السياسة تطرق باب «كان» من كل صوب

أفلام شرادر وستون والروسي تضرب يميناً ويساراً

المنتجة سامانثا كوان والمنتج شون بيكر والممثل مارك إيدلشتاين لدى عرض فيلم «أنورا» في «كان» (أ.ف.ب)
المنتجة سامانثا كوان والمنتج شون بيكر والممثل مارك إيدلشتاين لدى عرض فيلم «أنورا» في «كان» (أ.ف.ب)
TT

السياسة تطرق باب «كان» من كل صوب

المنتجة سامانثا كوان والمنتج شون بيكر والممثل مارك إيدلشتاين لدى عرض فيلم «أنورا» في «كان» (أ.ف.ب)
المنتجة سامانثا كوان والمنتج شون بيكر والممثل مارك إيدلشتاين لدى عرض فيلم «أنورا» في «كان» (أ.ف.ب)

ربما ينشد مهرجان «كان» عدم تعاطي سينمائييه الحاضرين، في لجان التّحكيم أو بين المخرجين المشتركين، السياسة، لكنها هي التي تطرق بابه كلّ يوم من دون هوادة، من خلال الأفلام المعروضة في برامجه المختلفة.

حتى ولو مررنا بالأفلام الكبيرة المشتركة في المسابقة الرسمية وحدها، فسنجد الطروحات والآراء السياسية تعصف بالعروض من كل جانب. هناك بالطبع من يختار تقديم أفلام حكايات لا علاقة لها بالجوانب السياسية أيّاً ما كانت (مثل «حبيسة المد» للصيني جيا جانكلي أو «أكفان» لديڤيد كروننبرغ أو «أنورا» لشون بايكر، وكلها جاءت مخيبة فنياً للآمال) أو طروحاتها الاجتماعية المختلفة، لكن في المقابل هناك «ميغالوبوليس» لفرنسيس فورد كوبولا، و«أوه كندا» لبول شرادر، و«بذرة التين المقدّسة» لمحمد رسولوف، وهناك «ليمونوف» لكيريل سيريبرينيكوف، الذي يتعامل وسيرة حياة الشاعر (من بين أوصاف أخرى) إدوارد ليمونوف.

شاعر متمرد

«ليمونوف» إلى جانب «ميغالوبوليس» يتداولان الولايات المتحدة نقداً وتشريحاً ويختلفان في كلّ شيء آخر من فعل الكتابة والإخراج إلى نوعية القالب الفني والروائي المطروح في كل منهما.

«ليمونوف» هو عن ذلك الشاعر الروسي المولود خارج موسكو في 1943 والمتوفى فيها سنة 2020. كتب الشعر إلى جانب القصص القصيرة والمقالات وبعض الروايات وانبرى كشوكة في خاصرة النظام في زمن الاتحاد السوڤييتي، ما أدّى إلى السماح له بالهجرة مع زوجته آنا روبنستين. ولكونها يهودية سُمح لهما بالهجرة إلى إسرائيل، لكنهما اختارا فرنسا، حيث حاول هو شق طريقه في صفوف الأدباء والسّاعين للانخراط في الجو الثقافي للبلاد في مطلع السبعينات.

انتقل ليمونوف بعد ذلك إلى نيويورك مع عشيقته إيلينا (ساندرين بونير) حيث شقّت طريقها منفردة في علاقات غرامية تجلب لها الثراء غير آبهة بحبّه المتيّم بها. أما هو فعاش في ضنك الحياة يغسل الصحون ويخدم أحد الأثرياء الذي يعده بمساعدته ولكنه يتخلّى عنه، ليهيم في شوارع نيويورك الخلفية ويمارس اللواط مع رجل أسود يعيش على الرصيف.

بن ويشو في «ليمونوف» (مهرجان «كان»)

بعدما شبع من هذا الوضع عاد إلى فرنسا سنة 1980 طالباً لنفسه المكانة التي لم يفز بها. بعد ذلك، عاد إلى روسيا سنة 1999 حيث استمر في منهجه الراديكالي متمرداً على كل النّصوص والسُّلطات إلى أن أودع السجن لبضع سنوات.

