اكتشاف مدفن لعجلة وآله موسيقية في السعودية تعيد كتابة تاريخ الجزيرة العربية

وجدت في حرّات المهد والبقوم وحرّات أخرى بين مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة

العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)
العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)
TT
20

اكتشاف مدفن لعجلة وآله موسيقية في السعودية تعيد كتابة تاريخ الجزيرة العربية

العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)
العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)

تواصل السعودية جهود البحث والتنقيب عن الكنوز الآثارية التاريخية التي تحتفظ بها، والتي يقود اكتشافها إلى تجديد النظر في كتابة تاريخ المنطقة، وإعادة الاعتبار لدور الجزيرة العربية في الحضارة الإنسانية، انطلاقاً من موقعها الجغرافي الذي أهّلها للعب دور تاريخي، بقيت آثاره محفوظة في باطن الأرض أو محفورة على الشواهد الصخرية.

وتُقدم المدافن الأثرية التي يتم اكتشافها بين حين وآخر في مختلف مناطق المملكة فرصة ثمينة لبناء سردية جديدة عن التاريخ الحضاري لأراضي الجزيرة العربية، ويزيد البحث الميداني والدأب على اكتشاف التفاصيل في إغناء تلك الاكتشافات وإثراء نتائجها العلمية، وهي المهمة التي يتولاها الباحث الميداني والأنثروبولوجي السعودي الدكتور عيد اليحيى، وعالم الآثار الدكتور قصي التركي، والتي أسفرت عن اكتشاف أنماط مبتكرة في المدافن الأثرية ترتبط بالدور الحضاري للجزيرة العربية، وركزا جهودهما مؤخراً على «مدفن العَجَلة» الذي يكثر في حرّات المهد والبقوم وحرّات أخرى بين مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأيضاً على مدفن الآلة الموسيقية الذي قاد إليه أحد الهواة، وتنفرد به مدينة «تربة» التابعة لمنطقة مكة المكرمة.

أنماط عن الحياة والسماء وما بعد الموت

ويتطلب البحث والتقصي عن أبنية المدافن في السعودية وقتاً طويلاً وعملاً مضنياً، بسبب الأعداد الهائلة من المدافن، والاختلاف في تصاميمها وأغراضها وانتشارها على مساحات واسعة، يتعذر الوصول إلى بعضها بسبب وعورة الطرق وصعوبة التضاريس. ويسعى الباحثان اليحيى والتركي من خلال دراساتهما المتعاقبة إلى اكتشاف الأنماط المذهلة لتلك المدافن، والتي يرتبط أغلبها بطبيعة الحياة والسماء وعالم ما بعد الموت، وتأصيل الدور الحضاري لإنسان السعودية في وضع اللبنات الأولى لقيام الحضارة في العالم.

نموذج لواحد من آلاف المدافن من نمر العجلة يكثر في حرات المهد والبقوم وأخرى بين مكة والمدينة (الشرق الأوسط)
نموذج لواحد من آلاف المدافن من نمر العجلة يكثر في حرات المهد والبقوم وأخرى بين مكة والمدينة (الشرق الأوسط)

مدفن العَجَلة

آثر الباحثان تسمية واحد من أنماط المدافن بمدفن «العَجَلة» اعتماداً على تصميمه وشكله الذي يشبه العجلة، أو «المدفن النجمي»، نظراً للشبه الواضح مع النجمة الرباعية، لا سيما عند مقارنته مع ما يتطابق مع رمزه الصوري في المرحلة الصورية من الكتابة المسمارية ومعنى لفظة نجم أو كوكب. وقام الباحثان بجولة ميدانية في عدد من المواقع التي ضمّت آلاف المدافن في مناطق محددة من حرات المملكة، ورصد الأنثروبولوجي والمختص في حضارة الجزيرة العربية الدكتور عيد اليحيى مئات الآلاف منها في مناطق مختلفة من السعودية، ومن بين تلك النماذج التي تم اكتشافها نمط مدفن العجلة الذي يكثر في حرات المهد والبقوم، وحرّات أخرى بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ويوصف مدفن العجلة بكونه مدفناً دائرياً يشبه تماماً العجلة الدائرية التي تتوسطها ركائز، ولوحظ أن غرفة الدفن تقع في إحدى الجهات الأربع من العجلة، ويعتقد أنه تم إعداد المدفن لأربعة أشخاص، بيد أنه لم يدفن فيه إلا شخص واحد، والذي يظهر في الصورة الملتقطة من الأعلى كنقطة سوداء في الزاوية الشمالية الشرقية من العجلة.

العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)
العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)

رحلة الدلالة من الجزيرة العربية

وتتصل دهشة الاكتشاف بالتفسير والدلالة اللغوية والمعنى والشكل والتصميم لهذا النمط من المدافن، وهو ما وجده الدكتور قصي التركي الذي تتبع في إنتاجاته المتعددة الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي خلال تاريخ ما قبل الميلاد، وهو دليل آخر ينضم إلى أدلة كثيرة تشير إلى أن أصول سكان حضارة بلاد الرافدين تعود إلى الجزيرة العربية، حيث بنوا في حرات عديدة وبالآلاف مدافن حجرية، أخذت هذا التصميم للعجلة أو النجمة التي تحيط بها دائرة، واعتبروه مدفناً مهماً يرتبط بالكون والسماء والنجوم والكواكب ومنها كواكب عطارد والمريخ وزحل.

وحسب الباحثين، يُفهم من هذا التفسير أنه عندما استقر المهاجرون من الجزيرة العربية في بلاد الرافدين، أخذوا معهم شكل المدفن وأسقطوه على اختراعهم المعرفي المتمثل بالكتابة، فكانت الصورة الكتابية عبارة عن نجمة داخل عجلة، وتكرر هذا النمط مع نماذج لا حصر لها في حرات المهد والبقوم، وحرّات أخرى بين مكة والمدينة.

مدفن الآلة الموسيقية في محافظة تربة من تصوير سعد السبيعي الذي قاد إلى الاكتشاف (الشرق الأوسط)
مدفن الآلة الموسيقية في محافظة تربة من تصوير سعد السبيعي الذي قاد إلى الاكتشاف (الشرق الأوسط)

صدفة تقود إلى نمط فريد للمدافن الأثرية

وقادت الصدفة أحد الهواة لاكتشاف نمط فريد ومدهش من المدافن الأثرية، وذلك عندما وجد «سعد السبيعي» تشكيلاً مثيراً للانتباه في حرة «بني هلال» جنوب غربي السعودية. وقدم هذا الاكتشاف نموذجاً لنمط تنفرد به مدينة تربة، التابعة لمنطقة مكة المكرمة، يوحي شكله إلى ما يشبه آلة موسيقية، لها عمود طويل، وأسفل الدائرة البيضاوية الشكل مجموعة من المثلثات الحجرية عددها 17 مدفناً، تشبه الأوتار.

وبشكل دقيق، وموجز، فإن قطر الدائرة البيضاوية شمال - جنوب 50م، شرق غرب 40م، وطول المذيل نحو 100م، وعرضه يصل إلى 2م، وبارتفاع يصل إلى 1.50م، أما المدافن الأخرى المرتبطة بالمدفن الرئيسي، فبنيت عند بداية المذيل من جهة الدائرة البيضاوية، وتأخذ شكل مثلث، وبعرض 2م وطول يتراوح بين 4م إلى 5م، وتأتي قاعدة المدفن المثلث مرتفعة في البداية، ثم يميل المثلث إلى الانحناء ناحية رأس المدفن، ويقع في وسط أعلى الدائرة البيضاوية مكان القبر الرئيسي للشخصية الأكثر أهمية، والتي بني من أجلها المدفن.

وتقود أعمال اكتشاف المدافن الفريدة على الأراضي السعودية إلى تغيير الكثير من المعلومات حول تاريخ الجزيرة العربية بشكل عام، وتاريخ السعودية وحضارتها على وجه الخصوص. ويواصل الباحث السعودي الدكتور عيد اليحيى وعالم الآثار الدكتور قصي التركي جهودهما لإنجاز العديد من الدراسات والمشاريع الميدانية والعلمية، للفت الانتباه لما تكتنزه المناطق السعودية من حضارات وإرث يعود لآلاف السنين، وينتظر جهوداً مضاعفة لاكتشافه وتسليط الضوء على تفاصيله، وإظهار المكانة الحضارية للسعودية باعتبارها الموطن الأول للبشرية.


مقالات ذات صلة

السعودية: 20 ألف ريال غرامة لمحاولة الحج بلا تصريح

الخليج «الداخلية» شدَّدت على أهمية الالتزام بأنظمة وتعليمات الحج (واس)

السعودية: 20 ألف ريال غرامة لمحاولة الحج بلا تصريح

تطبق السعودية غرامة مالية تصل إلى 20 ألف ريال (5.3 ألف دولار) بحق من يضبط مؤدياً أو محاولاً أداء الحج دون تصريح، اعتباراً من 29 أبريل وحتى 10 يونيو.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)
الخليج والي الخرطوم أحمد حمزة مستقبلاً السفير السعودي علي بن جعفر (سونا)

السعودية تعلن تأهيل 5 مستشفيات في السودان

أعلن علي جعفر السفير السعودي لدى السودان عن تكفل بلاده بتأهيل 5 مستشفيات في عدة ولايات سودانية، وتوفير الأجهزة والمعدات الطبية لها.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
يوميات الشرق تركز القطع والتحف النادرة على «أسلوب الحياة السعودي» وتُقدَّم لأول مرة أمام الجمهور (واس)

