اختتمت فعاليات تأبين عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح، والتي أقيمت في الجامعة الأميركية بالقاهرة، مساء الاثنين، بحضور صحافيين وسياسيين ركزوا على ذكر مناقب الراحل الذي عاصر طوال 96 عاماً من حياته محطات مفصلية في تاريخ السودان.
وشهد الحفل كلمات لمعاصرين، وتلاميذ للصحافي الراحل، فضلاً عن مشاركة فنانين وشعراء بأعمال وطنية، استذكروا خلالها سيرته، وأدواره الوطنية والمهنية والاجتماعية.
وعكس حفل التأبين، الذي شارك فيه طيف واسع من السودانيين ومحبي صالح من الصحافيين، مكانته الصحافية البارزة، وسيرته الملهمة.
وجاء حفل التأبين في القاهرة ختاماً لفعاليات أقامها سودانيون محبون لصالح في دول عدة حول العالم شملت «السودان، وفرنسا، وأميركا، وكندا، وكينيا، وجنوب السودان، وقطر، وأوغندا، وأستراليا، وبريطانيا».
وبدا لافتاً تتويج الحفل الذي أقيم في القاهرة بطباعة عدد خاص من جريدة «الأيام» التي ارتبط اسمها بمحجوب صالح، وباتت «ثاني اثنين» من أشهر وأعرق الصحف السودانية.
رحل صالح الذي يُلقب بـ«عميد الصحافة السودانية» إلى رحاب ربه في 13 فبراير (شباط) 2024 في القاهرة عن عمر ناهز 96 عاماً، وارتبط اسمه بسمعة مهنية قيّمة، وبمساهماته في قضايا وطنية تركز على الحريات العامة والصحافية، ودور المرأة في المجتمع.
ولد صالح في العام 1928 بالخرطوم، وتلقى تعليمه بكافة مراحلة بها، والتحق بكلية «غردون التذكارية»، أو جامعة الخرطوم الحالية.
التحق صالح بنواة الحركة الشيوعية في السودان، وكان اسمها في ذلك الوقت «الحركة السودانية للتحرر الوطني»، وتعرف اختصاراً بـ«حسدتو»، في العام 1946، والتي قادت المقاومة السياسية ضد الاستعمار البريطاني، قبل أن تتحول إلى «الجبهة المعادية للاستعمار»، ثم تحولت لـ«الحزب الشيوعي السوداني».
تم قبوله بكلية الآداب جامعة الخرطوم في العام 1947، وبعد عام واحد، أي في 1948، انتخب نائباً لسكرتير لجنة اتحاد طلبة الجامعة، ثم انتخب سكرتيراً عاماً للاتحاد في 1949، وقاد إضراباً طلابياً شهيراً، ففصل على إثره من الجامعة ورفيقيه «مصطفى السيد، والطاهر عبد الباسط».
بدأت مسيرته الصحافية لصالح في صحيفة «سودان ستار» الناطقة باللغة الإنجليزية عام 1949، ثم صحيفة «السودان الجديد»، وفي العام 1953 أسس مع رفيقيه «بشير محمد سعيد، ومحجوب عثمان» صحيفة «الأيام» العريقة، التي صدر عددها الأول 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1953.
ظلت «الأيام» منارة ومنبراً للوعي الوطني والديمقراطي طوال أزمان صدورها، ونتيجة لمواقفها المناوئة للديكتاتوريات وكبت الحريات، ظلت الصحيفة تتعرض للقمع والتنكيل والإيقاف، بلغت الذروة بمصادرة الصحيفة خلال حكم الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري (1969: 1985).
أعيدت «الأيام» لمؤسسها، بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم النميري في أبريل (نيسان) 1985، وكان الراحل قد شغل فيها عدة مناصب تحريرية، بما في ذلك منصب مدير التحرير، ثم رئيساً للتحرير بالمناوبة مع رفيقيه، قبل أن يصبح رئيساً لتحريرها حتى رحيله.
أصدر صالح صحيفة إنجليزية وهي «سودان تايمز» بالشراكة مع الكاتب والسياسي الجنوب سوداني - والسوداني وقتها – ووزير الإعلام السابق «بونا ملوال» بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري بانتفاضة شعبية، وترأس تحرير مجلة «الحياة» الأسبوعية التي تصدر عن دار الأيام للنشر خلال الفترة 1957 – 1959.
للراحل العديد من المؤلفات وأهمها سِفره «تاريخ الصَّحافة السودانية في نصف قرن»، و«أضواء على قضية الجَنُوب»، «مستقبل الديمقراطية في السودان»، «دراسات حول الدستور (جزآن)».
في عام 2005 منحته «الجمعية العالمية للصحف» في باريس «جائزة القلم الذهبي»، كما نال جائزة «مؤسسة نايت والمركز الصحافي العالمي» في واشنطن العام 2006، وفي ذات العام منحته جامعة الزعيم الأزهري السودانية الدكتوراه الفخرية، ثم اختير في العام 2013 شخصية العام من قبل مجلس أمناء جائزة الأديب الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي.