49 تحفة معمارية تحكي قصة قرية على مشارف التراث العالمي

بُنيت على تلة ونهلت من عين في أسفل الجبل

مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)
مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)
TT

49 تحفة معمارية تحكي قصة قرية على مشارف التراث العالمي

مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)
مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)

تبهرك قرية ذي عين الواقعة على مرتفعات تهامة بخصائصها ومكوناتها وأنت تجوب شوارعها وأزقتها الممهدة، وتحكي لك وأنت تناظر هذا الجمال عن تاريخها الهندسي في فن العمارة قبل مئات السنين، وكيف تكونت قصورها الـ49 في شكل هرمي على يد بنائين مهرة، جعلها هدفاً للباحثين والمهتمين بالتراث وفنون البناء.

هذا الفن والتاريخ بشقيه الثقافي والطبيعي يترقب بشغف موعد الانضمام إلى قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، بعد أن عملت هيئة التراث في السعودية على تأهيل القرية وتحويلها لمركز سياحي يستقطب المهتمين والباحثين عن التاريخ المنثور في كل زوايا القرية التي اكتسبت من موقعها الجغرافي عند مدخل مدينة المخواة وبجوار وادي ذي خضرة أهمية تضاف إلى القيمة التاريخية والثقافية.

أخذت القرية في بنائها الشكل الهرمي وسط الجبال ما زاد في جمال البناء (الشرق الأوسط)

وفي محاولة لفهم هذه الجماليات المرصوصة، لا بد أن تعلم في بادئ الأمر أن هذه القصور أو المباني بنيت على تبـة صـخرية عالية يصل ارتفاعاتها إلـى 800 متـر عـن مستوى سـطح البحـر، وأن الحرفيين في تلك الحقبة وضعوا نصب أعينهم كل المقاسات على المساحات المتاحة لما يعرف حالياً بـ«الخرائط» قبل البدء في عمليات البناء وكيف تعامل الحرفيون بكل دقة مع تفاصيل ارتفاع المباني بما يتناسب ومساحة المسطحات المتاحة.

وحافظت هذه المباني التي تصل في بعضها إلى 4 طوابق على قوتها وصلابتها رغم تغير الأزمنة وتقلبات المناخ، إذ ظلت شامخة في وجه كل المتغيرات لتصبح مزاراً ووجهة سياحية يفد إليها السياح من الداخل والخارج للوقوف على هذا التاريخ في البناء والعمارة لقرية عاشت على عـين دائمـة تحـت سفح الجبل وبعد مئات السنين أخرجت مخزونها التراثي من المحلية للعالمية.

مسجد القرية الذي بني في موقع متميز على التلة (أمانة الباحة)

يحيى عارف المختص في التراث وعضو في جمعية التراث العمراني في السعودية قال لـ«الشرق الأوسط» إن قرية ذي عين التي بنيت على مساحة 15354 متراً مربعاً، كانت تسمى قديماً بقرية الرخام لوفرة هذا النوع من الصخر في القرية والذي استخدمت حجارته في الحرم المكي الشريف في فترات سابقة، موضحاً أن القرية التي يعود تاريخها لمئات السنين بنيت على جرف أبيض وحجارتها من نوع يسمى «ماربل» وهي صخور من أصل جيري تحولت بسبب عوامل الضغط والحرارة إلى هذه الحجارة الملونة والزاهية المتدرجة في طبقاتها.

وتحدث عارف عن شكل البناء قائلاً إن القرية بنيت بشكل هرمي على ثلاثة مستويات، المستوى العلوي حصون ولكن ليس بالشكل الهيكلي كباقي الحصون، ولكنها لمراقبة المزارع والحماية، إضافة إلى القصور أو المباني المنتشرة في وسط القرية، والطرق والمسجد الخاص بسكان القرية.

ولفت عضو جمعية التراث إلى أن البناء في ذي عين هو مرجع للبناء في الجزيرة العربية إذ تجد البناء في جميع القصور التراثية المتواجدة في القرية يبدأ من «المدماك» وكلما يرتفع يقل ويصغر بنحو 7 بوصات وهذا يعطي القصر التراثي خصائص مختلفة منها زيادة واستدامة عمر القصر التراثي، كما أن هذه المباني تتميز بوجود فتحات صغيرة وهي من الداخل واسعة تمكن دخول 3 أشخاص، وهذه الفتحات لها منافع جمة لقاطني القرية، إذ عمدوا في تلك السنوات إلى وضع حجر أبيض من الخارج والذي تنعكس من خلاله أشعة الشمس فتشوش على المعتدين في المواجهات المباشرة.

مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)

وأضاف عارف أن العمارة التاريخية في مطلع القرن الأول الهجري تميزت بالشخصية المعمارية التي بنيت على أنقاض العمارة «الساسانية»، وتتضح هذه المهارة وهذا التميز في الترابط بين مسارات القرية والشكل الهندسي لكل بناية، وكذلك تصريف المياه وتوزيع المبنى من الداخل بما يتناسب واحتياج كل أسرة.

وتحدث عارف عن اللحمة الموجودة التي كانت تسود أهالي القرية، والمدعومة بالكنز الثقافي الهائل الذي تحتضنه القرية قبل مئات السنين، إضافة إلى ما كان يتحلى به قاطنو القرية من كرم وجود في استقبال الوافدين إليهم من مختلف المدن والقرى للتزود بالمياه من عينها التي لم تنضب، أو مما تحصده القرية من ثمار وذرة والدخن.

ممرات القرية من الداخل تبرهن على دور الحرفيين في عمليات البناء (الشرق الأوسط)

ومن الموروث الثقافي غير المادي، ما كان يطبق من أحكام لفض النزاعات والخلافات، إذ يروي عارف أنه كان في السابق الشيخ هو القاضي في الخصومات والخلافات بين أهالي القرية، ومن العقوبات التي كان يطبقها شيخ القبيلة ضرب «خيال المخطي» وهو عقاب نفسي يلجأ إليه القاضي وتنفيذه أمام العامة بعد صلاة الجمعة، وهذا يعطي مؤشراً على انعدام الخلاف في قرية ذي عين إذ كانت العقوبة لخلاف بين شخصين ضرب «الخيال».

وعن الانضمام لليونيسكو، قال عارف إنه في عام 2014 وافق المقام السامي على إدراج قرية ذي عين ضمن 10 قرى تراثية تتنافس للانضمام إلى اليونيسكو، وهيئة التراث تعمل على ملفي القرية الثقافي والطبيعي وقريباً ترى النور، كما انضمت القرية في 2022 لمنظمة «سلوفود العالمية» بصفة أنها عنصر غذائي.


مقالات ذات صلة

مدرسة الفلاح تتحول إلى متحف يثري جدة التاريخية

يوميات الشرق مدرسة الفلاح أقدم مدرسة تأسست في جدة على يد محمد علي زينل (تصوير: غازي مهدي)

مدرسة الفلاح تتحول إلى متحف يثري جدة التاريخية

تدخل مدرسة الفلاح الواقعة في مدينة جدة غرب السعودية، مرحلة جديدة للتعريف بدورها الريادي كأول مدرسة أنشئت في المدينة قبل 120 عاماً على يد الحاج محمد علي زينل.

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد جانب من العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

6 تريليونات دولار ناتج محلي متوقع لدول الخليج في 2025

توقع أمين عام مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، وصول الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست، إلى 6 تريليونات دولار خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق معتمرون يروون عطشهم بمياه زمزم (واس)

دراسة تكشف أن عمر ماء زمزم 6175 عاماً في بطن الأرض

كشفت دراسة هي الأولى من نوعها على المستوى المحلي في السعودية ودولياً أن عمر ماء زمزم ببطن الأرض يقدر بنحو 6175 عاماً وتجمعت بعد العصر الجليدي الذي غطى الجزيرة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج البديوي يأمل بأن تتعزز العلاقات التاريخية بين الخليج ولبنان (مجلس التعاون)

تطلُّع خليجي لعودة السلام في لبنان بعد انتخاب جوزيف عون

تطلّع جاسم البديوي، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، لأن يسهم انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للبنان، في استعادة الأمن والسلام في البلاد وتحقيق تطلعات الشعب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العاصمة الكويت (كونا)

«وربة» الكويتي يشتري حصص «الغانم» في بنك الخليج بـ1.6 مليار دولار

أبرم بنك «وربة» الكويتي اتفاقية شراء كامل الحصص المشكّلة لرأسمال شركة «الغانم التجارية»، والمالكة لـ32.75 في المائة من رأسمال بنك «الخليج»، بـ498.1 مليون دينار.


السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.