معرض «أمل في عصر ديستوبيا» اليأس ممنوع

في 65 عملاً تنبض بالفنون التشكيلية على أنواعها

مسرح البيكاديللي يتوسط المعرض (الشرق الأوسط)
مسرح البيكاديللي يتوسط المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «أمل في عصر ديستوبيا» اليأس ممنوع

مسرح البيكاديللي يتوسط المعرض (الشرق الأوسط)
مسرح البيكاديللي يتوسط المعرض (الشرق الأوسط)

تستوقفك في معرض «أمل في عصر ديستوبيا» مشهدية مضيئة مشبعة بالحرية منذ اللحظة الأولى، فتخلع عنك مشاعر التعب والإحباط. وتدرك أنك في محطة من الإبداع شبيهة بنفحات هواء باردة في عزّ الصيف. فهنا العالم ملوّن تحكمه الريشة بدل الفساد. والفوضى تبحث عن مخرَج لها لأنها تشعر بالاختناق.

صندوق الفرجة لألفرد طرزي (الشرق الأوسط)

تدفعك الأعمال المعروضة لفنانين لبنانيين وعرب لتخيل مسارات مختلفة لمستقبل أفضل. أعمال تتراوح أمزجتها ما بين الأمل واليأس، حرص منظمو المعرض «مؤسسة دلول الفنية» على إيصال رسالة مباشرة. فعدم قدرتنا على الإفلات من واقع قاتم لا يعني حرماننا من ألوان الحياة.

يحتوي معرض «أمل في عصر ديستوبيا» على 65 عملاً فنياً، حيث يحضر النحت كما الرسم والميكسد ميديا والحياكة والتجهيز الفني والتصوير الفوتوغرافي. في بهو المبنى الذي يحضن المعرض تبدأ الحكاية. منحوتة لجبران خليل جبران الأديب والكاتب والشاعر والرّسام اللبناني العالمي.

جانب من المعرض من تنظيم مؤسسة دلول الفنية (الشرق الأوسط)

وفي لوحة يتحلق حولها البهاليل تبتسم عند قراءة عنوانها «أصحاب القرار». تكمل المشوار إلى الطابق التاسع، حيث الأعمال الفنية المعروضة التي نسّقتها وفاء الرز، ووزّعتها على مساحة طابق بأكمله لتتسامر مع بعضها. وأحياناً تدفعها للإجابة عن لوحة أخرى تقابلها. وهي تشكل حفنة من مجموعة لوحات تملكها المؤسسة المنظمة. معظمها يحكي عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي نعيشها اليوم. كما تترجم أفكار فنانين ناشئين رغبوا في خوض هذه التجربة من باب رؤيتهم الشبابية.

العودة إلى الجذور يقدمها الفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم؛ إذ تعكس لوحته الأشكال التقليدية لرسومات قدماء وطنه على حيطان منازلهم. ألوانها زاهية ترمز إلى الصحراء والشمس والسماء، في حين يذكّرنا الثنائي جوانا وخليل جريج بحقبة لبنان الذهبية، فيقدمان لوحتين تمثلان مشروعاً لمتحف فضائي كان يعدّ له.

ويصوّر مروان شمعة أحلام الشباب المصبوغة في الأفق الأميركي بلوحة تتوسطها عبارة «كل يوم كمشي». فهذا الطبق الكوري (كمشي) المشهور، إضافة إلى رسم لـ«بروس لي» بطل الكاراتيه الراحل، يترجمان خيبات أمل من اعتقد أنه في بلاد الأحلام. وفي مجموعة صور لزياد عنتر التقطها لأفراد من رجال الأمن نلمس نوعاً من السخرية، نراهم وهم يركبون دراجات نارية حديثة قدمتها أميركا لرجال الشرطة، وبقيت مجرّد صورة. لأن تفعيل دور السلطة الحقيقية عندهم كانت مفقودة. واقتصر الموضوع على تعزيز الأسلوب الأميركي.

معرض «أمل في عصر ديستوبيا» يستمر لغاية 15 أغسطس المقبل (الشرق الأوسط)

تكمل المشوار في صالة عرض «أمل في عصر ديستوبيا» لترى حلماً مكسوراً لمحمد سعيد بعلبكي. وهي كناية عن تجهيز فني يحمل عبارة «الحلم المنكسر» وقد قولبها بأسلوب يترجم معناها.

