روبوتات الإنترنت، أو البوتات، هي برمجيات وتطبيقات تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشبكة الدولية لأداء وظائف متنوّعة في مجالات البحث، والترفيه، والأعمال، والتواصل الاجتماعي، وغيرها. لكنّ شركات برمجيات كشفت مؤخراً عن نوع جديد من روبوتات الإنترنت، أطلقت عليها اسم «بوتات الأحزان».
ووفق «وكالة الأنباء الألمانية»، تعتمد فكرة هذه النوعية من التطبيقات على «خلق» نموذج افتراضي من الموتى، فيتواصل معه المستخدم، ويتحدّث إليه لتسكين الأحزان. وتعتمد هذه البرمجيات على المخزون المُتاح من رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصّية، والتسجيلات الصوتية، والتدوينات على مواقع التواصل التي تركها المتوفى؛ لمحاكاة شخصيته أمام أحبّته.
في هذا السياق، يرى الصحافي المتخصّص في الشؤون العلمية تيم رايبوث أنّ البشر اعتمدوا على الوسائل التكنولوجية المُتاحة منذ أكثر من 100 عام لتعويض فقدان أحبائهم؛ ومن النماذج الواضحة على ذلك، الصور، واللوحات التي رسمها الإنجليز في العصر الفيكتوري لموتاهم بعد وفاتهم في القرن الـ19، واحتفظوا بها للذكرى، والتغلُّب على الشعور بفقدانهم. وأكد أنّ العلم لا يزال يعمل على سبر أغوار مشاعر الحزن الإنسانية للتوصُّل إلى أفضل الوسائل للتغلُّب عليها.
ومع اتّساع نطاق الإنترنت في التسعينات، اشتقَّت أستاذة علم الاجتماع في «جامعة سيينا» بنيويورك كارلا سوفكا مصطلح «الثاناتكنولوجي» لتصف أي تقنية رقمية يمكنها المساعدة في التغلُّب على أحزان الموت، مثل إنشاء البعض موقعاً إلكترونياً، أو حساباً عبر مواقع التواصل لأحبائهم الموتى. وتشير إلى أنّ البعض يلجأ إلى إعادة قراءة رسائل البريد الإلكتروني، أو التسجيلات الصوتية التي وصلتهم منهم، كشكل من أشكال التواصل معهم، ووسيلة للتغلُّب على أحزانهم.
وتتوافر حالياً بوتات الأحزان على المستوى التجاري، إذ تتيح شركة «ساينس» للذكاء الاصطناعي تطبيقاً لمعالجة الحزن لمَن يريدون السلوان لفترات وجيزة، بينما تقدّم شركات أخرى، مثل «يو» و«أونلي فيروتوال»، بوتات تجسّد شخصية أحبائهم الذين فارقوا الحياة لفترات طويلة بحيث لا يحتاجون، وفق هذه الشركات، إلى «توديعهم على الإطلاق».
من جانبها، تعرب خبيرة التكنولوجيا والصحة العامة من «جامعة ويسكنسون ميلوكي» الأميركية لينيا لاستاديوس عن مخاوفها من أنّ بوتات الأحزان قد تحتجز الأقارب المكلومين داخل بوتقة من الحوارات المعزولة مع الموتى عبر الإنترنت، بحيث لا يستطيعون المضي قدماً في حياتهم، موضحةً أن عملها مع مثل هذه التطبيقات كشف أنّ الأشخاص يقيمون روابط عاطفية قوية مع هذه الشخصيات الافتراضية للموتى بحيث يصبحون معتمدين عليها في أغراض الدعم الانفعالي.
أما الباحثة في معهد «كيوتو للتكنولوجيا» في اليابان وان جو تشي فتشير إلى ضرورة أن تتحلّى الشركات بالمسؤولية عند تطوير هذه النوعية من البرامج.
واشتركت تشي في دراسة بحثية لتحديد مدى قدرة البوتات على مقاومة الأحزان، شملت استطلاع رأي 10 أشخاص يتعاملون مع هذه النوعية من البوتات. وذكرت أنّ غالبية المستخدمين كانوا يتواصلون مع هذه الشخصيات الافتراضية لفترة أقل من عام خلال المرحلة الانتقالية الأولى للتغلُّب على أحزانهم، ولم يكونوا راغبين في الاحتفاظ بها طوال حياتهم.
كذلك أكد المشاركون في الدراسة معرفتهم بأنهم يتحدّثون إلى روبوتات إلكترونية، وأنهم لا يبالون بذلك. وتقول تشيجو إن هذه البوتات تُسكّن الحزن، لأنها تجعل المستخدم يشعر كما لو كان يتحدّث إلى الشخص الذي فقده، واستطردت أنه في ذروة الشعور بالحزن، قد يمثل الانسياق وراء التخيلات مشكلةً بالنسبة إلى المستخدم، لذا لا بدَّ أن توضح هذه النماذج الافتراضية أنها ليست شخصاً حقيقياً.
وتتابع تشي أنّ بوتات الأحزان لا تخضع حالياً لرقابة، ومن الصعب بالنسبة إلى الشركات المنتِجة إثبات أنها تعود بفائدة حقيقية على المستخدمين، كما أن التشريعات المتراخية تسمح لمبتكريها بالزعم أنها تساعد في تحسين الصحة النفسية من دون الحاجة لتقديم دليل على ذلك. وتخلُص إلى أنه مهما كان قدر الراحة الذي تحققه هذه البرمجيات «ينبغي ألا تكون محل ثقة المستخدم بأي شكل من الأشكال».