«الكابتن» فؤاد شرف الدين يطوي حقبة من تاريخ الفنّ اللبناني

«البطل» صنع ذاكرة جيل وشكَّل نموذجاً لهزيمة الشرّ

«الكابتن» فؤاد شرف الدين «تستحق أجمل نهاية وتصفيقاً كبيراً»... (إكس)
«الكابتن» فؤاد شرف الدين «تستحق أجمل نهاية وتصفيقاً كبيراً»... (إكس)
TT

«الكابتن» فؤاد شرف الدين يطوي حقبة من تاريخ الفنّ اللبناني

«الكابتن» فؤاد شرف الدين «تستحق أجمل نهاية وتصفيقاً كبيراً»... (إكس)
«الكابتن» فؤاد شرف الدين «تستحق أجمل نهاية وتصفيقاً كبيراً»... (إكس)

قُهِر البطل بالموت؛ القهَّار الأعظم. ولم يعد مُلحِق الهزيمة بالأشرار يصارع قدره مع الأوجاع، فيتحايل تارةً ويُذعن للمشيئة للمرّة الأخيرة. يغادر الممثل والكاتب والمخرج اللبناني فؤاد شرف الدين الحياة عن 83 عاماً، مَنَح نصف قرن منها للعطاء اللائق. تصدَّى للمرض وحقَّق انتصارات؛ لكنه ملعونٌ يجيد المباغتة. خطفه فجأة، ليبقى الإرث والقيمة، وهما الشأن، وإنْ هَمَد الجسد وبردت الأنفاس.

أحبَّ جيل السبعينات والثمانينات بطلاً لا يهزمه عَصْف الشرّ. شكّل فؤاد شرف الدين اختزالاً لنجومية أفلام «الأكشن» ونموذجاً لمُبارِز العدو. أعلى صوت الحقّ على الباطل، والقوة على الظلم. ولما تكرّرت أدوار ضابط الأمن ناشد العدالة باسم هيبة الدولة، لُقِّب بـ«الكابتن». «الكابتن» الآن يستريح، فالعالم توحَّش، والبطولة نزفت، والعدالة في العراء.

قبل أسابيع، أُخضع لجراحة في الرأس. وجَّه المرض إنذاراً تلو الآخر. حدث ذلك حين اختلَّت وظيفة الكلى، ثم شُفي. وجدَّد تسلُّله حين شخَّص الأطباء ورماً تطلّب الاستئصال. ضغط كيسٌ دهني على دماغه، واستدعى تدخّلاً جراحياً. وقتٌ مرَّ، فإذا بالصحة تتدهور بعد فقدانه الدم. تنقُل نقابة الممثلين اللبنانيين عن عائلته، في بيان الوداع: «كان من المقرَّر أن يخضع، الأربعاء، لعدد من التحاليل والأشعة»، لكنَّ الموت لا يُمهِل.

طبع فؤاد شرف الدين حقبة من تاريخ السينما والتلفزيون في لبنان. هو شقيق المخرج والممثل يوسف شرف الدين، ووالد الممثلة جمانة شرف الدين، رفيقة مشواره؛ وُلد عام 1941. التصق اسمه بأفلام الحركة، وتعدَّدت أدواره في سياقاتها. مَن شاهد «الممر الأخير»، و«المُجازف»، و«القرار»، و«نساء في خطر»، و«المتوحشون»، و«حسناء وعمالقة»، استفاقت ذاكرته على نجم استحقّ درع «أيقونة السينما اللبنانية».

