جو الخوري لـ«الشرق الأوسط»: صعوبة البوح عند الرجال أتناولها على الخشبة

ينتقل من الـ«ستاند أب كوميدي» إلى فنون المسرح الاجتماعي

صعوبة البوح عند الرجال تتقدم موضوعات المسرحية (جو الخوري)
صعوبة البوح عند الرجال تتقدم موضوعات المسرحية (جو الخوري)
TT

جو الخوري لـ«الشرق الأوسط»: صعوبة البوح عند الرجال أتناولها على الخشبة

صعوبة البوح عند الرجال تتقدم موضوعات المسرحية (جو الخوري)
صعوبة البوح عند الرجال تتقدم موضوعات المسرحية (جو الخوري)

يأخذ بعض الرجال على النساء سهولة بوحهن بهمومهن ومشاعرهن، أما الرجل فعادة ما يحتفظ بها لنفسه، ويجد صعوبة في الفضفضة؛ فالقاعدة الذهبية التي يتربّى عليها تتطلّب منه الصّلابة والقوة، ويُمنع عليه البكاء والإحساس بالإحباط والاستسلام والقلق.

ومن هذا المنطلق يقدم جو الخوري أولى مسرحياته الاجتماعية «تستوستيرون». وخلالها يروي مواقف ومشاهد حياة تواجه الرجال، وتولد عندهم صراعاً داخلياً.

ويقول جو الخوري لـ«الشرق الأوسط»: «أتحدّث في هذا الصراع عمّا مررت به شخصياً، وعن محاولتي التخلص منه داخل منزلي، فأتكلّم مع نفسي، في هذه المساحة الوحيدة التي أستطيع فيها أن أعتزل بعيداً عن الجميع، وحيث يمكنني الصراخ والبكاء، ومحاكاة نفسي ومحاسبتها أو لومها».

هذه المواقف التي شغلت باله، وتسبّبت في ولادة قلق كبير عنده، قرّر إخراجها إلى النور. سبق أن قدم جو الخوري أعمالاً مسرحية تدور في أجواء الـ«ستاند أب كوميدي»؛ لكنه مؤخراً يلجأ إلى المسرح التثقيفي ليخاطب الشباب من جيله بلسان حالهم. «صادفت أشخاصاً كثراً يعانون من هذه الازدواجية في تلقّف مواقف تعرضوا لها، وكانوا جميعهم يعانون من سلسلة أسئلة لا يجدون إجابات لها. فلماذا لا نستطيع نحن الرجال أن نبكي؟ أو لماذا لا يمكننا إبراز ضعفنا في مواجهة معينة؟ ولماذا علينا أن نقبل ونخضع لتقاليد لا تشبه أحاسيسنا؟».

يتناول في مسرحيته موضوعات يخاطب فيها أبناء جيله (جو الخوري)

يرد جو الخوري على هذه الأسئلة من خلال مسرحيته التي تُعرض في 11 و12 يونيو (حزيران) على مسرح مونو في بيروت. وعلى مدى نحو 50 دقيقة يروي القصة تلو الأخرى لتؤلّف محتوى العمل، ويوضح أنها «موضوعات يومية قد يواجهها كلٌّ منّا مع أمّه أو والده أو صديق له. وكذلك تحضر في دراسته الجامعية، وفي انتقاله للسكن من القرية إلى المدينة. وما دفعني لتناولها على المسرح هو انتهاء بعض هذه المواقف عند آخرين بالانتحار. فهناك ضغوطات اجتماعية يتعرض لها الرجل كما المرأة، وكلٌّ منهما يتصرف معها حسب بيئته وتربيته. والأسوأ أن الطرفين يخافان من البوح فيحتفظان بمعاناتهما لنفسيهما. وهنا تقع المشكلة الكبيرة لا سيما أنّ الرجل في حالات مشابهة لا يجد سبيلاً للفضفضة؛ فالأمر ممنوع منعاً باتاً تحت طائلة المسؤولية التي حملناها معنا منذ صغرنا».

