مائدة الإفطار الليبية تتأثر بالأزمة الاقتصادية 

مواطنون يشكون ارتفاع أسعار اللحوم

بائعون في مدينة بنغازي شمال شرقي ليبيا (أ.ف.ب)
بائعون في مدينة بنغازي شمال شرقي ليبيا (أ.ف.ب)
TT

مائدة الإفطار الليبية تتأثر بالأزمة الاقتصادية 

بائعون في مدينة بنغازي شمال شرقي ليبيا (أ.ف.ب)
بائعون في مدينة بنغازي شمال شرقي ليبيا (أ.ف.ب)

يبدو أن الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها على مائدة الإفطار الليبية، فقد تراجعت بعض الأسر عن شراء اللحوم خلال النصف الأول من شهر رمضان الكريم، وبعد انتصاف الشهر لا تزال كثير من الأسر تشكو غلاء أسعار اللحوم وعدم قدرتها على تحضير عدد من الأصناف التقليدية الدسمة المعتادة على المائدة الرمضانية.

من الأطباق التي طالما زينت مائدة الإفطار طوال السنوات الماضية، وتراجع حضورها هذا العام، البطاطا المبطنة، والشوربة والبوريك والأرز بالخلطة، والأرز المبوخ والعصبان، وغيرها من الأطباق التي تعتمد بشكل رئيسي في إعدادها على اللحوم.

بائعون في مدينة بنغازي شمال شرقي ليبيا (أ.ف.ب)

اشتكت أروى عبد العزيز الفرطاس (ربة منزل) من ارتفاع الأسعار وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لم أعد أتابع أسعار لحم الخراف الذي يعرف في البلاد باسم (اللحم الوطني)؛ لعدم قدرتي على شرائه بعد وصول سعر الكيلو إلى 75 ديناراً ( الدولار يعادل نحو 4.48 دينار) حتى قبل بدء شهر رمضان، وصار اعتمادي على الدجاج بشكل رئيسي في إعداد وجبة الإفطار لأبنائي الأربعة».

وأوضحت أن «سعر الدجاج يتراوح بين 18 إلى 22 ديناراً للكيلو، وإلى جانبه أشتري أحياناً اللحم البقري المفروم الأقل سعراً من اللحم الوطني».

وترى الفرطاس -وهي أرملة انتقلت للإقامة بالعاصمة طرابلس بعد انهيار منزلها بدرنة التي اجتاحتها فيضانات مدمرة سبتمبر (أيلول) الماضي - أن «ضعف القدرة الشرائية لكثير من الأسر وقلة السيولة؛ أديا لتراجع حضور كثير من الأطباق التي يدخل اللحم في تكوينها على موائد إفطارهم».

توافقها الرأي فاطمة محمد (ربة منزل) من سكان منطقة بن غشير بالعاصمة طرابلس أيضاً، حيث أقرت بأن «ارتفاع أسعار اللحوم الوطنية دفعها لتحديد استهلاكها بما لا يتعدى نصف كيلو باليوم الواحد خلال الشهر الكريم، مع الاعتماد أحياناً على الدجاج واللحم المفروم، والأخير يقترب سعره من 50 ديناراً للكيلو».

وقالت فاطمة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أسر كثيرة بالفعل خاصة بالشريحتين المحدودة والمتوسطة باتت أمام تحدٍ يومي لإعداد وجبتي الإفطار والسحور، وباتت مضطرة للاقتصاد في إنفاقها، بما يتعارض ورغبات بعض أفراد الأسرة الذين اعتادوا وجبات معينة على الإفطار من مكوناتها الرئيسية اللحوم».

«ارتفاع اللحوم صاحبه ارتفاع سلع عدة»، تواصل فاطمة كلامها معزية «المسؤولية عن ارتفاع أسعار السلع الرئيسية إلى سياسات المصرف المركزي»، موضحة أنه «لم يجر إحصاء دقيق لاحتياجات السوق قبل فتح الاعتمادات للمستوردين، ومن ثم وجدنا وفرة هائلة ببعض الأصناف كالزيوت وندرة بأصناف أخرى مع ارتفاع سعرها، وكان من الممكن إحداث توازن يمنع معاناة المواطنين».

وتمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي على مستوى القارة الأفريقية، ووفقاً للمصرف المركزي بلغت إيرادات البلاد من مبيعات النفط العام الماضي 99.1 مليار دينار ليبي (20.7 مليار دولار) يخصص أكثر من نصفها لدفع الباب الأول بالميزانية، وهو الرواتب المستحقة لأكثر من مليوني موظف بالقطاع الحكومي.

ولا تختلف الحال كثيراً في غرب ليبيا عن الشرق ووسط البلاد، فوفقاً لحديث عبد العزيز محمد عبد الله الناشط المدني بمدينة سرت (450 كم شرق طرابلس)، «بات الوضع ضاغطاً على أغلب الأسر، خصوصاً المحدودة والمتوسطة».

وقال عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «رمضان شهر الطعام والتجمع الأسري والعزائم، والكل كان يعدّ شوربة اللحم الوطني طبقاً رئيسياً في وجبة إفطاره».

واستدرك: «لكن حالياً ومع تراجع القدرة الشرائية بات الجميع يضبط مائدته وفقاً لدخله، وصار البعض يفتقد أكلات طالما رافقتهم بالماضي القريب مثل المكرونة المبكبكة والعصبان، وكلتاهما تفضل الأغلبية تناولهما باللحم والكبد الوطني».

سوق سمك في ليبيا (أ.ف.ب)

وفيما يتعلق ببدائل اللحوم الوطنية، لفت الناشط إلى «عدم إقبال غالبية الليبيين على شراء اللحوم المستوردة، على الرغم من انخفاض أسعارها مقارنة باللحم الوطني؛ لتشككهم في احتمالية مخالفة طريقة ذبحها للشريعة الإسلامية، فضلاً عن عدم استساغة طعمها».

ويذهب عبد الله إلى أن «الزيادات الأخيرة بالأسعار، خصوصاً بالخضر والفاكهة، التي ترتبت على قرار محافظ المصرف المركزي الأسبوع الماضي فرض ضريبة 27 في المائة على مشتريات العملة الأجنبية؛ ما أدى لخفض قيمة الدينار أمام الدولار، ستزيد من معاناة الليبيين فيما تبقى من أيام الشهر الكريم».

ووفقاً لتقديره فإن «وجبة الإفطار لأسرة مكونة من ستة أفراد تحتوي على اللحم الوطني قد تتكلف نحو 200 دينار، أما إذا اعتمدت على البدائل من دواجن وأسماك أو لحم مفروم أو بقري فقد تتراوح بين 120 إلي 150 ديناراً، في حين أن متوسط دخل كثير من الأسر لا يتجاوز 2000 دينار بالشهر أي قرابة 320 دولاراً».

المائدة الليبية تشكو ارتفاع أسعار بعض المنتجات (أ.ف.ب)

من جانبه، أرجع المحلل الاقتصادي الليبي وحيد الجبو ارتفاع أسعار اللحوم الوطنية بالسوق الليبية مؤخراً لأسباب عدة؛ في مقدمتها «مرض الحمى القلاعية الذي تسبب في نفوق وإصابة عدد من رؤوس الأغنام والماشية، إلى جانب ارتفاع سعر الأعلاف ونفوق جزء من الثروة الحيوانية في إعصار دانيال الذي ضرب البلاد».

وتوقف الجبو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عند الاستغلال السياسي من البعض لأزمة ارتفاع سعر اللحوم، موضحاً أنه «إلى جانب تبادل السلطات التنفيذية بالبلاد الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع السلع الغذائية ومنها اللحوم، وجدنا بعض أنصار معمر القذافي يذكرون الناس بأسعار اللحم الوطني خلال فترة حكم الأخير».

وكانت الحكومتان المتنازعتان في ليبيا أعلنتا عن تكثيف جهودهما قبل بداية رمضان لحل أزمة ارتفاع سعر اللحوم، فأكد مسؤولون في حكومة «الوحدة الوطنية» المتمركزة بالعاصمة طرابلس غرب البلاد والمعترف بها أممياً «وجود تسعيرة جديدة لبعض السلع، منها اللحوم»، فيما باشرت الحكومة المكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية استيراد كميات من المواشي والأغنام.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.