بن ويشو مؤهل للفوز

يعرض سيريبرينيكوف قصّة حياة ليمونوف، لكن ليس كعرضه أي فيلم آخر لأي سيرة ذاتية. ما يختاره هذا المخرج الروسي هو أسلوب شكليّ يوازي جنوح الكاتب في مواقفه السياسية عامّة. الكاميرا تقفز قفزاً للتعبير عن منهج الحياة وللتوازي مع المواقف المعلنة للكاتب في الفيلم. وهذه المواقف ليست موجهة للشرق الروسي بقدر ما هي موجهة للغرب الأوروبي والأميركي. سيريبرينيكوف يعمد إلى تخصيص الولايات المتحدة وفرنسا (وما تمثلانه) بأوصاف الخديعة والهيمنة المادية والسّلطوية، والابتعاد عن روح الإنسان، وترك البشر غير المؤهلين للعمل أو غير القادرين على إيجاده يعيشون في سرب الحياة وفي قاعها.

ما يُقدّمه المخرج هو حياة رجل لم يعرف طريقاً ترضيه. هو ثائرٌ ومنضو، يساريٌ ويمينيٌ، صاحب رؤية اجتماعية وبلا رؤية شخصية واضحة. هذا يجعل الفيلم مثيراً لاهتمام المشاهدين، خصوصاً أن ليمونوف ليس بشهرة الأدباء أو السياسيين أو حتى المهاجرين نفسها. ما يزيد الإثارة هو أسلوب المعالجة؛ يؤدّي البريطاني بن ويشو هذا الدّور ببراعة (ثاني فيلم بيوغرافي له بعد «أنا لست هناك»، 2007، الذي لعب فيه شخصية المغنّي بوب دايلان، كما أخرجه الأميركي تود هاينس). أداء ويشو ذهني وجسدي وفي كليهما بارعٌ في تشخيص الحالة والشخصية التي تقف، أكثر من مرّة، على مشارف الجنون. يُعدّ ويشو من هذا الموقف وقبل أيام قليلة من ختام الدورة، أقوى المرشّحين لجائزة أفضل ممثلٍ، إذا لم نقل إنه هو من سيفوز بها بالتأكيد.

السياسة التي يتّبعها الفيلم هي تلك التي خصّها ليمونوف لنفسه والتي تُشبه مروحية فالتة تدور حول نفسها وتصيب في كل الاتجاهات. لكن الحياة الأميركية ومفهوم نظامها هما الطلقة الكبرى في منظوره، وبعض ذلك ينضمّ إلى ما طرحه «ميغالوبوليس» من أوصاف وتُهم.

ذكريات مخرج

فيلم بول شرادر الجديد، «أوه، كندا»، يتحدّث ولو بحدود، عن الجيل الذي ترك الولايات المتحدة خلال الحرب الفيتنامية مفضلاً الهجرة إلى كندا عوض تنفيذ أوامر الانضمام إلى الجيش الأميركي الذي كان يخوض حرباً غير عادلة في تلك البقعة من العالم.

من «أوه كندا» لبول شرادر (مهرجان «كان»)

لكنّ الفيلم في الأساس، هو لقاء أمام كاميرا ثانية (غير كاميرا الفيلم)، بين مخرج تسجيلي كبير في السن اسمه ليونارد (ريتشارد غير)، ومخرج أصغر سناً اسمه مالكولم (مايكل إمبريولي)، بحضور زوجة الأول (إيما ثورمون). هي لا تتكلم بل ترقب وتكتشف جانباً من حياة زوجها لم يسبق لها معرفته. الحوار بين المخرجين (من جيلين متباعدين) يضيء لنا حكايات ومواقف تخصّ ليونارد وتكشف في الوقت نفسه عن اختيارات هذا المخرج من خلال حديثه عن حياته وأعماله.

يصوغ شرادر عملاً بديعاً كعادته، مقتبساً عن كتاب راسل بانسك «تحصيل حاصل» (Foregone)، وهذا ثاني تعاون بينهما، إذ كان شرادر اقتبس عن رواية لبانكس فيلمه «بلاء» (Affliction) سنة 1997. وهو اللقاء الثاني أيضاً بين شرادر والممثل ريتشارد غير بعد «أميركان جيغولو» سنة 1980. بالنسبة لكثيرين، وهذا الناقد بينهم، هذا الفيلم والفيلم الحالي، من بين نخبة الأفلام الأفضل في مسيرة الممثل.

