الهوية البصرية للقاهرة «حائرة» بين «الطابع الفرعوني» والعصر الحديث

أزمة الجداريات على البنايات المحيطة بالمتحف الكبير تجدد الجدل

مصر تضع اللمسات الأخيرة على المتحف الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مصر تضع اللمسات الأخيرة على المتحف الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

الهوية البصرية للقاهرة «حائرة» بين «الطابع الفرعوني» والعصر الحديث

مصر تضع اللمسات الأخيرة على المتحف الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مصر تضع اللمسات الأخيرة على المتحف الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعادت أزمة الجداريات على البنايات المحيطة بالمتحف المصري الكبير النقاش والجدل مجدداً حول قضية «الهوية البصرية» للقاهرة ما بين اتخاذها «الطابع المصري القديم» أو المستلهم من مفردات وعناصر العصر الحديث.

وكانت أعمال تشكيل الهوية البصرية لـ(الطريق الدائري) بالقاهرة قد بدأت بالتزامن مع الاستعدادات الخاصة لافتتاح المتحف المصري الكبير، وتضمن مشروع التطوير إنشاء منطقة أنشطة سياحية تطل على الأهرامات والمتحف المصري الكبير، في الوقت الذي تم فيه إضافة صور لرموز وملوك من الحضارة المصرية القديمة، فضلاً عن تعليق عناصر تراثية وجداريات على المباني السكنية العشوائية القريبة من المتحف.

جانب من اللوحات المثيرة للجدل (محافظة القاهرة)

وأكد اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة في بيان أصدره مؤخراً استمرار العمل على تحسين الهوية البصرية بـ(الطريق الدائري) بقطاع شرق النيل، وذلك في المسافة ما بين أول طريق الأوتوستراد حتى النيل بطول 12، وذلك بالتعاون مع جامعة عين شمس طبقاً لرؤية عامة تتضمن تقسيم الطريق إلى قطاعات لإنجاز الأعمال بها، وفقاً لجدول زمني محدد سينتهي بالتزامن مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير.

وأمام الانتقادات الموجهة للمشروع، علقت وزارة التعليم العالي في بيان لها أخيراً : «تقوم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال كليتي الهندسة بجامعتي عين شمس والقاهرة بعمل معالجة متكاملة لعناصر الرؤية البصرية على جانبي الطريق من خلال تطوير واجهات المباني غير المنظمة، وعمل لافتات دعائية لتاريخ ومكانة القاهرة والجيزة، سواء بطول بعض جوانب الواجهات أو بمُحاذاة أسوار (الطريق الدائري) مع تزويدها بعناصر الإضاءة المُناسبة، بالإضافة إلى عناصر التشجير والمناطق الخضراء وفقاً للفراغات المُتاحة على جانبي (الطريق الدائري)، وذلك على اعتبار أن (الطريق الدائري) أحد المسارات الرئيسية للمتحف المصري الكبير».

أحد رسومات «الطريق الدائري» (محافظة القاهرة)

وعقبت الوزارة على ما أثير بشأن تشابه بعض التصميمات التي تم تنفيذها على (الطريق الدائري) مع بعض التصميمات المنفذة بدول أخرى، قائلة: «الشركات المسؤولة عن تنفيذ هذه التصميمات أوضحت أن هذه التصميمات كانت بمثابة عينة تجريبية فقط لدراسة الألوان والمقاييس على الطبيعة، وتمت إزالتها فور انتهاء الدراسة، وليس لها علاقة بالتصميم النهائي الجاري تنفيذه حالياً على (الطريق الدائري)».

وتم البدء في تنفيذ عشرات اللافتات الفعلية المُبتكرة والمُصممة من خلال مسابقة بين طلاب كليات الهندسة، وتمت مراعاة ألا تكون هذه التصميمات متشابهة مع تصميمات سابقة سواء محلية أو عالمية.

ووفق وزارة التعليم العالي فإنه من المنتظر أن يعكس المشروع في صورته النهائية صورة مُضيئة لمحافظتي القاهرة والجيزة، سواء لسكانها أو للسائحين الذين سيترددون على المتحف المصري الكبير ليشاهدوا تاريخ الحضارة المصرية القديمة.

من جهتها، تقول الدكتورة سهير زكي حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن «العمل في المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير على وجه الخصوص ينبغي أن يتم بناءً على رؤية عظيمة، تتوافق مع كونه أحد إنجازات القرن، وأن العالم كله ينتظر افتتاحه بوصفه أكبر متحف في العصر الحديث».

وتتابع: «ينبغي أن يكون العمل في إطار عموم الرؤية الشاملة المتكاملة التي تتوافق مع هذا المشروع الكبير، بمعنى أن الأمر يتطلب عقولاً تتنافس فيما بينها، وتتصادم وصولاً إلى الرؤية الصحيحة والتخطيط السليم، ولن يتحقق ذلك من دون طرح الأهداف المراد تحقيقها وإتاحتها للخبراء وللمجتمع لمناقشتها وإبداء الرأي حتى يبني المتخصصون رؤيتهم عليها قبل الشروع في التنفيذ».