أما الفنان يريفان فحمّل مكعّبات من الخشب رسومات من زمن الفن الجميل، فنشاهد سميرة توفيق، وشادية، ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم على جهاتها الأربع. وتهب عليك «الرياح السوداء» من مصر بأنامل عليا الغريدي، ففي مرحلة «كورونا» استوحت من هذا الفيروس رسوماتها بتقنية الـ«ميكسد ميديا».

وتحيك جوانا ألارد مجموعة لوحات بعنوان «وليمة على الأنقاض»، تحكي في كل منها عن حدث في بلد عربي. تمرّ على العراق وفلسطين وبيروت واليمن مستخدمة تقنية الثقوب على قماش القطن. وفي رسمة لميشال حلاق نتفرج على السوق القديمة في حيفا، حيث تختلط العمارة الحديثة مع القديمة.

أماني الثويني الكويتية تحكي قصة العروس في 4 لوحات محاكة باليد. ومنها ينتقل زائر المعرض إلى الفنان الفلسطيني عامر شوملي، فيشارك في لوحة تتألف من بحر خيطان ما يعرف بـ«المكوك». ويخبر فيها أيضاً حكاية عروس من فلسطين لم ينعقد قرانها على حبيبها لأنه فقد بين ليلة وضحاها. ومن أعمال التطريز الخلابة التي يضمها المعرض مجموعة للفنان الفلسطيني خالد حوراني، بينما يحضر خشب الأرز المطلي بالأبيض في منحوتة لمهى الملا، وبجوارها تجهيز للسعودية مها ملوح، يتألف من مجموعة شرائط تسجيلية (كاسيت) ملونة، كانت تشكل الخبز اليومي للتلامذة الفتيات. فيتعلمن منها الدروس في القراءة والإنشاء في منازلهن. وقد وضعتها على لوح خشبي ليمثل مائدة الغذاء التعليمي اليومي.

وتصطف اللوحات بمحاذاة بعضها وكأنها كنوز معلقة لا تشبع من تأمل لمعانها. وسط الصالة تنتصب لوحة عملاقة لأيمن بعلبكي تحمل اسم «مسرح البيكاديللي». وتكمن جماليتها بلونها الأحمر الناري. فيغطي مساحة شاسعة لصالة عريقة شهدت أجمل العروض الفنية أيام بيروت العز. وينقل فيها زخرفات أسقف مهدمة وحيطان مهجورة ومسرح انطفأت أنواره عنوة. وللفنان هادي سي مجموعة أعمال تشارك في المعرض بينها ما يرتكز على فن الأرقام. وأخرى تنطلق من تاريخ رقم الصّفر مع الخوارزمي. وقد وضعه نافراً على أوراق عملة الدولار الأميركي.

الفنانة ياسمينا نستنز الفنلندية اللبنانية الأصل تستحضر أجواء المافيا. في لوحة «ذا كوفرتس» البارز فيها الأصفر تقف مجموعة رجال تخطط بعقل المافيا.

كاتيا طرابلسي وعبارات الشاحنات (الشرق الأوسط)

ومن بين الأعمال اللافتة في المعرض واحدة لألفرد طرزي. وهي كناية عن صندوقين منفصلين يعملان بـ«مانيفل» بواسطة اليد، يصوران قصة لبنان عبر حقبات مختلفة من خلال جورجينا رزق وزوجها الراحل أبو علي سلامة. أما كاتيا أسود فتُطلق العنان لإبداعها في لوحة تجهيز فني حديدي يخرج عن المألوف. تحمل عبارات نقرأها عادة على خلفيات الشاحنات. ومن بينها «ما شاء الله»، و«يا وطني يا غالي»، و«ما عليك مني»، و«رضا الوالدين».


