بيروت تخلع الأسوَد وتنتقل إلى الضوء... عرضٌ تعبيريّ راقص يروي الحكاية

«فرقة بيروت للباليه المعاصر» تقاوم تصدير المواهب على طريقتها

عرضٌ للباليه المعاصر بعنوان «أسود» يجسّد الانتقال من العتمة إلى الضوء (الشرق الأوسط)
عرضٌ للباليه المعاصر بعنوان «أسود» يجسّد الانتقال من العتمة إلى الضوء (الشرق الأوسط)
TT

بيروت تخلع الأسوَد وتنتقل إلى الضوء... عرضٌ تعبيريّ راقص يروي الحكاية

عرضٌ للباليه المعاصر بعنوان «أسود» يجسّد الانتقال من العتمة إلى الضوء (الشرق الأوسط)
عرضٌ للباليه المعاصر بعنوان «أسود» يجسّد الانتقال من العتمة إلى الضوء (الشرق الأوسط)

هي حكاية العبور من العتمة إلى النور تلك التي يرويها عرض «أسوَد» للباليه المعاصر على خشبة مسرح «مترو المدينة» في بيروت. ينطلق العرض مساء 17 يوليو (تموز) على أن يستمر 3 ليالٍ متتالية.

تتحدّث جنى يونس، المديرة الفنية لـ«فرقة بيروت للباليه المعاصر» لـ«الشرق الأوسط» عن خصوصية المشروع، موضحةً أنه «قبل أي شيء، بمثابة تحيّة لقدرة البشر على تخطّي الشدائد والعبور نحو الضوء والقوّة».

ملصق العرض الراقص الذي يستضيفه مسرح «مترو المدينة» في بيروت (فرقة بيروت للباليه المعاصر)

في ظلّ مخاوف من حرب وشيكة قد تندلع في لبنان، يتدرّب راقصو العرض الستّة يومياً منذ أكثر من شهر. يخلعون القلق قبل الدخول إلى الاستوديو، «وإلّا فسنجلس من دون أن نقوم بشيء»، تقول جنى يونس. تُقيم ورفاق الفرقة البيروتيّة في فقاعة من الرقص والموسيقى.

قصة الانتقال من الظلام إلى النور يحكيها الراقصون بأجسادهم، كما تعبّر عنها بنية العَرض المستوحاة من شعر «الهايكو» الياباني. على مدى 35 دقيقة، يجد مشاهدو عرض «أسوَد» أنفسهم أمام مجموعة من المشاهد التعبيريّة القصيرة المتتالية، التي تعود لتتكامل ضمن حلقة واحدة في النهاية؛ وكأنها أبياتٌ مبعثرة من قصيدة، تلتقي لتكتمل الصورة في الختام. وفي طيّات الخطوات المتناسقة والتناغم الاستثنائي بين الراقصين، رسالةٌ تحمل أبعاداً نفسية مفادُها بأنّ الصراعات البشريّة، داخليّةً كانت أو مع الآخرين، فإنها لا تطفئ الأمل بالخلاص.

يحمل العرض رسائل نفسية وإنسانية خلف الخطوات الراقصة (الشرق الأوسط)

تنبثق الحركات الراقصة من تقنيات الباليه، إلّا أنّ الأجساد تتحرّر من القواعد الفنية الصارمة، لتملأ مساحة الخشبة وتروي القصة من دون قيود. تنتقد يونس ما تسمّيه «عصر اللا حركة الذي يسود عالم الرقص حالياً»، لافتةً إلى أنّ «أسود» يستند إلى كثيرٍ من الحركة والتعبير الجسديَّين، مع الحفاظ على تقنياتٍ على قدرٍ عالٍ من الاحتراف.

أما تسمية «أسود» فتعتبرها يونس «بديهيّة، لأننا نعبّر عن الخروج منه إلى ما هو أفضل». إنّها قصة أمل سيجد الجمهور نفسه منخرطاً فيها ومتمسّكاً بها، بفضل الأداء الراقص الذي يثبّت الانتقال من الضيق إلى الوساعة. ثم تأتي الموسيقى بوتيرتها التصاعديّة لتُكمل المشهد. هي من تأليف الملحّنة والمغنّية الفلسطينية الشابّة ماكي مكّوك، وعلى الرغم من كونها إلكترونية فإنّ روحها شرقيّة ولا تخلو من بعض العبارات العربيّة.