التصق اسمه بأفلام الحركة وتعدَّدت أدواره في سياقاتها (إكس)

تابع الإعلامي ريكاردو كرم حالته، وقال إنه لم يتوقّع الرحيل المُستعجِل. كتب عن ممثل «لم يكن عادياً»: «كان مشغوفاً بالسينما اللبنانية التي حاول ضخّ الحياة فيها في الثمانينات من خلال أفلام (الأكشن). راكم أفلاماً جعلت منه نجم شباك تذاكر وبطلاً غلَبَ المافيات، وقد كان ينتصر في نهايتها على وَقْع موسيقى تصويرية ألهبت الصالة وأثلجت القلوب». استوقفه دوران الزمن حين تلاشى الضوء وتُرك النجم «معزولاً يتألم في عالم بارد وجاحد». أحزنه رحيل روح «تستحق نهاية أجمل وتصفيقاً كبيراً». يحجُب الزمن الأضواء، لكنّ المُشعّ قدرُه السطوع ولا مفرّ.

ودَّع الأدوار التلفزيونية بمروره في مسلسل «2024» بدور والد بطلته نادين نجيم. مسلسلات منها «العقرب»، و«ديالا»، و«كيندا»، و«زمن الأوغاد»، قرّبته من جمهور الشاشة الصغيرة. وأخرج مسلسل «الدالي» بجزأيه من بطولة النجم المصري الراحل نور الشريف.

ظهر للمرّة الأخيرة في برنامج «ألبوم الأصالة» مع الإعلامي روبير فرنجية عبر «تلفزيون لبنان». سُئل عن سرّ لقب «الكابتن»، فردَّ: «ستُشكل هذه الصفة زبدة مذكراتي حول طفل انتشلته الشرطة من مقاعد الدراسة ليصبح تحت وصاية والده شرعياً إثر طلاقه من أمه، فاضطر منذ ربيعه التاسع إلى العمل لإعالة والدته وشقيقه وشقيقته وجدّيه، وذلك بعد زواج والده. لكن عمله المبكر لم يحُل دون التحاقه بمدرسة ليلية، وتنقّله بين المهن واكتسابه علوماً عسكرية وفنوناً رياضية صقلت بنيته الجسدية. تعرّض صديقه مرّة للقنص في حيّ (الطمليس) المقفل، ولم يستطع أحد من المتجمهرين الاقتراب بسبب إطلاق النار المستمرّ. فما كان منه إلا أن أحضر عربة خضراوات وبعض الحبال، وزحف نحو المُصاب وسحب الجثة بعون بعض الرجال. شاهد قبضاي من الحيّ هذه الحادثة، فضمّه إلى رجاله مُلقّباً إياه (الكابتن)».

نجم استحقّ درع «أيقونة السينما اللبنانية»... (إكس)

وصفته نقابة الممثلين بأنه «النجم الذي عشق لبنان حتى الرمق الأخير». حيَّد هذا الحبّ عن الواقع المُبكي؛ فنهبت المصارف أمواله، وظلَّ يكنُّه. الحجز على وديعته صبغ رحلة العلاج ببعض القلق، لكنّ مكانة الفنان فرضت تدخُّل مَن سهَّلوا فتح باب المستشفى الذي دخله مجدداً بعد مضاعفات الجراحة، وتسبُّبها في ارتفاع نسبة الكرياتينين وهبوط في بلاكيت الدم.

في أبريل (نيسان) الماضي، منحته وزارة الإعلام «درع تلفزيون لبنان»، كُتب عليها: «إلى النجم السينمائي فؤاد شرف الدين الذي أحيا صناعة (الأكشن) في الحرب والسلام». تعدّد التكريم من وزراء الثقافة؛ وفي دورته الماضية، تلقّى التقدير المُستحَق من مهرجان «الزمن الجميل».

نعى الممثل باسم مغنية بطل طفولته: «لمجرّد ظهوره على شاشة السينما، كان الناس يبدأون التصفيق والصفير. الجميع يقولون بصوت عالٍ: (جاء البطل). جملة لن أنساها من طفولتي».


مقالات ذات صلة

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)

ولد عام غرق «تيتانيك» وعاش الحربين العالميتين... وفاة أكبر معمر في العالم

جون تينيسوود (رويترز)
جون تينيسوود (رويترز)
TT

ولد عام غرق «تيتانيك» وعاش الحربين العالميتين... وفاة أكبر معمر في العالم

جون تينيسوود (رويترز)
جون تينيسوود (رويترز)

توفي أكبر رجل معمر في العالم عن عمر ناهز 112 عاماً.

