صفية بنت زقر لـ«الشرق الأوسط»: الفنان السعودي وصل إلى العالمية

تَظهرُ مجموعتها «تراثنا» في بينالي الدرعية... بعد 25 عاماً من اكتمالها

الفنانة السعودية صفية بن زقر (الشرق الأوسط)
الفنانة السعودية صفية بن زقر (الشرق الأوسط)
TT

صفية بنت زقر لـ«الشرق الأوسط»: الفنان السعودي وصل إلى العالمية

الفنانة السعودية صفية بن زقر (الشرق الأوسط)
الفنانة السعودية صفية بن زقر (الشرق الأوسط)

لطالما كانت الفنانة السعودية صفية بن زقر على اتصال عميقٍ بمسقط رأسها مدينة جدة وموروثها العتيق، وهي التي تحمل سيرة فنية استثنائية تجعلها واحدة من أهم الأسماء الفنية المعاصرة، بيد أن ظهور أحد أعمالها في بينالي الدرعية 2024 - المقام حالياً - هو أمر لافت وجاذب للزوار.

حاورتها «الشرق الأوسط» عن رؤيتها الفنية بعد هذه السنوات الطوال. وبسؤالها عمّا ينقص الفنان السعودي للوصول إلى العالمية، تقول: «لقد وصل ولا ينقصه شيء».

 

«تراثنا» في البينالي

هي مجموعة صفية بن زقر التي تظهر في بينالي الدرعية (1997-1999). وهي عبارة عن سلسلة من المطبوعات التفصيلية بتقنية الحفر الضوئي، التي تصوّر تعقيدات وثراء اللباس التقليدي لمختلف قبائل المملكة ومناطقها، من خلال 39 صورة، قد سبق المشروع بحثٌ مكثفٌ في تاريخ الأزياء المختلفة وأنماطها وألوانها وتطريزاتها وأقمشتها في أجزاء مختلفة من البلاد، حسب المعلومات التي تسلّمتها «الشرق الأوسط» من فريق بينالي الدرعية.

وعلى سبيل المثال، تُزيّن الخيوط الذهبية والحرير الأزياء الاحتفالية الحجازية، التي تظهر فيها العروس متوّجة بغطاء رأس مطرّز، كما صُوّرت امرأة عسيرية في زيّ من الكتان والقطن الذي يُستخدم في الحياة اليومية، مع قبّعة من القش للحماية من حرارة الشمس. وهذه الصور أنتجت في طبعة محدودة مكوّنة من 30 مطبوعاً، وهي ذات أهمية كبيرة باعتبارها وثائق مفصّلة وشاملة للتراث الشعبي السعودي. كما تنقل المتلقي في رحلة شاملة عبر مختلف التغيّرات التي طرأت على الأزياء التقليدية طيلة القرن العشرين، بتأثير من الإنتاج الصناعي للملابس وحركة العولمة.

 

توثيق فني

بسؤال صفية بن زقر عن ظهور هذه السلسلة في بينالي الدّرعية، تؤكد سعادتها بذلك، مشيرة إلى أن «تراثنا» خاصة بمجموعة المنصورية، وعنها تقول: «هي لوحات مائية أُصدِر منها على ورق بطريقة الحفر إصداراً محدوداً، وقد وثّقت كل لوحة منها أحد الملابس التراثية لمناطق المملكة العربية السعودية المختلفة للنساء والرجال، وحرصتُ من خلال المجموعة أن أوثّق بالرسم صورة حقيقية وواقعية للملابس القديمة، كما كانت تُلبس آنذاك، لتتعرّف عليها الأجيال الحديثة، ولتبقى في عين المتذوّق الفني وذاكرته جزءاً من تراثه».

 

من مجموعة «تراثنا» المعروضة حالياً في بينالي الدرعية (الشرق الأوسط)

 

الولع بالتراث

وعن شغفها بالاستلهام من التراث ومكوناته، توضح أنها حين عادت إلى السعودية بعد إكمال دراستها الثانوية، تفاجأت باختفاء كثيرٍ من العادات وطرق الحياة التي شاهدتها حين كانت صغيرة. ومن هنا تبلورت رؤيتها الفنية ووجدت الحلقة المفقودة ما بين التراث والثقافة، وعن ذلك تقول: «وجدت هدفاً يُلهمني لرسم وتوثيق العادات والتقاليد خوفاً من اندثارها، وحرصاً من أن يُركن هذا التراث في المخازن».