يجسّد جو الخوري في المسرحية أدواراً مختلفة. يقف وحده على الخشبة يتقمّصها ويبدّل في تقنية تمثيله ليوضحها. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «إن الموضوعات التي أتناولها رغم طابعها الحزين، أترجمها بأسلوب كوميدي. وهي مواقف تندرج على لائحة المضحك المبكي، ولم أرغب في أن تزيد المسرحية من همومنا؛ لذلك أخذتها إلى منحى مضحك يخفف من وطأة موضوعاتها القاسية».

يقول جو الخوري إن مشاهد مسرحيته تشبه مشاهد حياته: «استوحيت بعضها من علاقة أمي وأبي، ونقاشاتهما السّاخنة والطريفة معاً. والدي أيضاً كان متماسكاً في مواجهة مواقف صعبة. أعتقد أنّه كان يحبّ أن يترك لنفسه العنان، وأن يشعر بالانهيار أو الإحباط أو البكاء. ولكن كل هذه الأمور كانت ممنوعة عليه، وبقي محافظاً على هذه القاعدة حتى اليوم».

من الشخصيات التي يلعبها على المسرح أيضاً، امرأة من القرية، والرجل المخرج، والموظف في دائرة رسمية تابعة للدولة. كما يجسّد دور والدته، ويستهّل العرض بمشهد ينظّف خلاله غرفته ويرتّبها؛ «أحاول عبر هذا المشهد الإشارة إلى ورشة تنظيف أقوم بها في حياتي. فأُخرج منها كلّ ما يزعجني كما الأثاث المهترئ في غرفة منزل. لا ديكورات وأزياء مبالغاً فيها؛ إذ تعلّمت خلال دراستي في المعهد أن المبالغة تنقلب سلباً على العمل؛ فالمسرح يختلف عن السينما في هذا لأمر؛ لأن الثانية تُبنى على تفاصيل دقيقة ومشهدية لمّاعة تُبهر العين. أمّا المسرح ومن خلال الإمساك بكوب قهوة، يمكنه أن يشير إلى الحديث عن امرأة تحب الثرثرة».


مقالات ذات صلة

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

ثقافة وفنون «المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق فريق العمل خلال البروفة التحضيرية (المسرح القومي)

يحيى الفخراني يُعيد «الملك لير» إلى المسرح القومي المصري

يعود الفنان المصري الكبير يحيى الفخراني للوقوف على خشبة المسرح مجدداً عبر إعادة تقديم رائعة ويليام شكسبير «الملك لير»، التي ستعرض على خشبة المسرح القومي بالقاهر

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)

ندى أبو فرحات من قلب بيروت... مسرح تحت القصف

النيران تسيّج المدينة، ونارٌ من نوعٍ آخر تتّقد على خشبات مسارحها. «في انتظار بوجانغلز» جزء من هذه الفورة المسرحية البيروتية، وبطلتها الممثلة ندى أبو فرحات.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق التمرين على تقديم عروض يتواصل (مسرح شغل بيت)

«مسرح شغل بيت» يحتفل بـ8 سنوات على ولادته

تُعدّ الاحتفالية حصاد 8 سنوات من العمل والاجتهاد، خلالها قدّم «مسرح شغل بيت» نحو 40 عملاً توزّعت على أيام تلك السنوات عروضاً شهرية استمرت طوال أزمات لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الخليفة الفاطمي يتحدث إلى مستشاريه (الشرق الأوسط)

«عروسة المولد» تواجه طمع الإنسان في «الحلم حلاوة»

تدور فكرة العرض حول عروسة المولد والفارس من خلال «حدوتة» غير تقليدية تنتقل بالمشاهدين إلى العصر الفاطمي، حيث تقع معظم أحداثها.

