محمد عطية يُجدِّد الأغنية الفلسطينية لتُحرِّك «جيل زي»

يُشارك «الشرق الأوسط» كواليس إطلاقه «البطيخ» بعد اكتئاب

أراد بالأغنية محاكاة الجيل الجديد وإخباره القصة (صور محمد عطية)
أراد بالأغنية محاكاة الجيل الجديد وإخباره القصة (صور محمد عطية)
TT

محمد عطية يُجدِّد الأغنية الفلسطينية لتُحرِّك «جيل زي»

أراد بالأغنية محاكاة الجيل الجديد وإخباره القصة (صور محمد عطية)
أراد بالأغنية محاكاة الجيل الجديد وإخباره القصة (صور محمد عطية)

التعاطُف مسألة إنسانية بالنسبة إلى الفنان المصري محمد عطية، لا تُحصَر بمُغنٍّ أو مهندس أو طبيب. فالعاديون، خارج الضوء، قد يشاركون المظلوم آهات الوجع، وقد يغضّون النظر؛ كذلك المشاهير. نتحدّث عن موقف الضمير حيال فلسطين والمقبرة الكبرى. يروي لـ«الشرق الأوسط» حكاية أغنية «البطيخ» الصادرة بعد 10 أشهر على الإبادة. ومِن تشديده على تحمُّل الفنان مسؤوليةً تفوق الآخرين لحجم جماهيريته، يؤكد أنه يواصل المؤازرة ولم يكفَّ عن الشعور بآلام الشعب المُباد.

وإنْ شكَّلت الأغنية «تتويجاً للجهد»، فقد سبقها تبنّيه خيار المقاطعة، ونَشْره الوعي حيال القضية، ورَفْعه الدعاء لخلاص المتروكين في العراء. إذن، لم يتأخّر الإصدار عشية العام على الحرب الطاحنة... يُخبر ما جرى: «أصابني اكتئاب شديد مع اشتعال الحرب. كسبتُ نحو 17 كيلوغراماً إضافية على وزني. أنا المواظب على ارتياد النادي الرياضي، رماني العجز. لـ4 أشهر، لازمتُ المنزل من دون رغبة في التحرُّك. المَشاهد المرعبة أصابتني في الصميم. لكنّ الشجاعة الفلسطينية على التحمُّل أعادتني إلى الحياة».

يواصل المؤازرة ولم يكفَّ عن الشعور بآلام الشعب المُباد (صور محمد عطية)

لمح في صمود الفلسطينيين رغم التوحُّش ما يُلهمه شدَّ الحيل: «أعيش بأمان، ومع ذلك لامستُ التحطُّم النفسي. ثم عاينتُ المشهد من زاوية أخرى. رأيتُ الأمل يتجسَّد في نبرة فلسطينيين خسروا كل شيء ولم يستسلموا. منهم من تدمَّرت منازلهم ودَفنوا أحبّة من عائلاتهم. والذاكرة تهشَّمت أيضاً. لم يبقَ سببٌ للحياة سوى استعادة الأرض. مِن أجلها قرّروا مواصلة المحاولة. وجدتُ أنهم الأقوياء وأنا الهشّ. أنا الآمن في منزلي من دون خسائر تُحسَب؛ ضعيف أمامهم. نهضتُ لأواصل المؤازرة. أستمرُّ في المقاطعة ونَشْر فيديوهات الدعم والدعوة إلى جَمْع التبرّعات. ذلك سبق الأغنية ومهَّد لتولد».

كتب محمد عطية كلمات «البطيخ» ولحَّنها، وأخرجتْ ربى نور الدين «الفيديو كليب». الأغنية جديدة عما اعتادت الأذن سماعه طوال تاريخ الغناء للقضية الفلسطينية. يؤدّيها بأسلوب «الراب»، ويقلّل قدر الإمكان استخدام مفردات مُتداوَلة لدى التوجُّه إلى الفلسطينيين. ذلك مُتعمَّد، يؤكد. «أردتُ محاكاة الجيل الجديد وإخباره القصة. جيل الثمانينات والتسعينات قد يتابع الإبادة من خلال نشرات الأخبار. (جيل زي) له طُرق أخرى. كتبتُها بهذا الأسلوب وألبستُها لحناً يصل. لن تلفت انتباهه أغنية وطنية كلاسيكية قُدِّمت على السياق عينه مئات المرات. النمطية لم تعد مفيدة».

