عالم الموسيقى يسعى إلى خفض بصمته الكربونية

للحد من ظاهرة تغير المناخ

عرض ليزر يضيء السماء أثناء أداء فرقة كولدبلاي  في مهرجان غلاستونبري (أ.ف.ب)
عرض ليزر يضيء السماء أثناء أداء فرقة كولدبلاي في مهرجان غلاستونبري (أ.ف.ب)
TT

عالم الموسيقى يسعى إلى خفض بصمته الكربونية

عرض ليزر يضيء السماء أثناء أداء فرقة كولدبلاي  في مهرجان غلاستونبري (أ.ف.ب)
عرض ليزر يضيء السماء أثناء أداء فرقة كولدبلاي في مهرجان غلاستونبري (أ.ف.ب)

بدأ منظمو حفلات وفرق موسيقية مثل «كولدبلاي» البريطانية تكثيف مبادراتهم، لعلَّهم يسهمون في المساعي للحد من ظاهرة تغير المناخ، بعد أن شعروا بقلق متزايد، إزاء بصمتهم الكربونية. وكانت قد أعلنت فرقة «كولدبلاي» التي شاركت أخيراً في مهرجان غلاستونبري ببريطانيا، أنها خفضت انبعاثات الكربون في جولتها العالمية بنسبة 59 في المائة، مقارنةً بجولتها الأخيرة في 2016 - 2017. ومن أجل تحقيق ذلك، اتخذت الفرقة تدابير مبتكرة، من بينها تركيب ألواح شمسية وحتى حلبة رقص خاصة تولد الكهرباء من حركة الجمهور، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

لكن المنتقدين يقولون إن أعضاءها ما زالوا يستخدمون الطائرات للسفر، كما أن الفرقة تعرضت لانتقادات في عام 2022، عندما أعلنت شراكة مع شركة النفط الفنلندية العملاقة «نيستي». ورغم أن «نيستي» تعهَّدت بمساعدة الفرقة على استخدام وقود حيوي مستدام، قالت مجموعة «ترانسبورت أند إنفارونمنت» إن شركة النفط تستغل «كولدبلاي» بوصفها «مفيدة للغسل الأخضر».

ورغم أن قياس تأثيرها الإجمالي يُعدّ أمراً صعباً، قدَّرت دراسة أجراها معهد «إنفايرونمنتل تشاينج» في جامعة أكسفورد عام 2010 أن الصناعة البريطانية وحدها تنتج 540 ألف طن من انبعاثات الكربون سنوياً.

من ناحية أخرى، وجدت مجموعة «كلين سين» المناخية أن أبرز ألف منسق أسطوانات قاموا بـ51 ألف رحلة جوية عام 2019، وهو ما يعادل 35 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ونتيجة لذلك، أصبح لدى المهرجانات الكبرى تعهدات ومبادرات مناخية، من خطط تسميد وتشارك سيارات خلال مهرجان كوتشيلا في كاليفورنيا إلى استخدام الطاقة المتجددة في «غلاستونبري».

ومن المهرجانات التي أخذت زمام المبادرة، مهرجان «وي لوف غرين» في باريس. وكان قد حضر نحو 110 آلاف شخص الحدث الذي أُقيم، الشهر الماضي، لمشاهدة فنانين من بينهم سزا، جاءوا من «دون معدات تقريباً» وفق ماريان هوكوار رئيسة التنمية المستدامة في المهرجان. وقالت هوكوار إن المنظمين تولوا مسؤولية ضمان حصول الفنانين على المعدات التي يحتاجون إليها، ووضع حدود الطاقة للعروض.

واتخذت مهرجانات أخرى تدابير جذرية، مثل مهرجان «بونير» في مرسيليا الذي ألغى حفلة منسق الأسطوانات I Hate Models هذا العام، بعدما علموا أنه سيحضر بطائرة خاصة. وحالياً، يشجع عدد كبير من منظمي الفعاليات الحاضرين على استخدام وسائل نقل أكثر مراعاة للبيئة. وأطلق مهرجان «وي لوف غرين» شراكة مع الاتحاد الفرنسي للدراجات لتنظيم قوافل من الدراجات الهوائية لنسخته هذا العام، وقال إن 14 في المائة من حاملي التذاكر جاءوا على دراجات، ارتفاعاً من 8 في المائة العام الماضي.

لكن هناك حدود لما يمكن القيام به. عندما أقامت تايلور سويفت حفلتيها في باريس في مايو (أيار)، لوحظت زيادة في عدد الطائرات الخاصة الواصلة إلى المطارات المحلية، وفق ما أفاد به مكتب رئيس بلدية المدينة. من جهة أخرى، يستغل مشغلو الطائرات الخاصة الفعاليات الترفيهية مثل المهرجانات أو بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2024 لإعطاء دفع لأعمالهم.


مقالات ذات صلة

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الاقتصاد الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

حقق 14 مبتكراً في 6 مسارات علمية جوائز النسخة الثانية من «جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه».

«الشرق الأوسط» (جدة)
الاقتصاد الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تصفق بحرارة في الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 29» (د.ب.أ)

«كوب 29»: مضاعفة التمويل المناخي إلى 300 مليار دولار

بعد أسبوعين من النقاشات الحامية، انتهى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (كوب 29)، باتفاق على مضاعفة التمويل المتاح لمساعدة الاقتصادات النامية.

«الشرق الأوسط» (باكو)
يوميات الشرق عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

حذر علماء من أن الأنشطة المنزلية اليومية مثل طي الملابس والجلوس على الأريكة قد تنبعث منها سحب من البلاستيك الدقيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (باكو)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».