«المعطف» حب وكراهية يتجسدان على مسرح إثراء

غادة البشر لـ«الشرق الأوسط»: المسرحية بعثت النص من الاحتجاز على الورق إلى الحياة فوق الخشبة

مسرحية المعطف تعرض على مسرح إثراء من تأليف غادة البشر وإخراج إبراهيم الدوسري
مسرحية المعطف تعرض على مسرح إثراء من تأليف غادة البشر وإخراج إبراهيم الدوسري
TT

«المعطف» حب وكراهية يتجسدان على مسرح إثراء

مسرحية المعطف تعرض على مسرح إثراء من تأليف غادة البشر وإخراج إبراهيم الدوسري
مسرحية المعطف تعرض على مسرح إثراء من تأليف غادة البشر وإخراج إبراهيم الدوسري

تحتضن خشبة المسرح السعودي «إثراء» بالظهران، الثلاثاء المقبل، مسرحية «المعطف» التي تعد واحدة من أكثر الأعمال الأدبية تميزاً للكاتبة غادة البشر بالتعاون مع المخرج المبدع إبراهيم عسيري، وتنفرد في فصولها بمعالجة الإشكاليات العاطفية والاجتماعية بطرق مبتكرة وجريئة، لتعكس صراعاً إنسانياً أبدياً بين الحب والكره ومدى تأثيره على النفس البشرية.

قصة مسرحية «المعطف»

تتمحور قصة «المعطف» حول الإشكالية الأزلية بين عاطفة الحب والكره، وكيف يمكن أن تحمل النفس البشرية كلا النقيضين في داخلها هذه الإشكالية تتبلور في دور الأم، التي تحب زوجها لكنها تكره فقده، ما يدفعها لمعاقبته على رحيله بتغييب ابنهما فيتسبب هذا الحب الأناني في دفنها لذاتها وعاطفتها، ويحتجزها وابنها في دائرة الانتقام والثأر، ومن ثم ومع تكشف الأحداث تتجه المسرحية إلى الكشف عن الجانب النفسي لآثار الحروب بأنواعها، وتُبرز التشوهات النفسية التي تخلفها ومدى تأثيرها على العلاقات البشرية والآثار النفسية العميقة التي تسببت فيها.

التشابه مع «معطف» غوغول

اسم المسرحية «المعطف» يتشابه مع المسرحية المأخوذة من قصة «المعطف» للروائي الروسي نيقولاي غوغول، ومن أجل كشف ملابسات هذا الأمر تقول الكاتبة غادة البشر لـ«الشرق الأوسط»: رغم أن كلا العملين يستخدمان المعطف كرمز، فإن الفرق بينهما كبير. في «معطف» غوغول، يرتدي البطل أكاكي المعطف تعبيراً عن قلة الحيلة مثل كل ظروف حياته التي كان مرغماً عليها بينما كان يحلم باستبداله بمعطف، جديد، واجتهد لاستبداله مجسداً حالة التمرد في روح أكاكي التي بقيت غير مستقرة ومعلقة بذاك المعطف. بينما في مسرحية «المعطف» ارتدت البطلة المعطف بمحض إرادتها حباً لزوجها لدرجة الثأر والدم، وكرهاً لفكرة الفقد لدرجة التعبير عن الحب والوفاء بالموت، بل إنها تمسكت به کحبس اختياري اختارته لنفسها ولابنها معها من أجل قطع خط الرجعة أو نسيان هدف الانتقام، وهو يمثل إشكالية الصراع العاطفي الأزلي بين الحب والكره، وألم الفقد بين الحياة والموت، وبين السلام والحرب، حيث تسعى الكاتبة غادة البشر من خلال مسرحيتها إلى معالجة مسألة تناقض المشاعر، وكيف يمكن للظروف الخارجية القاسية أن تؤثر في تكوين النفس البشرية وفكرها وعاطفتها، وتكمن الرسالة الأساسية في فهم التداخل العاطفي العميق وكيف يمكن أن يوجه حياتنا بطرق غير متوقعة.

من الورق إلى المسرح

وعن نقل التجربة إلى المسرح تقول غادة البشر: «نحن نتحدث عن مسرح العرض فيه بمثابة البعث للنص من الاحتجاز على الورق إلى الحياة فوق الخشبة هذا بشكل عام، أما فيما يخص مسابقة العروض المسرحية بالتحديد فمبدأ الفصل بين النص والعرض والكاتب والمخرج يجعل العرض سلاحاً ذا حدين، إما أن يضيف للقصة أو يُدمرها». معبرة عن أملها في تحقيق التمازج والتوافق بين رؤية الكاتب والمخرج، لتعزيز النص وإضفاء روح جديدة عليه فوق خشبة المسرح.

تجدر الإشارة إلى أن العرض الافتتاحي للمسرحية التي يتولى إخراجها إبراهيم الدوسري بمساعدة حمد المسعد، ويشترك في التمثيل فريق الفنتور المسرحي، من بينهم وفاء العسكر وفاضل آل حسن ومن إنتاج منصور الرويشد، وسينوغرافيا رحاب سعود، ومن موسيقى وهندسة صوت الملحن عماد سعد، ومكياج خلود؛ سيكون في تمام الساعة السابعة والربع مساءً من يوم الثلاثاء، 13 أغسطس (آب) 2024 على مسرح إثراء.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
TT

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

في كل مرة يُعلن فيها عن الإفراج عن دفعة من المعتقلين السوريين، تتزيّن بطلة فيلم «سلمى» وتهرع مع والد زوجها، علّها تعثر على زوجها «سجين الرأي» الذي اختفى قبل سنوات في ظروف غامضة، متمسكة بأمل عودته، رافضة إصدار شهادة وفاته، ومواصلة حياتها مع نجلها ونجل شقيقتها المتوفاة.

