معرض البحرين السنوي... نصف قرن من الفنون

المُشرفة عليه لـ«الشرق الأوسط»: مِن الأقدم خليجياً ونسخة هذا العام استثنائية

يعكس المعرض الوجه الحقيقي لواقع الفن البحريني المعاصر (الشرق الأوسط)⁩
يعكس المعرض الوجه الحقيقي لواقع الفن البحريني المعاصر (الشرق الأوسط)⁩
TT

معرض البحرين السنوي... نصف قرن من الفنون

يعكس المعرض الوجه الحقيقي لواقع الفن البحريني المعاصر (الشرق الأوسط)⁩
يعكس المعرض الوجه الحقيقي لواقع الفن البحريني المعاصر (الشرق الأوسط)⁩

منذ تأسيسه قبل نصف قرن، يؤرّخ معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية لذاكرة التعبير الإبداعي لدى الفنان البحريني، بصفته الحدث الفني الأبرز في بلاده. أحد أقدم وأعرق المعارض في الخليج، يحتفل هذا العام بيوبيله الذهبي في نسخة استثنائية، من خلال تقديم إبداعات 59 فناناً يعرضون أعمالاً متنوّعة، من اللوحات إلى التراكيب الفنية، ومن المنحوتات إلى الصور الفوتوغرافية.

تجوّلت «الشرق الأوسط» في المعرض المُقام حالياً بنسخته الخمسين، في متحف البحرين الوطني. أعماله تطرح مواضيعَ مهمّة، مثل الهوية، والثقافة، ورؤى مختلفة من حول العالم، إضافة إلى ما تُظهره من أحلام وأفكار وقضايا تُراود الفنان البحريني، ما بين الجيل الشاب وجيل الروّاد، فتجتمع شتّى المدارس والاتجاهات الفنية تحت سقف واحد.

يُظهر المعرض تنوّع الأساليب الفنية للفنان البحريني (الشرق الأوسط)

رؤى فنية متباينة

توضح مُشرفة المعرض، هيا الدوسري، أنّ أهميّته تكمن في احتفائه بتجارب الفنانين البحرينيين، ومَنْحهم الدعم والفرصة ليكونوا جزءاً فاعلاً في الحركة الفنية البحرينية. وتتابع: «عدد كبير من الفنانين الجدد يشاركون هذا العام، ونسعى إلى مَنْحهم الثقة والفرصة لعرض أعمالهم، فكل فنان مُشارِك لديه اتجاه مختلف وأسلوبه الخاص».

بسؤالها عمّا يُظهره المعرض من تنوّع لافت بجانب غزارة التجارب، تجيب: «نجمع كل هذه الرؤى الفنية المختلفة ونضعها في مكان واحد، ليتشاركها فنانون من أجيال مختلفة. كذلك نحاول دمج الفنانين الجدد مع الروّاد، ليشعروا بأهميتهم، ويستلهموا من بعضهم بعضاً».

الانطلاقة عام 1972

وإذ تؤكد مُشرفة المعرض أنه مِن الأقدم والأعرق في المنطقة، حيث أُقيمت دورته الأولى عام 1972 ولا يزال مستمراً إلى اليوم؛ تضيف: «نحتفل هذا العام ببلوغه نصف قرن، فجعلنا الاحتفالية الفنية أكبر من المعتاد، كما أننا فخورون جداً لمواصلة الاستمرار كل هذه المدة».

مرآة الحراك الفني

مَن يبحث عن الوجه الحقيقي للحركة الفنية المعاصرة في البحرين، يجد ضالته في المعرض الذي يفتح أبوابه إلى 30 أبريل (نيسان) المقبل. فهو أشبه بمرآة لعطاءات الفنان البحريني. وبسؤالها عن واقع الحركة الفنية في البلاد، تردّ الدوسري: «عاماً تلو آخر، ومع كل جيل، نلحظ تطوّر الحراك الفني البحريني. لدينا كثير من المعارض والفعاليات والتجمعات الفنية، كما تحظى الفنون باهتمام حكومي ومجتمعي. ما يميّز الفنان البحريني استلهامه دائماً من ثقافته وموروثه».

أعمال في معرض البحرين السنوي للفنون (الشرق الأوسط)

مجموعة فنية نادرة

على مقربة من مدخل المعرض السنوي المُقام كل عام، نُظّمت هذه النسخة الاستثنائية في قاعة تحمل اسم «نصف قرن من الفنون»، للاحتفاء بـ5 عقود من الإبداع في البحرين. يضيء معرض مصغّر يكرِّم مجموعة من الفنانين والأعمال التي أدّت دوراً بارزاً في تشكيل المشهد الثقافي البحريني، على إنجازات وجوائز عدّة أثرت مسيرة الفنّ المحلية.

