لا يتوقف الفنان المصري حلمي التوني عن حب الحياة والفن والجمال، ولا يكفّ كذلك عن التعبير عن ذلك عبر خطوطه وألوانه في لوحاته التي تفيض بحيوية النبض الإنساني؛ فحتى في أعماله التي تقتصر على المرأة وحدها فإنها لم تكن فحسب مجرد امرأة، لكنها رمز للوطن، الذي تجتمع فيه سمات المحبة والحنان والعطاء، وفق تعبيره.
وفي أحدث معارضه، الذي يحمل عنوان اسم فيلم سينمائي شهير لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب: «يحيا الحب»، وتستضيفه قاعة «بيكاسو» في حي الزمالك، يجسد التوني الحب بجميع صوره، في أعمال تتسم بشيء إنساني خاص، دون التخلي عن روح الحكايات الشعبية، فمثلما يحتضن مسطح لوحاته تكوينات محورها المرأة شديدة الجمال والدلال، فإنها أيضاً تحتضن طاقات من العاطفة الجياشة عبّر عنها من خلال صياغات بسيطة فرِحة.
«رغم تاريخ مصر الطويل فإنها لا تزال شابة قوية تحتفظ بأحلامها، وتتطلع إلى مستقبل مشرق»، وفق وصف الفنان، الذي يقول، لـ«الشرق الأوسط»: «فكرة أن يدور هذا المعرض كله حول الحب ليست بأمر غريب أو مغاير لمَعارضي السابقة؛ فطوال حياتي أرسم عالم المرأة، وهو عالم لا ينفصل عن عالم الحب، وعندما نتذكر المرأة فإننا نتذكر الحب على الفور؛ ومن ثمّ فإن الحب حاضر بقوة في كل معارضي، سواء كان عنوانها (يحيا الحب)، أم غير ذلك».
إلى هذا تتماشى أجواء المعرض ومضمونه مع سمات المشوار الفني الطويل لحلمي التوني، منذ تخرّجه في كلية الفنون الجميلة، في منتصف خمسينات القرن الماضي، وأبرزها فكرة أن الفن لا بدّ أن يكون للناس بمختلف فئاتهم؛ لذلك حمل على عاتقه مسؤولية الارتقاء بالذوق العام عبر أعماله الصحافية، التي كانت تُنشر مع الأعمال الأدبية، علاوة على أغلفة الكتب.
يقول التوني، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بداية حياتي الفنية أعيش مع الناس، وفي دنيا الناس، وأتفاعل مع الأحداث، ولست منعزلاً عن المجتمع مثل بعض الفنانين الذين يفضلون العيش في (برج عاجي) منفصلين ومستغرقين في دنياهم واهتماماتهم الخاصة».
ويضيف: «كلنا نتابع ما يحدث في فلسطين وغزة، وفي حين اتجهت بعض الآراء إلى أن الوقت والظروف غير ملائمين للاحتفالات أو الفعاليات الفنية، فإنني قرّرت أن أحارب الحرب بالحب، لذلك رفعت لواء (يحيا الحب) في أعمالي الجديدة».
و«بذلك يتلامس هذا المعرض مع الأحداث الجارية، وكذلك يتناول العاطفة المقدسة القديمة جداً وهي الحب... الحب بين المرأة والرجل والعائلة والوطن، وغير ذلك في دعوة إلى نبذ الحرب والكراهية والحقد»، وفق الفنان الذي أضاف قائلاً: «أثناء رسم اللوحات، تذكرت فيلم (يحيا الحب) للموسيقار محمد عبد الوهاب الذي أُنتج سنة 1938، وهو فيلم يجسّد مشاعر وحالة حب خاصة جداً، ومن هنا اخترت أن يحمل معرضي العنوان نفسه في تنبيه إلى أن الحب بات مفقوداً بمجتمعنا خلال هذه المرحلة».
وتابع: «أعتقد لو كان الحب موجوداً بحق لتوصلنا إلى حلول كثيرة؛ لأنه كان وسيبقى ضد الأزمات».
وخلال تعمق التوني في تناول الحب في أعماله، لم ينسَ التعبير عن حالات مختلفة للمرأة؛ فلا يزال مهموماً بها وبمشكلاتها، لذلك نراه حبس قلبها في قفص صغير محكم الغلق في أحد أعماله، ونتتبع معه حيرتها في لوحة أخرى، وخضوعها أحياناً أخرى لسلطان زوجها، كما عشنا معها لحظات ضعف وحزن، وأثناء ذلك كله كانت القلوب تتناثر حولها أو تزين عنقها وأذنيها ويديها.
وكعادته، يتجه التوني في أعماله إلى إزالة الفواصل بين الموروث الشعبي والفنون الجميلة الرفيعة، فنجده يقدّم في لوحاته لغة فنية رائقة، مُشبّعة بالحس الشعبي دون حشد للموتيفات أو استغراق في الزخارف والتصاوير التقليدية؛ فهو يقدّم قراءة واعية للتراث وللذاكرة الشعبية والتعبير عن المجتمع بصياغات مليئة بالأحاسيس الإنسانية والروح الفلكلورية.
يضم المعرض 28 لوحة زيتية، فضلاً عن 9 إسكتشات كبيرة، في حين تُعدّ المرة الأولى التي يقدم فيها التوني أعمالاً بالأبيض والأسود في معرض فني، ويبرّر ذلك قائلاً: «لأسباب خاصة؛ فأنا مريض منذ نحو سنة، ولا أستطيع الرسم أمام الحامل؛ فرسمت هذه الإسكتشات على السرير».