مسرحية «هيدا اسمي» في بيروت تُفكّك «الحقيقة الواحدة»

نصُّها المُتقن للإنجليزي أنتوني هورويتز بيَّن طبقات النفس الإنسانية

المسرحية «تخضّ» المتلقّي وتنسف توقّعاته حيال الانفعالات (الشرق الأوسط)
المسرحية «تخضّ» المتلقّي وتنسف توقّعاته حيال الانفعالات (الشرق الأوسط)
TT

مسرحية «هيدا اسمي» في بيروت تُفكّك «الحقيقة الواحدة»

المسرحية «تخضّ» المتلقّي وتنسف توقّعاته حيال الانفعالات (الشرق الأوسط)
المسرحية «تخضّ» المتلقّي وتنسف توقّعاته حيال الانفعالات (الشرق الأوسط)

اختلط الواقع بما يُناقضه في مسرحية «هيدا اسمي» التي استضافها «مسرح مونو» البيروتي. التنقُّل في سياق تقلّبات النفس، قلَّص الحدود بين ما يُصدَّق وما تُثار الشكوك حياله. الحيّز المسرحي يتّخذ من مستشفى أمراض عقلية فضاءه، مشيراً إلى غرابة الحالة الإنسانية باختزالات يتولّاها الديكور: لوحات مُبهمة على الجدران، هيكل عظمي يقف بفجاجة، وقمصان بيضاء معلّقة بالسقف مثل أجساد حول مشانق. الجوّ غير المريح وظّفته المسرحية لمحاولة فهم الصراع المحتدم بين الخير والشرّ داخل التركيبة البشرية.

يتولّى الديكور اختزال غرابة الحالة الإنسانية (الشرق الأوسط)

الممثلون الشباب، عمر عريس وسالي جابر وجنيفر يمّين، شكّلوا البطولة الثلاثية لمسرحية «لعبة عقل» (مايند غايم) من تأليف الكاتب الإنجليزي أنتوني هورويتز، برؤية ناريه كوركجيان الإخراجية. عام 1999، عُرض العمل للمرّة الأولى في مدينة كولشستر البريطانية، قبل انتقاله إلى ويست إند. طغيان النصّ ظلّ مسيطراً على النسخة اللبنانية، رغم الأداء المتماسك لثلاثي لا يزال يشقّ خطواته. القدرة على «خضّ» المتلقّي ونسف توقّعاته حيال الانفعالات ومُسبّباتها، أجادتهما ملامح مَن وقفوا على المسرح لإثبات أنّ المواهب تستحقّ الفرص.

ما يبدو «حقيقة» يتحوّل تحت الضغط إلى أخرى مضادة (الشرق الأوسط)

يتغيّر شكل المواجهة بتغيُّر المواقف، ليبقى الثابت الوحيد هو أنْ لا شيء أكيداً. الحياة وُجهات نظر؛ يُبيّن السياق ذلك، ويُشدّد على اختلال المنطق السائد. ما يبدو «حقيقة» يتحوّل تحت الظرف الضاغط إلى أخرى مضادة، ليتداخل تدفُّق الحقائق. هذه تطغى وتلك تتراجع، ليحلّ الوجه الثالث من الحكاية، وبعده ربما الرابع والخامس.

شيئاً فشيئاً، تتدرّج البطلة سالي جابر من إظهار الوعي إلى فقدان التوازن. وأسوةً بالانطباعات الأولى حول البشر، تُظهر الإدراك والاتجاه نحو الهدف. تحدُث عملية التفكّك من عمق الظنّ أنّ العمل يحاكي إشكالية المنفيين في مستشفيات الأمراض العقلية وسط كآبتهم وتردّي شروط العيش الكريم. سرعان ما تتنحّى هذه المقاربة لتبرُز أخرى على مستوى إشكالي أشدّ عمقاً. إنها النفس وما تُخزّنه منذ الطفولة. لا يعود السؤال مقتصراً على الأسباب لمحاولة فهم السلوك الجرمي، بل على الدوافع والخلفية. ولا تُشرَّح القوة بوصفها معملاً للوحشية، بل تُقارَب بمعناها الأبعد: أهي قوة مجرّدة أم مسؤولة؟ أتبلغ أقصى التجلّي بالإفراط في الهمجية أم بالعفو عند المقدرة؟

ويوضع المتلقّي أمام «طبيعة الجنون» من دون أن يُلزَم بتفسير واحد. مجنون اليوم هو عاقل الأمس، تقول دوّامة التخبُّط حيث يُبحِر الممثلون. على الفور، تتلاشى الصلة بالواقع ليحيل نفسه على السوريالية، فتتحقّق مأساة الإنسان.

البطلة تصرخ «هيدا اسمي» من دون فائدة (الشرق الأوسط)

على مسارح بيروت، محاولات لإعلاء مكانة المعروض ورفض تسلُّل الخواء إليه. «مسرح مونو» يمنح الفرص ما دام الاجتهاد وسيلة نحو النمو. إسناد نصّ متعدّد المنعطف، قوامه خلط الأوراق، لممثلين شباب، تأكيدُ الثقة بجيل مسرحي لا يكتفي بالوفاء للشعلة، بل يُبقيها مضيئة وفي موقع عالٍ.

