صناعة الأفلام في الخليج... هل يستيقظ المارد؟

فنانون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ضمن «المهرجان الخليجي» معولين على الازدهار السينمائي السعودي

يقام المهرجان السينمائي الخليجي في دورته الرابعة بالرياض للنهوض بالسينما الخليجية (تصوير: بشير صالح)
يقام المهرجان السينمائي الخليجي في دورته الرابعة بالرياض للنهوض بالسينما الخليجية (تصوير: بشير صالح)
TT

صناعة الأفلام في الخليج... هل يستيقظ المارد؟

يقام المهرجان السينمائي الخليجي في دورته الرابعة بالرياض للنهوض بالسينما الخليجية (تصوير: بشير صالح)
يقام المهرجان السينمائي الخليجي في دورته الرابعة بالرياض للنهوض بالسينما الخليجية (تصوير: بشير صالح)

منذ نحو قرن تأسست في مملكة البحرين أول صالة عرض سينمائي في الخليج العربي، وعلى الرغم من ذلك، فإن عجلة الإنتاج السينمائي الخليجي ما زالت تمضي بخطوات خجولة. بيد أن هناك حالة من التفاؤل تعمّ قلوب فناني الخليج في الآونة الأخيرة، وهو ما بدا واضحاً في «المهرجان السينمائي الخليجي» الذي تستضيفه حالياً مدينة الرياض، بمشاركة وفود فنيّة تتأمل انطلاقة الإنتاج السينمائي الخليجي، بعد سبات طويل.

ويعوّل فنانون خليجيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» على ما تمتلكه دول الخليج العربي من قدرات ثقافية، وتنوّع قصصي وجغرافي لم يُكتشف سينمائياً حتى اليوم، إلى جانب دعم حكومي من دول مجلس التعاون التي تسعى لوضع بصمة لها في خريطة الحراك السينمائي، علاوة على القفزة الكبيرة التي حققتها صناعة الأفلام السعودية خلال فترة وجيزة، في أفلام محليّة نافست أفلاماً هوليوودية على شباك التذاكر، ونال عدد منها استحسان النقاد في مهرجانات سينمائية عالمية.

الانفتاح الثقافي

في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، يرى الفنان البحريني عبد الله ملك، أن مستقبلًا باهراً ينتظر السينما الخليجية، وهو ما يرجعه إلى الانفتاح الثقافي الذي تعيشه السعودية ودول الخليج كلها، وما يصفه بتقدير هذه الدول للسينما، بوصفها عملاً جميلاً يمثل المستقبل المنتظر. ويشير ملك إلى أن صناعة الأفلام عملية مُكلفة، تفوق صناعة الدراما التلفزيونية، ويتابع: «سنتطور ونصل إلى العالمية بفضل وعي المسؤولين بأهمية هذا المجال».

الفنان الكويتي جاسم النبهان خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: بشير صالح)

ومن جانبه يؤكد الفنان الكويتي جاسم النبهان، أحد الشخصيات المكرمة في المهرجان، على ضرورة دعم الفنانين المهتمين بالسينما، لتتمكن بدورها من الانطلاق. ويضيف أن المجتمعات الأخرى لا تعرف كثيراً عن تاريخنا، ولا بدّ لنا أن نتناوله ونُعرّفهم عليه وعلى ثقافتنا العربية والإسلامية الرائعة.

الفنان الكويتي حسين المنصور خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: بشير صالح)

ويسترجع الفنان الكويتي حسين المنصور، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» فيلم «بس يا بحر» الذي أنتجته الكويت عام 1972، مبيّناً أنه لا يزال يعيش في الذاكرة؛ وكذلك الفيلم الكويتي «الصمت» عام 1980، وتجارب أخرى، مؤكداً تفاؤله بالدورة الرابعة من «المهرجان السينمائي الخليجي» المنعقدة حالياً في الرياض، ويضيف أن «الانفتاح والنهضة اللذين تشهدهما الرياض، سيؤثّران لا محالة على نهضة السينما الخليجية وليس السعودية فقط».