تعمَّد أيضاً المحافظة على الرموز وتأكيد حضورها: مفتاح العودة، الكوفية، شجرة الزيتون، والبطيخ الذي حمَّله اسم الأغنية بعد انتشار صوره بكثافة في وسائل التواصل. فلسطين هي فلسطين، وإنما الغناء من أجلها لم يعد بالضرورة أسير ما تقدَّم. «بطيخ» محمد عطية شكَّل مساراً جديداً. ولا بأس بالنقد، يقول، فمعظم الجديد يُنتَقد. حين لا تعتاد الأذن، تنتفض. وحين يُفاجأ المتلقّي، يُعبِّر بالرفض. يُدرك الفنان المصري الفائز بالموسم الأول من برنامج المواهب الشهير «ستار أكاديمي»، والمقيم في لبنان، أنّ تعليقات من نوع أنّ «الأغنية خفيفة» أو «مُسطَّحة»، ستطاله. ردُّه: «لكننا في عام 2024. لا يمكن أن نكرّر ما تقدَّم، ونظلُّ نخشى المحاولة المختلفة. السلبي قلَّ أمام الإيجابي المُوافق على التجديد. كيف تبلغ القضية إلى الشباب المشغول بـ(تيك توك) وتحوّلات العصر؟ هل نُخبره بما يجري كما في نشرات الأخبار، فنُخفق في لَفْت انتباهه؟ ينبغي تجاوُز النمط إلى ما يؤثّر ويستميل».

يكشف أنه أمضى 21 يوماً في متابعة توجُّه الإسرائيليين إلى الجيل الجديد من خلال «تيك توك»: «يدركون كيف يصطادونهم، بالأغنية السريعة والاسكتشات التي تصل. تابعتُ وسيلتهم لجرِّهم إليهم، وتأكّدتُ أنها لا تتحقّق بالطُرق القديمة. البعض يتّهم هذا الجيل بالتسطيح وعدم الاكتراث. ولكن بأيّ لغة تخاطبونه؟ كيف تجعلونه معنياً في الشؤون المصيرية؟ كلّموه بأسلوبه».

الشجاعة الفلسطينية على التحمُّل أنقذته من الاكتئاب (صور محمد عطية)

لا مفرّ من هذا السؤال أمام الأهوال: محمد عطية، هل يُنقذ الفنّ حقاً وسط الأشلاء والصدمة والأحزان؟ يُجيب أنه «خلاص» ما دام يؤازر. ويستوقفه مخطّط إسرائيل لمحو التراث: «بيّنتُ في الأغنية أنّ التاريخَ فلسطينيٌّ، والمحتلَّ مُتعدٍّ. إنهم ينسفون الإرث الكبير بمصادرته وادّعاء امتلاكه. الحرب ليست صواريخ وأسلحة فقط، بل أفكار. توثيق التراث مسألة ضرورية، والفنّ أنبل السُبل».

يُكمل أنّ أهمية الفنّ في المعادلة الإسرائيلية دفعتهم لاغتيال أعلام من بينهم غسان كنفاني. أما المتلقّي الفلسطيني، فلا بدّ أن تُبلسِم آلامه أيّ طبطبة. «قد تكون في محنة، فيأتي صديق ليقول لكَ، لا تقلق أنا بجانبك. كيف بالفواجع؟ فنانون خفتت حماستهم حيال فلسطين بعد أشهر على الحرب. أنا ممن يرفضون التراجع، ويهوِّنون».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: لم نوزع أي مساعدات إنسانية بغزة حتى الآن لانعدام الأمن

المشرق العربي نازحون فلسطينيون يتجمعون خارج مطبخ خيري لتلقي حصص غذائية محدودة في مدينة غزة (إ.ب.أ) play-circle

الأمم المتحدة: لم نوزع أي مساعدات إنسانية بغزة حتى الآن لانعدام الأمن

أعلنت الأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، أنه لم يتم توزيع أي مساعدات إنسانية في قطاع غزة حتى الآن، وذلك بعد يومين من رفع إسرائيل حصاراً استمر 11 أسبوعاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيون يصطفون لملء حاوياتهم بالمياه في حي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: ضغوط دولية تدعم جهود الوسطاء