مثل كوبولا، عمد شرادر إلى العمل من دون دعم استوديو هوليوودي، لكن بميزانية أصغر بكثير من تلك التي صرفها كوبولا من جيبه لتحقيق «ميغالوبوليس». هذا يتّضح لمن يُمعن في الكيفية التي عالج بها المخرج فيلمه بالتركيز على المشاهد الداخلية وتحديد معالم المشاهد الخارجية وأدوارها.

إذا ما فاز ريتشارد غير بجائزة أفضل ممثل، فإن ذلك قد يكون جرّاء نظرة عاطفية لتاريخه البعيد في مجال الفن. ليس لكونه لا يستحق الفوز، لكنّ ذلك التاريخ قد يشكّل عنصراً مفيداً له في هذا الاتجاه.

ستون بين حجرين

في المحيط السياسي نفسه شاهدنا «لولا» لمخرج أكثر عناية منذ سنوات، بالأفلام التوثيقية من تلك الروائية التي كان يُنجز منها كثير في الثمانينات والتسعينات.

بعد فيلمه عن كاسترو، وآخر عن ياسر عرفات، وثالث عن بوتين، ينتقل في «لولا» إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلڤا، ليضمه إلى سلسة مقابلاته السياسية.

إلى حد بعيد، يعكس ستون عبر اهتماماته هذه مبدأ التّعرف على وجهات النظر الأخرى. تلك المناوئة للسياسة الأميركية. من ناحية أخرى، هي تعبير عن بعدٍ وجفاءٍ بين المخرج وهوليوود، في زمن طغيان الأفلام الروائية الهزيلة التي لا يمكن له، ولعديد من سواه، الانخراط بها.

أوليڤر ستون يستمع في «لولا» (مهرجان «كان»)

ومن المؤسف أن ستون لم يكترث للبقاء في نطاق سياسي واضح عبر بعض أفلامه الروائية الأخيرة منضمّاً إلى مارتن سكورسيزي في تعميم وضعٍ بعيدٍ عن الجوهر. في فيلم سكورسيزي «ذئب وول ستريت» (2013)، يقف المخرج إلى جانب المضارب في البورصة (ليوناردو دي كابريو) واختلاساته وجنوح حياته التي قامت على الإثراء غير المشروع. قبله كان أوليڤر ستون منح صكّ براءةٍ لمضارب جشع آخر (مايكل دوغلاس) في «وول ستريت: المال لا ينام أبداً».

لكن ستون مختلف من ناحية واحدة في أفلامه التسجيلية من حيث إنه يعرض ولا يتبنّى، وهذا جيد من جهة وأقل من ذلك من جهة أخرى، إذ يتبدّى المخرج كما لو أنه ما زال بعيداً عن الانتماء لتيارٍ دون آخر.

في «لولا» الذي أنجزه مع مخرج آخر هو روب ويلسون استفادة كبيرة من المصادر الوثائقية لحياة الزعيم البرازيلي الذي كان رئيساً ثم أُسقط، ومن ثمّ أُعيد رئيساً للبلاد من جديد. شهد تاريخه صعوداً وهبوطاً متواليين في حياته. كيف عاش حياته في أسرة فقيرة، وكيف ارتقى معيشياً وسياسياً، وكيف دخل السجن ثم خرج منه قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية مرّتين؟

الفيلم جيد بالمعلومات، لكنه عادي بوصفه تشكيلاً، مع سرد ستون ما هو معروض بلا توقفٍ حتى ولو أن ما يقوله واضح من خلال المادّة الأرشيفية المستخدمة. هذه كافية لأن تُعلن عمّا حدث عندما أُلقي القبض على لولا سنة 2017 بتهمة الفساد وأُودع السجن، ثم عندما تذكر أن العملية التي أودت بالرئيس إلى السجن كانت ذات منطلق سياسي للتخلص منه. ليس هناك ما يثبت أيّ شيء محدد في هذا الاتجاه، لذلك يبقى الفيلم مثل استعراض تاريخي وشخصي يصلح لأن يكون نواة حكاية روائية أيضاً.


مقالات ذات صلة

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

يوميات الشرق ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

فنان الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
يوميات الشرق «عن الكلاب والرجال» (AE Content)

رسالة احتجاج من 300 فنان ضد المشاركة الإسرائيلية بمهرجان «ڤينيسيا»

بدا الأمر نشازاً عرض فيلمين إسرائيليين في مهرجان «ڤينيسيا» في حين أن الأحداث لا تزال في أوجها، وأن إدارة المهرجان لم تشأ أي اشتراك روسي بسبب الحرب الأوكرانية.