الهوية البصرية للقاهرة أثارت جدلاً (فيسبوك)

وبينما يثني المعماري محمود صالح على توسع الحكومة أخيراً في اعتماد الحضارة المصرية القديمة بوصفها هوية بصرية لمشروعاتها القومية الكبرى، وما يرتبط بها من أمكنة واحتفالات، آملاً أن تتوسع مصر في اعتماد هذه الهوية للقاهرة على اعتبار أن الحضارة المصرية القديمة هي الأعظم، ولم يأت مثلها في أسرارها وهويتها، وأنها لا تزال باقية حية متفردة، فإن الدكتور جلال عبادة أستاذ العمارة والتصميم العمراني بجامعة عين شمس يرى أن «هناك مفاهيم غير دقيقة ينبغي تصحيحها والاتفاق عليها أولاً قبل التحدث عن الطابع العمراني للقاهرة».

ويوضح عبادة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يسمى مفهوم الهوية البصرية للمدن؛ وهناك خلط بين هذا الاسم وما هو معروف في التصميم العمراني بالصورة البصرية للمدينة، وهو مجال مختلف تماماً عن موضوع الجدل الدائر حالياً».

ويتابع: «المدن لها طابع عمراني مركب ومتداخل من عدة عوامل، وفي القاهرة، وهي مدينة متضخمة تتكون من (قاهرات) متعددة ومتباينة ومتداخلة، و(الطريق الدائري) على سبيل المثال يمر بعدد من مناطق عمرانية مختلفة، ولا يمكن إلباس ثوب معين لهذه المناطق لكي أغير مظهرها أو طبيعتها، وإنما يمكن تحسين مظهرها بوسائل معروفة؛ فالمدينة ليست (مانيكان) تتخذ ملابس يمكن توحيدها لتتغير في طابعها من حين إلى آخر».

أهرامات الجيزة أبرز معالم القاهرة الكبرى (الشرق الأوسط)

ويشدّد عبادة على أن «المدينة تعبر عن طابعها العمراني والتاريخي والطبيعي، وشخصيتها الحضارية والعوامل المختلفة التي صاغتها وشملت طابعها، وما نستطيع أن نقوم به هو أن نهذب المكان ونعيد تنظيمه وتنسيق عناصره وتفاصيله المتغيرة، وأن نزيل عوامل التشويه المختلفة، مع رفض استخدام ألوان متنافرة وصاخبة، وإلصاق موتيفات سطحية أو صور مباشرة بدعوى تأكيد الانتماء لطابع قديم أو حديث؛ فذلك غير مناسب إلا في مناطق معينة استثنائية، مثل بعض أماكن الجذب السياحي أو مدن الملاهي وما شابهها».

وتعد القاهرة الكبرى من أكثر المدن تنوعاً من حيث المستويين الثقافي والحضاري، ومن أكبر المدن الأفريقية، وتمتد مساحتها على عشرات الكيلومترات ويتوسطها نهر النيل.

وتضم القاهرة الكبرى المكونة من القاهرة والجيزة والقليوبية عدداً من المعالم القديمة والحديثة التي ترجع لحقب تاريخية مختلفة على مر العصور، كما تضم آثاراً فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية، ووصفها المؤرخ والفيلسوف ابن خلدون قائلا: «إنها أوسع من كل ما يُتخيَّل فيها».

وتزخر القاهرة بعدد من المتاحف الأثرية والفنية، منها المتحف المصري، والمتحف المصري الكبير، ومتحف الفن الإسلامي، والمتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ومتحف أم كلثوم، ومتحف الفن الحديث، ومتحف المركبات الملكية.


مقالات ذات صلة

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

يوميات الشرق إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق جمال لوتشيا بونتي من نوع مختلف عن جدّتها (موقع الحفل)

حفيدة صوفيا لورين «مختلفة الجمال» تخرج إلى المجتمع في «حفل المبتدئات»

جرتْ العادة أن تحضُر كل مُشاركة بصحبة فتى من أبناء المشاهير والأثرياء، وأن ترقص معه «الفالس» كأنهما في حفل من حفلات القصور في عهود ملوك أوروبا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)

أقدم آلة تشيللو أسكوتلندية تعزف للمرّة الأولى منذ القرن الـ18

خضعت آلة تشيللو يُعتقد أنها الأقدم من نوعها في أسكوتلندا لإعادة ترميم، ومن المقرَّر أن تعاود العزف مرّة أخرى في عرض خاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق نادرة جداً (مواقع التواصل)

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

من المتوقَّع أن تُحقّق ما وُصفَت بأنها «قطعة حقيقية من تاريخ بريستول» آلاف الجنيهات منذ عرضها للبيع في مزاد ببريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».