تعود هذه المجموعة الفنية لمتحف البحرين الوطني إلى ما قبل افتتاحه الرسمي عام 1988، حيث بدأت جهود الحفاظ على الأعمال الفنية البحرينية في أوائل السبعينات. خلال تلك الفترة، اهتم المسؤولون في القطاع الثقافي البحريني بجمع أعمال عدد من الفنانين البحرينيين وحفظها، تكريماً للحركة الفنية التشكيلية المحلية. ومع الوقت، توسّعت هذه المجموعة لتشمل أكثر من 5000 قطعة فنية، من اللوحات والمنحوتات، إلى الأعمال التركيبية والوسائط المتعدّدة.

يحتفل المعرض باليوبيل الذهبي في دورته الحالية (الشرق الأوسط)

تكبُر هذه المجموعة الغنيّة سنوياً بفضل جهود الانتقاء الحديثة، والتكليفات الفنية، والتبرّعات السخية. ويأتي معرض البحرين للفنون التشكيلية هذا العام ليحتفي بـ5 عقود من تطوّر الفن في البلاد، مقدِّماً مجموعة مختارة من أبرز الأعمال التي تُميّز المجموعة الدائمة للمتحف.

سفراء الفنّ البحريني

بمحاذاة هذا القسم، قسم آخر بعنوان «نصف قرن من الفنانين»، يحتفي بمجموعة من المؤثّرين في البحرين، تركت مساهماتهم بصمة دائمة في المشهد التشكيلي. هؤلاء الفنانون لم يقدّموا أعمالاً مبدعة فحسب، بل كانوا أيضاً معلّمين ومرشدين لأجيال من الفنانين الصاعدين من خلال تقديمهم ورش عمل ومحاضرات، إضافة إلى دورهم المستمر لعقود سفراء للفنّ البحريني حول العالم.


مقالات ذات صلة

«كولكتيف ريبيرث»... حان وقت العودة

يوميات الشرق لوحات زيتية وأخرى أكليريك ومنحوتات تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)

«كولكتيف ريبيرث»... حان وقت العودة

من باب إعطاء اللبناني فسحة أمل في خضمّ هذه الأجواء القاتمة، قرر مركز «ريبيرث بيروت» الثقافي إقامة معرضه للفنون التشكيلية.

فيفيان حداد (بيروت)
إعلام الموضوع العام الذي سينعقد «إكسبو الرياض 2030» على ضوئه يحمل رؤية المملكة وهو «تخيل الغدّ» (موقع إكسبو الرياض 2030)

السعودية على درب التحضير لـ«إكسبو 2030»

السعودية تعرض بمناسبة الجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض التقدم الذي أحرزته في تحضير «إكسبو 2030».

ميشال أبونجم (إيسي لي مولينو: باريس)
يوميات الشرق ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
TT

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)

يدخل الفنان نادر الأتات إلى كادر المخرج سام كيّال، يتأمّل ركام مبنىً كان وما عاد، ثم يجلس على كنبة مزّقتها الشظايا ويغنّي... «هون كان بيتنا هون انهدّ حيطنا... هون كانت الدكانة اللي منها اشتري». ليس في المشهد تمثيل ولا في الكلامِ شِعر، بقَدر ما فيهما من واقع حال المغنّي اللبناني الشاب. فهو، كما عدد كبير من اللبنانيين، خسر منزل أهله الذي دُمّر جرّاء القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، وخسر معه جزءاً من ذكريات الطفولة.

لم يتعمّد الأتات أن يروي قصة شخصية من خلال أغنية «أنا لبناني»، التي كتبها ولحّنها فارس إسكندر، وصدرت بالتزامن مع عيد استقلال لبنان في 22 نوفمبر (تشرين الثاني). يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه شعرَ بضرورة التعبير عمّا أصاب الوطن من خلال صوته، سلاحه الأقوى.

صحيحٌ أنّ المرحلة غير ملائمة للإصدارات الفنية، والفنانون اللبنانيون جميعُهم احتجبوا عن إصدار أي جديد خلال الحرب، إلا أنّ الأتات شكّل استثناءً بين زملائه. فمنذ مدّة قصيرة، وبالتزامن مع أكثر فصول الحرب احتداماً، أعاد تسجيل بيتَينِ معروفَين للإمام الشافعي:

«ولَرُبَّ نازلةٍ يضيق لها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المَخرجُ

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها

فُرجت وكنتُ أظنّها لا تفرج».

يقول إن تلك المقطوعة الصوتية القصيرة جاءت بمثابة «صلاة ورسالة أمل وسط كل ما يحصل».

قبل أيام، لم يتردّد لحظة في إطلاق جديده، فهو لا يعتبر «أنا لبناني» مشروعاً ترفيهياً بقدر ما يعتبرها مرآةً لمعاناة اللبنانيين، وبَوحاً بما يجول في خاطره.

بعد ضرباتٍ متتالية استهدفت الشارع الذي كان يقطن فيه والداه، تحوّل بيت العائلة إلى مجرّد ذكرى. يروي الأتات كذلك أن الخسارة لم تقتصر على المنزل، إذ إنّ الحرب سرقت شخصاً عزيزاً. «كان حسين سرحان بمثابة يدي اليمنى والمسؤول عن كل الأمور اللوجستية في مكتبي. قضى حسين بغارة إسرائيلية فيما كان نائماً في سريره. هو لا ينتمي إلى أي جهة حزبيّة، وكان مثالاً للطيبة والتفاني».

