السعودية… غداً الاثنين هو أول أيام شهر رمضان

من قمم الجبال إلى المراصد الحديثة... كيف تطورت تقنيات رصد الهلال في السعودية؟

المحكمة العليا في السعودية (واس)
المحكمة العليا في السعودية (واس)
TT

السعودية… غداً الاثنين هو أول أيام شهر رمضان

المحكمة العليا في السعودية (واس)
المحكمة العليا في السعودية (واس)

أعلن الديوان الملكي السعودي أن يوم غد الاثنين هو أول أيام شهر رمضان وذلك بعد تأكيد المحكمة العليا ثبوت رؤية الهلال في المراصد المعتمدة، بعدما عقدت دائرة الأهلة في المحكمة العليا جلسة مساء اليوم (الأحد) للنظر فيما يردها حول ترائي هلال شهر رمضان لهذا العام.

وقالت الدائرة في بيان نشرته «وكالة الأنباء السعودية» إنه بعد الاطلاع على جميع ما وردها والنظر فيه وتأمله، وبعدما شهد عدد من الشهود برؤية هلال شهر رمضان هذه الليلة، قررت الدائرة أن يوم غد الاثنين 1/9/1445هــ -حسب تقويم أم القرى- الموافق 11 مارس (آذار) 2024م، هو غرة شهر رمضان المبارك.

ويعد إعلان ثبوت رؤية الهلال في كل عام حدثا بات يعرفه السعوديون في اللحظات الأولى من حدوثه بفضل وسائل الاتصال الحديثة وعبر القنوات الرسمية في السعودية التي تنقل اللحظات الأولى من إعلان مشاهدة الهلال بشكل مباشر من المراصد المختلفة إلا أن تاريخ مراقبة الأهلة مر بعدة مراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

في حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول الباحث والمؤرخ الدكتور راشد بن عساكر أن وسائل الاتصال الحديثة سهلت على عموم الناس معرفة ثبوت الرؤية، إلا أن الوضع سابقا لم يكن بهذه السهولة، ففي عهد الملك عبد العزيز كانوا يعلقون سراجا في قمة قصر الحكم ويضيئونه إذا ثبتت رؤية الهلال واليوم أصبح الخبر يعرف في جميع أرجاء البلاد بدقائق معدودة. كما أشار إلى أنه قديما كانت رؤية الهلال بالعين المجردة أسهل بكثير من اليوم نظرا لعدم وجود مصادر التلوث الضوئي، مما يسهل مهمة الرائي آنذاك.

وشهدت السعودية إنشاء أول مرصد فلكي في مكة المكرمة عام 1948م؛ وذلك على جبل أبي قبيس في عهد الملك عبد العزيز؛ والذي انتقل مؤخراً إلى برج الساعة في مكة المكرمة؛ فيما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أنه قبل انتشار وسائل الإعلام كان قاضي مكة أو نائبه وبعض الشهود يصعدون إلى الجبل لتحري رؤية الهلال، فإذا ثبت لديهم، صعد أحدهم إلى المكان، وبيده قطعة قماش يشير بها، فيراه الموجودون في قلاع مكة، ويطلقون المدافع إعلاماً بدخول الشهر الكريم أو خروجه.

يحتوي برج الساعة في مكة على أهم المراصد الفلكية بالسعودية (واس)

ومن بعد مرصد مكة، استمرت السعودية في بناء المراصد في أرجاء البلاد، ومن أبرزها، سدير وتمير والرياض والمدينة المنورة والقصيم والظهران وشقراء وحائل وتبوك، ويتم اختيار مواقع الترائي عبر عدة معايير؛ لتسهيل عملية الترائي بدقة، حيث يكون الترائي بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري القمري.

من جانبها، وفرت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مراصد موزعة في عدد من مناطق السعودية منها الثابتة في مكة المكرمة «مرصد أم القرى» وفي تبوك «الوجه، وحالة عمار» والباقية متحركة في كل من الرياض «سدير، وتمير، وشقراء»، والقصيم، والدمام، والمدينة المنورة، وحائل؛ فيما يخضع اختيار مواقع هذه المراصد لمعايير جغرافية، وعلمية، وفلكية؛ تُسهِّل عملية الترائي للوقوف على دقة هذه المراصد من رؤية للهلال أو عدمها.

تستخدم المراصد عددا من الأجهزة الحديثة لمراقبة تكوّن الهلال (أرشيف «الشرق الأوسط»)

وتضم المراصد أجهزة مزودة بالتقنيات الحديثة والتلسكوبات ومناظير من نوع «CCD»، والكاميرات الحرارية؛ لتعمل هي والمرصد الفلكي بجامعة المجمعة في حوطة سدير على رصد الأهلة، إلى جانب المرصد الحديث في برج الساعة بمكة المكرمة، وتُربط هذه المراصد بالبث المرئي المباشر مع المحكمة العليا أثناء انعقاد الجلسة عند بدء عملية الرصد والترائي بينما يقوم الفريق المختص بإعداد التقارير الخاصة بأحوال القمر.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.