ناشد بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر، في أول عظة أسبوعية له، الأربعاء، إسرائيل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف الأعمال القتالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الدمار الذي خلفته غارة جوية إسرائيلية استهدفت خياماً في مستشفى الأقصى وسط قطاع غزة (أ.ب) play-circle

غزة: تحذير من إخراج مزيد من المستشفيات عن الخدمة

حذّرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الأربعاء، من إخراج مزيد من المستشفيات عن الخدمة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة أرشيفية للوزيرين الإسرائيليين المتطرفين إيتمار بن غفير (يسار) وبتسلئيل سموتريتش (أ.ف.ب)

تقرير: بريطانيا تدرس فرض عقوبات على وزيرين إسرائيليين

قالت صحيفة «فايننشال تايمز»، اليوم، نقلاً عن مصادر مطلعة، إن بريطانيا تدرس فرض عقوبات على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أطفال جوعى يتدافعون للحصول على طعام من «تكيَّة خيرية» في مدينة غزة (إ.ب.أ)

«أطباء بلا حدود» تتّهم إسرائيل بتقديم مساعدات «غير كافية» مطلقاً لغزة

اتهمت منظمة «أطباء بلا حدود»، إسرائيل بأنها بدأت السماح بإدخال مساعدات «غير كافية بشكل مثير للسخرية» إلى غزة، بهدف تجنب اتهامها «بتجويع الناس» في القطاع.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

طبيب يروج لطريقة فعالة للتعامل مع سلوك الطفل السيئ: دعه يختر عقابه

لماذا يُجدي السماح للأطفال باختيار عقابهم نفعاً؟ (رويترز)
لماذا يُجدي السماح للأطفال باختيار عقابهم نفعاً؟ (رويترز)
TT

طبيب يروج لطريقة فعالة للتعامل مع سلوك الطفل السيئ: دعه يختر عقابه

لماذا يُجدي السماح للأطفال باختيار عقابهم نفعاً؟ (رويترز)
لماذا يُجدي السماح للأطفال باختيار عقابهم نفعاً؟ (رويترز)

عندما يخالف الطفل قاعدة أساسية، أو يؤذي أحداً، أو يرتكب مخالفة جسيمة، يشعر معظم الآباء بضرورة معاقبة أبنائهم.

وأشار الدكتور ج. تيموثي ديفيس، الذي يملك 30 عاماً من الخبرة السريرية والاستراتيجيات المُدعّمة بالأبحاث للآباء الذين يُواجهون صعوبات تربية الأطفال ذوي السلوكيات الصعبة، لموقع «سايكولوجي توداي»، إلى أنه يسأل كثيراً: «ما العقاب المناسب لما فعله؟»، وعادة ما تُفاجئهم الإجابة: «دع طفلك يختَر عاقبته بنفسه».

ووفقاً له، يتفاعل معظم الآباء بعدم التصديق: «سيقول ببساطة إن عقابه هو آيس كريم على العشاء!».

وقال: «قبل أن تستبعد الفكرة، دعونا نستكشف لماذا تفشل العقوبات غالباً، ولماذا يكون إعطاء الأطفال فرصة للتعبير عن أنفسهم أكثر فعالية».

لماذا تأتي العقوبات بنتائج عكسية؟

غالباً ما يبدو العقاب فعالاً. تقول: «لا (إكس بوكس) ​​لمدة أسبوع! وإذا استمررت على هذا المنوال، فسيستمر لمدة أسبوعين!»، ويتوقف سوء السلوك. ومع ذلك، هناك أكثر من ذلك بكثير في قصة العقوبات:

1- لا تعالج السبب الجذري لسوء السلوك

يحدث معظم سوء السلوك لأن الأطفال يشعرون بالإرهاق، وليس لأنهم يتصرفون بتحدٍّ. قد يُوقف العقاب السلوكَ في اللحظة، لكنه لا يُعلّم مهارات ضبط الانفعالات اللازمة لحل مشاكل السلوك على المدى البعيد.

2- تُولّد الاستياء لا التأمل

لا يتعلم الأطفال درسهم بالعقاب. فبدلاً من التفكير في مدى إيذاء أفعالهم، تدفعهم العقوبات إلى التفكير ملياً في مدى ظلم معاملتهم.

