غنائم نابليون: عندما قرر العالم إعادة الفن المنهوب

تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)
تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)
TT

غنائم نابليون: عندما قرر العالم إعادة الفن المنهوب

تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)
تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)

تواجه المتاحف الآن مطالب متزايدة لإعادة المجموعات الفنية المعروضة داخلها إلى أوطانها الأصلية، لكن الخبراء يقولون إن الكثير من هذا الجدل يعود إلى عام 1815 عندما أُجبر متحف اللوفر على تسليم غنائم حرب سابقة.

وفي سبتمبر (أيلول) 1815، وصل كارل فون ميفلينغ، الحاكم البروسي لباريس، إلى أبواب متحف اللوفر وأمر حراسه الفرنسيين بالتنحي جانباً، إذ كان مسؤولون بلجيكيون وهولنديون قد وصلوا، بدعم من القوات البروسية والبريطانية، لاستعادة التحف الفنية التي نهبها الفرنسيون خلال الحروب الثورية وحروب الإمبراطور الفرنسي الراحل نابليون بونابارت.

لوحة لأوغست كودر تصور نابليون بينما يقوم بجولة في متحف اللوفر الذي تضم مجموعته كنوزاً فنية استولى عليها جيشه (غيتي)

وينظر العديد من العلماء إلى هذه اللحظة باعتبارها تمثل تحولاً جذرياً في المواقف السياسية تجاه غنائم الحرب، إذ يعتبرونها لحظة ميلاد مرحلة «إعادة التوطين» وهو مفهوم يعنى إعادة القطع الثقافية التي تم الاستيلاء عليها في أوقات الصراعات إلى بلدانها الأصلية التي نُهبت منها.

ويقول لواين ساندهولتز، وهو أستاذ العلاقات الدولية والقانون في جامعة ساوث كاليفورنيا، الولايات المتحدة: «كان من المسلَّم به عالمياً أن المنتصرين في الحروب يمكنهم أخذ ما يشاءون، لكن الآن، للمرة الأولى، بات الحلفاء يطالبون بإعادة الكنوز الخاصة بهم».

وتعد إعادة المسروقات التي تم نهبها خلال حروب نابليون لحظة حاسمة في تاريخ الفن، وقد عاودت الظهور مراراً وتكراراً بعد 200 عام مع استمرار الجدل حول إعادة تلك الممتلكات إلى أوطانها.

وقبل ثلاث سنوات، ركز معرض أُقيم في باريس بعنوان «نابليون» في قاعة «غراند هال دي لا فيليت» على غنائم الإمبراطور الفرنسي الراحل الهائلة وجهود استردادها حول العالم، وفي العام الماضي، خلال معرض عن القطع المنهوبة في «موريتسهاوس» في لاهاي، كشف المسؤولون هناك أنه رغم أن نابليون أعاد العديد من الأعمال الفنية الهولندية التي قام بسرقتها، فإن هناك عشرات الأعمال الأخرى لم تتم إعادتها بعد.

ومن المقرر، خلال الخريف المقبل، أن تلقي المؤرخة الفنية الفرنسية، بينيديكت سافوي، سلسلة من المحاضرات في متحف «برادو» الوطني في مدريد حول تأثير عمليات إعادة توطين القطع التي جرى الاستيلاء عليها في 1815، وستركز المحاضرات التي تحمل عنوان «إعادة التراث المنهوب: 1815، تفكيك اللوفر وولادة المتاحف من جديد في أوروبا»، على مفهوم استرداد القطع الفنية، وأسسها القانونية والأخلاقية، وأخلاقيات إنشاء المتاحف الشاملة الغنية بالقطع الأثرية من جميع أنحاء العالم، وكذلك تكلفة القيام بذلك.

تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)

وقد تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة، ولكن في عام 1815، ومع وقوف جنود خصوم فرنسا متأهبين بسيوفهم على أبواب المتحف، أُزيلت لوحة «الثور» لبولس بوتر من على جدرانه، وكذلك الثلاثية الضخمة لبيتر بول روبنز «النزول من على الصليب»، التي نُهبت من أنتويرب، وغيرهما من الأعمال.

وكان الفرنسيون مترددين بشكل خاص في إعادة لوحة «الثور» وهي لوحة كبيرة تصور ثوراً مع حيوانات مزرعة أخرى، والتي كانت تثير إعجاب الجماهير بشكل خاص، وكان قد تم الاستيلاء عليها مع غيرها من الكنوز الفنية الأخرى عام 1795 من معرض الفن التابع لحاكم جمهورية هولندا، فيليم الخامس، في لاهاي بعد أن أعلن الجيش الثوري الفرنسي الغازي الجمهورية دولة تابعة له، وانضمت هذه القطع إلى كميات هائلة من القطع الفنية الأخرى التي جمعها نابليون لاحقاً خلال حملاته في إيطاليا وبروسيا والإمبراطورية النمساوية.

