أول دليل أثري على استخدام النباتات لعلاج الأمراض !

أول دليل أثري على استخدام النباتات لعلاج الأمراض !
TT

أول دليل أثري على استخدام النباتات لعلاج الأمراض !

أول دليل أثري على استخدام النباتات لعلاج الأمراض !

يعد عظم قديم يعود تاريخه إلى آلاف السنين أول دليل قوي على أن البشر في أوروبا كانوا يجمعون ويخزنون عقارًا قويًا وخطيرًا. فقد تم تجويف العظم عمدًا وتغطيته بقطران البتولا؛ حيث وُجد أن العظم في الأصل يعود لخروف أو ماعز ويحتوي على عدد كبير من بذور نبات يسمى الهينبان الأسود (Hyoscyamus niger).

وقد جادل ثلاثة من الباحثين بألمانيا وهولندا بأن المادة النباتية تم الاحتفاظ بها لغرض محدد. إذ انه حتى في الجرعات الصغيرة، يعتبر نبات الهينبان الأسود، الشائع في جميع أنحاء أوروبا، خطيرًا؛ فهو يحتوي على سموم «هيوسيامين وسكوبولامين»، وإذا ما تم تناوله يمكن أن يؤدي إلى عدم انتظام دقات القلب والتشنجات والغيبوبة وحتى الموت. ويمكن للنبات أيضا أن يسبب الهلوسة، أو حتى يمكن استخدامه كدواء.

وتم العثور على الهينبان الأسود بمستشفى قلعة رومانية تعود للقرن الأول الميلادي في نيوس، كما تم العثور على متعلقات جنائزية لعرافة مدفونة في غوتلاند تعود لحوالى عام 980 م.

ويظهر النبات أيضًا في مواقع أثرية أخرى في جميع أنحاء هولندا غالبًا مع نباتات طبية أخرى.

وبالرغم من ذلك، نادرًا ما يمكن ربطه بشكل قاطع بالاستخدام البشري.

ومن أجل المزيد من التوضيح، قال مايكي جروت عالم آثار الحيوان بجامعة برلين الحرة الذي قاد البحث «نظرًا لأن نبات الهينبان الأسود يمكن أن ينمو بشكل طبيعي داخل المستوطنات وما حولها، فقد ينتهي الأمر ببذوره في المواقع الأثرية عن طريق الصدفة. وهذا يجعل من الصعب إثبات ما إذا كان قد تم استخدامه عمدًا من قبل البشر؛ سواء لأغراض طبية أم ترفيهية». مضيفا «تم العثور على البذور داخل عظم خروف أو ماعز مجوف ومختوم بسدادة قطران من لحاء البتولا الأسود، وهذا يشير إلى أن نبات الهينبان تم تخزينه عن عمد». وذلك وفق ما ذكر موقع «لايف ساينس» العلمي.

وتم العثور على العظم كجزء من تجمع أثري في هوتن كاستيلوم، وهي مستوطنة ريفية ازدهرت منذ حوالى 2600 عام حتى نهاية القرن الثاني الميلادي، بالقرب مما يعرف الآن بأوترخت الهولندية. وحتى الآن، اكتشف علماء الآثار حوالى 207000 قطعة فخارية، و1400 قطعة معدنية، و86000 قطعة من عظام الحيوانات التي تغطي سكن الموقع.

ولقد كان الباحثون محظوظين؛ فأثناء تنظيف العظام، قام عالم الآثار مارتين فان هاستيرن من وكالة التراث الثقافي الهولندية بخلع سدادة قطران البتولا عن طريق الخطأ، ما أدى إلى تناثر بذور سوداء صغيرة في كل مكان. ولسوء الحظ فقدت ثلثا البذور. لكن التحليل كشف أن البذور المتبقية وعددها 382 تنتمي جميعها إلى نبات الهينبان الأسود.

ويقول الباحثون إنه تم العثور على بذور نبات الهينبان الأسود في حفر هوتن-كاستيلوم، لكن وجودها مخبأة في عظمة مجوفة عمدًا يدل على النية والأهمية. وإذا امتلأت الحاوية، فستكون قادرة على استيعاب حوالى 4000 بذرة هينبان أسود.

غير ان الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن العظم أملس ومصقول حول القسم الأوسط، ما قد يشير إلى التعامل معه بشكل متكرر.

ماذا كان يفعل سكان مستوطنة هوتن كاستيلوم بالهينبان الأسود؟

يعتقد بعض العلماء أن الهينبان الأسود كان العنصر الحاسم المستخدم لإثارة الغضب الهائج، لكن من الصعب أن نتخيل أن مستوطنة زراعية تحتاج إلى القيام بذلك على أساس منتظم. بل يعتقد الباحثون أن الغرض من البذور ربما كان طبيًا.

وفي وقت استخدام العظم، كانت هولندا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية.

ويستشهد الباحثون بتقارير المؤرخ الروماني بليني الأكبر، الذي كتب في كتابه Naturalis Historia من 77 إلى 79 م، أنه يمكن استخدام الهينبان، بأشكال مختلفة، لعلاج السعال ونزلات البرد، وآلام الأسنان، وآلام الرحم، والنقرس، والتهاب الأوتار، وانتفاخ البطن وجفاف الجلد وألم الأذن. لكن بليني يحذر من أنه يجب استخدامه بشكل صحيح، خشية أن يتعرض المرء لبعض التأثيرات السيئة.

من أجل ذلك كتب الباحثون بورقتهم البحثية «من الممكن أن نستنتج أن نبات الهينبان تم استخدامه كدواء، وأن الآثار الجانبية الخطيرة لاستخدامه معروفة».

جدير بالذكر، ان نظريات الاكتشافات الأثرية الأخرى ترجح الاستخدام المتعمد للهينبان كمهلوس أو دواء.

ويشير الاكتشاف الى أن وجود النبات بكل مكان في المواقع الأثرية ربما لم يكن من قبيل الصدفة على الإطلاق؛ فالحالات التي يمكن فيها إثبات الاستخدام البشري المتعمد للهينبان الأسود بما لا يدع مجالاً للشك هي حالات نادرة. ويمكن الاستشهاد بعدد قليل فقط من الأمثلة الأثرية.


مقالات ذات صلة

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.