عن هذا الخيار الموسيقي تتحدّث جنى يونس: «حرصنا على أن تكون أصليّة أي أن تكون مكتوبة خصيصاً من أجل عرضِنا، وأن تحمل الطابع الشرقي كوننا أبناء بيروت وكون فننا طالعاً من هذه المدينة العربية التي تحمل فرقتُنا اسمَها».

جنى يونس وينس بييرغارد المديران الفنيان لفرقة بيروت للباليه المعاصر (الشرق الأوسط)

لم يأتِ انتقاء موضوع العرض الراقص عبثاً، فهو يعبّر عن صلب قضية جنى يونس و«فرقة بيروت للباليه المعاصر». بقناعةٍ تسلّحت بها الفرقة منذ انطلاقتها عام 2018، تقول الراقصة ومصمّمة الرقص اللبنانية: «محتوى العرض هو انعكاس لإيماني الشخصيّ بأنه يمكن أن ينبثق شيء جميل من هذا المكان المعتم». وتتابع بشغف وحماسة: «دعوتي، لا بل قضيّتي، هي البقاء في بيروت وصناعة أعمالٍ هنا، نصدّرها إلى الخارج بدل أن نصدّر الأشخاص والأدمغة والمواهب».

على طريقتها وبقوّة الرقص، تضيء الفرقةُ المدينة وتبعث فيها الأمل. تستعدّ لجولة أوروبية، وهي غالباً ما تحمل عروضَها إلى الخارج، لكن لا ميناء بديلاً عن بيروت. من أبرز تلك الرحلات، زيارة إلى كوبا الخريف الماضي تعاونت خلالها «فرقة بيروت للباليه المعاصر» مع فرقة من الراقصين الكوبيّين، فقدّموا مجموعة من العروض المشتركة.

من زيارة الفرقة إلى كوبا حيث انضمّ إليها راقصون كوبيّون في عرضٍ مشترك (فرقة بيروت للباليه المعاصر)

جرى توثيق تلك التجربة بكاميرا المخرج نويل بول، لتتحوّل إلى وثائقي قصير بعنوان «Making Movement» (صناعة الحركة). بهذا الفيلم يُفتتح عرضُ «أسود»، ثم يليه وثائقي قصير آخر بعنوان «One for the Dreamers» (من أجل الحالمين). اللغة التي توحّد الفيلمَين هي الرقص، أما موضوع الفيلم الثاني فهو الخروج من منطقة الأمان والدوائر الضيّقة التي تقيّد حرية الإنسان، وفق ما تشرح جنى يونس. ويتلاقى ذلك مع الطرح الذي يقدّمه عرض «أسوَد».

لا تنحصر أعمال «فرقة بيروت للباليه المعاصر» بخشبة المسرح، وتوضح جنى يونس: «نحن نعمل ضمن أبعادٍ عدّة منها المسرح، والشاشة، والاستوديو، إضافةً إلى الفضاء الرقمي والسوشيال ميديا. الأمر متعب لكنه يتيح لنا الوصول إلى قواعد جماهيريّة متعددة».

لقطة من وثائقي «One for the Dreamers» (الشرق الأوسط)

منذ تأسيسها، تركّز الفرقة على سرد الحكايات من خلال الرقص، مما يتيح الوصول إلى شرائح أوسع من الجمهور. وفي السياق، تؤكّد يونس أن «لدى الرقص قدرة فائقة على الغوص في الأعماق البشريّة وتشريح المشاعر الإنسانية».

في عروضها على الخشبة، تعتمد الفرقة الديناميّةَ مفتاحاً، وتضع نصب عينيها هدف تحويل التعبير الراقص التجريدي إلى رسالة ذات معاني غير متوقّعة إنما واضحة. أما على الشاشة، فغالباً ما تخوض شراكاتٍ ساعيةً إلى الارتقاء بالمحتوى والتواصل، وذلك من خلال تدريب الفنانين على الأداء الراقص في الفيديو كليبات والأفلام القصيرة والإعلانات.