«هي علاقة الروح بالجسد»، هكذا تصف صفية علاقتها بالفن بعد هذه الرحلة الطويلة، مؤكدة أنها تفخر بجميع الخطوات التي مرّت بها. كما ترى أن كل عمل فنيّ انتهت منه كان نقطة فاصلة في حفظ التراث السعودي. وعن رؤيتها للحراك الفني المزدهر حالياً في البلاد، تقول: «إنه رائع وواعد، ومتصل مع المجتمع أكثر من السابق، وهذا يدل على وجود عينٍ متقبلة ومنفتحة من قبل المتلقي في المملكة، وعين أخرى متعطشة لمعرفة المزيد من المتلقي خارج المملكة».

 

بدايات

وُلدت صفية بن زقر في قلب مدينة جدة القديمة عام 1940، وكأن المدينة العتيقة بمبانيها وقاطنيها قد تسربت إلى روحها مع أنفاسها الأولى، فنشأ بينهما رباط وثيق اشتد قوة مع مرور السنين. وفي أواخر عام 1947 انتقلت مع أهلها إلى القاهرة، لتعود مجدّداً إلى جدة عام 1963، وتجد العديد من التغيّرات؛ إذ بدأ أهل المدينة بالنزوح إلى المنازل المسلّحة وترك عاداتهم المتوارثة، إلى جانب استبدال بأزيائهم المميزة ما يساير الموضة الحديثة، ولم يكن في يدها إلّا استرجاع الماضي بريشتها، فبدأت بجدية تامة لإعادة تكوين المدينة بأبنيتها وسكانها، وأنشطتها وأحداثها، وكذلك عاداتها وتقاليدها.

 

رحلة فنية ثريّة

تُعدّ صفية من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في السعودية. بدأ مشوارها الفني الطويل بأول معرض لها في عام 1968 حيث أقيم في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة. وهذا المعرض كان تجربة ناجحة خاضتها بمجهودها الخاص في تحضير موقع العرض، حين لم تكن هنالك صالات عرض متخصصة، فبدأت بتجهيز مدرسة البنات الخاصة على مستوى قاعات العرض في الخارج وعلى قدر الإمكانات المتاحة حينذاك.

وبعد النجاح الكبير لمعرضها الأول، توالت معارضها المحلية التي أقامتها في مدينة الرياض وجدة والظهران والجبيل والمدينة المنورة وينبع وأبها، كما نظّمت معارض دولية في كل من باريس وجنيف ولندن، حتى أصبح لها حصيلة 18 معرضاً شخصياً، و6 معارض جماعية، عُرفت صفية من خلالها فنانة التراث السعودي محلياً ودُولياً.

وفي عام 1995 أسست «دارة صفية بن زقر»، بعد رحلة 30 عاماً على طريق الفن التشكيلي، وهي تضم لوحاتها ومقتنياتها الفنيّة، كما تحوي مرسمها ومكتبتها الخاصة. وفي عام 2000 صدر كتابها «رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي»، وفيه أوضحت أهداف الدارة ونشاطاتها بعد رحلة 30 عاماً من العمل المتواصل، والمثابرة من أجل توثيق هذا التراث الغني بشكل جمالي وبنّاء.


مقالات ذات صلة

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

يوميات الشرق المعرض مأخوذ عن كتاب «وجود وغياب» (الشرق الأوسط)

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

تُعدّ معارض القصص المصوَّرة (الكوميكس) من الفعاليات النادرة في مصر، وتكاد تقتصر على مهرجانات سنوية لهذا النوع من الرسوم المعروف بـ«الفن التاسع».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق عمل للدكتور أشرف سعد جلال (الشرق الأوسط)

أعمال «الأسود والضوء» تحضّ على التأمل

خيط رفيع ربط بين أعمال 50 فناناً فوتوغرافياً يتمثّل في رصد «الأسود والضوء»، وهو العنوان الذي اختاره «نادي عدسة» ليقيم تحته معرضاً بالإسكندرية.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

من زار اليابان سيتعرف فوراً على «السامبورو»، وهي نسخ من الأكلات والأطعمة اليابانية مصنوعة من البلاستيك بدقة لاستنساخ شكل الطعام الحقيقي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية وبمشاعر النضارة والحيوية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
TT

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً، ما بين حفلات غنائية وموسيقية وعروض مسرحية، بالإضافة إلى أنشطة فنية ورياضية متعددة.

وشهدت النسخة الثانية تعاوناً بين إدارة المهرجان والهيئة العامة للترفيه، ممثلة في إدارة «موسم الرياض»، بتقديم عروض مسرحية في العلمين قادمة من «موسم الرياض»، من بينها مسرحيات «السندباد» لكريم عبد العزيز، ونيللي كريم، و«التلفزيون» لحسن الرداد، وإيمي سمير غانم، إلى جانب حفلات غنائية منها حفل الفنان العراقي كاظم الساهر.