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا )

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
TT

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)

التحقت سارة إبراهيم، 35 عاماً، بزحام سوق «ديانا» بوسط القاهرة، في إرضاء لشغفها بـ«اقتناء» السّلع والتّحف والعملات القديمة التي تتخصص هذه السوق في القاهرة بعرضها، وتُعرف كذلك بـ«سوق السبت» نسبةً لليوم الأسبوعي الوحيد الذي يستقبل جمهوره فيه.

يُطلق على هذه السوق اسم «ديانا» نسبةً إلى سينما «ديانا بالاس» العريقة التي تقع في محيط الشوارع المؤدية إليها.

تقول سارة إنها تعرّفت على السوق منذ نحو عامين، رغم أنها كانت تسمع عنها منذ سنوات: «بدأ الأمر صدفة، خلال جولة لي مع صديقة، فانبهرنا بكمية المعروضات التي لم نجدها سوى في هذه السوق، وصرت أولاً أقصدها للتنزّه بها من وقت لآخر. وقد اشتريت منها اليوم صوراً قديمة من أرشيف فيلم (معبودة الجماهير)، وصدف بحر عملاقاً لم أرَ مثله من قبل، وكذلك علبة معدنية قديمة مرسوم عليها (روميو وجولييت) كالتي كانت تستخدمها الجدات قديماً لحفظ أغراض الخياطة، وجميعها بأسعار معقولة، وتحمل معها زمناً قديماً لم نعشه»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

الأسطوانات القديمة إحدى السلع التي يبحث عنها زوار السوق (الشرق الأوسط)

رغم حرارة الطقس، كان زوار السوق ومرتادوها يتدفقون ويتحلقون حول المعروضات التي يفترشها الباعة على الأرض بكميات كبيرة، ويبدو تأمل تلك المعروضات في حد ذاته ضرباً من المتعة، يمكن أن ينطبق عليه المثل الشعبي المصري المعروف: «سمك لبن تمر هندي» بما يدّل على التنوّع المدهش في نوعية السلع، بداية من الساعات القديمة، إلى أطباق الطعام التي تحمل طابعاً تاريخياً، فيحمل بعضها توقيع «صنع في ألمانيا الغربية»، الذي يعود إلى ما قبل إعادة توحيد ألمانيا، ويمكن مشاهدة زجاجة مياه غازية فارغة تعود للفترة الملكية في مصر، يشير إليها أحمد محمود، بائع المقتنيات القديمة بالسوق.

عملات وتذكارات معدنية (الشرق الأوسط)

يقول محمود: «يمكن على تلك الزجاجة رؤية شعار علم مصر القديم (الهلال والنجمات الـ3 ولونها الأخضر)، وتحمل اسم (كايروأب) التي كانت إحدى شركات المياه الغازية في مصر في عهد الملك فؤاد، وما زال هناك زبائن إلى اليوم يهتمون كثيراً باقتناء مثل تلك التذكارات التي تحمل معها جزءاً من تاريخ الصناعة في هذا الوقت، علاوة على شكلها وتصميمها الجمالي الذي يعكس تطوّر التصميم»، كما يشير في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ويضيف: «جمهور هذه السوق هو الباحث عن اقتناء الذكريات، عبر تذكارات تحمل معها جزءاً من تاريخهم الشخصي أو الذي لم يعيشوه، فمثلاً يُقبل الجمهور هنا على شراء ملصقات سينما قديمة، أو حتى صابونة مُغلّفة تعود للخمسينات تُذكرهم بمصانع الفترة الناصرية، ويشترون كروت الشحن القديمة التي كانت تُستخدم في كابينات التليفون بالشوارع قبل انتشار الهاتف المحمول، وهي ذكريات يعرفها جيل الثمانينات والتسعينات بشكل خاص ويستعيدونها مع معروضات السوق».

معروضات نوستالجية تجذب الجمهور (الشرق الأوسط)

تظهر صور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في وسط المعروضات، كما تظهر بورتريهات لعبد الحليم حافظ، وملصقات لنجوم كرة القدم في السبعينات، تُجاور شرائط كاسيت قديمة يشير البائع لإحدى الزبونات إلى أن سعر أي شريط كاسيت لمحمد عبد الوهاب 25 جنيهاً، فيما تُعرض أسطوانات التسجيلات القديمة بكميات كبيرة يبدأ سعرها من 50 جنيهاً، وكذلك الكاميرات التي تتراوح في تاريخها، وتبدأ من 200 جنيه وحتى 2000 جنيه (الدولار يعادل 48.6 جنيه)، ويعرض أحمد مهاب كثيراً من أجهزة التليفون القديمة التي تلفت أنظار الزوار.

