«ذا ديكاميرون» على «نتفليكس»... حفلةُ جنون عبثيّ وضياعٌ في الهويّة الدراميّة

المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
TT

«ذا ديكاميرون» على «نتفليكس»... حفلةُ جنون عبثيّ وضياعٌ في الهويّة الدراميّة

المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)

تُراهن «نتفليكس» على إنتاجها الأصليّ الجديد «ذا ديكاميرون» (The Decameron)، ومعنى الكلمة الحدث الذي يستغرق 10 أيام. هو مسلسل قصير من 8 حلقات، بدأ عرضه قبل أيام على المنصة العالميّة.

القصة مستوحاة من كتابٍ إيطاليّ يحمل العنوان نفسه ويعود إلى القرن الرابع عشر. تدور الأحداث على خلفيّة «الموت الأسود»، أو الحقبة التي اجتاح فيها وباء الطاعون أوروبا ما بين عامَي 1347 و1352، متسبّباً بوفاة ثلث سكّان القارّة. تكتفي النسخة المتلفزة باستعارة العنوان والجوّ العام وأسماء الشخصيات، إذ تعيد المنتجة الأميركية كاثلين جوردان ابتكار السرديّة آخذةً الحكاية إلى مكان آخر، محاولةً تحويلها إلى كوميديا سوداء ساخرة. إلّا أن المهمة أفلتت من بين يدَيها في معظم الأحيان.

من مدينة فلورنسا الإيطاليّة التي ضربتها الجائحة، تفرّ مجموعة من الأشخاص في اتّجاه قصرٍ ناءٍ، بعيداً عن المرض، وذلك بعد تلقّي دعوة من صاحب المكان «ليوناردو». لكن لا أثر للرجُل سوى صورة معلّقة على الحائط، ليتبيّن لاحقاً أنّه قضى بالوباء، الأمر الذي بقيَ سراً على ضيوفه حتى وقتٍ متأخرٍ من الرواية.

تأتي الشخصيات على هيئة ثنائيات. «بامبينيا» الأرستقراطية الساعية خلف الارتباط بـ«ليوناردو» والمذعورة من أن يفوتها قطار الزواج، ترافقها خادمتها المتفانية «ميسيا».

الممثلتان زوسيا ماميت وسورشا مونيكا جاكسون في شخصيتَي بامبينيا وميسيا (نتفليكس)

«تيندارو» الثريّ المدلّل والمُصاب بأمراض وهميّة، يلازمه طبيبه المُدّعي وصاحب الكاريزما العالية «ديونيو».

الممثلان دوغي ماكميكن وآمار شادا باتيل في شخصيتَي تيندارو وديونيو (نتفليكس)

«ليشيسكا» الخادمة الجسورة التي انتحلت شخصية مخدومتها الثريّة والمستبدّة «فيلومينا»، بعد أن رمتها في النهر وظنّت أنها تخلّصت منها.

الممثلتان تانيا رينولدز وجسيكا بلامر في شخصيتَي ليشيسكا وفيلومينا (نتفليكس)

«نيفيلي» التقيّة الخجولة في الظاهر، وزوجها «بانفيلو» الذي يخفي هويّات مزدوجة تحت هندامه الأرستقراطي. هما الثنائيّ الذي لجأ إلى القصر لإنقاذ نفسه من الإفلاس وليس من الجائحة فحسب.

الممثلان كاران غيل ولو غالا في شخصيتَي بانفيلو ونيفيلي (نتفليكس)

في غياب صاحب القصر، يتولّى شؤون المكان مدير أعماله «سيريسكو» المتأرجح بين الصرامة والهستيرياً. وتُعاونه في تدبير المنزل والمطبخ الخادمة «ستراتيليا»، التي تخفي سراً لا يُكشف سوى في الحلقة ما قبل الأخيرة.

الممثلان طوني هيل وليلى فرزاد في شخصيتَي سيريسكو وستراتيليا (نتفليكس)

لعلّ تلك الشخصيّات الـ10 هي أقوى ما يتسلّح به المسلسل، وهي ربّما التي دفعت به إلى قائمة الأعمال الأكثر مشاهدةً على «نتفليكس» بعد أقلّ من أسبوع على انطلاقته. فما سوى الأداء التمثيليّ المتمكّن والديكور والملابس التي تستنسخ الحقبة، لا يبقى الكثير ليشفع بالعمل التلفزيونيّ.