الفنانة البحرينية هيفاء حسين خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: بشير صالح)

وكان للفنانة البحرينية هيفاء حسين، أيضاً لقاء مع «الشرق الأوسط» تحدّثت خلاله عن مستقبل السينما الخليجية، قائلة: «لا نزال نحاول تقديم بعض التجارب السينمائية، لنصل إلى المستوى الذي يرتقي به مجتمعنا». ورأت أن هذا المهرجان هو بمثابة الدّاعم لتحقيق هذه الرؤية المشتركة. وتابعت: «يُعرض في هذه الدورة نحو 29 فيلماً خليجياً، وأنا متحمسة لمشاهدتها كلها».

أمّا الفنان السعودي عبد الله السدحان، فيرى خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن مستقبل السينما مشرق ومشرّف تحديداً في السعودية، ويتابع: «يبدو ذلك من خلال الجهود المبذولة، سواء من وزارة الثقافة أو هيئة الأفلام، ولا ننسى (العُلا فيلم) وغيرها، فهو دعم جيد، وننتظر الدعم الأكبر لتقديم أعمال سينمائية روائية طويلة، والابتعاد عن الاجتهادات البسيطة».

الوفد العماني المشارك في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

ودعماً لهذه الصناعة، يعرض «المهرجان السينمائي الخليجي» 29 فيلماً خليجياً تتنافس على 9 جوائز سينمائية، ففي الأفلام الروائية الطويلة تشارك 6 أفلام، هي: من الكويت: «عماكو» إخراج أحمد الخضري؛ و«شيابني هني» إخراج زياد الحسيني؛ ومن البحرين فيلم «ماي ورد» إخراج محمود الشيخ؛ و«فتى الجبل» من الإمارات من إخراج زينب شاهين؛ وفيلمان من السعودية هما: «حوجن» من إخراج ياسر الياسري، و«هجان» من إخراج أبو بكر شوقي.

أمّا في الأفلام الروائية القصيرة، فهناك 12 فيلماً خليجياً، وهي: فيلمان من الكويت هما: «محتواي» إخراج معاذ السالم؛ و«سندرة» إخراج يوسف البقشي؛ ومن البحرين هناك «عروس البحر» إخراج محمد عتيق، و«طك الباب» إخراج صالح ناس؛ وفيلمان من سلطنة عُمان: «البنجري» إخراج موسى الكندي، و«غيوم» لمزنة المساف؛ وفيلمان من الإمارات هما: «عار» من إخراج فاطمة المنصوري؛ و«الخطابة – أم سلامة» من إخراج مريم العوضي؛ ومن قطر «عليّان» إخراج خليفة المري، و«شهاب» إخراج أمل المفتاح؛ ومن السعودية «كبريت» إخراج سلمى مراد، «شريط فيديو تبدل» من إخراج مها الساعاتي.

وعن فئة الأفلام الوثائقية الطويلة، تأتي 5 أفلام، من بينها اثنان من السعودية هما: «قصة ملك الصحافة» إخراج حسن سعيد، و«تحت سماء واحدة» إخراج مجبتي سعيد، ومن الكويت «السنعوسي وداعاً» إخراج علي حسن؛ وفيلمان من الإمارات هما: «حجر الرحي» إخراج ناصر الظاهري؛ و«سباحة 62» إخراج منصور اليبهوني الظاهري.

وأخيراً الأفلام الوثائقية القصيرة، التي تضم 6 أفلام، هي: من الكويت: «زري» إخراج حبيب حسين؛ وفيلمان من عُمان هما: «جنة الطيور» إخراج عبد الله الرئيسي، و«الموارد» إخراج محمد العجمي؛ وفيلمان من البحرين هما: «صوت الريشة» إخراج مريم عبد الغفار، و«رؤية الوعد - سلمان بن حمد» إخراج إيفا داود، وفيلم «ثم يحرقون البحر» من قطر وهو من إخراج ماجد الرميحي.

حضور فني خليجي كبير شهده افتتاح المهرجان المقام حالياً في الرياض (تصوير: بشير صالح)

بوابة واعدة

ويمثل «المهرجان السينمائي الخليجي» الذي تنظمه هيئة الأفلام السعودية للمرة الأولى، بوابة واعدة لصُنّاع الأفلام الخليجيين. وتُعزّز استضافة الرياض له من تحقيق هيئة الأفلام أحد أهم أهدافها المتمثلة في إثراء الحراك السينمائي الوطني، وتقديم منصات إبداعية تمكّن الموهوبين من عرض أعمالهم المبتكرة ومشاركة خبراتهم مع صناع السينما. ويشهد المهرجان حضوراً متميزاً لعدد كبير من صنّاع الأفلام الخليجيين يقدّمون فيه عبر جلسات حوارية وورش عمل متنوعة، جوانب من تجاربهم السينمائية.

