ما الفسيخ؟ ولماذا يفجر الجدل باستمرار في مصر؟

الفسيخ يعود تاريخه إلى زمن المصريين القدماء (أ.ف.ب)
الفسيخ يعود تاريخه إلى زمن المصريين القدماء (أ.ف.ب)
TT

ما الفسيخ؟ ولماذا يفجر الجدل باستمرار في مصر؟

الفسيخ يعود تاريخه إلى زمن المصريين القدماء (أ.ف.ب)
الفسيخ يعود تاريخه إلى زمن المصريين القدماء (أ.ف.ب)

الفسيخ، أكلة يتناولها المصريون على فترات متباعدة وفي الأعياد والمواسم؛ يُعدّها بعضهم «أكلة شهية ولذيذة»، في حين يراها آخرون مصدراً للسموم والروائح الحادة.

والفسيخ هو سمك البوري المملح، الذي يُتناول بشكل عادي وطازج قبل عملية التمليح على غرار جميع أصناف الأسماك الأخرى، وتُعد طريقة تحوّل البوري إلى فسيخ عملية مهمة إذ تتوقف عليها جودة الفسيخ ومذاقه ولونه وسعره.

ويمر التمليح بمراحل عدّة؛ من بينها تنظيف خياشيم سمك البوري وتجفيفه تماماً من الماء، قبل حشوها بالملح الخشن، والشطة، والليمون، والكركم، ووضعه في أكياس أو صناديق مفرغة من الهواء، ويترك أقل من أسبوعين في هذه الأجواء قبل أن يُصبح لون لحمه وردياً ويكون جاهزاً للتناول.

شهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الفسيخ والرنجة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تراوح سعر كيلو الفسيخ الواحد من 400 إلى 450 جنيهاً، (الدولار الأميركي يعادل 47.85 جنيه مصري) مقابل 220 إلى 275 جنيهاً في العام الماضي، بنسبة زيادة تبلغ 80 في المائة، وفق حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية في الغرفة التجارية بالقاهرة، الذي أرجع في تصريحات صحافية زيادة الأسعار إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج في الآونة الأخيرة ومن بينها ارتفاع أسعار الأسماك، ومستلزمات الإنتاج.

وتندّر متابعون مصريون على الإقبال على الفسيخ، وقالوا: «يرفض البعض تناول البوري الطازج لأن سعره يكون بنحو 150 جنيهاً في المتوسط، لكنهم يشترونه عندما يكون مملّحاً ورائحته قوية للغاية وسعره نحو 500 جنيه».

ويفجّر الفسيخ الجدل باستمرار في مصر ويشغل حيّزاً من نقاشات المصريين وغيرهم من سكان المنطقة العربية مع مواسم تناوله، وعلى الرغم من أن البعض لا يتحملون رائحته الحادة، فإنهم يستمتعون بتناول لحمه في الوقت نفسه.

ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الفسيخ براند مصري بامتياز، وموروث مصري أصيل، يثير الجدل حوله باستمرار، رغم تناول شعوب الدول الاسكندنافية، أسماكاً مملحة أيضاً، وتُعدّ من أغنى الشعوب وأكثرها رفاهية».

مدينة نبروه تعد أحد مراكز تمليح الفسيخ (أ.ف.ب)

ويبدي صادق اعتراضاً على تربّص البعض بالفسيخ وغيره من الأنماط الغذائية السائدة في مصر، ويقول: «مَن لا يحب تناول نوع من المأكولات فليتركه ويتناول ما يشاء، ولكن عليه أن يحترم ثقافات الآخرين وعاداتهم»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كثيرون من أسرة واحدة يختلفون فيما يحبون من أكلات وما لا يرغبون في تناولها، ومن بينها الفسيخ والرنجة، لكن يتم تقبّل الأمر بسلاسة، ولا يفرض أحد رأيه على الآخر، ويحدث سجال سنوي في إطار ساخر أحياناً حول هذه الممارسات»، محذراً من محاولات الحطّ من قيمة الثقافات الغذائية للشعوب باستخدام الأكلات الغريبة: «أُعدها نوعاً من أنواع العنصرية»، وفق تعبيره.

وفي المحاورات الشعبية الإقليمية التي لا تخلو من روح الدعابة يستخدم البعض الفسيخ أداة لانتقاد الثقافة الغذائية المصرية بوصفه ذا «رائحة حادة».

ويقبل مصريون على الفسيخ بشكل لافت في موسمي «عيد الفطر» و«شمّ النّسيم»، لكن وفق خالد السيد، رئيس الهيئة العامة للثروة السّمكية، فإن الأسواق شهدت حالة من الركود بسبب ارتفاع أسعار الأسماك في الآونة الأخيرة.

