهاً إليها النصائح الصارمة من دون أن يطلق الأحكام الجارحة. فهو كذلك صاحب تجارب وخيبات، غير أنّ حكاية الشابّة تبقى هي المحور طيلة مدّة الفيلم.

بين اعترافٍ وآخر، يسود صمتٌ تخفّف من وطأته تعابير وجه جونسون والنظرات التي يتبادلها البطلان من خلال مرآة السيارة. كما يضيف التصوير المحترف سحراً إلى المشهد، فلا يشعر المُشاهد بالملل رغم أحاديّة المكان والموضوع. ربما يرغب الجمهور بخطرٍ داهمٍ من هنا، أو بصدمةٍ من هناك، لكنّ النص والحوار هما فحوى الفيلم. عن علاقتها المبتورة بوالدها، عن والدتها الغائبة، وعن شقيقتها القاسية، تتحدّث جونسون إلى بن. ثم تكرّ سبحة الاعترافات لتخوض في تفاصيل علاقتها بالرجل المتزوّج، الذي يحضر في الفيلم من خلال رسائل نصية يتبادلانها، حيث تناديه «دادي» أي أبي (من هنا عنوان الفيلم).

تقدّم داكوتا جونسون أداءً آسراً لا سيّما من خلال تعابير وجهها ومشاهدها الصامتة (سوني بيكتشرز)

هي التي حُرمت من عاطفة الأب فاستبدلت بها علاقة سامّة، تجد جونسون في سائق الأجرة أذناً صاغية ووجهاً حكيماً قد يعكس ولو لساعة من الوقت، صورة الوالد الحنون. صحيح أنها تفتح له قلبها في سياق حوارٍ مؤثّر، غير أنّ محتوى الكلام يبقى ضمن إطار المتوقّع ولا يرقى إلى مستوى المفاجأة أو التحليل النفسي العميق. تختار كريستي هول الطريق الأسهل فتبقى على هامش القضايا السيكولوجيّة.

البطلة حُرمت الحضور الأبويّ فاستبدل به علاقة عاطفيّة غير سويّة. إنها قصة من بديهيّات علم النفس، أما المعالجة فسطحيّة ولا تقدّم جديداً. رغم صراحتها وعدم مواربتها، لا تحيد تعليقات «كلارك» عن إطار المألوف، أي أنّ الفيلم يطرح موضوعاً جريئاً من دون أن يتعامل معه بجرأة.

بدأ عرض «داديو» في الصالات العالمية وعلى منصة «أبل تي في» (سوني بيكتشرز)

لكن يُحسَب للمخرجة هول أنها قدّمت مادّة سينمائية لا شبيه لها، شكلاً ومضموناً. ولا شكّ في أنّ للبطلَين وللكيمياء التي بينهما، اليد الطولى في بثّ الروح في الفيلم. فشون بِن وداكوتا جونسون ممثلان من العيار الثقيل، هو بخبرته التي تجعل كل دورٍ يلتصق به من دون مجهود، وهي بكثافة تعابيرها التي تلتقطها الكادرات الضيّقة. لا مساحة يتحرّكان ضمنها، فهما أسيرا مقاعد السيارة، إلا أنهما يأسران عين المُشاهد ولا يصيبانها بالملل.

وما يُحسب كذلك لـ«داديو» أنه أعاد التذكير بأنّ التواصل الإنساني العميق ممكن، في زمن العلاقات الافتراضية. ففي وقتٍ كان من المتوقّع أن تغرق الراكبة في صمتها وفي شاشة هاتفها، وهي في طريقها الطويل إلى البيت، تجرّأت على خوض حوارٍ مع شخصٍ غريب، وعلى الغوص في جراحها النفسية، ممهّدةً ربما لطريق الشفاء.


مقالات ذات صلة

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

سينما من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

فيلم فرنسيس فورد كوبولا الجديد «ميغالوبوليس»، الذي سيعرض خلال مهرجان تورنتو الحالي من 5 سبتمبر إلى 15 منه، ليس فيلماً سياسياً، بيد أنه يتضمن فكرة سياسية الجوهر

محمد رُضا‬ (لندن)
سينما «جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»

محمد رُضا‬ (لندن)
إعلام نجم مسلسل «فريندز» ماثيو بيري (أرشيفية - رويترز)

مساعد ماثيو بيري من بين 5 أشخاص متهمين في قضية وفاته

قال المدعي العام الأميركي إن خمسة أشخاص وُجهت إليهم اتهامات فيما يتعلق بوفاة الممثل ماثيو بيري بسبب جرعة زائدة من مادة الكيتامين العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق تصميم أزياء الأفلام يبدأ من مرحلة قراءة النص والاجتماع مع المخرج (الصورة من منسج)

الأزياء في الأفلام السعودية... مشاريع جديدة ببُعد سينمائي

الملابس ليست مجرد أشياء يرتديها الممثلون في الأفلام، وإنما هي لغة سينمائية بصرية في حد ذاتها، وهو ما تفطّنت له جهات سعودية واعدة.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق محمود حميدة في برومو الفيلم (الشركة المنتجة)

مخرج «المُلحد» يتهم الرقابة بوقف عرض الفيلم

اتهم محمد العدل، مخرج فيلم «الملحد»، هيئة «الرقابة على المصنفات الفنية» في مصر بـ«الوقوف وراء منع عرض فيلمه، الأربعاء، كما كان مقرراً.

أحمد عدلي (القاهرة)

وسط إقبال متزايد... المزاد الدولي للصقور يستقطب الزوّار

يستمر المزاد الدولي حتى 24 من الشهر الحالي (تصوير: تركي العقيلي)
يستمر المزاد الدولي حتى 24 من الشهر الحالي (تصوير: تركي العقيلي)
TT

وسط إقبال متزايد... المزاد الدولي للصقور يستقطب الزوّار

يستمر المزاد الدولي حتى 24 من الشهر الحالي (تصوير: تركي العقيلي)
يستمر المزاد الدولي حتى 24 من الشهر الحالي (تصوير: تركي العقيلي)

تفرض صفقات بيع «الصقور» حضورها في مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات في ملهم شمال العاصمة السعودية، حيث يقام «المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور» على مدى 20 يوماً حتى الـ24 من أغسطس (آب) الحالي، بتنظيم «نادي الصقور السعودي».

ويتوقع أن يرتفع الإقبال مع إجازة نهاية الأسبوع الحالي، وبيّن وليد الطويل، المتحدث الرسمي لنادي الصقور السعودي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الإنتاج المحلي أصبح وجهة لجميع المنتجين الدوليين في أنحاء العالم، كما أقام النادي برنامج «صقّار المستقبل» لتوعية وتعريف الجيل الجديد والشباب وتطوير هذه الهواية لديهم.

وسائل إنتاج عديدة تستخدمها المزارع المشاركة (تصوير: تركي العقيلي)

من جهته كشف الدكتور فيكتور دانيل، معالج الصقور، أنه لجعل الصقر يتمتع بصحة جيدة تجب تهيئته بشكل صحيح وفقاً للأجواء الحارة والدول التي يستطيع التكيّف مع مناخها.

استخدام جميع وسائل الإنتاج

أعرب عدد من ملّاك مزارع الإنتاج عن سعادتهم بما لمسوه خلال مشاركتهم في النسخة الحالية من «المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2024»، مشيرين إلى استخدامهم لأحدث الوسائل المستخدمة في هذا القطاع الذي يحظى باهتمام الكثير في المنطقة وحول العالم.

نواف المعيقلي من محافظة الوجه في تبوك (شمال غربي السعودية) وهو مالك مزرعة إنتاج صقور، أوضح أنه يستخدم كل وسائل الإنتاج في إنتاج الصقور من تلقيح صناعي وطبيعي، وأضاف أن مزرعته أنتجت هذا العام 23 طيراً، وجرى بيع عدد منها خلال مشاركته في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور، الأمر الذي جعله يستفيد من مشاركته في النسخة الحالية، بغرض تطوير مشاركته في النسخة المقبلة.

حضور دولي لفت أنظار الزوّار السعوديين (تصوير: تركي العقيلي)

من جانبه أشاد عبد العزيز السميري (صاحب مزرعة إنتاج كندية) بما رآه خلال المزاد في نسخته الحاليّة، ولفت إلى أن مزرعته أنتجت 26 طيراً، شارك بعدد منها في المزاد الدولي من أنواع مثل (القرموش بيور، وبيور، وجير الشيهان، والتبوع) ونجح في إتمام صفقات بيع عدد منها.

الاستعداد للمنافسات والأشواط

أما على صعيد المهتمّين بالمشاركة في المنافسات، قال سعود بن لبده إنه وجد ما يبحث عنه خلال استعداده للمشاركة في منافسات جائزة «مهرجان الملك عبد العزيز للصقور» و«كأس العلا للصقور» ونجح في الحصول على صقر من نوع (القرموش بيور) من إحدى المزارع في المزاد، للدخول في شوط (القراميش) بالمنافسات القادمة.

وعبد الله العجمي، أحد هواة الصقارة، الذي يحضر إلى المزاد للمرة الأولى، أعرب عن انبهاره بما رآه، الأمر الذي دفعه للدخول في الإنتاج والمشاركة في المزاد بالنسخة المقبلة في فئة «الحر».

واستقطب المزاد كثيراً من المهتمّين من خارج البلاد، فضلاً عن حضور دبلوماسي لممثّلي بعثات أجنبية لدى السعودية، الأمر الذي لاحظه الزوّار في إشارة إلى أهميّة المنصة التي يقدّمها المزاد الدولي لإنتاج الصقور لمزارع الإنتاج والصقّارين.

السفير الألماني لدى السعودية يستمع لشرح عن أحد أنواع الصقور والأغذية التي تقدم لها خلال زيارته المزاد (واس)

وتشهد ليالي منصة «المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2024» صفقات بيع صقور من مزارع الإنتاج والصقّارين، وشهدت الليلة الرابعة من ليالي منصة «المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2024» بيع 3 صقور بقيمة 122 ألف ريال (قرابة 33 ألف دولار).

وجاءت بداية الليلة بالصقر الأول «فرخ جير بيور» من مزرعة «إلداجي» البريطانية، وبِيع بمبلغ 43 ألف ريال، بعدها عرض الصقر الثاني «فرخ جير بيور» من مزرعة «فيل» الفرنسية، وبِيع بمبلغ 31 ألف ريال، في حين اختُتِمت الليلة مع الصقر الثالث «فرخ جير بيور» من مزرعة الإنتاج «إلداجي» البريطانية أيضاً، وبدأت المزايدة عليه بـ 20 ألف ريال، ليتم بيعه في النهاية بمبلغ 48 ألف ريال.

ليالي منصة «المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2024» تشهد صفقات بيع صقور (تصوير: تركي العقيلي)

ويهدف المزاد إلى توفير منصةً موثوقةً وفريدةً من نوعها لنخبة الصقور من حول العالم، والصقور من السلالات الحائزة على بطولات دولية، من خلال تنظيم مزاد تنافسي مباشر وسريع، يجمع الصقارين والمنتجين وعشاق الصقور من السعوديين ومختلف دول العالم، ويستمر نقل فعالياته عبر القنوات التلفزيونية والبث المباشر لمنصات التواصل الاجتماعي.