العاطفة والترقُّب يمنحان «العربجي 2» شرعية الاستمرار

قوته في توليد اللحظة المُحرِّكة وإمساكه بمساره التصاعدي

الجانب العاطفي للبطلَيْن يُليّن القسوة (غولدن لاين)
الجانب العاطفي للبطلَيْن يُليّن القسوة (غولدن لاين)
TT

العاطفة والترقُّب يمنحان «العربجي 2» شرعية الاستمرار

الجانب العاطفي للبطلَيْن يُليّن القسوة (غولدن لاين)
الجانب العاطفي للبطلَيْن يُليّن القسوة (غولدن لاين)

كلّما ظننا أنّ الجزء الثاني من مسلسل «العربجي» قال ما لديه، أتت الحكاية بما يمكن انتظاره. يُدرك كيفية إشعال الحدث وتحييده عن السائد. انطلاقته المشوِّقة مهَّدت لحماسة المُشاهدة، وإنْ مرَّت حلقات مُصابة بالركود. قوته في توليد اللحظة المُحرِّكة وإمساكه بمساره التصاعدي.

يُوجِّه أحداثه نحو ثنائية «عبدو»، (باسم ياخور)، و«بدور»، (ديمة قندلفت)، مُبقياً على الطرف الثالث «أبو حمزة النشواتي»، (سلوم حداد)، في الوسط بعدما كان فارض المعادلات. الجزء الثاني «عاطفي» أضعاف الأول. يُليِّن العنف بمَنْح ثنائيات الحبّ مكانة متقدّمة. الدوزنة بين التشويق والرومانسي، مع الوفاء للخلفية القائمة على التسلُّط، يضمن «إرضاء» المُشاهد. فهو حالياً أمام المؤامرة والنفوذ والمفاجأة، ولا مفرّ من ترقُّب المَخارج. هذا الترقُّب لِما سيجري يمنح الجزء الثاني شرعيته، بوصفه شرط استمرار الحكاية.

جعبة «العربجي 2»، (تأليف: مؤيد النابلسي وعثمان جحى، إخراج: سيف السبيعي، إنتاج: «هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية»، وتنفيذ: «غولدن لاين»)، ممتلئة، والجيّد تنبّهه إلى عدم حصر الأحداث بالدم والخناجر. فذلك لا يأتي بجديد في الدراما الشامية المرتكِزة على فكرة «القبضاي». ثمة حبّ بملامح متقلّبة بين البطلين، وسط رائحة ثأر تفوح من كل حلقة. صورة البطل (ياخور) في هذا الجزء ليست طافحة بالسواد. يتسلّل شيء من الرقّة ليعيده «إنساناً» جرّدته قسوة الحياة من جانبه الطريّ وجعلته غاضباً طوال الوقت. بوح ياخور وقندلفت في الليالي الباردة، والنار تلتهم الحطب وسط المدى الشاسع، يضيف إلى الشخصيتَيْن مساحة حميمية افتقر إليها الجزء الأول المتفرِّغ لهَمّ انتصار الحقّ على الباطل، وما يتطلّبه من اشتباك وتجلّي كراهيات.

حِلفُ «النشواتيين»... سلوم حداد ونادين خوري (غولدن لاين)

يحافظ الموسم الثاني على شخصيات تجمعها بالمُشاهد روابط ألفة. حتى «درّية»، (نادين خوري)، بسلطانها وتجبّرها، تتيح التعلُّق بها. هذا مردُّه قدرة الجزء الأول على الوصول، وتقليص المسافات بينه وبين مُتابعه. متانة الشخصيات ورقته الرابحة، فإذا بإضافة وجوه جديدة، من بينها ابنة المتصرّف، يوسِّع مجال الربح.