يُذكر أن المهرجان السينمائي الخليجي يأتي بجدول أعمال غنيّ ومتنوع، وتزخر أيامه الخمسة بعروض لـ29 فيلماً، و3 ورش تدريبية، و6 ندوات ثقافية، تبحث آفاقاً واسعة في صناعة السينما، ما بين مستقبلها ومهرجانات الأفلام الخليجية، والتحديات التي يواجهها صُنّاع الأفلام الخليجيون. كما يشهد المهرجان أيضاً مراسم إعلان الفائزين بجوائزه في فئاته الـ9، لأبرز الإسهامات الخليجية في مجال السينما.


مقالات ذات صلة

السجادة الحمراء... قوّة جذب غريبة

يوميات الشرق مؤتمر صحافي لفريق عمل فيلم «صراط» (أ.ف.ب)

السجادة الحمراء... قوّة جذب غريبة

تناقض بين بريق «كان» وطموحات النجومية، وبين أفلام تعكس عمق الواقع والهوية في الشرق الأوسط.

محمد رُضا (كان)
يوميات الشرق فريق عمل مهرجان القاهرة السينمائي في جناحه بسوق «كان» (وزارة الثقافة المصرية)

«القاهرة السينمائي» أفضل جناح في سوق مهرجان «كان»

فاز «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» بجائزة أفضل جناح في سوق مهرجان كان السينمائي الدولي، خلال الدورة الـ78 المقامة، راهناً، بمدينة كان الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تأخذ الأفلام المشاهدين في رحلة عميقة إلى الجانب الإنساني لشخصيات «هوليوود» بعيداً عن الأضواء (الشرق الوثائقية)

«أسبوع هوليوود»... أبرز وجوه السينما العالمية على «الشرق الوثائقية»

تطلق قناة «الشرق الوثائقية»، «أسبوع هوليوود»، بالتزامن مع مهرجان كان السينمائي، مُقدمة سلسلة أفلام تروي قصص نخبة من أبرز الشخصيات السينمائية العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق روبرت دنيرو أثناء تسلمه جائزة «سعفة الشرف الذهبية» في مهرجان كان (أ.ف.ب)

بداية سياسية لمهرجان «كان» على الشاشة وخارجها

الحضور السعودي في الدورة الجديدة من مهرجان «كان» الحالي يختلف عن السنوات السابقة على نحو بيّن.

محمد رُضا (كان)
سينما «المخطط الفينيقي» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

يحرص مهرجان «كان» سنوياً على اختيار أفلام أميركية ذات طابع مستقل، متحرِّرة من السائد الهوليوودي، من خلال أعمال لمخرجين اشتهروا برؤاهم الذاتية وأسلوبهم الخاص

محمد رُضا (كان)

«أمي»... تراجيديا سعودية تبدأ من جيزان وتصل إلى الرياض

يتناول العمل عدداً من القضايا المتشابكة حول العنف الأُسري ومخاوف الطفولة (شاهد)
يتناول العمل عدداً من القضايا المتشابكة حول العنف الأُسري ومخاوف الطفولة (شاهد)
TT

«أمي»... تراجيديا سعودية تبدأ من جيزان وتصل إلى الرياض

يتناول العمل عدداً من القضايا المتشابكة حول العنف الأُسري ومخاوف الطفولة (شاهد)
يتناول العمل عدداً من القضايا المتشابكة حول العنف الأُسري ومخاوف الطفولة (شاهد)

ما بين مغامرة الهروب، ومشاعر الطفولة الخائفة، يأتي المسلسل السعودي «أمي» الذي يتصدر قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة على منصات العرض في السعودية؛ لما يحمله من قصة تلامس وجدان الجمهور، حيث تدور الحكاية حول فتاة صغيرة تعيش تحت وطاءة العنف الأُسري، فتهرب من منزلها في جيزان، لتبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر، تصل بها إلى العاصمة الرياض، حيث لا شيء مضموناً سوى الحاجة إلى النجاة.