ومنحت الشراكة بين «موسم الرياض» و«العلمين الجديدة»، زخماً كبيراً للفعاليات، حسب الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «تقديم العروض المسرحية يُعدّ من أهم الإضافات التي شهدها المهرجان في نسخته الثانية العام الحالي، خصوصاً مع وجود نجوم كبار شاركوا في هذه العروض».

عمر خيرت مع إسعاد يونس ضمن فعاليات المهرجان (إدارة المهرجان)

وأضاف عبد الرحمن أن «من بين الأمور المميزة في العروض التي تضمّنها المهرجان عدم اقتصار المسرحيات على النجوم، ولكن أيضاً على الشباب، على غرار مسرحيتي (الشهرة)، و(عريس البحر)، وهما العرضان اللذان لاقيا استحسان الجمهور، ما انعكس في نفاد تذاكر المسرحيات خلال ليالي العرض».

يدعم هذا الرأي الناقد الفني خالد محمود، الذي يشير إلى أهمية التعاون بين الجانبين بما ينعكس إيجاباً على المحتوى الفني المقدم للجمهور، مشيراً إلى أن «في النسخة الثانية من مهرجان (العلمين الجديدة) تحقق جزء كبير من الأحلام والطموحات التي جرى الحديث عنها بعد انتهاء الدورة الأولى، عبر مشاركة نجوم عرب في الحفلات على غرار ماجدة الرومي، وكاظم الساهر، بعد غياب لفترة طويلة».

وأشار محمود إلى «تنوع الحفلات الغنائية والفعاليات المصاحبة للمهرجان، خصوصاً فيما يتعلّق بالاستعانة بفرق الفنون الشعبية من مختلف المدن المصرية لتقديم عروضها في المهرجان بحفلات متنوعة»، لافتاً إلى أن «غياب البث المباشر للحفلات كان بمثابة نقطة ضعف لا بدّ من تجاوزها في النسخة المقبلة».

وتضمن المهرجان، الذي افتتح حفلاته الغنائية محمد منير في يوليو (تموز) الماضي، فعاليات جماهيرية كثيرة، منها الاحتفال بأبطال مصر الحاصلين على ميداليات في دورة الألعاب الأوليمبية، بالإضافة إلى إطلاق فعاليات مهرجان «نبتة»، الذي قدم أنشطة فنية وترفيهية للأطفال بمشاركة فنانين، من بينهم أحمد أمين وهشام ماجد.

محمد منير خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

ومن بين الحفلات الفنية الكبرى التي شهدها المهرجان، حفلات عمرو دياب، وتامر حسني، وعمر خيرت، وفريق «كايروكي»، بجانب تصوير عشرات الحلقات التلفزيونية مع نجوم الفن من مصر والعالم العربي الذين شاركوا في المهرجان.

وشهدت سماء مدينة العلمين الجديدة عروضاً جوية بالطائرات في الأيام الأخيرة للمهرجان، فيما قدمت فرق متعددة من جهات وأقاليم مختلفة عروضاً مجانية لمسرح الشارع.

إحدى فرق الفنون الشعبية ضمن فعاليات المهرجان (إدارة المهرجان)

وأعلنت «اللجنة العليا» للمهرجان، في بيان، السبت، انتهاء الفعاليات بعد تحقيقه «خدمة توعوية وتثقيفية وسياسية وتنموية ومجتمعية للدولة المصرية وأبنائها بتنفيذ عدد غير مسبوق من الفعاليات الشاملة، ومشاركة جميع أطياف المجتمع المصري وفئاته العمرية والصحية والاقتصادية والتعليمية، واستقبال زوار من 104 جنسيات لدول أجنبية، وكذلك عدد كبير من المسؤولين والدبلوماسيين العرب والأجانب».

ويتوقف محمد عبد الرحمن عند إعلان المهرجان تخصيص 60 في المائة من الأرباح لدعم فلسطين للتأكيد على أن «تأثير المهرجان ليس فنياً ترفيهياً فقط، بل يحمل رسالة مجتمعية مهمة».

ويشير خالد محمود إلى «ضرورة استفادة المهرجان مما تحقّق على مدار عامين بترسيخ مكانته بين المهرجانات العربية المهمة، الأمر الذي يتطلّب مزيداً من التوسع في النُّسخ المقبلة التي تتضمن التخطيط للاستعانة بنجوم عالميين لإحياء حفلات ضمن فعالياته».