نادية عبد الحليم (القاهرة)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
TT

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

للرجلِ الذي يلفظ آخر أنفاسه في الغرفة المجاورة خلف الباب الموارب، ثلاث بناتٍ بطباعٍ على درجة عالية من التناقض. يتلاقين على انتظار موت والدهنّ ويتباعدن لأسباب كثيرة.

يدخل فيلم «His Three Daughters» (بناتُه الثلاث) ضمن خانة الدراما العائلية النفسية، وهو صنفٌ سينمائيّ وتلفزيونيّ مرغوب في الآونة الأخيرة. وبما أن نتفليكس لا تتأخر في اقتناص كل ما هو رائج، فقد تفرّدت المنصة العالمية بعرض الفيلم الذي كتبه وأخرجه الأميركي أزازيل جاكوبس. الأخير معروف بقلمه وكاميرته اللذَين يضعان العلاقات العائلية على طاولة التشريح، من دون تجميل ولا تسطيح.

على ما يشي العنوان، فإنّ البنات الثلاث هنّ محور الحكاية. أما باقي الشخصيات فيمكن إحصاؤها على أصابع اليد الواحدة؛ الممرضان المنزليان اللذان يعالجان الوالد، وحارس المبنى حيث شقة الرجل المريض، إضافةً إلى صديق إحدى البنات.

كبراهنّ، كايتي (تؤدّي دورها كاري كون)، ذات شخصية متحكّمة. تريد أن تمسك بزمام الأمور متسلّحةً بصرامتها وبلسانها القادر على الكلام لدقائق طويلة، من دون توقّفٍ أو إفساحٍ في المجال لسواها في الردّ. تركت كايتي عائلتها على الضفة الأخرى من مدينة مانهاتن الأميركية، وانضمّت إلى شقيقتَيها بعد انقطاع طويل بين الثلاث.

الممثلة كاري كون بدور الابنة الكبرى كايتي (نتفليكس)

ثم تأتي كريستينا (إليزابيث أولسن)، الفائقة الحساسية والهشاشة. تبدو مسالمة، وتستعين بجلسات اليوغا للحفاظ على سكينتها. لكنّ ذلك الهدوء يخفي تحته الكثير من القلق. أحد أسباب توتّر كريستينا أنها فارقت طفلتها في ولاية بعيدة، من أجل الاعتناء بوالدها.

أما ريتشل (ناتاشا ليون) فمقيمة دائمة في البيت الوالديّ، وهي التي كانت تملك حصرية الاهتمام بالأب قبل انضمام كايتي وكريستينا إليها. لكن منذ حضرتا، امتنعت هي عن دخول غرفته وآثرت الغرق في عزلتها، وفي رهانات سباق الخيل، وفي سجائر الحشيش. لا يفصل بينها وبين ضيفتَيها اختلاف الطبع فحسب، بل رابط الدم كذلك، إذ يتّضح خلال الفيلم أنّها ابنة الزوجة الثانية للأب، التي تزوّجها بعد وفاة الأولى.

ناتاشا ليون بدور ريتشل وإليزابيث أولسن بدور كريستينا (نتفليكس)

لولا خروج ريتشل بين الحين والآخر إلى باحة المبنى من أجل التدخين، لانحصرت الحركة داخل الشقة، وتحديداً في غرفة المعيشة والمطبخ وغرفة ريتشل. أما حجرة الوالد فلا تدخلها الكاميرا، لتقتصر الحركة منها وإليها على ابنتَيه والممرضين.

تكاد العين تحفظ تفاصيل المكان لفرط تركيز عدسة المخرج جاكوبس عليها. هنا لوحة الحائط، وهناك كرسي الوالد الذي تركه فارغاً، وتلك كنبة الصالون. جمادٌ يعكس الوقت الذي يمرّ بطيئاً وصامتاً في حضرة الموت الداهم. برز هذا النوع من الدراما الأحاديّة المساحة والمحدّدة الشخصيات، كردّة فعلٍ فنية على جائحة كورونا. وهنا، تجلس البنات الثلاث وجهاً لوجه، كما فعل جميع أفراد العائلات خلال الحجر المنزليّ.

