ما لم يحدث وإمكانية فتح الأقواس في نهاية «خيوط المعازيب»

الدراما مثل الرواية والفيلم تشتغل كالمجاز المرسل

مريم حسين وعبد المحسن النمر في مشهد من المسلسل (الشرق الأوسط)
مريم حسين وعبد المحسن النمر في مشهد من المسلسل (الشرق الأوسط)
TT

ما لم يحدث وإمكانية فتح الأقواس في نهاية «خيوط المعازيب»

مريم حسين وعبد المحسن النمر في مشهد من المسلسل (الشرق الأوسط)
مريم حسين وعبد المحسن النمر في مشهد من المسلسل (الشرق الأوسط)

ينتهي المسلسل السعودي «خيوط المعازيب» بتحقّق «العدالة الشعرية»، بانتصار الخير على الشر؛ فالشرير أبو عيسى (عبد المحسن النمر) يلقى حتفه غرقاً في العين مقيّد اليدين والقدمين، وتُلقي الشرطة القبض على الجاني أبو أحمد (سعيد قريش)، ويمتلئ الجزء الأخير من الحلقة الأخيرة بالعرضة والغناء احتفالاً بعيد الأضحى، وبلحظات التسامح والتصالح بين الأصدقاء وطي صفحات الماضي.

⁨يتناول المسلسل منطقة الأحساء في حقبة الستينات من القرن الماضي (الشرق الأوسط)⁩

لم تَرُق هذه النهاية للبعض، كما يظهر في التعليقات والكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يدلّ على انتظارهم نهاية مختلفة، أو مفتوحة، ولكن خابت توقعاتهم؛ إذ كان لصانعي المسلسل وجهة نظر مختلفة تجسدت في إنهائه بخاتمة، بحل وإخماد بؤر الصراع والتوترات.

كتب وزير الثقافة والإعلام الأسبق إياد مدني، في «إكس»، مُعَلِّقاً على النهاية: «وجاء المشهد الأخير تقريرياً مُقحماً. وانتهى السيناريو سعيداً مفرحاً، فقد انهزم الأشرار وانتصر الأخيار وحُلَّت العُقد». وكتب الدكتور حسن مدن في مقالته الموسومة بـ«خيوط المعازيب» المنشورة في («التقدمي» - 14/ 4/ 2024): «بدا لنا أن ما نريد تسميته (إغلاق الأقواس) في الحلقة الأخيرة من المسلسل بنهاياتٍ (سعيدة) لمسارات التناقض والصراع في أحداث المسلسل وبين شخصيّاته، مُفْتَعلاً، وربما كان الأفضل إبقاء تلك الأقواس مفتوحة، تمهيداً لعملٍ متمّم».

لا يختلف رأيي في نهاية المسلسل عن موقفَي الوزير والدكتور، كنت مثلهما أنتظر نهاية مختلفة مفتوحة تدعو المشاهدين إلى تخيّل نهايات للمسلسل. لكنني لا أرى أن انتهاء المسلسل بإغلاق/ قفلة، يمنع صنع جزءٍ ثانٍ. أعتقد لو أن صانعيه أرادوا إنهاءه بما يمهد لتتمة، لفعلوا ذلك وبسهولة، مع إبقاء جزء العرضة والغناء من الحلقة. على سبيل المثال، بدفع عودة شيخة (مريم حسين) إلى ما بعد مشاهد الاحتفال بالعيد والغناء، وإنهاء الحلقة بدخولها بيت أبو عيسى أو حتى بوقوفها في المدخل. سيكون وقوفها نهاية مشوقة وموحية بتتمة.