«آسان» يعرض مقتنيات تاريخية تحتفي بالإرث الثقافي السعودي

أبرم متحف «مسك للتراث» (آسان) اتفاقية تعاون تمتد لـ30 عاماً مع «فنون التراث» لعرض مجموعة متنوعة وواسعة من المقتنيات التراثية التي تمتلكها وتحتفظ بها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير محمد بن سلمان مترئساً جلسة مجلس الوزراء السعودي في جدة الثلاثاء (واس)

السعودية: أمن المنطقة يتطلب حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية

شدد مجلس الوزراء السعودي، أمس (الثلاثاء)، على أن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلَّب الإسراع في إيجاد حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وحسين الشيخ (الخارجية السعودية)

وزير الخارجية السعودي ونائب الرئيس الفلسطيني يبحثان تعزيز العمل المشترك

بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، سبل تعزيز العمل المشترك لدعم قضية فلسطين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الملك تشارلز: رحلتي مع السرطان أظهرت «أفضل ما في الإنسانية»

الملك تشارلز يتحدث إلى الضيوف خلال حفل استقبال بقصر باكنغهام في لندن احتفالاً بالمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى زيادة الوعي بالسرطان (أ.ب)
الملك تشارلز يتحدث إلى الضيوف خلال حفل استقبال بقصر باكنغهام في لندن احتفالاً بالمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى زيادة الوعي بالسرطان (أ.ب)
TT
20

الملك تشارلز: رحلتي مع السرطان أظهرت «أفضل ما في الإنسانية»

الملك تشارلز يتحدث إلى الضيوف خلال حفل استقبال بقصر باكنغهام في لندن احتفالاً بالمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى زيادة الوعي بالسرطان (أ.ب)
الملك تشارلز يتحدث إلى الضيوف خلال حفل استقبال بقصر باكنغهام في لندن احتفالاً بالمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى زيادة الوعي بالسرطان (أ.ب)

وصف الملك البريطاني تشارلز الثالث، اليوم الأربعاء، كيف يمكن أن يكون تشخيص الإصابة بالسرطان تجربة «مرعبة ومخيفة في بعض الأحيان» للمرضى وأحبائهم، وذلك خلال استضافته فعالية للإشادة بـ«العمل الاستثنائي» الذي تقوم به جمعيات السرطان الخيرية، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

ضمن رسالة كُتبت لضيوف في قصر باكنغهام للاحتفال بالمنظمات التي تساعد المصابين بهذا المرض، تأمل تشارلز بعمق في تجربته مع السرطان.

بصفته واحداً من نحو ألف شخص في المملكة المتحدة يتلقون تشخيصاً بالسرطان يومياً، قال تشارلز إن رحلته منحته «تقديراً أعمق للعمل الاستثنائي» الذي تقوم به الجمعيات الخيرية.

وأفاد: «كل تشخيص، وكل حالة جديدة، ستكون تجربة مروعة ومخيفة في بعض الأحيان لهؤلاء الأفراد وأحبائهم. ولكن بصفتي أحد المرضى، أستطيع أن أشهد على حقيقة أنها قد تكون أيضاً تجربة تُبرز أفضل ما في الإنسانية».

أوضح الملك البالغ من العمر 76 عاماً، الذي لا يزال يخضع للعلاج بعد أكثر من عام من تشخيص إصابته بسرطان لم يُكشف عن نوعه، إن تجربته قد عززت فكرة أن «أحلك لحظات المرض يمكن أن تُضاء بأكبر قدر من التعاطف».

دعا تشارلز وزوجته الملكة كاميلا ممثلين عن جمعيات خيرية لمكافحة السرطان يدعمانها، من بين جهات أخرى، إلى القصر الملكي لحضور حفل الاستقبال.

رغم تزايد ظهور تشارلز في الأشهر الأخيرة، فإنه نُقل إلى المستشفى لفترة وجيزة الشهر الماضي نتيجة لآثار جانبية «مؤقتة» ناجمة عن علاج السرطان.

وفي ظل عدم تقديم أي تحديث عن صحة الملك، إلا أن عودته إلى واجباته العامة تُشير إلى أن علاجه يسير في الاتجاه الصحيح.

وتزامن مرض تشارلز مع تشخيص إصابة زوجة ابنه ويليام، كيت ميدلتون، بالسرطان. وحصلت الأميرة على إجازة لأكثر من ستة أشهر قبل أن تعود إلى مهامها العامة في أواخر سبتمبر (أيلول).

عاجل بلومبرغ: الولايات المتحدة وأوكرانيا توقعان اتفاقية الموارد الطبيعية