استعادة صور كيغام دجيغاليان... إطلالة على الحياة في غزة الأربعينات

معرض يحتضن أعمال مؤسِّس أول استوديو تصوير بالقطاع

أطفال غزة بعين المصوِّر الأرميني (الشرق الأوسط)
أطفال غزة بعين المصوِّر الأرميني (الشرق الأوسط)
TT

استعادة صور كيغام دجيغاليان... إطلالة على الحياة في غزة الأربعينات

أطفال غزة بعين المصوِّر الأرميني (الشرق الأوسط)
أطفال غزة بعين المصوِّر الأرميني (الشرق الأوسط)

في بهو المعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة، تستقبل الزوّار عشراتُ الوجوه بنظراتها، وابتساماتها، وامتلائها بالحياة. هي الوجوه التي حفظتها عدسة الفنان الأرميني الراحل كيغام دجيغاليان في أثناء إقامته بغزة منذ أربعينات القرن الماضي ولمدّة 40 عاماً، التقط خلالها عدداً من اللقطات التي يحتضنها معرض بعنوان «مُصوّر غزة: كيغام»، المستمرّ حتى 12 مايو (أيار).

المعرض يستضيفه المعهد الفرنسي في القاهرة (الشرق الأوسط)

نظَّم المعرض كيغام دجيغاليان، حفيد المصوّر الأرميني الراحل الذي يحمل اسمه، وكتب كلمة تعريفية بجدّه، فقال إنه «ساهم في تعميم ممارسة التصوير الفوتوغرافي في المدينة، فدعم الشباب المصوّرين، وعدَّه كثيرون أباً روحياً لهذه المهنة لنحو 4 عقود، وثَّق خلالها تاريخ غزة وذاكرتها من خلال تصويره الاجتماعي والرسمي والسياسي والوثائقي، وما صوّره في الاستوديو الخاص به خلال فترات التحوُّل العصيبة تحت الانتداب البريطاني، والحكم المصري، والاحتلال الإسرائيلي عامَي 1956 و1967».

«تذكار غزة» في المعرض (الشرق الأوسط)

رغم تلك الظروف التي أحاطت بفترة إقامة دجيغاليان في غزة، أصرَّ على البقاء فيها حتى وفاته عام 1981. ووفق المُلحق الثقافي للمعهد الفرنسي في مصر، إريك ليباس، تكمن أهمية المعرض في أنّ الراحل «هو مؤسِّس أول استوديو تصوير في القطاع عام 1944 باسم (فوتو كيغام)، وهذا الفضاء الذي يضمّ عشرات الصور الفوتوغرافية المختلفة يمثّل توثيقاً لتاريخ غزة والحياة اليومية التي عاشها أهلها في تلك الفترة، التي ربما نطّلع عليها للمرة الأولى عن قُرب عبر الصورة الفوتوغرافية»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

عدد من الصور التلقائية لأهالي غزة (الشرق الأوسط)

تبدو فوتوغرافيا غزة بالأبيض والأسود كأنها عرض سردي لمدينة تمتَّع أهلها بحياة بسيطة، قبل أن تُبدّل وجهها الحرب الإسرائيلية. وهو انطباع تُكوّنه صور المعرض الموزَّعة على مجموعة أقسام، ما بين «الاستوديو»، و«تذكار غزة»، و«ألبوم العائلة»، و«زووم»، التي بدا فيها المصوّر الراحل كأنه يبحث عن الإيقاع اليومي، والهوية، والابتسامة الحرّة غير المُفتعلة، سواء في المواقع الحيّة، كتصوير الشوارع والمقاهي، وتجمّعات الأطفال، ونزهات العائلات على البحر، واجتماع النساء حول أنشطة مختلفة، مثل الرسم والخياطة، أو من خلال تصويره البورتريهات والوجوه في استوديو التصوير الخاص به؛ فأبرزت لقطاته الملامح الشرقية الجاذبة لأهل غزة، وحرص معظمهم على ارتداء الزيّ التقليدي الفلسطيني في صورهم بالاستوديو. كما تُعرَض الكاميرات، وأدوات التصوير القديمة، و«النيغانتيف»، التي استعان بها الفنان آنذاك.

بورتريهات من استوديو كيغام (الشرق الأوسط)

من جهتها، تقول مسؤولة الإعلام في المعهد الثقافي الفرنسي يان فيني لـ«الشرق الأوسط»، إنّ المعرض «يُعدُّ إحدى فعاليات برنامج (هنا فلسطين) الذي ينظّمه المعهد»، وتضيف: «نظّمنا في العام الماضي برنامجاً بعنوان (هنا السودان)، وهذا العام نستضيف تلك الفعاليات تضامناً مع فلسطين والسلام، عبر برنامج يدعم الثقافة الفلسطينية بمختلف الصور. فإلى معرض كيغام، ثمة ورش عمل فنية، وحفل موسيقي، وبازار فلسطيني».

من فوتوغرافيا كيغام (الشرق الأوسط)

جانب من حضور المعرض بالمعهد الفرنسي (الشرق الأوسط)

ويضمّ البازار عدداً من الحرف اليدوية والمأكولات الشعبية الفلسطينية، وسط إقبال من الزوّار على تفقُّد المعروضات بروائحها الخلّابة. وتقف المهندسة الفلسطينية آلاء حداد لتُحدّثهم عن التطريز الذي تحترفه، فتشير إلى «مفتاح العودة» الذي تصمّمه وتُطرّزه بالكامل بالغرزة الفلسطينية المعروفة، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «وصلتُ إلى القاهرة منذ أيام قادمةً من غزة، وأجدُ في العمل اليدوي كثيراً من التنفيس عن الحزن الذي نعيشه، ووسيلة للمقاومة عبر الفنّ التراثي الذي يختزل ثقافتنا وصمودنا».


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.