الممثلات الثلاث مع المخرج أزازيل جاكوبس (إنستغرام)

ترمي كايتي وريتشل وكريستينا بخلافاتهنّ واختلافاتهنّ على الطاولة. وعندما لا يتواجهن، تدخل كل واحدةٍ إلى صومعتها؛ الكبرى تحضّر الطعام بانهماكٍ هستيريّ، والثانية تتفرّج دامعةً على فيديوهاتٍ لابنتها، فيما تجحظ عينا الثالثة غير الشقيقة في عالمها الموازي.

تقدّم الممثلات الثلاث أداءً قد يأخذ إحداهنّ بسهولة إلى الأوسكار، ولعلّ ناتاشا ليون «ريتشل» هي الأكثر ترشيحاً نظراً إلى فرادة الشخصية المركّبة التي لعبت، من دون التقليل من قيمة ما قدّمته زميلتاها كاري كون وإليزابيث أولسن. مسافة الفيلم مُفردةٌ بكاملها لأدائهنّ، فهنّ يستحوذن على المساحة وعلى السرديّة. وتأتي بساطة التنفيذ السينمائي والحوارات المتقنة، لتضع نفسها في خدمة البراعة التمثيلية.

الأداء الذي قدّمته ناتاشا ليون ربما يأخذها إلى ترشيح لجائزة أوسكار (نتفليكس)

يحتدم الصراع بين كايتي وريتشل على خلفية اتهام الأولى للثانية بقلّة المسؤولية وبإهمال الوالد. تدخل كريستينا بينهما كقوّة حلّ نزاع بما أنها الأكثر دبلوماسيةً، قبل أن تنفجر غضباً هي الأخرى. لعلّ ذلك الغضب يصبّ في مصلحة العلاقة «الأخويّة» التي تُرمَّم تدريجياً عبر الفيلم. فالبناء الدرامي ينطلق من الحقد الدفين والاتهامات المتبادلة، لينتقل من دون تسرّع إلى المصارحة والمصالحة.

كمَن يفكّك عَقد العلاقة بتأنٍّ، يعمل المخرج من دون أن يُغرق شخصياته في فيضٍ من العواطف. تصل الرسائل بلا استثارة مشاعر الجمهور، ما يدعم واقعيّة القصة. تأخذ كل شخصية وقتها في الكشف عن مكامن الظلام في نفسها، قبل أن ينجلي نورُها لاحقاً، وتتّضح الأسباب الكامنة وراء مواقفها الغريبة وتصرّفاتها المعقّدة.

يجري تفكيك الشخصيات وتمر السجالات بسلاسة، أي أنّ من يختارون متابعة «His Three Daughters» لن يشعروا بثقل المواقف ولن يختبروا مشاهد مزعجة، رغم أن زوايا الحكاية هي العلاقات العائلية السامة والمرض والموت.

بطلات الفيلم في جلسة تصوير ترويجية له (إنستغرام)

يهبط الفيلم في نصفه الثاني ويغرق في حوارات فلسفية طويلة، لكن سرعان ما يطرأ تطوّرٌ مفاجئ ينقذ الموقف من الملل ويكرّس المصالحة بين الأخوات، لا سيّما كايتي وريتشل.

لكنّ انزلاقاً سينمائياً صغيراً لا يلغي واقع أن «His Three Daughters» يقدّم تجربة درامية مميزة وفريدة، يستطيع أن يتماهى مع واقعيتها كل من اختبر خلافاتٍ عائلية. ولعلّ هذا الصدق في المعالجة إلى جانب بساطة التصوير، من بين الأسباب التي دفعت إلى حصول الفيلم على تصنيف ممتاز عبر مواقع تقييم الأفلام.