نفايات اللبنانيين للبيع... والدفع فوري بشرط

مُبتكر مبادرة «Drive Throw» لـ«الشرق الأوسط»: لنكن جزءاً من الحلّ

التحرُّك يُجدي حين يتحوّل من شعار إلى فعل (صور بيار بعقليني)
التحرُّك يُجدي حين يتحوّل من شعار إلى فعل (صور بيار بعقليني)
TT

نفايات اللبنانيين للبيع... والدفع فوري بشرط

التحرُّك يُجدي حين يتحوّل من شعار إلى فعل (صور بيار بعقليني)
التحرُّك يُجدي حين يتحوّل من شعار إلى فعل (صور بيار بعقليني)

نال الناشط البيئي اللبناني بيار يوسف بعقليني، نصيباً من اللكم حين لمح في شوارع بيروت احتمالاً للتغيير. اختنق البلد بالنفايات، فرأى ضرورة التحرُّك بما يتجاوز التظاهُر وبحّ الحنجرة بلا جدوى. أسَّس شركة «إدارة نفايات لبنان» قبل شهر من اندلاع حراك الساحات عام 2019، وكبُر المشروع ليشكّل اليوم إلهاماً لآخرين وأملاً برفع الوعي المجتمعي.

الناشط البيئي بيار يوسف بعقليني يطمح للتغيير (حسابه الشخصي)

تعلَّم الفرز بعد التأكُّد أنّ الشارع أحياناً خيبة، والنيات الثورية يخنقها الواقع اللبناني. يُخبر «الشرق الأوسط» أنه أتى من عالم العقارات، وقد ضُرِب أيضاً بالاهتزاز الاقتصادي. وجد أنّ التحرُّك يُجدي حين يتحوّل من شعار إلى فعل، فأسَّس شركته، لتتوسَّع إلى 3 فروع على الأراضي اللبنانية، في محاولة لتعميم ثقافة الفرز والتوعية على فوارق تُحدِثها.

حوَّل الزجاج إلى رمال في المرحلة الأولى للمشروع، «واستقبلتُ بعض الكرتون والبلاستيك». يَذكُر ما خلَّفه التظاهُر على الشوارع، ومرّات راح يُنظِّف ويعيد ترتيب المشهد وفق القواعد البيئية: «تَرافق ذلك مع معالجة مخلّفات بيوت ومطاعم، وتعاونٍ مع بلديات. بمكابس وفرّامات قليلة، توسَّع المشروع، فأتت الأزمة المالية لدعم فكرة الدَّفْع مقابل النفايات».

محاولة لتعميم ثقافة الفرز (صور بيار بعقليني)

شرط تلقّي المال هو الفرز. هذا ما تشترطه مبادرة «Drive Throw» المُستلهَمة من «Drive Thru» وحصول الزبون على طعامه بلا ترجُّل من سيارته. هنا العكس: يُدفَع له.

تأسّست «إدارة نفايات لبنان» قبل شهر من اندلاع حراك الساحات (صور بيار بعقليني)

المرّة الأولى التي نشر فيها بيار بعقليني فيديو يُعرّف بالمشروع عبر «إنستغرام»، لقي تفاعلاً فاق التوقُّع: «كان يوم سبت، فحضرتُ الاثنين صباحاً إلى الشركة لأجد 71 شخصاً في انتظاري». افتتح الفرع الأول في المدينة الصناعية بمنطقة سدّ البوشرية عام 2022، والثاني بعد عام في منطقة الصالومي. وفي 2024، توسَّع إلى منطقة الفيدار: «لم أتوقَّع التعامل مع طنّ ونصف من النفايات منذ اليوم الأول. اليوم، يشكّل نحو 100 شخص المعدّل العام للفروع الثلاثة، آتين بنحو طنّ و200 كيلوغرام من النفايات يومياً».

نحو 77 في المائة من الزوّار، وفق إحصاءاته، يعودون بعد المرّة الأولى، «مما يعني أنّ ثقافة الفرز تُعمَّم تدريجياً. أن نرى الوجوه نفسها، فذلك دليل تجاوب». مَن يحضُر، تُسجَّل بياناته لتسهيل الإحصاء وفَهْم الواقع. ثمة مَن يحمل نفاياته، وفيها التنك مع الكرتون والبلاستيك، فيعود بلا مال. «هكذا ننشر ثقافة الفرز. المرّة المقبلة سيأتي مُحمِّلاً بكل كيس صنفاً واحداً». عندها، يوزن ويُدفَع ثمنه وفق كيلوغراماته.