ويأتي «أمي» في 90 حلقة، استكمالاً لنجاحات المسلسلات الطويلة «سوب أوبرا» التي تحظى باهتمام كبير من الجمهور، والذي تستند قصته إلى المسلسل التركي الشهير «Anne»، المقتبس بدوره من الدراما اليابانية «الأم»، والذي طُرح عام 2010، في حين تستلهم النسخة السعودية الخطوط الدرامية نفسها مع سياق اجتماعي محلي، ويمكن عَدُّ «أمي» ثاني تجربة سعودية تقتبس من الدراما التركية، بعد النجاح اللافت الذي حققه مسلسل «خريف القلب»، المأخوذ من العمل التركي «حطام»، وجرى عرضه، هذا العام، وكلا العملين يُعد من الأعمال الطويلة «سوب أوبرا».

تركي اليوسف في دور المُعنف عبيد الذي يَحرم الطفلة من الأمن في بيتها (شاهد)

أدوار محورية

يقدم الممثل تركي اليوسف شخصية مُعنف الطفلة «عبيد»، الذي يمثل الشر المطلق في العمل، وهي شخصية وصفها قائلاً: «جسدت أبشع شخصية يمكن أن تُجسد في الدراما العربية، ولكنها شخصية جميلة درامياً، ودور جديد لإنسان يحمل عقداً منذ طفولته، وتعرَّض لعذابات عدة، مما جعل منه شخصية لا تُطاق تقريباً». وذلك في حديث سابق له مع «الشرق الأوسط» حول العمل. وأضاف: «شعرت بأن جهازي العصبي أُنهك أثناء تأدية هذه الشخصية، وهو أمر نادراً أن يحصل معي، وربما لأن مسلسل (أمي) طويل، شعرت بإرهاق كبير من هذه التجربة، فهي شخصية صادمة وقاسية».

الطفلة ترف العبيدي في دور المعنفة بسمة (شاهد)

كما برعت الطفلة ترف العبيدي، ذات الأعوام السبعة، في أداء دور «بسمة»، التي تعاني الإهمال والتعنيف داخل منزلها، حيث قدّمت أداء صادقاً ومؤثراً، استطاعت من خلاله أن تُعبّر عن مشاعر الخوف والأمل ببراءة تُلامس قلوب المشاهدين، وحضورها القوي على الشاشة جعلها محوراً أساسياً في نجاح المسلسل، الذي يأتي من إخراج جودت مرجان، ويضم مجموعة من النجوم؛ منهم: تركي اليوسف، والعنود سعود، ورنا جبران، وزهرة عرفات، وسناء بكر يونس، وفايز بن جريس، ونايف الظفيري.

العنود سالم في دور منقذة الطفلة المعلمة مريم (شاهد)

العنف الأُسري

لا يتعامل «أمي» مع العنف الأُسري على أنه قضية مجردة، بل يقدمه بصفته حدثاً حياً ومفتوحاً على احتمالات التشويق والمواجهة، وتُبنى الحبكة على تصعيد متواصل، تنتقل فيه الطفلة من مشهد إلى آخر، لا كضحية فحسب، بل ككائن يبحث عن خلاصه، ويتشكّل في عين العاصفة. وفي قلب هذا المسار الصعب، تبرز ترف العبيدي، بأداء مفاجئ في نضجه وصدقه، حيث لا تلعب الدور بقدر ما تعيشه، ملامحها الطفولية تنقل الذعر دون أن تنطق، وتخلق بحضورها علاقة مباشرة مع وجدان المشاهد، دون أن تقع في فخ الاستدرار السهل للمشاعر.

ومع تعدد الأمكنة والقصص، وظهور مجموعة من الشخصيات، يلمح المشاهد القصص التي تتشكّل حول ما يحدث للطفلة «بسمة»، والتي تحاول معلمتها مريم (العنود سعود) إنقاذها مما يجعلها تكتشف تفاصيل جديدة في حياتها، كما تلتقي مع الصحافي عامر الدوش (نايف الظفيري) الذي يحاول هو الآخر تقديم الدعم الكافي للمعلمة والطفلة، استناداً لطبيعة المهنة التي يعمل بها.

إلى جانب ذلك، يُظهر المسلسل التنوّع الجغرافي الكبير بين مدينة جيزان الساحلية وبيوتها البسيطة وشاطئها الممتد، وبين العاصمة الرياض ذات المباني الشاهقة والحراك العمراني الحديث، في نقلةٍ بصرية تشكّل جزءاً من تطورات الأحداث التي تحاول مفاجأة الجمهور في كل حلقة.