مقالات ذات صلة

فرنسا: محكمة تعلق قرار استبعاد الشركات الإسرائيلية من معرض الأسلحة يوروساتوري

أوروبا زوار أمام شعار معرض يوروساتوري الدولي للدفاع الجوي والأمني في فيلبينت إحدى ضواحي باريس الشمالية 17 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

فرنسا: محكمة تعلق قرار استبعاد الشركات الإسرائيلية من معرض الأسلحة يوروساتوري

أمر القضاء الفرنسي، الثلاثاء، الجهة المنظمة لمعرض يوروساتوري لشركات الأسلحة المنظم بالقرب من باريس، «بتعليق» منع مشاركة الشركات الإسرائيلية فيه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق معرض «آرت بازل» بسويسرا 13 يونيو (إ.ب.أ)

معرض «آرت بازل» اختبار لصحة سوق الفن عالمياً

شهد معرض «آرت بازل» للفن المعاصر المُقام هذا الأسبوع في سويسرا مرة جديدة مبيعات ضخمة تخفي تطوّراً غير منتظم لسوق الفن التي لا تزال في «وضع سيئ»، بحسب الخبراء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سيُدشّن «كتاب المعلقات» باللغة الكورية (واس)

احتفاء عالمي بالثقافة السعودية وكنوزها الفنية والتراثية

تفتح الثقافة السعودية نوافذ لعرض ألوان من فنونها وكنوزها التراثية وتجاربها الفكرية والإنسانية لزائري معرضي بكين وسيول للكتاب.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق زوار ينظرون إلى العمل الفني من الربيع إلى الخريف للفنان الأميركي سام فالسون (أ.ب)

«آرت بازل» اختبار لسوق الفنون في سويسرا بعد عام من التراجع

بمشاركة نحو 300 جهة عرض من حول العالم، يقام في سويسرا معرض «آرت بازل» هذا الأسبوع ، والذي يشكل اختباراً لصحة سوق الفنون خلال الأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من افتتاح المعرض العام بمصر (قطاع الفنون التشكيلية)

«المعرض العام» يمنح الحركة التشكيلية في مصر زخماً واسعاً

يمنح المعرض العام الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية الحركة التشكيلية في مصر والوطن العربي زخماً.

محمد الكفراوي (القاهرة )

حيوان عاش قبل 250 مليون عام يقدم صورة عن بدايات تطور أدمغة الثدييات

صورة تخيلية نشرتها جامعة إدنبرة لهيئة الحيوان الذي أطلق عليه العلماء اسم جوردونيا (رويترز)
صورة تخيلية نشرتها جامعة إدنبرة لهيئة الحيوان الذي أطلق عليه العلماء اسم جوردونيا (رويترز)
TT

حيوان عاش قبل 250 مليون عام يقدم صورة عن بدايات تطور أدمغة الثدييات

صورة تخيلية نشرتها جامعة إدنبرة لهيئة الحيوان الذي أطلق عليه العلماء اسم جوردونيا (رويترز)
صورة تخيلية نشرتها جامعة إدنبرة لهيئة الحيوان الذي أطلق عليه العلماء اسم جوردونيا (رويترز)

قبل أكثر من 250 مليون سنة كانت أسكوتلندا ذات طبيعة صحراوية تغطيها الكثبان الرملية بعكس الضباب والمطر اللذَين يميزانها في وقتنا هذا.

واستوطن تلك البيئة الصعبة في ذلك الوقت حيوان ينتمي إلى فصيلة الثدييات يشبه الخنزير، وله وجه قريب من ملامح كلاب البج، ونابان طويلان، أطلق عليه العلماء اسم «جوردونيا».

واستخدم باحثون التصوير ثلاثي الأبعاد عالي الدقة على حفرية جوردونيا الذي عاش خلال العصر البرمي لرؤية تجويفه الدماغي، واستنساخ صورة رقمية مطابقة من الدماغ تعرض نظرة ثاقبة على حجم وتكوين هذا العضو الحيوي خلال مرحلة مبكرة من تطور الثدييات، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

مقدمة لتشكل الذكاء البشري

يختلف دماغ جوردونيا كلياً عن الثدييات الحديثة، إلا أن حجمه مقارنة بجسمه بدا مقدمة للذكاء الذي ساعد الثدييات في وقت لاحق في الهيمنة على الأرض.

وينتمي جوردونيا، الذي عاش قبل نحو 252 إلى 254 مليون سنة، إلى فصيلة من الثدييات الأولية التي احتفظت بسمات أسلاف الزواحف.