مريم حسين في مشهد من العمل (الشرق الأوسط)⁩

مما قد يحدث في الجزء الثاني بعد عودة شيخة:

تعود شيخة إلى البيت الذي غادرته مُكرهة تفادياً لطلاقها، بعد أن رأت أنه لم يعد بيتها، ولم تعد السيدة فيه كما كانت قبل أن تدخله بدرية (ريم إرحمة) زوجة ثالثة لأبو عيسى. وزاد الطين بِلَّة تفضيل أبو عيسى لزوجته الأخرى مريوم (دانة آل سالم) على شيخة بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين بدرية. فما أتخيل حدوثه هو سعي شيخة، في اللحظات الأولى بعد عودتها، إلى بسط سيطرتها على البيت، واسترداد مكانتها. لن تواجه في تحقيق هدفها أي صعوبة، فمريوم ضعيفة ومهيضة الجناح (حتى هذه اللحظة)، ولا تستطيع الوقوف في وجه شيخة المدعومة من ابن أختها عيسى (ياسر عماد). ولن يطمئن قلبها قبل أن تخطف «المرتعشة» من مريوم.

وربما يكون الاستيلاء عليها أول شيء تقوم به. شيخة لن تشعر بأنها «شيخة البيت»، قبل أن ترتعش «المرتعشة» المشهورة على صدرها.

المثير أن لـ«مرتعشة» أبو عيسى حياة، وحكاية خاصة؛ حكاية انتقالات وتغيرات في وظائفها ودلالتها. فبانتزاع شيخة للمرتعشة من مريوم، يكون صدرها «المكان» الذي تنبسط المرتعشة فيه وتخطف الأنظار إليها لأول مرة منذ اشتراها أبو عيسى لبدرية.

اشترى أبو عيسى «المرتعشة» لبدرية غطاءً لكذبته؛ بأن رحلته إلى البحرين للبحث عن ابنها فرحان (محمد عبد الخالق) باءت بالفشل، بينما هو لم يسافر لأبعد من الدمام. وعاد إليها بالمرتعشة ليغطي بها كذبته، ويغطي بها صدرها، لتكون، في الآن نفسه، رمزاً ودليلاً على حبه وتفضيله إياها، ودالة على ثرائه، ومثيرة لغيرة النساء الأخريات. ثم تحوّلت القلادة الذهبية الكبيرة إلى أداة لعقاب بدرية، عندما انتزعها أبو عيسى منها بعد اكتشافه محاولتها تسميمه وقتله، فانتهى المطاف بـ«مرتعشة أبو عيسى» على صدر مريوم، التي ارتفعت مكانتها، ما أثار غضب شيخة. سيكون صدر شيخة، في حال انتزاع «المرتعشة» من مريوم، المرفأ الأخير الذي طال انتظاره لرسوّها واستيلائها عليه.

يُعرف المسلسل ملامح الحياة الاجتماعية الأحسائية القديمة في العمل (الشرق الأوسط)

شيخة ترمي بتفاحة الخلاف في بيت أبو عيسى وخارجه

ثمة تشابه، إلى حد ما، في شخصيتي أبو عيسى وشيخة، في تجاور الحب والكره، والخير والشر، والنزعة التآمرية، وحب السيطرة. أبو عيسى جشعٌ وقاسٍ ومستبدٌ في الخارج، وفي بيته أبٌ محبٌ وحنون، وزوج محبٌ، خصوصاً لزوجته الأولى أم عيسى، ولبدرية، قبل أن يقلبَ عليها ظهر المجن. أما شيخة، فقد دفعها حبها لابن وابنة أختها وحرصها عليهما إلى الزواج من أبو عيسى.

أعتقد أن بعض الشر الذي غادر البيت وخلت «الديرة» منه بموت أبو عيسى سيعود متجسّداً في شيخة، وستكون مريوم أولى ضحاياه المحتمَلين؛ فمع وجودها وشيخة تحت سقف واحد ستجد مريوم نفسها خادمة لضرتها الأولى مثلما كانت من قبل. الشر لا يموت ولا ينتهي من العالم، وشيخة امرأة يلتقي فيها النزوع للشر والغيرة والشعور بالظلم لاعتقادها أنها لم تنل من «أبو عيسى» التقدير الذي تستحقه، رغم أن العلاقة بينهما لا يمكن وصفها بالعلاقة الزوجية العادية، أو بأنها قائمة على المودة بينهما، وهي التي أبقت باب حجرتها موصداً في وجهه منذ أن تزوجته.

