مخرجة «شرق 12» تعوّل على «اختلاف المضمون البصري»

الفيلم المصري ينتمي للكوميديا السوداء وينافس في «كان»

لقطة من فيلم «شرق 12» (الشرق الأوسط)
لقطة من فيلم «شرق 12» (الشرق الأوسط)
TT

مخرجة «شرق 12» تعوّل على «اختلاف المضمون البصري»

لقطة من فيلم «شرق 12» (الشرق الأوسط)
لقطة من فيلم «شرق 12» (الشرق الأوسط)

يشارك الفيلم المصري «شرق 12»، للمخرجة المصرية-الهولندية هالة القوصي الذي استغرق العمل عليه أكثر من عام ونصف العام في مسابقة «أسبوع المخرجين»، خلال فعاليات الدورة الـ77 من «مهرجان كان السينمائي» في الفترة من 14 إلى 25 مايو (أيار) المقبل. وفي المسابقة نفسها ينافس الفيلم الفلسطيني «إلى أرض مجهولة» للمخرج مهدي فليفل.

ويعد «شرق 12» الفيلم الروائي الثاني للمخرجة القوصي بعد فيلم «زهرة الصبار»، الذي عُرض في مسابقة مهرجان «روتردام الدولي»، الذي حصل على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان «دبي الدولي» وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان «أسوان لسينما المرأة» وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في المهرجان «القومي للسينما» وجائزة أحسن ممثلة مساعدة في «مهرجان جمعية النقاد» المصرية.

الفيلم ينتمي للكوميديا السوداء (الشرق الأوسط)

واختير «شرق 12»، من بين 1590 عملاً حسب هالة القوصي التي تحدثت عن كواليس الفيلم قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت فكرة الفيلم بعد تقديمي (زهرة الصبار) عام 2017، وهو أول فيلم روائي طويل أقدمه وتعاونت من خلاله مع الممثلة منحة البطراوي، التي جذبتني شخصيتها وتجربتها الحياتية الملهمة».

وتضيف القوصي أن بلورة إحساس الأم كان هدفها الأول لتقديم شخصية «جلالة الحكاءة» في «شرق 12»، التي تنقل الناس بقوة أسلوبها لمكان آخر وتجارب لا يعلمون عنها شيئاً، ومن هنا تشكل هذا العالم الخيالي الساحر.

«شرق 12» يمثّل مصر في «أسبوع المخرجين» بمهرجان «كان» (الشرق الأوسط)

وتؤكد هالة القوصي أن عملها بالفن التشكيلي كان له تأثير واضح في تفاصيل الفيلم تقول: «دخلت السينما من باب الفنون البصرية، فالفن التشكيلي يساعد على فهم إشكاليات وجودية كبيرة من خلال صور ملهمة في كل عمل أنوي تنفيذه، وهنا يكمن اختلاف ما أقدم لأنني اعتمدت بالأساس على المضمون البصري، الذي أراه أقوى عناصر الفيلم».

لقطة من الفيلم (الشرق الأوسط)

وعدت هالة القوصي تقديمها للفيلم الذي تدور أحداثه المليئة بالحكايات المثيرة والمشوقة خلال 109 دقائق لأنها تحب الحكايات وعوالمها المختلفة وترى أنها صناديق سوداء للأجيال المقبلة للتعرف عليها كما أنها مصادر للمعرفة.

ونوهت هالة القوصي بأنها في البداية اعتمدت على صناعة جميع تفاصيل أعمالها بنفسها بسبب ندرة الدعم المادي بداية من القصة والإخراج والملابس والديكور والمونتاج، لكنها أكدت أنها بدأت في عام 2010 بالاعتماد على طاقم فني والعمل باحترافية، لكنها استمرت في تنفيذ الديكور والملابس لبلورة رؤيتها بالكتابة.

المخرجة المصرية الهولندية هالة القوصي (الشرق الأوسط)

وترى هالة القوصي التي تحمل الجنسية الهولندية مع المصرية وبدأت العمل بالفن منذ منتصف العقد الأول في الألفية الجديدة، أنها حصلت على جائزة «الخيال»، وهي نتاج التعاون بين صندوق السينما الهولندي وصندوق «موندريان» الداعم للفن، التي تُمنح كل عامين لفنان تشكيلي لديه مشروع سينمائي برؤية فنية بعيدة عن الأساليب التقليدية في الإخراج، مؤكدة أن اهتمامهم في المقام الأول هو تقديم تجربة ملائمة لجميع المهتمين بالفن بكل أنواعه.