توضح يونس أن استوديو «فرقة بيروت للباليه المعاصر» ليس مدرسة لتعليم الرقص، إلّا أنّه تحوّل مع الوقت إلى ملتقى للمواهب الراقصة من بيروت والمنطقة.


مقالات ذات صلة

روان حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: موضوع «يا ولاد الأبالسة» شائك ويحاكي الإنسانية

يوميات الشرق ممثلون معروفون يشاركون في المسرحية (روان حلاوي)

روان حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: موضوع «يا ولاد الأبالسة» شائك ويحاكي الإنسانية

تحكي المسرحية قصص 4 رجال يمثلون نماذج مختلفة في مجتمعنا. لم تقارب في كتابتها موضوعات محرّمة (تابوات)، وتعدّها تحاكي الإنسانية لدى الطرفين.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق بعد 4 سنوات من الصمت المسرحيّ يعود جورج خبّاز في «خيال صحرا» إلى جانب الممثل عادل كرم (إنستغرام)

جورج خبّاز... موسم العودة إلى الخشبة على وقعِ الشوق والرهبة

عشيّة انطلاق مسرحيّته الجديدة «خيال صحرا» التي تجمعه بالممثل عادل كرم يتحدّث الفنان جورج خباز عن العودة إلى الخشبة بعد 4 سنوات من الصمت المسرحيّ.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق يأكلون المعمول اختزالاً لخَبْز الحياة للإنسان (إدارة المسرحية)

«معمول» الحياة بطعم القسوة في بيروت

الحالة اللبنانية على مسافة قريبة جداً من مصائر البطلات. فالرصاص الطائش المُنطلق من أسلحة متفلّتة تُكرّس ثقافتها التركيبة العامة، يصنع المنعطف المفصليّ للأحداث.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق نيكول معتوق بشخصية «لولا» في مسرحية «هل هالشي طبيعي؟» (حسابها الشخصي)

نيكول معتوق لـ«الشرق الأوسط»: الرخاوة تحكُم العصر

يوضع المتفرِّج أمام مذيعة ترقص فوق الجراح، مختزلة زمناً يمتهن الرخاوة ويُخرج إلى العلن نماذج لا تليق. تحريك الفكر النقدي، غاية شخصية «لولا» التي أدّتها معتوق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المسرحية «تخضّ» المتلقّي وتنسف توقّعاته حيال الانفعالات (الشرق الأوسط)

مسرحية «هيدا اسمي» في بيروت تُفكّك «الحقيقة الواحدة»

يوضع المتلقّي أمام «طبيعة الجنون» من دون أن يُلزَم بتفسير واحد. مجنون اليوم هو عاقل الأمس، تقول دوّامة التخبُّط حيث يُبحِر الممثلون.

فاطمة عبد الله (بيروت)

قطة «مذهلة» تساعد في شفاء نساء وتنال جائزة

«مارلي» خفَّف الألم (ب.أ)
«مارلي» خفَّف الألم (ب.أ)
TT

قطة «مذهلة» تساعد في شفاء نساء وتنال جائزة

«مارلي» خفَّف الألم (ب.أ)
«مارلي» خفَّف الألم (ب.أ)

بلغ قطٌّ يتولّى مساعدة النساء من ضحايا جرائم الاتجار بالبشر، مرحلة التصفيات النهائية في مسابقة «جوائز القطط الوطنية» لهذا العام.

ووفق «بي بي سي»، يُضيء الحدث الذي تنظّمه مؤسّسة «كاتس بروتكشن» الخيرية على «الرابطة المذهلة» بين القطط والبشر.

ويعيش القطّ «مارلي» المتميّز باللونين الأبيض والأسود، في منزل «كاريتاس باكيتا» الآمن بلندن المُخصَّص للنساء اللواتي تعرّضن للاستعباد والاستغلال والاتجار بهنّ.