ومن المحتمل أن ترمي شيخة تفاحة الخلاف بين عيسى وزوجة أبيه مريوم حول توزيع ميراث الأب، وبينه وبين بدرية التي ستُطالب بنصيب ابنتها من الميراث؛ ما قد يؤدي إلى تفجير خلاف بين عيسى وفرحان الذي من الطبيعي أن يَهُبَّ إلى مؤازرة أمه التي يرى أن «أبو عيسى» اضطهدها وظلمها، ولم تحصل منه إلاّ على البيت الخرابة. وقد تُحَرِّضُ شيخة ابن أختها على ملاحقة مَن سرقوا ثروة أبيه، ما يؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة. وكان لذلك سابقة في تحريضها لعيسى وشقيقته فاطمة (إرم فيصل) على أبيهما، ومطالبته بنقل ملكية البيت إليهما.

مريم حسين وعبد المحسن النمر في مشهد من المسلسل (الشرق الأوسط)

لكن وبينما أنا أكتب هذا السيناريو، أدركُ أنه غير ملائم، لأسباب، أهمها أنه يُكرّر ويبعث توترات وصراعات قديمة، والتكرار يُوَلِّد الرتابة، ويخفضُ مستوى إلا بداع والإمتاع. ولا يُميّز هذا السيناريو سوى عرضه الشر بوجه أنثى (شيخة)، بالإضافة إلى تقديم بيت أبو عيسى كصندوق باندورا مصدَرَ كل الشرور، بينما الشر في كل مكان وزمان، وحتى في كل شخص، يشتبك في صراع مع نقيضه الخير.

إن إغلاق الأقواس لن يمنع صنع جزءٍ ثان، ولا أشك في أن صانعي المسلسل قادرون على فتحها، ربما بسهولة إزاحة مشهد عودة شيخة إلى نهاية الحلقة الأخيرة، لو أرادوا أو فكروا في ذلك. فإن لم يكن لديهم أي مفتاح الآن لمعالجة الأقواس التي أغلقوها بالنهايات السعيدة كما يقول د. مدن، فأمامهم ما يكفي من الوقت لصنع مفاتيح وابتكار حلول تمكّنهم من وَصْلِ المتأخر بالمتقدم، وبأكثر من طريقة.

يركز العمل على علاقة الأبناء بالآباء قديماً (الشرق الأوسط)

الدقة التاريخية والمقاربة المجازية للمكان

«خيوط المعازيب» (دراما فترة)، التفاتة إلى الوراء جميلة وممتعة «صمّغَت» عيون الكثيرين عبر العالم العربي بالشاشة الصغيرة. دراما تصوّر أجواء الحياة في الأحساء في ستينات القرن العشرين، يتجلى في حلقاتها اهتمامٌ كبير بالمكان، أفضى إلى انفراده بالبطولة في المسلسل كما ذكر الناقد محمد العباس، أو إلى طغيانه على عناصر أخرى، مثل بناء الشخصيات وتطويرها، حسب الأديبة والسيناريست الكويتية منى الشمري. طغيان المكان ناشئ، كما يبدو، عن الحرص على مطابقة الصورة للواقع ومحاولة نسخه/ استنساخه بدلاً من استحضاره وبعثه. كان يمكن تصوير المكان واستحضاره بأسلوب المجاز المرسل، حيث الجزء يرمز أو يعبّر عن الكل أو العكس، والقليل عن الكثير، وبأقل عدد من ملامح ومفردات الثقافة والبيئة الأحسائية آنذاك، وتركُ المشاهد ليشارك في إكمال صورة المكان معتمداً على ذاكرته أو مخيلته، أو عليهما معاً. أعتقد أن الدراما (مثل الرواية والفيلم) تشتغل كالمجاز المرسل في مقاربتها واستحضارها الأحداث التاريخية والأمكنة بموجوداتها، بدرجة عالية من والاختيار والانتقاء، حتى لو نجم عن ذلك تجاهل أحداث كبيرة في الحقبة التاريخية التي تعود إليها. يُحسب لـ«خيوط المعازيب»، عدم التفاته إلى الأحداث الكبيرة في المنطقة لأنها خارج دائرة الاهتمام، وليس لها تأثير على مجرى الأحداث. من ناحية أخرى، أتمنى لو أن صانعي المسلسل لم يُغرقوا العمل بفائض من الأشياء والتفاصيل التي جعلت المكان يظهر في «صورة متحفية»، كما علَق الناقد عيد الناصر.