صُوّر العمل في مدينتي القاهرة والقصير (الشرق الأوسط)

ويعرض «شرق 12»، الذي اعتمد على مشاهد الأبيض والأسود والقليل من الألوان في «كان» السينمائي عرضاً عالمياً أولاً، في حين أوضحت هالة القوصي أن الاعتماد على اللونين الأبيض والأسود هو وسيلة لإبعاد المشاهدين عن ربط الأحداث وجعله واقعاً غير كامل لعدم التشابه مع أي أحداث حياتية حقيقية.

وتستكمل هالة القوصي توضيح رؤيتها وتقول: «لا يوجد مكان أو أي شيء اسمه (شرق 12)، نحن نشير إلى شيء غير موجود في الواقع ولا أحد يعيش في هذا العالم، وهي الفكرة التي اعتمدنا عليها لإبراز ما يدور في مخيلتنا بشكل ساخر، ولكن الفكرة في مضمونها المختلف تذكرنا بأحداث غامضة، لكن لا يمكننا تكوين تصوّر محدد للمكان ولا السياق نفسه، نحن أردنا أن نشغل الناس بالتفكير في أحداث الفيلم الذي صنف على أنه كوميديا سوداء».

وتؤكد هالة القوصي أن مشاركتها في مسابقة «أسبوع المخرجين» أمر مهم في مسيرتها، خصوصاً أنها مسابقة أنشأتها جمعية من المخرجين بعد نشأة المهرجان بسنوات عدّة، وفيما بعد أصبحت مسابقة للاحتفاء بالمخرجين بعضهم بعضاً، وهي توازي مسابقة «أسبوع النقاد» ولها جوائزها الخاصة، لكن الفرق بينهما أن مسابقة المخرجين لا تُعنى بالأفلام الأولى والثانية فقط مثل أسبوع النقاد، ولكنها تشهد مشاركة مخرجين مخضرمين أيضاً.

فيلم «شرق 12» من كتابة وإخراج ورؤية فنية وملابس ومشاركة في المونتاج هالة القوصي وبطولة منحة البطراوي، وأحمد كمال وعمر رزيق وفايزة شامة وأسامة أبو العطا وباسم وديع، تصوير عبد السلام موسى، وموسيقى أحمد الصاوي، وتصميم رقصات شيرين حجازي، وديكور عمرو عبدو، ومخرج منفذ فاضل الجارحي، ومدير إنتاج محمد جمال الدين، ومن إنتاج هولندي مصري قطري.

أبطال الفيلم في أحد المشاهد (الشرق الأوسط)

وينتمي الفيلم الناطق بالعامية المصرية، الذي تم تصويره في 22 يوماً في مدينتي القاهرة والقصير عام 2022، لنوعية الكوميديا السوداء، وتدور أحداثه في إطار من الفانتازيا الساخرة في عالم مغلق خارج الزمن، يتمرد فيه «الموسيقار عبده» على «شوقي البهلوان» الذي يدير المكان بخليط من العبث والعنف و«جلالة الحكاءة» التي تخفّف عن الناس بحكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد، بينما يخطط «عبده»، مستعينا بموهبته، مع الشابة «ننة» لكسر قبضة «شوقي» ونيل الحرية في عالم أكبر.


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

فنان الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
TT

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

«ماريا»، الذي سبق وتناولناه هنا قبل يومين، ليس سوى أحد الأفلام المعروضة على شاشة الدورة 81 لمهرجان «ڤينيسيا»، (انطلق في 28 من الشهر الماضي وتسدل ستارته في 7 سبتمبر «أيلول» الحالي)، الذي يتناول حياة شخصيات شهيرة. إذ إن هناك أفلاماً عدّة تتحدّث عن شخصيات حقيقية أخرى بينها ثلاثة أفلام غير درامية.

إنها أفلام وثائقية وتسجيلية عن أسماء مشهورة تتباعد في أزمانها وشخصياتها كما في أدوارها في الحياة. هناك «رايفنشتال» عن المخرجة الألمانية ليني رايفنشتال التي عاشت نحو 101 سنة، و«جون ويوكو» عن حياة المغني جون لينون (من فرقة البيتلز) والمرأة التي ارتبط بها، كذلك يطالعنا فيلم المخرج التسجيلي إيرول موريس «منفصلون» الذي يتناول بعض ما تمر به الولايات المتحدة من أزمات بخصوص المهاجرين القادمين من فنزويلا وكولومبيا ودول لاتينية أخرى.

في هذا النطاق، وبالمقارنة، فإن «ماريا» للمخرج التشيلي بابلو لاراين، يبقى الإنتاج الدرامي الوحيد بين هذه المجموعة متناولاً، كما ذكرنا، الأيام الأخيرة من حياة مغنية الأوبرا.