«سيلا» تساعد القلقين خلال الامتحانات (ب.أ)

في هذا السياق، وصفته رئيسة المنزل كارين أنستيس (59 عاماً) بأنه «القلب الرقيق لمنزلنا».

وتضمّ المسابقة هذا العام 4 فئات للجوائز، هي: «قطط التواصل»، و«القطط العائلية»، و«القطط الكبيرة»، و«القطط المذهلة»؛ وهي الفئة التي وصل فيها «مارلي» (7 سنوات) إلى المرحلة النهائية، لمساعدته في خَلْق شعور بالراحة والأمل لدى 11 امرأة يعشن داخل المنزل الآمن، وفق كارين أنستيس.

وأضافت: «أحياناً، يكون مجرّد وَضْعه لمخلبه بلطف على أرجل ضيفاتنا، أول لمسة حنان يختبرنها منذ سنوات. إنه يملك هبة التعاطف مع الآخرين، ويدرك بغريزته ما يحتاجون إليه».

وعن تاريخ القطّ، تابعت: «تبنينا (مارلي) منذ 4 سنوات، وأعتقد أنه عانى سوء المعاملة، لأنه يخشى الرجال البالغة أعمارهم نحو 30 عاماً؛ لذا فهو يدرك مشاعر الصدمة لدى ضيفاتنا».

أما «سيلا» (12 عاماً) المدرجة في فئة «قطط التواصل»، فتساعد تلاميذ مدرسة «أوتوودز» الابتدائية في أثرستون، وركشير، الذين يعانون القلق خلال موسم الامتحانات.

وظهرت للمرّة الأولى في المدرسة قبل نحو 6 سنوات، وكانت تبدو جائعة وهزيلة. سرعان ما اتخذت من المكان منزلاً لها. واليوم، أصبحت لديها 6 أسرَّة، منها اثنان في المكتبة؛ مكانها المفضَّل.

وفي وصفها لها، قالت مديرة المدرسة سالي تايلور (54 عاماً): «تتمتّع ببداهة كبيرة، وتُدرك المكان الذي عليها الوجود فيه برفقة تلاميذ يشعرون بالتوتّر، أو في القاعة بانتظار وصول التلاميذ في سنّ السادسة خلال أسبوع الاختبارات».

الدفء والعطاء الجميل (ب.أ)

وأضافت: «أسهمت مداعبتها لهم في تهدئتهم قبل خوضهم الامتحانات. في كل صباح، أجدها بانتظاري لتحيّتي، ما يضفي على يومي بداية جميلة. بعد ذلك، تتسكّع مع التلاميذ في كل مكان؛ داخل الفصول الدراسية، وخلال فترات الراحة، وحتى داخل ملعب كرة القدم في أثناء المباريات».

تضم فئة «القطط المذهلة» كذلك «مارمادوك»، من مانشستر. وقالت مالكته جانيس تشيثام (64 عاماً) إنه نجح في إنقاذها من حالة «اكتئاب عميق»، بعدما عملت في الطوارئ بفترة هجوم «مانشستر أرينا» الذي تسبَّب بمقتل 22 شخصاً سقطوا جراء تفجير انتحاري بعد حفل أريانا غراندي في 22 مايو (أيار) 2017.

وتابعت تشيثام، من نوردن، قرب روتشديل، مانشستر الكبرى: «نصيحتي لأي شخص يعاني مشكلات تتعلّق بصحّته العقلية أن يحصل على قطّة كبيرة. بصراحة، لا أعرف إنْ كنتُ لأتمكّن من البقاء حيّة من دون (مارمادوك)».

يُذكر أنّ التصويت لجوائز «القطط الوطنية» يبدأ في تمام الساعة 09:00 بالتوقيت الصيفي البريطاني في 17 يوليو (تموز)، وينتهي في 30 أغسطس (آب). ومن المقرّر إعلان الفائزين في الفئات المختلفة، وكذلك الفائز بجائزة «قطّ العام» ضمن احتفال في قاعة «وان ماريلبون» بلندن في 18 سبتمبر (أيلول).