استمرّ البحث عن سرحان أياماً ليخرج بعدها جثةً من تحت الركام. حلّت الخسارة كصاعقة على الأتات: «لا شيء يعوّض عن شخص كنت أعتمد عليه كثيراً وأحبّه كأخ».

خسر الأتات في الحرب أحد عناصر فريقه الأساسيين حسين سرحان (صور الفنان)

الفنان مواطنٌ كذلك، والجميع سواسية أمام ظلم الحرب ودمارها. من منزله المتاخم لمناطق القصف في بيروت، انتقل الأتات وعائلته شمالاً، ليختبر هو كذلك تجربة النزوح. «فتح لنا أهل مدينة البترون أبوابهم وقلوبهم واستقبلونا بحبّ». لكنّ البالَ لم يهدأ، لا على البيت في العاصمة ولا على دار العائلة في طليا البقاعيّة، لا سيّما أن قسماً كبيراً من البقاع مسيّج بالنيران الإسرائيلية.

لكن الأتات، وعلى غرار الروح الإيجابية التي لطالما بثّها من خلال أغانيه، قرّر أن يتعامل مع الصدمات والخسائر الشخصية «بالتسليم لربّ العالمين، لأننا بالإيمان نستطيع تخطّي أي شيء»، وفق تعبيره. هو تسلّح كذلك بحبه للبنان، «بكل حبّة من ترابه وشبرٍ من أرضه».

الدمار الذي لحق بالمبنى حيث منزل والدَي الأتات في الضاحية الجنوبية لبيروت (صور الفنان)

هذه النقلة من الحزن إلى محاولة الفرح انعكست كذلك على أغنية «أنا لبناني» لحناً وكلاماً. فبعد المطلع المؤثّر بعباراته، ارتأى إسكندر والأتات البناء على لازمة أكثر إيجابيةً: «أنا لبناني وعينيّ شبعانة سلام وسحر وجمال وإبداع وأغاني». يردّ الأتات هذا المزيج من الأسى والتفاؤل إلى «صفة تميّز اللبنانيين وهي أنهم مهما زادت الصعوبات عليهم، يظلّون إيجابيين». يتلاقى وصفُه هذا مع الكلمات التي كتبها فارس إسكندر: «دخلك يا أرزة اضحكي ما بيلبق إلنا البكي... بإيدك بيروت أمسكي صوب شطوط الأمان». يختصر الأتات ما شعر به خلال تسجيل الأغنية بالقول إنه «رغم إيقاع الفرح، فإن الإحساس كان طالعاً من وجعٍ عميق».

منذ أشهر، توقّف الأتات وهو المعروف بأنه نجم الأفراح وحفلات الزفاف والسهرات الصيفيّة، عن المشاركة في أي حفل. أرخت الحرب بظلالها الثقيلة على النشاط الفني كما على المعنويّات، لكن ذلك لا يعني أنّ العمل سيبقى متوقفاً إلى ما لا نهاية. يقول إن «اللبناني أمثولة في الإيجابية والفرح وحُسن الذوق والثقافة، وما مرّ عليه من تدمير وأسى لا يعكس صورته الحقيقية». من هذا المنطلق، يتسلّح الأتات بالأمل ليعود إلى حراكه الإنتاجيّ مع دخول وقف إطلاق النار أيامه الأولى.

يتسلّح الأتات بالأمل ليعود قريباً إلى نشاطه الفني مع إعلان وقف إطلاق النار (صور الفنان)

قيد التحضير حالياً 4 أغنيات تتنوّع ما بين رومانسيّ كلاسيكي وإيقاعيّ راقص. يرجّح الأتات أن تكون في طليعة الإصدارات، تلك التي تحمل بهجةً للناس «لأنّ هذا ما يحتاجونه بعد الحرب».

يعلّق الفنان الشاب آماله على وقف إطلاق النار ليقول: «لا يمكن أن يظلّ العمل متوقفاً إلى الأبد. هذا مصدر رزقنا نحن الفنانين. مثلُنا مثل أصحاب المطاعم، والنجّارين، والأطبّاء، والمدرّسين، وسائر أصحاب المهن... كلّهم يعملون ومن حقنا أن نعمل أيضاً». ويضيف: «من الطبيعي أن نصبر ونتوارى قليلاً خلال فترة الأسى، لكن لا بدّ من عودة».

مستلهماً كلام أغنيته الجديدة «نقفّل عالحرب بـقفل شاب وختيارة وطفل نرجع نبني ونحتفل ونغنّي للبنان»، يصبّ الأتات آماله على أن «يظلّل الأمان والسلام فترة أعياد نهاية السنة»، مضيفاً أن الهدية بالنسبة إليه ستكون إحياء حفل ليلة رأس السنة في بيروت، ليزرع فيها الفرح بين ناسه وأهله كما جرت العادة.