المخرجة المتّهمة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية والسياسية. حققت ليني في حياتها 8 أفلام، أولها سنة 1932 وآخرها «انطباعات تحت الماء» (Impressions Under Water) سنة 2002. لكن شهرتها تحدّدت بفيلميها «انتصار الإرادة» (Triumph of the Will) (1935)، و«أولمبيا» الذي أنجزته في جزأين سنة 1938.

السبب في أن هذين الفيلمين لا يزالان الأشهر بين أعمالها يعود إلى أنهما أُنتجا في عصر النهضة النازية بعدما تبوأ أدولف هتلر رئاسة ألمانيا.

دار «انتصار الإرادة» عن الاستعراض الكبير الذي أقيم في عام 1934 في مدينة نورمبيرغ، الذي ألقى فيه هتلر خطبة نارية أمام حشد وصل تعداده إلى 700 ألف شخص. فيها تحدّث عن ألمانيا جديدة مزدهرة وقوية وعن مستقبل كبير ينتظرها.

الفيلم الثاني من جزأين كان عن الأولمبياد الرياضي الذي أقيم صيف 1936، وحضرته أمم كثيرة بعضها من تلك التي تحالفت لاحقاً ضد الاحتلال الألماني لأوروبا.

شغل المخرجة على الفيلمين فعلٌ فني لا يرقى إليه الشك. تصوّر بثراء كل ما يقع أمامها من الجموع إلى المسيرات العسكرية والرياضية، ومنها إلى هتلر وهو يخطب ويراقب سعيداً الاستعدادات العسكرية التي خاضت لاحقاً تلك الحرب الطاحنة التي خرجت ألمانيا منها خاسرة كلّ شيء.

تبعاً لهذين الفيلمين عدّ الإعلام السياسي الغربي المخرجة رايفنشتال ساهمت في الترويج للنازية. تهمة رفضتها رايفنشتال. وأكدت، في مقطع من الفيلم مأخوذ عن مقابلة مسجّلة، أنها لم تنفّذ ما طُلب منها تنفيذه، ولم تنتمِ إلى الحزب النازي (وهذا صحيح) ولم تكن تعلم، شأن ملايين الألمان، بما يدور في المعتقلات.

ليني رايفنشتال خلال تصوير «أولمبياد» (مهرجان ڤينيسيا)

يستعرض الفيلم حياة المخرجة التي دافع عن أعمالها نُقاد السينما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم. فيلماها لا يزالان من أفضل ما طُبع على أشرطة في مجال الفيلم الوثائقي إلى اليوم، وذلك عائد إلى اختياراتها من اللقطات والمشاهد وتوثيقها لحدثين مهمّين لا يمكن تصوّر السينما من دون وجودهما بدلالاتهما المختلفة. النتيجة الواضحة إلى اليوم، حتى عبر المقتطفات التي يعرضها الفيلم، تفيد بحرفة متقدّمة وتعامل رائعٍ مع الحدث بأوجهه المتعدّدة.

ينتهج المخرج فايل موقفاً يشيد فيه بالمخرجة ومجمل أفلامها السبعة. لا يفوته الاعتراف بأن رايفنشتال كانت فنانة سينما حقيقية، لكن يوجّه مشاهديه في الوقت نفسه إلى أن هذا الفن لم يكن سوى مظهر دعائي للنازية، وأنها لعبت الدور المباشر في البروباغاندا في الفترة التي سبقت الحرب.

حيال سرد هذا التاريخ يستعين المخرج فايل بمقابلات متعددة أدلت بها (معظمها بعد نهاية الحرب) وواجهت فيها منتقديها كما يعمد المخرج إلى مشاهد من حياتها الخاصة. زواجها. رحلتها إلى السودان خلال اضطرابات عام 2000 حيث تحطمت الطائرة المروحية التي استقلّتها وأصيبت برضوض. رحلتها تلك كانت بصدد التعرّف على البيئة النوبية، وكانت قد حصلت على الجنسية السودانية قبل سنوات (إلى جانب جنسيتها الألمانية وإقامتها البريطانية)، وبذلك كانت أول شخص غربي يُمنح الجنسية السودانية.

لا يأتي الفيلم بجديد فِعليّ لما يسرده ويعرضه. هناك كتب عديدة دارت حولها أهمها، مما قرأ هذا الناقد، «أفلام ليني رايفنشتال» لديفيد هنتون (صدر سنة 2000) و«ليني رايفنشتال: حياة» الذي وضعه يورغن تريمبورن قبل سنة من وفاة المخرجة عام 2003.

هو فيلم كاشف، بيد أنه يتوقف عند كل المحطات التي سبق لمصادر أخرى وفّرتها. محاولة الفيلم لتكون «الكلمة الفصل» ناجحة بوصفها فكرة وأقل من ذلك كحكم لها أو عليها.

