صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

وهب أرشيفه الضخم لـ«جامعة الروح القدس - الكسليك» وكُرِّم مؤخراً

تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
TT

صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)

يملك الممثل اللبناني صلاح تيزاني، المعروف فنياً باسم «أبو سليم»، رؤية مستقبلية ترجمها في أعماله الفكاهية طوال 70 عاماً. فأفكاره تناولت الموضوعات بأسلوب ساخر، وكانت سبّاقة. ويعزّز تميُّزه بأنه كان أول مَن اعتمد مجموعة فنانين كوميديين لتقديم أعماله، فلم يحصرها في شخصه فقط كما درجت العادة.

واليوم يسبق تيزاني عصره بوهبه أرشيفه الفنّي إلى مكتبة «جامعة الروح القدس - الكسليك». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «فكّرتُ مليّاً في مصير أرشيف ضخم من نحو 2000 حلقة تلفزيونية وغيرها. وعندما عرضتُ على الجامعة وهبه لها، وافقت بلا تردُّد».

أسرَعَ «أبو سليم» في إنقاذ إرثه الفني وحفظه في المكان المناسب. فمؤخراً شهد بعض العالم العربي أرشيف عدد من نجوم الفن يُوزَّع على الفقراء أو يُرمى في المهملات. كما أنّ قلّة من الفنانين اللبنانيين تُراودها هذه الفكرة، فيجدونها مؤجَّلة حتى إشعار آخر أو يتجاهلونها تماماً.

يروي تيزاني قصة تواصله مع هذا الصرح الثقافي: «عرض عليَّ صديق الفكرة وأعجبتني. أنا اليوم على عتبة الـ96 عاماً. وبعد النقاش مع مسؤولين عن مكتبة الجامعة الثقافية والفنية، قرّرتُ وهبها أرشيفي بأكمله».

لم يحزن لتخلّيه عن سنوات عمره الفنّية بطرفة عين، فيوضح: «لم أتخلَّ عنها، بل وضعتها في مكان آمن. فهذه المكتبة شاسعة بُنيت لمقاومة الحرائق والمتفجرات. أبنائي أيضاً سُعِدوا بهذه الخطوة؛ فكيف كانوا سيتصرّفون بأرشيف ضخم يأخذ مساحة غرفة من منزلي؟».

وهب أرشيفه ليضمن بقاءه آمناً للأجيال القادمة (فيسبوك)

من أعمال تيزاني الشهيرة على الشاشة الصغيرة: «سيارة الجمعية»، و«أبو سليم 200»، و«كل يوم حكاية»، و«فندق السعادة». ومن مسرحياته المعروفة: «نعيم وفهيم»، و«المسافر». كما صوَّر أفلاماً سينمائية، بينها «أبو سليم في المدينة»، و«أبو سليم في أفريقيا».

يعتب على لبنان لعدم اكتراث مسؤوليه بفنانيه: «لا أعرف لماذا يهملوننا نحن الذين حفرنا بالصخر طوال سنوات لنرفع اسم الوطن عالياً. فوزارات الثقافة المتعاقبة لم تأتِ على ذكر أرشيف فنان واحد، ولم تفكّر في تقديم أي اقتراح بهذا الخصوص. إنهم أسوة بباقي المسؤولين، يتلهّون بمصالحهم فقط».

يتألّف أرشيف «أبو سليم» من آلاف الحلقات التلفزيونية لبرامج أضحكت أجيالاً من اللبنانيين، وتسجيلات صوتية وشرائط مصوَّرة لمسرحيات وأفلام سينما. يضيف: «لم يفكر أحدٌ من المسؤولين بنتاج عمر بأكمله في عالم الفنّ. ممتنٌّ لوجود صرح ثقافي أبدى اهتمامه بهذا الإرث. سهرتُ الليالي، وعملتُ بجهد، وبذلتُ كل ما في وسعي لأقدّم الفنّ الذي يليق ببلدي. ولكن وطني لم يفكر بي ولا بغيري».

يعطي أمثلة عن فنانين لبنانيين لم يبادر أحد لتلقُّف أرشيفهم: «لا شوشو، ولا نبيه أبو الحسن وغيرهما، فكّرت وزارات الثقافة في وطننا بأرشيفهم. فهذه الأعمال تُعدُّ تاريخاً تُصنّفه الدول الأجنبية كنزاً، فيُدرَّس في الجامعات وتُؤلَّف الكتب على أساسه».