سيكون الجزء الثاني، إن جاء، أفضل، وخالياً من المفارقات التاريخية ونقاط الضعف التي أشرت وأشار إليها آخرون. ومثل سابقه، سيوفر «خيوط المعازيب - 2» فرصة مشاهدة ممتعة، وسَيُلْصِقُ عيوناً كثيرة بالشاشات الصغيرة.


مقالات ذات صلة

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

يوميات الشرق النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

نجح نجم «ديزني»، الأسترالي أندري ريريكورا، في التخلُّص من ثعبان على طائرة «فيرجين إيرلاينز»... فماذا كانت مكافأته؟

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق جمال لوتشيا بونتي من نوع مختلف عن جدّتها (موقع الحفل)

حفيدة صوفيا لورين «مختلفة الجمال» تخرج إلى المجتمع في «حفل المبتدئات»

جرتْ العادة أن تحضُر كل مُشاركة بصحبة فتى من أبناء المشاهير والأثرياء، وأن ترقص معه «الفالس» كأنهما في حفل من حفلات القصور في عهود ملوك أوروبا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)

أقدم آلة تشيللو أسكوتلندية تعزف للمرّة الأولى منذ القرن الـ18

خضعت آلة تشيللو يُعتقد أنها الأقدم من نوعها في أسكوتلندا لإعادة ترميم، ومن المقرَّر أن تعاود العزف مرّة أخرى في عرض خاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
TT

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)

نجح نجم «ديزني»، الأسترالي أندري ريريكورا، في التخلُّص من ثعبان على طائرة «فيرجين إيرلاينز»، وكوفئ بمشروب مجاني لشجاعته خلال الرحلة بين مدينتَي بروم وبيرث في البلاد.

وفي تصريح لمحطة «إيه بي سي نيوز» الأسترالية، نقلته «إندبندنت»، قال ريريكورا إنه قبل الإقلاع، صرخ أحد الركاب منبِّهاً إلى وجود ثعبان، فتأجَّلت الرحلة بينما كان الطاقم يحاول معرفة كيفية التعامل مع الوضع.

أضاف النجم التلفزيوني: «أوقفوا الطائرة تقريباً، وكان يُفترض إنزال الجميع، وهو أمر لم نكن متحمِّسين له لأنّ الجميع أراد العودة إلى منزله».

وأردف: «القصة غريبة بعض الشيء. يصعب تصديق وجود ثعبان على الطائرة، لذا اعتقدتُ أنّ كثيراً من الناس لم يصدّقوا».

ومع ذلك، قال ريريكورا الذي شارك في مسلسل «صائدو حطام السفن في أستراليا» عبر قناة «ديزني بلس»، إنه لاحظ وجود أفعى «ستيمسون» اللطيفة جداً، وغير السامّة، بجوار مقعده.

وأوضح: «بمجرّد أن رأيتها، تعرّفتُ إليها بسهولة. كانت خائفة جداً. لم أواجه مشكلة في التقاطها وإخراجها من الطائرة».

امتنَّ جميع الركاب لشجاعته، وصفّقوا له، إلى حدّ أنَّ الطاقم قدَّم له مشروباً مجانياً ومياهاً غازية. وأضاف: «شعروا بالارتياح لعدم اضطرارهم للنزول من الطائرة، وسُرَّ عدد منهم لأنّ الثعبان كان في أمان»، موضحاً أنّ الرحلة تأخّرت 20 دقيقة فقط.

وقال أحد المضيفين عبر مكبِّر الصوت: «ليست هناك لحظة مملّة في الطيران، لكن هذه اللحظة هي الأكثر إثارة بكل تأكيد. رجل لطيف على الطائرة تخلَّص من الثعبان بأمان».