يُعدّ الفنان الراحل سامي الصيداوي أحد واضعي أُسس الأغنية اللبنانية. ابن مدينة صيدا الجنوبية، وُلد في منزل متواضع من آل صاصي عام 1913، ومن ثَم لُقّب بـ«الصيداوي»، تيمّناً بمسقطه. غنّى من كلماته وألحانه أهم مطربي لبنان، كالراحلَيْن محمد مرعي وإيليا بيضا، ونجاح سلام، ووداد، وصباح، ووديع الصافي، ونور الهدى. عُرف فناناً شاملاً يكتب ويلحّن ويغنّي، ويمتلك حسّ الطرافة والعفوية في مؤلّفاته.
في 29 فبراير الحالي، يقدّم المعهد الوطني للموسيقى تحية تكريمية له بقيادة المايسترو أندريه الحاج، قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق - عربية. اختارت الجهة المنظّمة، المتحف الوطني، لإقامة أمسية تضيء على عدد من أعماله المشهورة.
يؤكد المايسترو الحاج لـ«الشرق الأوسط» أنّ الصيداوي يستحق هذه التحية أسوة بغيره من عمالقة الفن في لبنان. فنّه كان فريداً، فقدّم ألحاناً وكلمات تشبه شخصيته العفوية.
كثّف بحوثه عنه ليكتشف تميّزه ويتعرّف أكثر إلى أعماله: «اعترضتني صعوبة كبيرة لإيجاد ما يفيدني عنه، لا سيما أنّ أرشيفه الفني مبعثر. فهو بدأ أولى خطواته من إذاعة فلسطين في بداية الثلاثينات، ومن ثَم عمل في إذاعة الشرق الأدنى. دخل عالم الشهرة بالمصادفة، عندما حمل أغنية (يا جارحة قلبي) لوالد أو شقيق الراحلة نجاح سلام، فشكّلت انطلاقته الحقيقية. لم يتعلّم أصول الموسيقى، فكان يعزف (على السمع). كل هذه المعلومات اكتشفتها خلال بحوثي».
وعن كيفية ولادة فكرة تكريم الصيداوي، يردّ: «منذ تسلّمي قيادة الأوركسترا الوطنية، أخذت على عاتقي تكريم الكبار من بلادي. اتّخذت من المصريين نموذجاً، فهم معروفون بحفاظهم على ذكرى كبارهم. رحتُ أقيم حفلات تُعدّ تحيات تكريمية. عدد كبير من الفنانين اللبنانيين كُرِّموا بالطريقة عينها، من بينهم وديع الصافي، وإيلي شويري، وزكي ناصيف، وملحم بركات... هم يستحقون منا هذا الاهتمام، نظراً لبصمتهم على تاريخنا الفني».
من خلال هذه التحيات الفنية التي ينظّمها المعهد الوطني للموسيقى، يشكّل المايسترو الحاج جسرَ تواصل بين الأجيال، فيوصل نبوغ فنانين لبنانيين حفروا أسماءهم في الصخر، إلى جيل شاب قد يجهل إنجازاتهم. يعلّق: «ما أفعله يُشعرني بفرح كبير. فهذه التكريمات واجبة علينا، وأتمنّى أن أكون هذا الجسر بين جيلين».
يذكر بعض التعليقات من فنانين كبار مع إنجاز الأوركسترا الوطنية حفلات مماثلة: «الراحل إيلي شويري شارك في أحدها، وتمنّى لو كانت الأوركسترا حاضرة في أيامه. حينها، قال لي: (لما كنا اضطررنا للغناء في أماكن لسنا مقتنعين بها)».
يدأب الحاج على تقديم أغنيات الكبار بنسخة طبق الأصل: «لا أحبّ المسّ في روحيتها، فتفقد أصالتها. أقدّمها كما هي، مع تحديث بسيط بالكاد يُلاحَظ، ضمن تركيبة لا تشوّه الجوهر. في حفل الصيداوي، يشعر الحضور بأنهم يعودون إلى أجواء الخمسينات والستينات، فيستعيدون الحنين إلى أيام الإذاعة اللبنانية عندما كانت في أوجها، لتنقلهم هذه المشاعر تلقائياً إلى الفن الأصيل بعيداً عن التطوّر الموسيقي السائد».
لم يستطع الحاج جمع كل أرشيف سامي الصيداوي، فاختار بعض أغنياته. عن برنامج الحفل، يقول: «سنستهلّه بمقطوعة موسيقية للمايسترو أنطوان فرح بعنوان (غدير)، وبأخرى من تأليفي؛ لتكرّ بعدها أغنيات الصيداوي، على أن نفتتحها بـ(يا جارحة قلبي)».
من الأغنيات الأخرى التي يتضمّنها الحفل: «حبّوك»، و«بتندم»، و«وينك يا ليلى»، ليختتم مع «ميّل يا غزيّل»، و«تنقّل يا غزالي». كما تتخلّل الحفل مقطوعات موسيقية، من بينها لوليد غلمية بعنوان «خريفية».
يرافق الحاج فريق أوركسترالي من 40 عازفاً و20 منشداً من جوقة الكورال، التي تمرّن أفرادها تحت إشراف أستاذة الغناء عايدة شلهوب.
وعمّا لفته في شخصية الصيداوي خلال إجراء البحوث عنه، يجيب: «كان يملك عفوية لافتة في حديثه، وغلبت الفطرة على أي شيء آخر لديه، لذلك تميّزت أعماله بالبساطة والجمال».
ينوي المايسترو الحاج إقامة الحفل نفسه في المدينة الأم للصيداوي، ويختم: «أحبّ القيام بهذه اللفتات التكريمية من باب واجبي الإنساني والأخلاقي. سامي الصيداوي فنان من بلادي، نفتخر به، وعلينا أن نحافظ على ذكراه من جيل إلى جيل».