في عام 1815 شملت الأعمال الفنية التي سلمها متحف اللوفر لوحة «الثور» لبولوس بوتر من عام 1647 (موريتسهاوس)

وبعد ذلك أراد التحالف المنتصر، الذي كان قد هُزم في واترلو، استعادة كنوزه، ووضعت معاهدة باريس الثانية تفاهماً جديداً يتبنى فكرة إعادة القطع الفنية إلى أوطانها باعتبارها مبدأ من مبادئ القانون الدولي.

ويجادل المدافعون عن إنشاء المتاحف الشاملة، الذين يعارضون إعادة الآثار إلى بلادها، بأن الدافع وراء مطالبات الاستعادة هذه هو القومية، وأن تقدير الثقافات البعيدة والمتلاشية سيتقدم من خلال توزيع القطع الأثرية في جميع أنحاء العالم، أما أولئك الذين يسعون إلى استعادة الأعمال الفنية والتحف إلى أوطانها فيشيرون إلى أن الدول الأوروبية كانت تقوم في السابق بفرض حقها في إعادة القطع الخاصة بها أيضاً، وذلك عندما كانت أعمالهم الفنية هي التي على المحك.

وواجهت المتاحف في العديد من البلدان عدداً متزايداً من المطالب بإعادة القطع وكذلك عمليات الاستعادة، لدرجة أن بعض الخبراء اقترحوا لسنوات أن الوقت قد حان لإعادة ضبط هذه العملية، وفي العام الماضي، رفض متحفان كبيران في الولايات المتحدة، وهما معهد شيكاغو للفنون ومتحف كليفلاند للفنون، الجهود المبذولة لاستعادة بعض الأعمال الفنية المعروضة داخلهما، والتي يزعمان أنها لم يتم نهبها.

وتقول سافوي، وهي أستاذة في جامعة برلين التقنية وشاركت في تأليف تقرير حول الفن الأفريقي للحكومة الفرنسية في عام 2018 بناءً على طلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «كان العصر الفرنسي عصراً إمبراطورياً، ويمكننا القول إن باريس استعمرت أوروبا، ولذلك هناك أوجه تشابه مع المناقشات الجارية اليوم حول الفن المنهوب في زمن الاستعمار، من الدول الأفريقية، على سبيل المثال».

برونزيات بنين في المتحف البريطاني من القطع التي تطالب نيجيريا بعودتها (شاترستوك)

وقد اتخذ الفرنسيون أيضاً موقفاً متشدداً تجاه إعادة بعض الأعمال الفنية، فعندما قدم النحات الإيطالي أنطونيو كانوفا التماساً، نيابة عن البابا بيوس السابع، لإعادة تماثيل تم الاستيلاء عليها من روما والولايات البابوية، جادل الفرنسيون بأن هذه الأعمال لم يتم الاستيلاء عليها، بل تم التنازل عنها لفرنسا بموجب معاهدة تولينتينو عام 1797.

ولم يتفوق على حماسة نابليون في الاستحواذ على القطع الفنية في الحروب سوى (الزعيم النازي الراحل) أدولف هتلر، وذلك بعد نحو 150 عاماً، ولكن تم إرجاع نحو 80 في المائة من المسروقات التي نهبها نابليون.

وأوضحت سافوي أنه عندما أعيدت مسروقات حقبة نابليون، فإنه تم بناء متاحف جديدة من أجل عرض هذه الكنوز الوطنية، ونتيجة لذلك، ظهرت «جغرافية جديدة تماماً للمتاحف في أوروبا»، على حد قولها.

وشملت هذه المتاحف: المتحف الوطني في بلجيكا، ومتحف «برادو» في إسبانيا، ولاحقاً متحف «رايكس» في أمستردام، وتقول سافوي: «كان بعض هذه المتاحف موجوداً بشكل أصغر قبل عصر الإمبراطور الفرنسي، لكنها نمت الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

أبوظبي تحول مستودعات بضائع إلى مهد للفن والابتكار

يوميات الشرق «مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)

أبوظبي تحول مستودعات بضائع إلى مهد للفن والابتكار

ليس متحف اللوفر في أبوظبي، وإن كان الأشهَر، هو الوجهة الثقافية الوحيدة بالعاصمة الإماراتية، بل هناك مواقع كثيرة تحولت إلى مهد للإبداع والابتكار.

مالك القعقور (أبوظبي)
علوم صور أنشأها «نموذج الطبيعة الكبير» للذكاء الاصطناعي

أول متحف فني للذكاء الاصطناعي في العالم يتحدى العقول

مَعْلَم يلتقي فيه الخيال البشري بإبداع الآلة

جيسوس دياز (واشنطن)
يوميات الشرق مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)

معرض طرق الحرير... أوسع من طريق وأكثر من الحرير

ماذا تتخيل عندما تفكر في طريق الحرير؟ توابل، قوافل الجمال التي تعبر الكثبان الصحراوية ورحلات التجار حاملة البضائع النفيسة بين الشرق والغرب عبر طريق واحد؟

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق أيقونة «العذراء والطفل» من القرن السادس (أ.ب)

لمسات فرنسية أميركية على قسم الفنّ البيزنطي ومذاهب الشرق المسيحية في اللوفر

أعلن متحف اللوفر اختياره مجموعة فرنسية أميركية لتصميم سينوغرافيا العرض في قسمه الجديد المخصَّص لفنون بيزنطية ومذاهب الشرق المسيحية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق متحف «الفن العربي المعاصر» إضافة متحفية جديدة في مصر (الشرق الأوسط)

أعمال 9 فنانين سعوديين تزيّن متحف «الفن العربي» بالقاهرة

يضم المتحف أعمالاً مميزة لتسعة فنانين سعوديين، من بينهم طه الصبان الذي عُرف بوصفه «رائداً من رواد الحداثة العرب».