الأحداث تمهّد للذروة، والصراع يشتدّ. هذه مرحلة الدَّفْع إلى الأمام، ولا مجال للتراجع. حيلة «أبو حمزة» لقتل ابنة المتصرِّف، تُشكّل استمراراً لمخطّطه توريط خصمه الأكبر «عبدو» وسَوْقه إلى المشنقة. يفرض التقاء المصالح هدنة بين «النشواتيين»، وهم كبار الحارة القابضون على الأعناق، عندما تمدّ «درّية» يدها لخصمها والطامع بأملاكها «أبو حمزة»، فتتوحّد الجبهة ما دام العدو واحداً. على الجبهة الأخرى، تُخطّط «بدور» وتنفّذ. حضور ديمة قندلفت ساطع. مُحرِّكة، ومُمسِكة بالمصائر. إنها حلاوة الموسم الثاني، ومَشاهدها تكسَب. تُحيّر المُشاهد. لا يمكن الوثوق بنيّاتها، ولا دليل على أنّ ما تفعله تريد منه خيراً. فالشخصية آتية من جرح أسريّ، ورغبة مُلحَّة في نيل مكانة مرموقة، حال دونها نسبُها وتمرّدها، لكنها ظلّت مشتهاة. من أجل العزّ المؤجَّل، تستعدّ لِما يصحّ وما لا يصحّ. خطُّها الدرامي مُرحَّب به لقدرته على إبقاء جميع الاحتمالات واردة.

حضور ديمة قندلفت ساطع (غولدن لاين)

للحضور النسائي موقعه المتقدّم في ترتيب الأحداث. وإنْ تتوجّه الأنظار نحو مصير «درّية» وأي نهاية ستُكتَب لتسلُّطها، فذلك لا يحجب الاهتمام بمصير سيدات المسلسل كافة. عينٌ على «بديعة»، (روبين عيسى)، الهاربة بالذهب المسروق والتوّاقة لنسخة «أفضل» عن نفسها، لم تحصّلها سوى بالتماهي مع صورة جلّادتها «بدور». وعينٌ على «زمرّد» (مديحة كنيفاتي) ابنة «درّية» وضحية عِنادها؛ فحين تختار قدرها، تطرأ ترتيبات تعيدها إلى المربّع الأول. نساء أخريات، بينهن «نورية» (حلا رجب) و«حسنية» (دلع نادر)، يصنعن مصائرهنّ، وأصواتهنّ مسموعة.

يُدرك المسلسل كيفية إشعال الحدث وتحييده عن السائد (غولدن لاين)

تصنيف الشخصيات بين نساء ورجال، يعزّزه مَنْح المرأة سلطة تتأرجح بين القوة المفرطة (درّية)، وصولاً إلى الدهاء (بدور)، والشجاعة (معظم باقي النساء)، والبحث عن موقع لائق (بديعة)... ليس الرجل وحده النافذ، حتى المتصرّف والحاكم العثماني، إذ يُظهِر المسلسل طمعه، أكثر مما يُظهر بطشه. للنفوذ شكل آخر عندما يتعلّق الأمر بالنساء، فيستحيل غضّ النظر عن وقوف العمل في صفّهنّ وإعلاء مرتبتهنّ في محاولة لتغيير مفهوم القوة وعدم حصرها بالعضلات والسلاح.

يتأجّج صراع الخير والشرّ، ووحدها شخصية «حسن النشواتي»، (فارس ياغي)، عالقة في الوسط. يحنُّ الدم أمام اللحظة الحرِجة المتمثّلة بعقاب عائلته الظالمة. تقلّبه بين أصله وخياراته، مؤلم، ويجيد أداء هذا الألم المُدَّعم بالتيه.

وحدها شخصية «حسن النشواتي» عالقة في الوسط (غولدن لاين)

رجال آخرون على جبهَتي الحقّ والباطل: «جركس» (شادي الصفدي)، و«محمود» (وليد حصوة)، ومن الصنف الآدمي، حتى الآن، يحضُر «الغوراني»، (غزوان الصفدي)؛ في مقابل تكتُّل الجشع وتغليب المصالح، بقيادة «نوري النشواتي»، (حسام الشاه)، مع «الهرايسي»، (طارق مرعشلي)، اللذين يأخذان بلا اكتفاء، ويبتلعان ما لهما وما لغيرهما بلا شبع. إطلالة الليث مفتي بشخصية «جبر»، بارعة.

يدخل القمح على الخطّ الدرامي، ويتنافس على اقتنائه الغشاشون باسم التجارة. يخسر «أبو حمزة» كثيراً من عزّه، ووحده الرهان على سلاح التجويع يُبقيه «كبيراً» بين القوم. مثل القمح، يطمع لجني الذهب وسيلةً لإرضاء المتصرّف والبقاء في السُّدة. إنها حرب مفتوحة ضحيتها الفقراء ومستورو الحال. «عبدو» المنقذ بطبيعة الحال، يؤدّي مع الجميع دوره بإتقان وإقناع.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».