غبريال يمين لـ«الشرق الأوسط»: أتمنى أن أكون نجحت في قراءة رأس جبارة هذه المرة

يوقّع إخراج مسرحية «تحت رعاية زكور» من ضمن «4 لريمون»

مسرحية «4 لريمون» تحية تكريمية للراحل ريمون جبارة (مسرح «مونو»)
مسرحية «4 لريمون» تحية تكريمية للراحل ريمون جبارة (مسرح «مونو»)
TT

غبريال يمين لـ«الشرق الأوسط»: أتمنى أن أكون نجحت في قراءة رأس جبارة هذه المرة

مسرحية «4 لريمون» تحية تكريمية للراحل ريمون جبارة (مسرح «مونو»)
مسرحية «4 لريمون» تحية تكريمية للراحل ريمون جبارة (مسرح «مونو»)

ترك المسرحي الراحل ريمون جبارة بصمته على عالم الخشبة اللبنانية، فكان قلمه ساطعاً كما أسلوبه في الإخراج المسرحي. وشكّل جبارة مدرسة في مجال التمثيل وإجادته الكوميديا السوداء. كانت الخشبة امتداداً صادقاً لمعاناته من الفساد كأي لبناني آخر. كان باحثاً عن الصدق وأهله حتى اللحظة الأخيرة من حياته. استخدم جبارة الخشبة للتعبير عن هواجسه واعتمد الصراعات جوهراً لأعماله.

مضى على رحيل جبارة نحو 9 سنوات منذ عام 2015 حتى اليوم. لكن ذكراه بقيت نابضة في قلوب محبيه لا سيما الرعيل المسرحي الذي واكبه في مسيرته، ومن بين هؤلاء الممثل والمخرج والكاتب المسرحي غبريال يمين الذي حزن حزناً عميقاً على رحيل رفيق الدرب. وكان هاجسه الأكبر يكمن في كيفية إيصال فكر ريمون جبارة إلى الجيل الجديد.

غبريال يمّين خلال التمرينات على مسرحية «تحت رعاية زكور» (مسرح «مونو»)

فكّر يمّين في الأمر منذ سنوات طويلة، إلا أن إصابته بمرض السرطان أخّرته عن تحقيق حلمه هذا، وبعدها جاءت الجائحة وتوالت الأزمات على لبنان، مما زاد الأمر تعقيداً.

مؤخراً حزم يميّن أمره وقرر الانطلاق بحلمه حتى النهاية. ومن خلال تقديم استعادات لـ4 مسرحيات للراحل جبارة بدأ المشوار. وعلى هذا الأساس يستضيف «مسرح مونو» في بيروت وعلى مدى 4 أسابيع متتالية الأعمال الأربعة. وهي تتألف من «تحت رعاية زكور»، و«بيكنيك عخطوط التماس»، و«زردشت صار كلباً»، و«قندلفت يصعد إلى السماء».

ويتولى إخراج المسرحيات الأربع كل من غبريال يمين وجوليا قصار وأنطوان الأشقر ورفعت طربية. وابتداءً من 28 فبراير (شباط) لغاية 7 أبريل (نيسان) المقبل تجري عروض المسرحيات الأربع على أن يحمل كل أسبوع عرض واحدة منها.

وصف كثيرون فكرة غبريال يمين بتحية تكريمية لصديق عمره جبارة. ولكنه يبادر «الشرق الأوسط» بالقول: «لا أرى هذه العروض تكريماً له بقدر ما هي وسيلة لإيصال فكره المسرحي للجيل الجديد. فهم لا يملكون أي فكرة عن عَلَمٍ من أعلام لبنان المسرحيين. وهو أمر لا يجوز التغاضي عنه ولا الاستخفاف به. فريمون رجل مسرحي لن يتكرر، ورغبتُ في أن تبقى ذكراه حيّة ليس فقط من قِبَل مَن عرفه. ولتكون هذه الذكرى فعالة، كان لا بد من تحقيقها على الأرض وليس في كتب وأطروحات».

طلاب معهد التمثيل في الجامعة اللبنانية يشاركون فيها (مسرح «مونو»)

اختيار يمين 4 مسرحيات من مشوار الراحل ريمون جبارة، جاء على قاعدة معينة؛ «أردت تقديم عملين من مسرحه القديم الذي لم أواكبه، مقابل آخرَين شاركت بهما. ومن هنا وُلدت فكرة أسماء المسرحيات الأربع. هناك أعمال مسرحية كثيرة قدمها جبارة في مشواره. وكنت أنوي أن تكون «دكر النحل» واحدة منها. ولكنّ المخرج والممثل رفعت طربية فضّل استبدال «قندلفت يصعد إلى السماء» بها. فطربية يتذكرها جيداً، ويعرفها عن كثب، لذلك سيتولى إخراجها وعرضها على خشبة مونو».

يقول يمين إنه بحث كثيراً عمّن يستطيع أن يرافقه في هذا المشروع؛ «وبالفعل توفقت بعدد منهم وبينهم جوليا قصار وطوني الأشقر ورفعت طربية. فهم تعرفوا إلى جبارة عن قرب وواكبوه في محطات من مسيرته».

يتعاون يمين مع مجموعة من ممثلين شباب لم يسبق لهم أن عرفوا جبارة. فكيف استطاع أن يقرّبهم من فكر وأسلوب جباره المسرحي؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «في الصفوف الجامعية التي أعلّم فيها، لطالما تحدثت عن بصمات جبارة على المسرح. وبما أن هدفي الأول والأخير من هذا المشروع تقريب المسافات بين زمنين وجيلين اعتمدت البساطة والخبرة المباشرة على الأرض. وحالياً، أكتشف معهم (تحت رعاية زكور). فهي من أعمال جبارة القديمة التي لم أشاهدها أو أشارك فيها. لم يكن من الصعب عليّ اكتشافها خصوصاً، أنني استعنت بالرعيل القديم للمسرح أمثال كميل سلامة لأستعيد خطوطها كما يجب».

ولماذا لا يشارك سلامة في أحد الأعمال الأربعة لا سيما أنه يشكل مدماكاً أساسياً في بعض منها؟ يرد: «لأنه مع الأسف له ارتباطات أخرى لم تسمح له بذلك وسيكون خلال العروض في باريس».

التحية بمثابة تعريف جيل الشباب على فكر ريمون جبارة المسرحي (مسرح «مونو»)

عندما نفكر في استعادة 4 عروض مسرحية سبق وقُدمت في زمان ومكان مختلفين، لا بد من طرح السؤال، عمّا إذا كانت هذه المسرحيات ستُحدّث بنسخاتها الجديدة.

في رأي غبريال يمين إن لكل مسرحي طريقته وأسلوبه في تناول عمل ما. ويمكن للاختلاف أن يكون حاضراً، خصوصاً في عملية الإخراج.

لكنه تمسك بنُسخ ريمون جبارة كما هي من دون زيادة أو نقصان. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «اجتمعت ورفاقي في هذا المشروع، وتحدثنا حول هذا الأمر. وكان اتفاقنا بالإجماع على نقل العمل كما هو وعلى طريقة جبارة. فهدفنا الأساسي تعريف جيل الشباب على أسلوبه وفكره المسرحي. ورغبنا في أن نكون مخلصين له إلى آخر حد فننقلها بنزاهة. وأحجمنا عن التصرف في المسرحيات منفّذين رغبة الراحل ريمون جبارة فيما لو كان لا يزال حاضراً بيننا».

مسرحية «تحت رعاية زكور» يُخرجها غبريال يمين ويستهلّ معها موسم جبارة للمسرح «4 لريمون» في 28 فبراير الحالي. وتشارك باقة من الممثلين ومن بينهم طلاب معهد التمثيل في الجامعة اللبنانية، فيجتمع فيها كل من ماريا الدويهي ورانيا مروة وطارق يعقوب وعامر فياض وجو رميا ووسيم ريدان ومابيل طوق وغيرهم. كما يطلّ فيها الممثل كارلوس عازار، ضيف شرف في أول تجربة مسرحية له. ويشاركه في هذه الإطلالة كل من طارق تميم وجورج دياب.

أما موضوع المسرحية، كما يذكره البيان الموزّع من «مسرح مونو»، فيدور حول افتتاح مسرحية برعاية إحدى الشخصيات اللبنانية المعروفة «زكور بيك». ويطرح خلالها مؤلفها جدلية مثيرة متناولاً مواضيع قديمة من عمر أهل الكهف. فهي لطالما كانت تشكّل عبئاً عليه وتُحدث عبقة على قلبه، ومن بينها تلك المتعلقة بإبراهيم وإسحاق وهاملت وغيرهم.

«تحت رعاية زكور» تفتتح موسم «4 لريمون» على مسرح مونو (مسرح «مونو»)

كان الراحل ريمون جبارة يردّد دائماً أنه عمل في الفن لأنه لا يجيد غيره، وأن شخصين فقط يستطيعان قراءة خطه وهما غبريال يمين وعقل العويط. ويعلق يمين: «لقد كنت محظوظاً لامتلاكي هذه الموهبة تجاهه. واليوم ريمون رحل وأتمنى أن أكون قد عرفت قراءة ما يدور في رأسه».

يقول يمين إنه يتخيل جبارة دائماً حاضراً في التمرينات الخاصة بالمسرحيات الأربع: «أحياناً أسمع صوته وأشعر كأنه يجلس بقربي. وفي إحدى المرات عندما دخلت المسرح أتفرج على تمرينات الممثلين لـ(بيكنيك عخطوط التماس) خرجت فوراً. لم أستطع أن أتمالك نفسي، تذكرته وتأثرت كثيراً وسمعت ضحكته. ومخرجة العمل جوليا قصار أصابها الأمر نفسه تأثراً».

ويقول يمين لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما أرغب به من هذه العروض هو أن أعيد إحياء ذكرى ريمون جبارة عند جيل الشباب. أردت أن يكرّم بأعماله على أرض الواقع، فتكون هناك استمرارية وامتداد لفكره المسرحي». وعن إمكانية تقديم مجموعة أعمال أخرى لجبارة في موسم آخر يرد: «بالطبع سأتمسك بهذه الاستعدادات وإلا كيف سيتعرف إليه شباب اليوم؟».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.