جون لينون ويوكو أونو

في الإطار الفني، ولو على مسافة كبيرة في الاهتمام ونوع المعالجة، يأتي (One to One: John & Yoko) «واحد لواحد: جون ويوكو» لكيڤن ماكدونالد، الذي يحيط بحياة الثنائي جون لينون وزوجته يوكو أونو اللذين وقعا في الحب وانتقلا للعيش في حي غرينتش فيلاج في مدينة نيويورك مباشرة بعد انفراط فريق «البيتلز» الذي كان جون لينون أحد أفراده الأربعة.

النقلة إلى ذلك الحي لم تكن اختياراً بلا مرجعية سياسية كون غرينتش فيلاج شهدت حينها حياة ثقافية وفنية وسياسية حافلة تعاملت ضد العنصرية وضد حرب فيتنام، وكانت صوت اليسار الشّعبي الأميركي إلى حين فضيحة «ووترغيت» التي أودت بمنصب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. يكشف فيلم مكدونالد (الذي سبق وأُخرج قبل أعوام قليلة، فيلماً عن المغني الجامايكي بوب مارلي) عن اهتمام لينون وزوجته بتلك القضايا السياسية. جون الذي باع منزله المرفّه في ضواحي لندن واستقر في شقة من غرفتين في ذلك الحي، ويوكو التي لعبت دوراً فنياً وتثقيفياً في حياته.

لا يكتفي الفيلم بالحديث عن الثنائي معيشياً وعاطفياً بل عن المحيط السياسي العام ما يُعيد لمشاهدين من جيل ذلك الحين بعض الأحداث التي وقعت، ويوجه المشاهدين الذين وُلدوا سنوات صوب تقدير الثنائي، كما لم يفعل فيلم ما من قبل. ليس لأن «واحد لواحد: جون ويوكو» فيلم سياسي، بل هو استعراض منفّذ مونتاجياً بقدر كبير من الإجادة لحياة ثنائيّ موسيقيّ مطروحة على الخلفية المجتمعية المذكورة.

إرث ترمب

نيسكون مضى ومعه قناعاته وبعد عقود حلّ دونالد ترمب ليسير على النهج اليميني نفسه.

يرتسم ذلك في «منفصلون» (Separated) للمخرج المتخصص بالأفلام التسجيلية والوثائقية السياسية إيرول موريس. من بين أفضل أعماله «ضباب الحرب» (The Fog of War)، الذي تناول الحرب العراقية وكيف تضافرت جهود الحكومة الأميركية على تأكيد وجود ما لم يكن موجوداً في حيازة العراق، مثل القدرات النّووية والصواريخ التي يمكن لها أن تطير من العراق وتحط في واشنطن دي سي (وكثيرون صدّقوا).

«منفصلون» لديه موضوع مختلف: إنه عن ذلك القرار الذي اتخذه ترمب خلال فترة رئاسته ببناء سياج على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تدفق المهاجرين القادمين من الدول اللاتينية بدافع الفقر وانتشار العنف.

كان يمكن تفهّم هذا القرار لو أنه توقف عند هذا الحد، لكن ترمب تلاه بقرار آخر يقضي بفصل الأطفال عن ذويهم الراغبين في دخول البلاد عبر الحدود. بذلك لدى هؤلاء إمّا العودة من حيث أتوا مع أولادهم، أو العودة من دونهم على أساس وجود هيئات ومؤسسات أميركية ستعني بهم.

مثل هذا الموقف، يؤكد الفيلم، غير الأخلاقي، وكان له معارضون ومؤيدون. بعض المعارضين من أعضاء الكونغرس انقلبوا مؤيدين ما بين مؤتمر صحافي وآخر.

محور الفيلم هو رفض هذا الانفصال على أسس أخلاقية وإنسانية والمتهم الأساسي في فرض العمل به هو ترمب الذي لم يكترث، والكلام للفيلم، لفظاعة الفصل بين الآباء والأمهات وأطفالهم. تطلّب الأمر أن يخسر ترمب الانتخابات من قبل أن يلغي بايدن القرار على أساس تلك المبادئ الإنسانية، لكن بذلك تعاود أزمة المهاجرين حضورها من دون حل معروف.

يستخدم المخرج موريس المقابلات لتأييد وجهة نظره المعارضة وأخرى لرفضها، لكنه ليس فيلماً حيادياً في هذا الشأن. مشكلته التي يحسّ بها المُشاهد هي أن الفيلم يتطرّق لموضوع فات أوانه منذ أكثر من عامين، ما يجعله يدور في رحى أحداث ليست آنية ولا مرّ عليه ما يكفي من الزمن لإعادة اكتشافها ولا هي بعيدة بحيث تُكتشف.