3- تُعزز السلوكيات الخاطئة من دون قصد

عندما يُسيء طفلك التصرف ويحظى باهتمامك الغاضب، فإنه يحصل على ما يتوق إليه تماماً - تفاعلك. ما الرد الأكثر فعالية على سوء السلوك؟ تجاهله عندما يكون ذلك آمناً. والأفضل من ذلك: «اكتشف طفلك وهو يُحسن التصرف»، من خلال البحث عن الفرص عندما يُحسن التصرف، وكافئه باهتمامك الإيجابي ومدحك.

4- يُضِرّ بعلاقتكما

العقاب يضعكما في فريقين مُتعارضين. يُعلّمكما نهج الفوز والخسارة في الخلاف: «أنا أفعل بك شيئاً مؤلماً لأنك فعلتَ شيئاً لم يُعجبني». بمرور الوقت، يُقوّض هذا الثقة. ماذا لو بدت الإساءة «أكبر من أن تُتجاهل»؟

لنفترض أن طفلك يضرب أحد إخوته، أو يكذب بشأن أمر مهم، أو يخالف قاعدة عائلية أساسية. قد تشعر بأن عدم فعل أي شيء يُرسل رسالة خاطئة؛ بأنك تتغاضى عن السلوك أو تتغاضى عن الضرر الذي وقع. في مثل هذه الحالات، يشعر العديد من الآباء بأنهم مُجبرون على معاقبة الطفل؛ ليس فقط لتصحيح السلوك، بل لتحقيق العدالة وتعزيز قيم الأسرة.

ويوصي ديفيس غالباً بتجربة الممارسات الإصلاحية أولاً: ساعد طفلك على إصلاح أخطائه بتقديم اعتذار صادق، واتخاذ خطوات لإصلاح الضرر.

ولكن ماذا لو لم يكن ذلك كافياً؟

هنا يصبح السماح لطفلك باختيار العقاب أداة قوية بشكل مدهش. فهو يُحوّل لحظة رد الفعل إلى لحظة تأمل - ويفتح الباب أمام المساءلة دون خجل.

لماذا يُجدي السماح للأطفال باختيار عقابهم نفعاً؟

بمجرد أن تهدأ المشاعر، ابدأ بمشاركة مشاعرك: «لقد جرحتني مشاعري حقاً عندما (اسم السلوك)».

ثم عبّر عن تعاطفك مع تجربة طفلك: «أعلم أنك كنت منزعجاً وغاضباً جداً عندما حدث ذلك».

من هنا، قدّم بلطف فكرة العقاب: «الآن وقد هدأنا، لنتحدث عن العاقبة العادلة».

هذا التغيير البسيط يُحوّل العقاب إلى حل للمشاكل.

في البداية، قد يختبر طفلك ما إذا كنتَ جاداً: «عقابي هو قضاء وقت غير محدود أمام الشاشات في نهاية هذا الأسبوع!». لا بأس. حافظ على هدوئك. امنحه دقيقة واحدة لمعالجة طلبك. إذا لم يأخذ الأمر على محمل الجد، فقل: «أرى أنك لست مستعداً تماماً للقيام بذلك. لنحاول مرة أخرى غداً». ثم عد إلى الموضوع في اليوم التالي.

عندما يُمنح الأطفال مساحة للتفكير، غالباً ما يقترحون عواقب قاسية بشكل مفاجئ - «لا شاشات لمدة ستة أشهر»، أو «سأتخلى عن لعبتي المفضلة»؛ ذلك لأن ضمائرهم لا تزال في طور النمو، وتميل إلى الصرامة المفرطة، وهذا ينطبق حتى على أكثر الأطفال تحدياً (نعم، حتى أولئك الذين يخشى الآباء أن يكونوا «مختلين اجتماعياً في طور التكوين»). غالباً ما يكون شعورهم بالذنب ورغبتهم في تصحيح الأمور أقوى بكثير مما نتوقع.

لماذا يُعد هذا النهج فعالاً جداً؟

1- يُقلل من الدفاعية، ويدعو إلى التأمل الحقيقي. يبدأ الأطفال بربط أفعالهم بالعواقب - وهي خطوة حيوية في تغيير السلوك على المدى الطويل.

2- يمنحهم شعوراً بالسيطرة، وهو أمر بالغ الأهمية، لأن سوء السلوك غالباً ما ينبع من الشعور بفقدان السيطرة.

3- كما أنه يُبقيكما في الفريق ذاته. يُحوّل طبيعة العقاب العدائية إلى تعاون.