ورغم تحذيرات وزارة الصحة المصرية المتكررة من تناول الفسيخ والرنجة؛ خصوصاً لأصحاب الأمراض المزمنة، فإن قطاعاً كبيراً من المصريين يتجاهل هذه التحذيرات من باب «سيبها على الله»، و«اللي له نصيب في حاجة هيشوفها»، و«ساعة الحظ ما تتعوضش».

ووظفت أعمال سينمائية من بينها فيلم «عسل أسود»، للفنان أحمد حلمي هذه المفارقة؛ حيث ظهر في أحد المشاهد وهو ينفر من رائحته القوية قبل أن يلتهم الفسيخ ويبدي إعجابه الشديد بطعمه.

وتبارى مدوّنون ويوتيوبر مصريون أخيراً في تسليط الضوء على «طعامة الفسيخ» ذي اللون الوردي، حيث يظهرون في مقاطع تلقى إعجاب الآلاف وهم يلتهمونه بشغف وحب بالغين.

ارتفاع أسعار الفسيخ في موسم «شمّ النّسيم» (الشرق الأوسط)

ويعود الاحتفال «بشمّ النسيم» إلى القدماء المصريين، الذين اعتبروا فصل الربيع الذي يُعرف لديهم باسم «شمو»، أهم تلك الفصول التي كانوا ينتظرون قدومها بسعادة وفرح، وكانت بدايته عيداً، وأقاموا بهذه المناسبة احتفالات دينية وشعبية.

وكان «شمو» هو الفصل الذي تزهر فيه النباتات، لطقسه الربيعي المعتدل، ورأى قدماء المصريين بداية هذا الفصل من العام أنه رمز للبعث والحياة.

وكان «شمّ النّسيم» عيداً دينياً أيضاً، ومناسبة للتقرب من الآلهة بتقديم القرابين التي كانت تتكوّن من سمك مملح وخس وبصل وملانة (الحمص الأخضر)، وهي الأطعمة التي ارتبطت بذلك اليوم في الماضي والحاضر.

وتُعدّ مدينة نبروه (دلتا مصر)، من أشهر قلاع صناعة الفسيخ في مصر؛ حيث يقصدها كثيرون كل عامٍ لشراء احتياجاتهم من الفسيخ والأسماك المملحة الأخرى.

وعرف المصريون القدامى الفسيخ منذ أكثر من 4 آلاف عام، حسب عالم الآثار المصري زاهي حواس، الذي أكد، في تصريحات سابقة، أن مركز الفسيخ أو السمك المملح عند الفراعنة كان في إسنا في جنوب البلاد.

وقال حواس: «في اكتشافاتنا الأثرية، كشفنا آثاراً تُثبت أن المصريين القُدامى كانوا يملّحون الأسماك لتطول فترة صلاحيتها للأكل ويتمكّن العمّال من تناولها أثناء العمل».


مقالات ذات صلة

لبنان يُغنّي في النسخة الـ23 لـ«عيد الموسيقى»

يوميات الشرق بيروت تحتفل بـ«عيد الموسيقى» طوال يومين (المركز الثقافي الفرنسي)

لبنان يُغنّي في النسخة الـ23 لـ«عيد الموسيقى»

لبنان بجميع مناطقه يُغنّي في النسخة الـ23 لـ«عيد الموسيقى» الذي يحلّ في 21 يونيو من كل عام. فاللبنانيون اعتادوا الاحتفال به منذ انطلاقته عام 2001.

فيفيان حداد (بيروت)
العالم العربي عدد من الأضاحي قبل ذبحها في المجازر المعتمدة (مجلس الوزراء)

«عجول نزقة» تجلب مشاهد مصارعة الثيران إلى مصر

حظيت مقاطع فيديو مصورة لمَشاهد «هروب» عجول الأضحية في مصر، بانتشار واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محققة مشاهدات كبيرة، وتشبيه مدونين لها بـ«مصارعة الثيران»

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

خادم الحرمين: نسأل الله أن يديم الأمن والاستقرار على وطننا والأمتين العربية والإسلامية

هنّأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المواطنين والمقيمين والأمتين العربية والإسلامية بعيد الأضحى المبارك.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق رسمت فرحة العيد البهجة والسرور على وجوه الكبار والصغار في مختلف مناطق السعودية (تصوير: سعد الدوسري)

العيد في السعودية... كرنفال للفرح والبهجة

رسمت فرحة العيد البهجة والسرور على وجوه الكبار والصغار في مختلف مناطق السعودية، الذين توافدوا مع ساعات الصباح الأولى على ساحات المساجد والمتنزهات.

إبراهيم أبو زايد (الرياض)
الخليج «طواف الإفاضة» الركن الثالث من أركان الحج (واس)

الحجاج يؤدون «طواف الإفاضة» وسط منظومة من الخدمات المتكاملة

بدأ الحجاج اليوم أداء «طواف الإفاضة» الركن الثالث من أركان الحج في المسجد الحرام مع فجر عيد الأضحى المبارك وسط منظومة من الخدمات والتنظيمات المكثفة

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.