ميكروبات حيّة في صخور عمرها مليارا عام

العيّنة الصخرية المستخرجة مصدرها مجمع بوشفيلد الناري (جامعة طوكيو)
العيّنة الصخرية المستخرجة مصدرها مجمع بوشفيلد الناري (جامعة طوكيو)
TT

ميكروبات حيّة في صخور عمرها مليارا عام

العيّنة الصخرية المستخرجة مصدرها مجمع بوشفيلد الناري (جامعة طوكيو)
العيّنة الصخرية المستخرجة مصدرها مجمع بوشفيلد الناري (جامعة طوكيو)

عثر باحثون من جامعة طوكيو اليابانية على جيوب من الميكروبات الحيّة داخل صدع مغلق في صخور عمرها مليارا عام.

وأوضحوا أنّ الصخرة استُخرِجت من مجمّع بوشفيلد الناري في جنوب أفريقيا، المعروف بثرواته الغنية من المعادن، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «Microbial Ecology».

يُعد هذا أقدم مثال اكتُشف حتى الآن على وجود ميكروبات حيّة داخل صخور قديمة. وجاءت العيّنة الصخرية المُستخرجة من مجمع بوشفيلد الناري، وهو تكوين جيولوجي ضخم يقع في شمال شرقي جنوب أفريقيا، ويُعدّ واحداً من أكبر وأغنى التجمّعات المعدنية على الأرض. وهو تشكّل قبل نحو مليارَي عام نتيجة تبريد بطيء للصهارة تحت سطحها؛ مما أدّى إلى تكوين طبقات متمايزة من الصخور النارية.

ويمتدّ المجمع على مساحة تُقارب 66 ألف كيلومتر مربع، بسمك يصل إلى 9 كيلومترات، ويحتوي على احتياطات ضخمة من المعادن الثمينة، مثل البلاتين والكروم والحديد.

ونظراً إلى طريقة تكوينه وقلّة التغيّرات التي تعرّض لها، يُعتقد أنّ المجمع وفّر بيئة مستقرّة سمحت للميكروبات القديمة بالاستمرار في العيش حتى اليوم؛ مما يجعله موقعاً مهماً لدراسة الحياة المبكرة على الأرض.

وبمساعدة برنامج الحفر العلمي القاري الدولي، حصل الفريق على عيّنة صخرية بطول 30 سنتيمتراً من عمق نحو 15 متراً تحت الأرض.

وقُطِّع الصخر إلى شرائح رقيقة وحُلِّل، وعندها اكتشف الفريق خلايا ميكروبية حيّة محشورة بكثافة داخل الشقوق.

وكانت الفجوات المجاورة لهذه الشقوق مغلقة بالطين؛ مما جعل من المستحيل على الكائنات الحية المغادرة أو دخول أي مواد أخرى.

وطوّر الفريق البحثي تقنيات تصوير ثلاثية تشمل التصوير بالأشعة تحت الحمراء، والمجهر الإلكتروني، والمجهر الفلوري، للتأكد من أنّ الميكروبات كانت أصلية في العيّنة المُستخرجة، ولم تكن نتيجة تلوّث في أثناء عملية الاستخراج أو الدراسة.

وباستخدام صبغ الحمض النووي للخلايا الميكروبية، وتحليل البروتينات في الميكروبات والطين المحيط بها باستخدام الأشعة تحت الحمراء، تأكد الباحثون من أنّ الكائنات الحية وُجِدت بالفعل في الصخر ولم تتعرّض للتلوّث.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بكلية العلوم في جامعة طوكيو، الدكتور يوهي سوزوكي: «لم نكن نعلم ما إذا كانت الصخور التي عمرها مليارا عام صالحة للحياة. حتى الآن، كانت أقدم طبقة جيولوجية عُثر فيها على كائنات دقيقة حيّة تعود إلى 100 مليون عام تحت قاع المحيط، لذا فإنّ اكتشافنا مثير جداً».

وأضاف عبر موقع الجامعة أنه «من خلال دراسة الحمض النووي والجينومات لهذه الميكروبات، قد نتمكن من فهم تطوّر الحياة المبكرة جداً على الأرض، بالإضافة إلى تعزيز جهود البحث عن حياة خارجها، خصوصاً في العيّنات الصخرية التي قد تُحضَر من المريخ».