زيارة «الأفروسينتريك» للمتحف المصري تجدد الجدل بشأن أفكارها

آثاريون عدوا الحديث عن أصولهم الفرعونية «تخاريف»

صورة نشرها البروفيسور كابا أحد دعاة الأفروسنتريك على صفحته في فيسبوك (فيسبوك)
صورة نشرها البروفيسور كابا أحد دعاة الأفروسنتريك على صفحته في فيسبوك (فيسبوك)
TT

زيارة «الأفروسينتريك» للمتحف المصري تجدد الجدل بشأن أفكارها

صورة نشرها البروفيسور كابا أحد دعاة الأفروسنتريك على صفحته في فيسبوك (فيسبوك)
صورة نشرها البروفيسور كابا أحد دعاة الأفروسنتريك على صفحته في فيسبوك (فيسبوك)

جددت زيارة لمجموعة من «الأفروسينتريك» للمتحف المصري بوسط القاهرة الجدل بشأن أفكارها التي تدعي أن أصول الحضارة المصرية القديمة أفريقية، وتتعصب للعرق صاحب البشرة السوداء، وتحاول التأصيل له على نطاق واسع.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور فوتوغرافية للمجموعة داخل المتحف المصري، مع تعليقات تشير إلى ترويجهم لأفكارهم التي تسعى إلى نسبة الحضارة المصرية للأفارقة ذوي البشرة السوداء.

ورد آثاريون على ادعاءات ومزاعم «الأفروسينتريك» واعتبروها «مجرد تخاريف»، فيما طالب مستخدمون لـ«السوشيال ميديا» بضرورة تكثيف الرقابة على المواقع الأثرية ومنع هذه المجموعة ومن يتبنون أفكارها من استغلال تلك المواقع بشكل سيئ.

و«الأفروسينتريك» حركة فكرية تقوم على المركزية الأفريقية للعالم، وتدعي تفوق العرق الأسود، ولها العديد من المفكرين والأكاديميين في الولايات المتحدة تحديداً من أصول أفريقية يسعون لربط الحضارة المصرية القديمة بالعرق الأسود الأفريقي، الأمر الذي أثار اعتراضات وردود فعل غاضبة أكاديمية ورسمية وشعبية في مصر.

إحدى اللوحات المصرية القديمة التي تشير لعلاقة الفراعنة بأفارقة جنوب الصحراء (الدكتور أحمد بدران)

وتعقيباً على زيارة مجموعة من «الأفروسينتريك» للمتحف المصري مؤخراً وترويج أفكار عن الأصول الأفريقية للحضارة المصرية أصدر عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس بياناً ذكر فيه أن أفكار هذه المجموعة حول الأصول الأفريقية السوداء للحضارة المصرية «مجرد تخاريف»، معضداً ذلك بالأدلة والبراهين التاريخية.

وقال حواس في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المجموعة ذهبت إلى المتحف المصري وتحدثوا عن أشياء لا أساس لها من الصحة، فلا يوجد دليل واحد على ما يقولونه».

وذكر ثلاثة أسباب لكذب هذه الادعاءات «أولها أن مملكة كوش السوداء التي حكمت مصر عام 500 قبل الميلاد كانت في نهاية العصر المتأخر أي كانت الحضارة المصرية في مرحلة الانتهاء وليس البداية، ثانياً أنه في جميع المناظر الخاصة بملوك الدولة القديمة حتى نهاية العصر المتأخر سنجد أمام الملك أعداء مصر من أفريقيا وليبيا وسوريا وفلسطين وهو يضربهم، ووجه الملك المصري يختلف تماماً عن وجه الملك الأفريقي».

وأضاف: «السبب الثالث لنفي هذه المزاعم هي أنهم إذا كانوا عملوا هذه الحضارة لماذا لم يصنعوها في مكان آخر، هذه إشاعات لا أساس لها من الصحة».

وانتشرت على «السوشيال ميديا» صور المجموعة التي زارت المتحف المصري من «الأفروسينتريك» مع تحذيرات من شباب ومستخدمي «إكس» من هذه المجموعات وضرورة التصدي لها ومنعها من ترويج ادعاءاتها حول الحضارة المصرية.

وشدد حواس على أن «الرد على هؤلاء المدعين يجب أن يكون بشكل علمي ومدروس»، مشيراً إلى أنه أصدر بياناً بالإنجليزية والعربية ونشر فيديو يلف العالم كله «لتفنيد كذب هذه المزاعم»، وحذر من منعهم بطريقة إجرائية، معتبراً «ذلك قد يؤدي للتعاطف معهم؛ فيجب أن يكون الرد علمياً وموثقاً».