فروع شركة «إدارة نفايات لبنان» توظّف عاملين، فيقول مؤسّسها ومديرها بيار بعقليني، إنّ لذلك أثراً اجتماعياً، يُضاف إلى الأثر الاقتصادي «حين ندفع ثمن النفايات، ونحرّك الدورة الاقتصادية بتوريد المواد إلى المصانع». الأهم برأيه، هو الأثر الثقافي: «إحداث تغيير سلوكي لدى المواطن يمهِّد لمجتمع أفضل. الآتون مرّات يدركون أنّ التغيير ممكن بالأفكار الجديدة والمبادرات المثمرة. بذلك ننقل إلى لبنان ثقافة الدول المتحضّرة».

اعتاد لبنانيون مقابلة التغيير بصدٍّ عبثي من نوع «شو وقفت عليِّ»، أو «شو جاييني؟»، (ما الفائدة؟)، وما هو أشدّ استسلاماً: «ما إلي جَلَدْ»، أي نفي الاستعداد لأي تغيير. ربْطُ الفكرة بالمال، استمالة ذكية، بينما الشرخ بين الأغنياء والفقراء يتعمَّق، والطبقة المتوسّطة في لبنان مصيرها الانمحاء.

كبُر المشروع ليشكّل اليوم إلهاماً لآخرين (صور بيار بعقليني)

أكثر من 60 ألف مواطن يتردّدون لبيع نفاياتهم، فعالجت المبادرة ما يتجاوز الـ800 طن بفرعين حتى الآن. يقول بعقليني إنه «المؤثّر اللبناني الوحيد» الذي يقدّم محتوى للتوعية البيئية، «وسط غزو الـ(فود بلوغرز)». وأمام نحو 300 مدرسة و10 آلاف تلميذ، حاضَرَ في ثقافة الفرز وإعادة التدوير: «أريد تحوُّل المواطن جزءاً من الحلّ، لا المشكلة. اللبناني أحياناً يكتفي بالشكوى، ولا يستعدّ لتحمُّل المسؤولية. إنْ فرَزَ كلٌّ منا نفاياته، فسيتغيّر الواقع. نحن الأفراد، والمنازل، والمطاعم، والمصانع، والشركات، صنّاع التغيير».

30 عاماً والدولة أمام نهج مهترئ لإدارة النفايات. يؤكد بعقليني أنّ الوقت الآن لتبنّي الأفكار المُبتَكرة والعقل الخلّاق، ورغم احتجاجه في شوارع «17 أكتوبر»، يُقدِّر جهود وزراء بيئة وصناعة دعموا ثقافة الفرز: «في الماضي، لم يكن لنا وجود. لسنا مصنعاً ولا دكانة. لا صفة تمنحنا خصوصية. إلى أن حدَثَ الاعتراف بنا رسمياً. التراخيص الآن تُمنَح لإنشاء مراكز شراء المفروزات. لم يعد وجودنا حصرياً على الأراضي اللبنانية».

يصدُق بقوله إنّ التغيير يبدأ بفكرة: «العمل يجعل الأمل ممكناً. فلنكُن صنّاع المستقبل الذي نحلم به».


مقالات ذات صلة

هل يمكن لباريس 2024 أن تصبح الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة؟

رياضة عالمية أولمبياد باريس سيكون الأكثر صداقة للبيئة (رويترز)

هل يمكن لباريس 2024 أن تصبح الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة؟

بميداليات مصنوعة من الحديد الذي جُمع من أعمال تجديد برج إيفل... تهدف دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 لأن تكون الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة على الإطلاق.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة الميكروبات الموجودة داخل لحاء الأشجار أو في الخشب نفسه تزيل غاز الميثان وكذلك ثاني أكسيد الكربون (أ.ف.ب)

دراسة: لحاء الشجر يمكنه إزالة غاز الميثان من الغلاف الجوي

وجدت دراسة حديثة أن لحاء الأشجار يمكن أن يزيل غاز الميثان من الغلاف الجوي، مما يوفر فائدة إضافية في معالجة تغيُّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)

مروحة تحاكي «جلد الدلفين» تعمل على خفض انبعاثات سفن الشحن

تحمل مروحة جديدة ابتكرها معهد نينغبو لتكنولوجيا وهندسة المواد (NIMTE) مطلية بمادة تحاكي جلد الدلفين، وعداً بالحد بشكل كبير من استهلاك الوقود والانبعاثات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد عُمّال في موقع بناء بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

تقييم «البناء المستدام» بالسعودية ينمو 254 % في النصف الأول من 2024

سجل برنامج «البناء المستدام» في السعودية نمواً بنسبة 254 في المائة لمساحات المشاريع المستفيدة من نظام تقييم الاستدامة خلال النصف الأول للعام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق برانيغان تعرض بعض الأعمال الفنية لشجرة الجميز (ناشيونال ترست)

عرض نسخ فنية من جذع شجرة «الجميز» العتيقة تخليداً لذكراها

من المقرر أن يُعرض بعض الأعمال الفنية للفنانة شونا برانيغان في 4 مواقع مختلفة بالقرب من جدار «هادريان» التاريخي، حسب هيئة التراث القومي البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.