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» في هذا الإطار، وقد جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» في «مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الـ45، وتلعب الفنانة السورية سلاف فواخرجي دور البطولة فيه إلى جانب المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد الذي يؤدي دور والد زوجها. وقد أُهدي الفيلم لروحه.

تتعرض «سلمى» للاستغلال من أحد أثرياء الحرب سيئ السمعة، لتبدأ بنشر معلومات دعائية لشقيقه في الانتخابات على خلفية ثقة السوريين بها للعبها دوراً بطوليّاً حين ضرب زلزال قوي سوريا عام 2023، ونجحت في إنقاذ عشرات المواطنين من تحت الأنقاض، وتناقلت بطولتها مقاطع فيديو صورها كثيرون. وتجد «سلمى» نفسها أمام خيارين إما أن تتابع المواجهة حتى النهاية، وإما أن تختار خلاصها مع عائلتها.

ويشارك في بطولة الفيلم كلٌ من باسم ياخور، وحسين عباس، والفيلم من إخراج جود سعيد الذي يُعدّه نقاد «أحد أهم المخرجين الواعدين في السينما السورية»، بعدما حازت أفلامه جوائز في مهرجانات عدة، على غرار «مطر حمص»، و«بانتظار الخريف».

سُلاف تحتفل بفيلمها في مهرجان القاهرة (القاهرة السينمائي)

قدّمت سُلاف فواخرجي أداءً لافتاً لشخصية «سلمى» التي تنتصر لكرامتها، وتتعرّض لضربٍ مُبرح ضمن مشاهد الفيلم، وتتجاوز ضعفها لتتصدّى لأثرياء الحرب الذين استفادوا على حساب المواطن السوري. وتكشف أحداث الفيلم كثيراً عن معاناة السوريين في حياتهم اليومية، واصطفافهم في طوابير طويلة للحصول على بعضِ السلع الغذائية، وسط دمار المباني جراء الحرب والزلزال.

خلال المؤتمر الصحافي الذي نُظّم عقب عرض الفيلم، تقول سُلاف فواخرجي، إنه من الصّعب أن ينفصل الفنان عن الإنسان، وإنّ أحلام «سلمى» البسيطة في البيت والأسرة والكرامة باتت أحلاماً كبيرة وصعبة. مؤكدة أن هذا الأمر ليس موجوداً في سوريا فقط، بل في كثيرٍ من المجتمعات، حيث باتت تُسرق أحلام الإنسان وذكرياته. لافتة إلى أنها واحدة من فريق كبير في الفيلم عمل بشغف لتقديم هذه القصة. وأضافت أنها «ممثلة شغوفة بالسينما وتحب المشاركة في أعمال قوية»، مشيرة إلى أن «شخصية (سلمى) تُشبهها في بعض الصّفات، وأن المرأة تظل كائناً عظيماً».

من جانبه، قال المخرج جود سعيد، إن هذا الفيلم كان صعباً في مرحلة المونتاج، خصوصاً في ظل غياب عبد اللطيف عبد الحميد الذي وصفه بـ«الحاضر الغائب».

مشيراً إلى أن قصة «سلمى» تُمثّل الكرامة، «وبعد العشرية السّوداء لم يبقَ للسوريين سوى الكرامة، ومن دونها لن نستطيع أن نقف مجدداً»، وأن الفيلم يطرح إعادة بناء الهوية السورية على أساسٍ مختلفٍ، أوّله كرامة الفرد. ولفت المخرج السوري إلى أن شهادته مجروحة في أداء بطلة الفيلم لأنه من المغرمين بأدائها.

الفنان السوري باسم ياخور أحد أبطال فيلم «سلمى» (القاهرة السينمائي)

ووصف الناقد الأردني، رسمي محاسنة، الفيلم بـ«الجريء» لطرحه ما يقع على المسالمين من ظلمٍ في أي مكان بالعالم؛ مؤكداً على أن كرامة الإنسان والوطن تستحق أن يُجازف المرء من أجلها بأمور كثيرة، وتابع: «لذا لاحظنا رفض (سلمى) بطلة الفيلم، أن تكون بوقاً لشخصية تمثّل نموذجاً للفساد والفاسدين رغم كل الضغوط».

وأوضح رسمي محاسنة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الفيلم قدّم شخصياته على خلفية الحرب، عبر نماذج إنسانية متباينة، من بينها تُجار الحرب الذين استغلوا ظروف المجتمع، ومن بقي مُحتفّظاً بإنسانيته ووطنيته، قائلاً إن «السيناريو كُتب بشكل دقيق، وعلى الرغم من دورانه حول شخصية مركزية فإن المونتاج حافظ على إيقاع الشخصيات الأخرى، وكذلك الإيقاع العام للفيلم الذي لم نشعر لدى متابعته بالملل أو بالرتابة».

سُلاف والمخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد في لقطة من الفيلم (القاهرة السينمائي)

وأشاد محاسنة بنهاية الفيلم مؤكداً أن «المشهد الختامي لم يجنح نحو الميلودراما، بل اختار نهاية قوية. كما جاء الفيلم دقيقاً في تصوير البيئة السورية»؛ مشيراً إلى أن «المخرج جود سعيد استطاع أن يُخرِج أفضل ما لدى أبطاله من أداء، فقدموا شخصيات الفيلم بأبعادها النفسية. كما وفُّق في إدارته للمجاميع».

واختتم محاسنة قائلاً: «تُدهشنا السينما السورية باستمرار، وتقدّم أجيالاً جديدة مثل جود سعيد الذي يتطوّر بشكل ممتاز، وفي رأيي هو مكسبٌ للسينما العربية».