يلامِس «ذا ديكاميرون» الكوميديا من دون أن ينجح في سحب ضحكة، يخوض في الإثارة من دون أن يستدعي خفقة قلب واحدة، يحاول توجيه النقد الطبقيّ اللاذع لكنّ الرسالة لا تصل. وما يجعل المهمّة أصعب، أن هوية المسلسل ضائعة. لا يرسو على نوعٍ واضح مازجاً ما بين الكوميديا، والدراما، والتاريخ، والنقد الاجتماعي، والتشويق، والرومانسية، والعنف، من دون أن يقدّم حبكة متماسكة لتغرق القصة في متاهاتٍ غير مفهومة، ويتحوّل المشهد في غالب الأحيان إلى حفلة من الجنون العبثيّ. حتى تَراكُم الأحداث غير المتوقّعة والدخول المبالغ به لشخصياتٍ جديدة وغير مبرّرة إلى المشهد، لا يخدمان أي سياق ولا يُنقذان الموقف من تشتُّته.

لا يرسو المسلسل على هويّة دراميّة ما ينعكس تشتّتاً في القصة وضياعاً للمُشاهد (نتفليكس)

تقول منتجة العمل كاثلين جوردان إنّ ما أوحى لها به كان ما سمعته من المشاهير والأثرياء، خلال فترة الحجر المنزليّ في ظلّ جائحة كورونا عام 2020، عندما عبّروا عن كمّية الضيق والإحباط التي يعانون منها رغم أنهم محتجزون خلف القضبان الذهبية لقصورهم وفيلاتهم الفخمة.

أرادت جوردان التعامل مع حالة عدم الرضا البشريّة تلك، من خلال قصة مشابهة دارت في القرون الوسطى. من الواضح أنها بذلت مجهوداً كوميدياً، واضعةً الشخصيات في مواقف كان الهدف منها إثارة الضحك أو على الأقل الابتسام، لكنها لم تُفلح.

المجهود الكوميدي الذي وُضع في النص والأداء غالباً ما يذهب سُدىً (نتفليكس)

يتجاور الأسياد والخدم في القصر المعزول، فتتداخل المراتب وتختفي الطبقيّة في معظم الأحيان ليتحكّم الخدَم بمصير المكان والأفراد. بغضّ النظر عن الطبقات الاجتماعية والقدرات الماليّة، تنشأ بين البعض قصص إعجاب وحبّ، كما يُصبح أمان الأسياد الصحّي والعاطفيّ رهنَ موظّفيهم. معاً، يتّحدون ضد المخاطر الخارجيّة الداهمة، مثل الجائحة والعصابات الطامعة بالسلطة وبالقصر وما فيه. في المقابل، تنشأ صراعاتٌ خفيّة بينهم لتتجسّدَ مؤامراتٍ ومساعٍ للاستيلاء على القصر.

يبلغ العنف أقصاه في بعض المشاهد، كأن يضحك الجميع بعد قتل موسيقيٍّ كان يرفّه عنهم عن طريق الخطأ. لكن حتى العنف والدمويّة في المسلسل نافران ويبدوان في غير مكانهما، وكأنّ كل ما ينقصهما هو عنصر الإقناع.

تنقلب الشخصيات على بعضها البعض سعياً وراء السلطة والقصر (نتفليكس)

مؤخراً، فُتحت شهيّة مشاهدي المنصات على المسلسلات التي تقوم حبكتها على حكايات الأسياد والخدَم، أكانت القصة تاريخيّة أم عصريّة. وأكبر دليل على ذلك، النجاح الكبير الذي حقّقه مسلسل HBO «اللوتس الأبيض» (The White Lotus)، حيث تواجد الأبطال كذلك في إجازة وكانوا محاطين بخدمهم الساهرين على راحتهم.

ما حاولت «نتفليكس» والمنتجة كاثلين جوردان فعلَه هو استعادة هذه السرديّة المحبوبة، مركّزةً على مساوئ النفس البشريّة ونقاط ضعفها أمام الموت الداهم والأطماع المادّيّة.

في أفضل حالاته، يلتقط المسلسل تلك المشاعر الإنسانية الصاخبة والمتضاربة التي تبلغ ذروتها أمام المخاطر والمصالح الخاصة، لكنّه يغرق في رتابة وتطويل لا يعرف الخروج منهما. الأمر الذي لا يجعل من «ذا ديكاميرون» أفضل أعمال «نتفليكس» الأصليّة لصيف 2024.


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.