ويعتبر موليفي كيتي أسانتي أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة تمبل الأميركية ومؤسس معهد أكاديمي باسمه للدراسات الأفريقية، هو أحد رموز وكبار منظري تلك الحركة عبر مجموعة مؤلفات بدأ نشرها عام 1980 من بينها «أفروسنترستي» و«فكرة المركزية الأفريقية»، ويطرح أفكاراً تشير إلى أن الحضارة الفرعونية قامت على جهود الأفارقة الزنوج. مرتكزاً في ذلك على رصد هجرات وظواهر اجتماعية، بالإضافة لبعض المراجع مثل كتاب «الأصول الزنجية للحضارة المصرية» للسنغالي أنتا ديوب.

وعدّ أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد بدران «مثل هذه الادعاءات المتطرفة الهادفة إلى سرقة المنجزات الحضارية والتاريخية للحضارة المصرية القديمة ليست أمراً جديداً أو طارئاً، بل هي قديمة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «البعض قد يندهش حين أقول إن هناك عداء تاريخياً من قبل هؤلاء العنصريين، فقد أشار المصريون القدماء مراراً في نصوصهم إلى مصطلح «كوش الخاسئة»، والذي يعني به العمق الأفريقي المعادي دائماً وأبداً للحضارة المصرية منذ فجر التاريخ». وفق قوله.

منظر لأحد الأفارقة على جدران المعابد المصرية القديمة (الدكتور أحمد بدران)

وسبق أن أثارت منصة «نتفليكس» ضجة العام الماضي إبان عرض مجموعة أفلام وثائقية عن الملكة المصرية «كليوباترا»، مستعينة بممثلة بملامح أفريقية وبشرة سوداء للقيام بدور الملكة التي تعود أصولها للبطالمة اليونانيين، وهو ما رد عليه مسؤولون في وزارة السياحة والآثار وقتها معتبرين تلك الأفلام «تزييفاً للتاريخ المصري ومغالطة تاريخية صارخة، خصوصاً أن الفيلم مصنف كفيلم وثائقي وليس كعمل درامي».

واعتبر بدران «مواجهة هذه الحركة لا يكون سوى بنشر الوعى بتاريخ وإرث أمتنا على أسس علمية وفكرية سليمة يتبناها المتخصصون والمفكرون الحقيقيون»، مشيراً إلى «اعتزازنا بانتمائنا لأفريقيا والتأثير الحضاري بها لكن في الوقت نفسه يجب مواجهة مزاعم (الأفروسينتريك) حول علاقة أفارقة جنوب الصحراء بالحضارة المصرية، والتي لم تتعد فترة حكم قصيرة لمملكة كوش في النوبة».

موضحاً أن «(الأفروسينتريك) ظهرت منذ سنوات وتزداد انتشاراً مدعومة من جامعات ومؤسسات أميركية ومعادية. وعلينا أن نرد وندافع عن حقوقنا الواضحة، وأن نفضح ادعاءاتهم الكاذبة ضد مصر العظيمة وحضارتها الخالدة».


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
TT

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)
أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)

قالت المخرجة المغربية أسماء المدير، إن رحلتها من أجل الحصول على تمويل لفيلمها «كذب أبيض» لم تكن سهلة، بل عاشت معاناة على مدى 10 سنوات معه، بيد أن هذا لم يُزعزع ثقتها أبداً، مؤكدةً في حوار مع «الشرق الأوسط» أنها شَرَعت في العمل على فيلم جديد، وتعكف حالياً على كتابة عملٍ روائيٍّ طويل مُستمَداً من الواقع.

وأشارت أسماء المدير إلى أنها لا تضع نفسها تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يحظى فيلمها المقبل بقدر نجاح «كذب أبيض»، وأن هذا حدث مع كبار مخرِجي السينما في العالم.

وحرصت المخرجة الشابة على حضور المهرجان الدولي لفيلم المرأة الذي يُقام بمدينتها «سلا» بالمغرب، وقد استقبلها الجمهور بحفاوة، وأقام المهرجان حواراً معها بحضور المخرجين الشباب، وطلبة مدارس السينما.

ووضع فيلم «كذب أبيض» أسماء المدير في مكانة سينمائية جيدة، بعدما طافت معه على مدى عام في مهرجانات عدة، حاصداً جوائز كثيرة، فما وقْعُ ذلك كله عليها؟

تجيب أسماء المدير: «لم أتغيّر، لكن مسيرتي المهنية تغيّرت، فقد تحقّق جزء كبير من أحلامي السينمائية، من بينها وصول الفيلم لمهرجان (كان) وفوزه بجائزتين، وتمثيله لبلادي بالأوسكار، وقد حقّقت ما أردته من أن يكون إنتاجاً عربياً خالصاً، من المغرب والسعودية وقطر، كما نجاحه بوصفه أول فيلمٍ مغربي يحصل على الجائزة الكبرى في مهرجان (مراكش)، وترشّحي لجائزة (الروح المستقلة) مع سينمائيين كبار، على غرار مارتن سكورسيزي، وجوستين تريت؛ مخرجة فيلم (تشريح سقوط)، لا شك أن (كذب أبيض) فتح أمامي أبواب السينما العالمية».