ويخبر «أبو سليم» بفرح كيف كرّمته «جامعة الروح القدس»: «أصدرت كتاباً عن مسيرتي وأعمالي، وكرّمتني في حفل تخرُّج لطلابها بعنوان (دفعة الثبات)».

مع فريقه التمثيلي خلال أحد برامجه التلفزيونية (فيسبوك)

تسأله «الشرق الأوسط» عما إذا وهب أرشيفه من دون مقابل مادي، فيردّ: «يكفي أنّ هذا الصرح سيحافظ على جزء من ذاكرة التراث اللبناني الفكاهي المرتبط بي، وسيكون بمتناول الباحثين والطلاب. وقد نشرت لي الجامعة أيضاً بعض مسرحياتي في كتاب جديد، وقدّمت لي درعاً تقديرية عربون وفاء لمسيرتي وعطائي. وأخبروني بأنّ ورثة صلاح تيزاني سيستفيدون من هذا الأرشيف في حال استُعير أي جزء منه، فيعود إليهم بنسبة 60 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي تحدّده الجامعة مقابل استخدامه، ليستفيد الصرح نفسه بنسبة 40 في المائة من المبلغ».

يتحدّث عن أهمية الثقافة لدى الأجيال: «إنها تراث يروي ذاكرة عريقة، وعليهم الاستفادة منه. حان الوقت ليشرق النور على ثقافتنا، فلا ينبغي أن تُهمَل أو يُنسى تاريخها. تأسيس مكتبة واحدة في بلادنا لاحتضان أرشيف فنانين لبنانيين هو واجب وحقّ. ومعها تكون بلادنا قد انطلقت في رحلة ثقافية وفنّية على الطريق المستقيم».

وكان تيزاني كُرِّم مؤخراً في «مهرجان الزمن الجميل»، وخلال اعتلائه المسرح لتسلُّم جائزته، تعثّر وسقط، فما لبث أن نهض من جديد متوجّهاً إلى الحضور: «لا تخافوا عليَّ، لا أزال أتمتّع بصحة جيّدة».


مقالات ذات صلة

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

يوميات الشرق من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

يودّع أحمد وحافظ وعمر وقيس عائلاتهم في مخيّم الزعتري ويطيرون على أجنحة الحلم إلى البرازيل، حيث يبدأون رحلة احتراف كرة القدم.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ماغي سميث في لقطة من عام 2016 (أ.ف.ب)

ماغي سميث سيدة الأداء الساخر

بأداء عملاق وخفة ظل وسخرية حادة تربعت الممثلة البريطانية ماغي سميث على قلوب معجبيها، كما جمعت بين الجوائز وبين حب الجمهور.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق فاخوري أول من كتب دراما الـ«سوب أوبرا» (فيسبوك)

شكري أنيس فاخوري لـ«الشرق الأوسط»: هم مترجمو قصص درامية وليسوا مؤلفين

في رأي شكري أنيس فاخوري أن التّكريم يبرهن على حب الناس للمكرَّم فيحفّزه ويعزّز ثقته بنفسه. وصار اسمه اليوم محفوراً في القلوب وفي التاريخ.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جذبت «الشرق الوثائقية» اهتمام مئات الملايينِ وحققت أرقاماً استثنائية من المشاهدات عبر الوسائط المختلفة (الشرق الأوسط)

«الشرق الوثائقية»… عام من الإنجازات والأرقام الاستثنائية

 تحتفل «الشرق الوثائقية» بمرور عام على انطلاقها قدمت خلاله لمتابعيها عالماً شيّقاً من الوثائقياتِ التي أثارت الاهتمام والتقدير والمتعة معاً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)

ندى أبو فرحات من قلب بيروت... مسرح تحت القصف

النيران تسيّج المدينة، ونارٌ من نوعٍ آخر تتّقد على خشبات مسارحها. «في انتظار بوجانغلز» جزء من هذه الفورة المسرحية البيروتية، وبطلتها الممثلة ندى أبو فرحات.

كريستين حبيب (بيروت)

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
TT

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)

تزيّنت جدران المركز الثقافي الهندي في القاهرة (مولانا آزاد)، بالوجوه الـ40 للمهاتما غاندي، احتفالاً بالذكرى الـ155 لميلاد المناضل الهندي الأشهر، فقدّم فنانون من 12 دولة رسوماً كاريكاتيرية و«بورتريهات» للمُحتفى به بأساليب ورؤى فنّية متنوّعة.

المعرض الذي يستمرّ حتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، افتتحه مطلع الشهر، سفير الهند لدى مصر، أجيت جوبتيه، ويضمّ نحو 40 عملاً لفنانين من الهند، والمملكة العربية السعودية، والعراق، ورومانيا، وإندونيسيا، وكولومبيا، وقبرص، وبولندا، وكوبا، وإسبانيا، والبوسنة والهرسك، ومصر.

وتنوّعت الأعمال في تناول شخصية غاندي ما بين التركيز على دعوته للمقاومة السلمية، «النضال بلا عنف»، التي أطلقها، وعلى ملامحه وأزيائه التقليدية الشهيرة، وعلى الدور الذي لعبه لإحلال السلام في بلاده ومقاومة الاستعمار.

مدارس فنّية مختلفة قدّمت رؤيتها لغاندي (منسّق المعرض)

وعدّ منسّق المعرض، الفنان المصري فوزي مرسي، هذا الحدث «نوعاً من الاحتفاء بالزعيم الهندي الأشهر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض تنظّمه سفارة الهند ومتحف الكاريكاتير بالفيوم ومنصة (إيجبت كارتون) بوصفه تقليداً سنوياً نحتفي به بميلاد الزعيم الهندي، ويتضمّن أعمالاً لفنانين من 12 دولة».

من الفنانين المصريين: أحمد علوي، وفاروق موسى، وأدهم لطفي، وحسن فاروق، وخالد المرصفي، وأسامة أبو صبا، وفوزي مرسي، وهاني عبد الجواد، ومروة إبراهيم، وإسلام زكي، وخالد صلاح، وآمنة سعد، وياسمين جمال، وأركان الزيدي.

سفارة الهند تحتفل بذكرى ميلاد المهاتما غاندي (منسّق المعرض)

وأضاف مرسي: «توقيت المعرض هذا العام صعب، فمختلف دول العالم والمنطقة العربية تحديداً تعاني صراعات وأزمات وحروباً. في هذا الوقت، نحن في حاجة ماسّة إلى استدعاء الأفكار التي نادى بها غاندي طوال حياته من نبذ العنف وإرساء قيم السلام والتسامح».

ويعدّ المهاتما غاندي (1869-1948) من أبرز الشخصيات السياسية في العصر الحديث، وكان محامياً وخبيراً في الأخلاقيات السياسية، والتزم بالمقاومة السلمية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي. وقد قاد حملات سلمية في بلاده ضدّ الفقر وعدم المساواة بين الجنسين والاستعمار؛ وحصلت الهند على استقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1947، وتوفي غاندي بعدها بعام، وفق الصفحة الرسمية للأمم المتحدة.

«بورتريهات» غاندي ركزت على دعوته للسلام ونبذ العنف (منسّق المعرض)

وقرّرت منظمة الأمم المتحدة تخصيص يوم ميلاد غاندي في 2 أكتوبر، ليكون يوماً عالمياً لنبذ العنف والعمل على نشر هذه الثقافة عبر العالم.

وتابع فوزي: «نتعاون مع سفارة الهند منذ عام 2013 في معارض مشتركة، وقد رحّبت جداً بإقامة معرض عن غاندي، وسنعلن قريباً عن مسابقة في فن الكاريكاتير بعد اختيار شخصيتين؛ إحداهما هندية والأخرى مصرية، يكونان معروفين على مستوى العالم».

وجوه غاندي تعبّر عن مراحل مختلفة من حياته (منسّق المعرض)

وأوضح أنّ «الفكرة تقوم على رسم فنانين الشخصيتين والتعبير عنهما بالكاريكاتير؛ وهي التي نفّذناها سابقاً بين طاغور ونجيب ومحفوظ، ولقيت نجاحاً كبيراً وزخماً هائلاً في المشاركة من فنانين ينتمون إلى دول مختلفة عربية وأجنبية».