يشير مهاب لأحد تلك الأجهزة التقليدية ذات القرص الدوّار ويقول عنه: «سعر هذا التليفون ألف جنيه مصري؛ وذلك لأنه يعود لفترة الخمسينات ولأن لونه الأحمر نادر، في حين أبيع الجهاز نفسه باللون الأسود بـ500 جنيه لأنه أكثر انتشاراً، فيما تقلّ أسعار تلك الهواتف الأرضية كلما كانت أحدث، فالتليفون ذو القرص الدوار الذي يعود لفترة التسعينات يُعرض للبيع بـ300 جنيه، وعلى الرغم من سطوة أجهزة الجوّالات المحمولة فلا يزال هناك جمهور يبحث عن تلك الأجهزة، إما لرخص سعرها نسبياً عن أجهزة التليفون الأرضي الحديثة، أو رغبة في اقتنائها بوصفها قطع أنتيكات للديكور»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».

هواتف قديمة ونادرة تلفت أنظار الزوار (الشرق الأوسط)

أما باعة العملات والأوراق النقدية القديمة، فيبدو جمهورهم في ازدياد على مدار ساعات السوق؛ حيث يحتفظون بالعملات المعدنية التي تتراوح بين الفضية والنحاسية في أكوام ضخمة، سواء عملات مصرية أو عربية يختلف سعرها حسب تاريخها الزمني، ينادي البائع لطفي عبد الله على الزبائن: «الواحدة بـ10 جنيه» في إشارة منه لعملة «النصف جنيه» المصري وعملة «الربع جنيه» التي أصبحت جزءاً من التاريخ بعد انهيار قيمتها الشرائية، فيما يشير إلى عملات أخرى أجنبية يحتفظ بها داخل «كاتالوغ» مُغلّف، تظهر على عملة كبيرة الحجم صورة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث تعود لفترة السبعينات، وعملة أخرى منقوش عليها شعار بطولة الألعاب الأولمبية في مونتريال 1976 التي يعرضها للبيع بـ2600 جنيه مصري، ويقول عنها: «تلك عملة من الفضة الخالصة وثقيلة الوزن، ولها قيمتها التاريخية التي يبحث عنها كثيرون من المقتنين، فجمهور العملات النادرة هم أقدم جمهور لهذه السوق، التي كانت في بداياتها تعتمد على بيع العملات وشرائها، ثم بدأ في التوسع التدريجي ليشمل مختلف المعروضات النادرة والمقتنيات القديمة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

شرائط كاسيت قديمة لكوكبة من نجوم الغناء (الشرق الأوسط)

ويبدو أن جمهور سوق «ديانا» لا يقتصر فقط على المصريين، فهو بات جزءاً من الجولات السياحية للكثير من السائحين من جنسيات مختلفة، منهم لي شواي، سائحة صينية، تتحدث مع «الشرق الأوسط» وتقول: «أزور مصر في رحلة عمل، وهذه أول مرة لي في هذه السوق، وما لفتي كثيراً أن هناك معروضات وتحفاً عليها نقوش ورسوم صينية شعبية، لم أكن أعرف أنهم في مصر مهتمون بالفنون والخطوط الصينية القديمة التي تظهر على اللوحات وأطباق التزيين هنا».

السوق تشهد حراكاً واهتماماً من الزوار (الشرق الأوسط)

ويُبدي عبد الله سعداوي، بائع في سوق ديانا، انتباهه لما يصفه بـ«الجمهور الجديد للسوق»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «زاد الجمهور بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وجزء كبير من هذا الأمر يعود لانخفاض الأسعار من جهة والميل لشراء السلع المستعملة كبديل للسلع الجديدة مرتفعة الثمن، بما فيها السلع الاستعمالية كالحقائب والنظارات وأطقم المائدة، وكذلك بسبب كثافة الفيديوهات التي صار يصوّرها المؤثرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن السوق وتجربة الشراء فيها، وهو ما جعل جمهوراً أكبر من الشباب يأتي بفضول لاستكشافها».