لقطة من فيلم «كذب أبيض» (إدارة مهرجان «سلا»)

لم يكن نجاح الفيلم لحظياً، فالنجاح في رأي أسماء مجموعة من المحطات عبر الزمن، وسنوات تتخلّلها مراحل سقوط ونهوض، تُعِدّ نفسها كما لو كانت في سفر ووصلت إلى المحطة التي تبغيها، مثلما تقول: «قد يجعلني ذلك لا أشعر بنشوة النجاح سوى مع مرور الوقت، حين ألتقي بصُنّاع أفلام كبار يقولون لي: لقد نجحت».

هل يكون النجاح الباهر عائقاً أمام تجربتها السينمائية المقبلة، ومتى تبدأها؟

تجيب أسماء، ذات الـ34 عاماً، قائلة: لقد «بدأتها بالفعل، أعمل على فكرة فيلم روائي مرتبط بقصة حقيقية، ولكن بطريقتي، وأحاول أن أستمد أفلامي من الواقع، ولا أضع نفسي تحت ضغوط النجاح، وليس بالضرورة أن يكون العمل المقبل بنجاح (كذب أبيض)، نعم سأشتغل عليه بالجدية نفسها، لكنني لا أتحكم في النجاح، فقد لا يعجب الجمهور مثلاً، وليس معنى ذلك أنني فشلت، بل عليّ أن أُجرّب شكلاً آخر، ومَن يخشى التجربة يفتح لنفسه باب الفشل».

وتضيف موضّحةً: «مُخرِجون كبار حدث معهم هذا، ومنهم المخرج الإيراني عباس كياروستامي الذي قدّم أفلاماً قوية، ومن ثمّ قدّم فيلماً لم يكتب عنه ناقد واحد، حتى المخرج يوسف شاهين تعجبني بعض أفلامه، وبعضها ليس على المستوى نفسه، وأذكر حين زارنا المخرج محمد خان خلال دراستنا السينما، قال إنه يصنع أفلامه كما يريدها، وهذا كل شيء، لذا أقرأ النقد وأدَعُه جانباً، فقد انتهى الفيلم بالنسبة لي».

تأثّرت أسماء المدير بمخرجين مغاربة كبار، ومن بينهم حكيم بلعباس في كل أفلامه، ومحمد المعنوني بفيلمه «الحال»، وفوزي بن سعيدي في «ألف شهر».

المخرجة المغربية أسماء المدير (إدارة مهرجان سلا)

عاشت أسماء المدير رحلة معاناة تَعُدُّها رحلة صحية، قائلة: «عانيت مع الفيلم 10 سنوات، كبرت خلالها معه سعياً وراء الإنتاج الذي حلمت به في كل تفاصيله، المونتاج والإخراج والكتابة، وقد بدأته في 2016، وفي عام 2020 وصلنا لآخر محطة تصوير، وخلال عامَي 21 و22 كان المونتاج، ليصدر الفيلم في 2023، قبل ذلك عشت مراحل من الفشل والنجاح، كنت أقدّم ملف الفيلم لصناديق دعم فترفضه، لكنني كنت واثقة أنني أصنع فيلماً حقيقياً، فلم يتزعزع إيماني به، ولم أستسلِم لثقة اكتسبتها، فأنا لا أعرف شيئاً آخر سوى السينما، هي شغفي ودراستي ومهنتي، ومجالي الذي اخترته وتخصصت فيه، وصارت الهواية مهنة، وعندي دائماً نظرة بعيدة أتجاوز بها العراقيل، وأتطلّع لما بعد».

تنظر لما مرّت به بشكل إيجابي، قائلة: «أرى أن هذه الرحلة تجربة صحية، فلو حصلت على دعم كبير في البداية كنت سأجد صعوبة في تحقيق ما وصلت إليه في النهاية، بالنسبة لي هي أشياء صحية لأي مبتدئ، وأغلب صُنّاع الأفلام يواجهون ذلك في البداية».

وتنحاز المخرجة المغربية للأفلام الوثائقية، مؤكّدة: «إنه مجال خصب، وبه حرية أكبر وأشكال كثيرة ممكن تجريبها، الأفلام الروائية أحياناً تكون متشابهة، ومنذ زمن لم نشاهد تجارب مبهرة تخرج عن المألوف، لكن الوثائقي لا يزال خصباً».

فرحتها الكبيرة حين تُوِّج فيلمها بالجائزة الكبرى في «مراكش» (إدارة مهرجان سلا)

لحظات سعادة عاشتها أسماء المدير مع الفيلم في مدن عدة، لكن أسعدها يوم عُرض في مهرجان «مراكش»، تقول: «أجمل ما سمعت عن الفيلم كان في مراكش أيضاً، الجمهور المغربي كان رائعاً في استقباله للفيلم، وقد حظي بنجاح أسعدني، كما عُرض في مهرجان (البحر الأحمر السينمائي)، والآن هناك موزّع سينمائي في مصر يتفاوض على عرضه بالقاهرة مع الجهات التي تملك حقوق توزيعه».