جانب آخر من العلاقات المُعقّدة تُبيّنه شخصية البطلة بامتهانها الكتابة: إنها العلاقة بين الكاتب وموضوعه. لِمَ يحدُث فعل التدوين على الورق، أو حفظ الحوارات على الآلة المسجّلة، أو إجراء مقابلات؟ ذلك كلّه من أجل ماذا؟ في المسرحية، لا جواب. فالكاتبة مشكوك في هويتها، مُغتالة معنوياً. أو لعلّها هي العاقلة وسط كومة بؤساء. حبكة النصّ بارعة في التفرُّج على المتلقّي وهو مُعلَّق بين الوهم و«الحقيقة». تماماً مثل القمصان المتدلّية من السقف.

من اليمين سالي جابر وعمر عريس وجنيفر يمّين بعد العرض (الشرق الأوسط)

يتعدّى هتاف «هيدا اسمي» مجرّد التأكيد اللفظي على هوية منقوصة، إلى محاولة قطع الشكّ باليقين من دون فائدة. يتكرّر الصراخ بعد حدوث التحوُّل الدرامي المتمثّل بانقلاب السحر على الساحر تعميماً للوضعية المجنونة. يصبح من الصعب حسم حقيقة الأمر، ومَن هو المختلّ فعلاً وسط الاضطراب الكبير. السيف هنا ذو حدّين: العاقل هو المؤدّي بالآخرين إلى الجنون، أم المجنون هو المُتحكِّم في العقلاء؟ تُفضّل المسرحية (بوهج نصّها) إبقاء كلّ شيء معلّقاً. خصوصاً الإجابة الواحدة. تقلُب الأدوار وتتفرّج على الفوضى وهي تعمّ، وتتفوّق، وتصبح الأمر الواقع. فوضى المشاعر والارتكابات وتمادي الشرّ.

مرور بيروت ومناطق لبنانية في الحوارات، لم يُشر إلى داعٍ له سوى تقريب العمل من جمهوره. بدا ذلك زجاً لما ليس ضرورياً. المسرحية تتجاوز حيّزَي المكان والزمان لتحاكي إنسانها أينما حلَّ. تُوسِّع العقل بتحريره من المحدودية: لا خير أو شر فقط، ولا صح أو خطأ فقط. للحكاية جوانب أخرى.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

اعتقال مؤثرة على «تيك توك» بعد عرضها منتجات سرقتها في مقطع فيديو

صورة مركبة لمارلينا فيليز في أثناء سرقتها من المتجر (يمين) وبعد نشر صورتها على «تيك توك» (يسار) (وسائل إعلام أميركية)
صورة مركبة لمارلينا فيليز في أثناء سرقتها من المتجر (يمين) وبعد نشر صورتها على «تيك توك» (يسار) (وسائل إعلام أميركية)
TT

اعتقال مؤثرة على «تيك توك» بعد عرضها منتجات سرقتها في مقطع فيديو

صورة مركبة لمارلينا فيليز في أثناء سرقتها من المتجر (يمين) وبعد نشر صورتها على «تيك توك» (يسار) (وسائل إعلام أميركية)
صورة مركبة لمارلينا فيليز في أثناء سرقتها من المتجر (يمين) وبعد نشر صورتها على «تيك توك» (يسار) (وسائل إعلام أميركية)

ألقت الشرطة الأميركية القبض على مؤثرة على تطبيق «تيك توك» في فلوريدا، بعد عرضها سلعاً كانت قد سرقتها من متجر «Target»، في مقطع فيديو نُشر على حسابها الذي يزيد عدد متابعيه على 300 ألف.

ووفق تقرير نشرته صحيفة «نيويورك بوست»، تواجه مارلينا فيليز (22 عاماً) تهمة السرقة لأكثر من 500 دولار، قيمة السلع من متجر «Target» في كيب كورال في 30 أكتوبر (تشرين الأول).

أخبر فريق المتجر شرطة كيب كورال أنه تمّ رصد فيليز وهي تسرق من خلال كاميرا أمنية. وقالت الشرطة إن فيليز سرقت 16 سلعة، بما في ذلك الأدوات المنزلية والملابس، بقيمة 500 دولار.

وبعد مراجعة مركز الشرطة تسجيلات الكاميرات في المتجر، نشر صورة للمشتبه بها عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، على أمل أن يتمكّن الجمهور من التعرّف إليها.

مارلينا فيليز بعد إلقاء القبض عليها من قِبل الشرطة (وسائل إعلام أميركية)

قالت الشرطة إن فيليز التي تنشر مقاطع فيديو عن حياتها بصفتها أماً لطفلين على «تيك توك»، تمّ التعرف إليها على أنها سارقة متجر من قِبل متصل مجهول يدّعي أنه أحد متابعيها. كما قدّم المتصل المجهول إلى الضباط رابطاً لحساب فيليز على «تيك توك» الذي تضمّن مقطع فيديو من يوم حادثة السرقة المزعومة وأظهرها وهي ترتدي الزي والنظارة ذاتهما اللتين كانت ترتديهما «السارقة» في لقطات أمن «Target».

وأظهر مقطع الفيديو الذي تمّ حذفه منذ ذلك الحين على «تيك توك» أيضاً توثيقها لنفسها وهي تختار أشياء داخل المتجر وتضعها في سيارتها بعد ذلك.

وقال المتحدث باسم إدارة شرطة كيب كورال، رايلي كارتر، لصحيفة «إكسبريس تريبيون»: «أعطتنا وسائل التواصل الاجتماعي دليلاً غير متوقع، مما عجّل بتحديد هويتها واعتقالها لاحقاً».

في عام 2019، تم القبض على فيليز عندما كانت تبلغ من العمر 17 عاماً فقط بتهمة سرقة سيارة صديقتها وتحطيمها. كما تم القبض عليها في يوليو (تموز) 2023 بتهمة السرقة من متجر «Walmart» في كيب كورال.