وقال هادي جورج، طالب الدكتوراه بعلم الحفريات في جامعة بريستول وكبير مُعدي الدراسة التي نشرت هذا الأسبوع بدورية «لينيان» لعلم الحيوان: «دماغ جوردونيا عموماً أقرب إلى الزواحف من الثدييات، وذلك رغم قربه إلينا أكثر من جميع الزواحف الحديثة الحية».

وأوضح جورج أن الجزء الأمامي من دماغ جوردونيا أصغر نسبياً مقارنة بجميع الثدييات الأخرى.

وأضاف أنه في حين أن دماغ جوردونيا لا تختلف عموماً عن أسلاف الثدييات، فإن الغدة الصنوبرية المسؤولة عن التمثيل الغذائي كبيرة للغاية.

دماغ جوردونيا أقرب إلى الزواحف والجزء الأمامي منه أصغر نسبياً مقارنة بجميع الثدييات الأخرى (رويترز)

أنبوب طويل مقوس

قال ستيف بروسات، عالم الحفريات بجامعة إدنبرة وأحد المعدين الرئيسين للدراسة: «ما نراه هو دماغ يبدو مختلفاً تماماً عن دماغنا، فهو ليس كرة كبيرة تشبه البالون، بل أنبوب طويل مقوس. ورغم شكله الغريب، نرى عند قياس حجمه أنه كان كبيراً جداً مقارنة بحجم الجسم».

وأضاف بروسات: «من الصعب جداً قياس الذكاء لدى الحيوانات الحديثة، والأصعب قياسه لدى الأنواع المنقرضة منذ فترة طويلة والتي لم نتمكن من ملاحظتها مباشرة. ولكن يمكننا على الأقل القول إنه كان كائناً ذكياً في عصره على الأرجح. من خلال حجم دماغه الكبير مقارنة بالحيوانات الأخرى في ذلك الوقت، يمكننا لمس الجذور التطورية المبكرة لأدمغتنا الضخمة».

وبلغ طول جوردونيا نحو ثلاثة أقدام (متر واحد) ووزنه ما يقرب من 21 كيلوغراماً. وكان وجهه طويلاً وعريضاً، وامتلك بنية قصيرة تشبه الخنزير باستثناء أرجله التي كانت أقل طولاً.

وقال جورج إن بنية الوجه والأنياب «سهّلت نمط الحياة المعتمد على أكل العشب، وخاصة قطف الجذور الرطبة من الصحراء التي اتخذها موطناً له».

انقراض جوردونيا وهيمنة أقاربه من الثدييات

ينتمي جوردونيا إلى فصيلة من أسلاف الثدييات عُرفت باسم (دايساينودونت) ظهرت لأول مرة قبل نحو 265 مليون سنة، وانقرضت منذ قرابة 200 مليون سنة.

ونجت فصيلة «دايساينودونت» من أسوأ انقراض جماعي في تاريخ الأرض منذ 252 مليون سنة في نهاية العصر البرمي، والذي يُعتقد أنه كان نتيجة لنشاط بركاني هائل في سيبيريا، إلا أن حيوان جوردونيا نفسه لم ينج من تلك الظاهرة.

وفي أعقاب تلك الكارثة ظهرت الديناصورات الأولى منذ ما يقرب من 230 مليون سنة. وظهرت الثدييات في مرحلة لاحقة قبل نحو 210 ملايين سنة، وكانت صغيرة جداً مقارنة بالديناصورات.

ولم تحصل الثدييات على فرصة للهيمنة إلا مع انقراض منافسيها بعد اصطدام نيزك بالأرض منذ 66 مليون سنة.

واكتُشفت حفرية جوردونيا في عام 1997، وهي عبارة عن كتلة من الحجر الرملي تحتوي على بقايا للجمجمة والفك السفلي.

وقال جورج: «يوجد شبه ضئيل بين دماغ جوردونيا وأدمغة الثدييات الحديثة، غير أنه لا يمتلك السمات الفريدة التي تميز الثدييات. ويسلط ذلك الضوء على رحلة التطور التي مر بها دماغ الثدييات وصولاً إلى ما هو عليه اليوم».