وُلد جون تينيسوود في ليفربول في 26 أغسطس (آب) 1912، وأصبح أكبر رجل معمر في العالم في أبريل (نيسان)، وفق ما أعلنت عائلته وموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، الثلاثاء.

قالت عائلته في بيان نقلته صحيفة «الإندبندنت»، إن جون تُوفي يوم الاثنين في دار رعايته في ساوثبورت، ميرسيسايد، «محاطاً بالموسيقى والحب».

وقالت العائلة: «كان جون يحب دائماً أن يقول شكراً. لذا، نيابة عنه، شكراً لجميع أولئك الذين اعتنوا به على مر السنين، بمن في ذلك مقدمو الرعاية له في دار رعاية هوليز، وأطباء الأسرة، وممرضات المنطقة، والمعالج المهني، وغيرهم من موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية».

وعاش تينيسوود، الذي ترك وراءه ابنته سوزان وأربعة أحفاد وثلاثة من أبناء الأحفاد، ليكون رابع أكبر رجل بريطاني في التاريخ المسجل.

وقالت عائلته: «كان لدى جون العديد من الصفات الجميلة. كان ذكياً وحاسماً وشجاعاً وهادئاً في أي أزمة، وموهوباً في الرياضيات ومحادثاً رائعاً».

وأضافوا: «انتقل جون إلى دار رعاية هوليز قبل عيد ميلاده المائة بقليل، وكان لطفه وحماسه للحياة مصدر إلهام لموظفي دار الرعاية وزملائه المقيمين».

في وقت سابق من هذا العام، أخبر موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية أنه لا يشعر «باختلاف» لبلوغه 112 عاماً.

وقال: «لا أشعر بهذا العمر، ولا أشعر بالإثارة تجاهه. ربما لهذا السبب وصلت إلى هذا العمر. أنا فقط أتعامل مع الأمر بصدر رحب مثل أي شيء آخر، لا أعرف على الإطلاق لماذا عشت كل هذه المدة».

وأضاف: «لا أستطيع التفكير في أي أسرار خاصة لدي. كنت نشيطاً للغاية عندما كنت صغيراً، كنت أمشي كثيراً. لا أعرف ما إذا كان ذلك له علاقة بذلك. لكن بالنسبة لي، أنا لا أختلف عن أي شخص. لا أختلف على الإطلاق».

بخلاف تناول السمك والبطاطا المقلية كل يوم جمعة، لم يكن جون يتبع أي نظام غذائي معين، وقال: «أنا آكل ما يقدمونه لي وكذلك يفعل الجميع».

جون تينيسوود، الذي ولد في العام الذي غرقت فيه السفينة «تيتانيك»، عاش الحربين العالميتين، وكان أكبر رجل في العالم من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية. عمل في منصب إداري في هيئة رواتب الجيش.

بالإضافة إلى الحسابات والتدقيق، كان عمله يتضمن مهام لوجيستية مثل تحديد مكان الجنود العالقين وتنظيم الإمدادات الغذائية، ثم عمل محاسباً في «شل وبي بي» قبل تقاعده في عام 1972.

وكان تينيسوود من مشجعي نادي ليفربول لكرة القدم طيلة حياته، وقد وُلد بعد 20 عاماً فقط من تأسيس النادي في عام 1892 وشهد جميع انتصارات ناديه الثمانية في كأس الاتحاد الإنجليزي و17 من أصل 19 فوزاً بالدوري.

التقى تينيسوود بزوجته بلودوين في حفل رقص في ليفربول، واستمتع الزوجان معاً لمدة 44 عاماً قبل وفاة بلودوين في عام 1986.

وأصبح أكبر رجل على قيد الحياة في أبريل (نيسان) عن عمر 111 عاماً، بعد وفاة خوان فيسينتي بيريز عن عمر 114 عاماً من فنزويلا.