أحد نقوش المقبرة من الداخل (وزارة السياحة والآثار المصرية)
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
مصر: افتتاح مقبرة «كاتب آمون» بالأقصر
أحد نقوش المقبرة من الداخل (وزارة السياحة والآثار المصرية)
افتتحت مصر (الأحد) مقبرة نفر حتب، الشهير بـ«كاتب آمون»، بمنطقة الخوخة بالبر الغربي بالأقصر (جنوب مصر)، وذلك بعد الانتهاء من مشروع ترميمها الذي استغرق نحو رُبع قرن، بواسطة البعثة الأرجنتينية التابعة لجامعة بوينس آيرس.
وحضر حفل الافتتاح الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، وجونزالو أوريولابيتا سفير الأرجنتين في القاهرة، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين وعلماء الآثار من البلدين.
تمثالان داخل المقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
ووفق وزيري فإن «افتتاح المقبرة يضيف مزاراً سياحياً جديداً يعدّ غاية في الأهمية والتفرد لمزارات البر الغربي بالأقصر، في ظل ما تشهده المحافظة من توافد كبير للسائحين خلال الموسم السياحي الشتوي الراهن، خصوصاً أن المقبرة تحتوي على عدد كبير من المناظر والنقوش الدقيقة والجميلة».
وتعود المقبرة لعصر الأسرة الثامنة عشرة خلال عصر الملك أي، (1327 - 1323 قبل الميلاد)، وتخص أحد كبار رجال الدولة في ذلك الوقت، المدعو نفر حتب، الذي حمل عديداً من الألقاب التي تدل على رفعة شأنه ومكانته الاجتماعية الكبيرة، ومنها «كاتب آمون المعظم»، و«المشرف على عاملات النسيج الجميلات الخاصات بالمعبود آمون»، بحسب محمد عبد البديع، رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا».
افتتاح المقبرة يعد إضافة مهمة للسياحة في الأقصر (وزارة السياحة والآثار المصرية)
ويضيف عبد البديع، في بيان صحافي أصدرته وزارة السياحة والآثار المصرية (الأحد)، أن «أهمية المقبرة تكمن في مناظرها ونقوشها، التي توضّح التغيرات في الممارسات الجنائزية التي حدثت بعد فترة حكم العمارنة، فضلاً عن وجود تمثال لصاحب المقبرة وزوجته مريت آمون، التي كانت تشغل وظيفة منشدة الإله آمون».
وبدأ مشروع ترميم وصيانة المقبرة عام 2000، حيث قامت جامعة بوينس آيرس (الأرجنتينية) بتسجيل ودراسة النصوص الموجودة بالمقبرة قبل البدء في ترميمها، إلا أن أعمال الترميم الفعلي بدأت عام 2013، حيث قام فريق من المرممين الألمان بصيانة وتنظيف اللوحات الجدارية بالمقبرة، ومعالجة الأجزاء الحجرية المفككة والشروخ، وتثبيت الملاط المنفصل وطبقات الألوان على النقوش، وفق فتحي ياسين، مدير عام «آثار مصر العليا».
وزيري وسفير الأرجنتين في القاهرة داخل المقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
وكشف ياسين، في تصريحات صحافية على هامش افتتاح المقبرة، أنه بدراسة الطلاء القديم بالمقبرة تبيّن أن رسامي الجداريات من المصريين القدماء قد استخدموا الأصباغ إلى جانب الصمغ العربي وسيطاً لونياً في المقبرة.
المقبرة تتميز بنقوشها الفريدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
ومقابر الخوخة هي جزء من مجموعة مقابر كبار رجال الدولة، التي تقع في مجموعة من الجبانات التي تزخر جدران مقابرها بسجلات كاملة عن الحياة اليومية، والمعتقدات الدينية، والحياة السياسية والعسكرية، وتلقي الضوء على عمارة وفنون مقابر الأفراد في مصر القديمة.
في إطار استعادة الكنوز المصرية والترويج لها عالميا، نشر المتحف المصري بالتحرير صورة أرشيفية نادرة تعرض لأول مرة للأميرة ديانا، أميرة ويلز، أثناء زيارتها للمتحف.
اختارت مؤسسة «الآغاخان» مشروعي «مركز شمالات الثقافي» بالدرعية التابعة لمنطقة الرياض في المملكة العربية السعودية، ضمن القائمة القصيرة لجائزتها في العمارة.
مصر: «الباعة الجائلون» يستخدمون «حناجرهم» ببراعة رغم هيمنة التكنولوجيا
أحد الأهالي يحصل على بعض المثلجات من بائع متجول في منطقة العمرانية بالجيزة (الشرق الأوسط)
من شرفة منزل متواضع بمنطقة شعبية في ضاحية الهرم (محافظة الجيزة)، خرجت سيدة ثلاثينية بمجرد أن سمعت النداء: «اللبن... يلاااا اللبن»، بينما ينزل أولادها الثلاثة إلى الشارع بسعادة، يستقبلون البائع المتجول، ليختاروا ما يشتهون، في مشهد يوحي بـ«المكافأة اليومية».
الأول اختار حلوى «الأرز باللبن»، والأخرى «الجُبن»، وثالثهم «اللبن»، والأم تدير حواراً مع البائع وأولادها من شرفتها. كان ذلك في الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، حين يكون الأربعيني هاني محمد، في منتصف رحلته اليومية لبيع منتجاته، وهو يقطع طريقه ببطء، متفحصاً النوافذ؛ لعل أحداً يطلّ.
يتجول هاني، بدراجة هوائية، يحمل على جانبيها قِدر الألبان وفي وسطها صندوق لحمل الجُبن والأرز باللبن، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يعمل بائعاً متجولاً منذ 25 عاماً، ومن دخل هذا العمل ربّى أولاده.
بائع الألبان المتجول واحد ضمن عشرات الباعة ممن يجوبون المنطقة ليل نهار، بعضهم يبيع الخضروات والفاكهة، مطلقين نداءات مثل «مجنونة يا أوطة (طماطم)»، أو يتغزلون في فاكهتهم: «يا بلح ولا تين ولا عنب زيك». وآخرون يبيعون المثلجات و«غزل البنات»، بخلاف «البليلة»، وهي وجبة تُعدّ من القمح، سجل أحد الباعة أغنية للدعاية لها، ونسخها الباقون.
نوع آخر من المتجولين، هم المنادون على «الروبابيكيا» و«الزيوت المستعملة»، ممن يشترونها مقابل بيعها فيما بعد لآخرين.
اللافت استمرار ظاهرة الباعة المتجولين الذين يعتمدون على النداء المباشر بأصواتهم الجهورية، رغم التطور التكنولوجي وما أحدثه من تغيرات في حركة البيع والشراء، حتى جاوز حجم التجارة عبر الإنترنت في مصر عام 2022 نحو 121 مليار جنيه (الدولار يساوي 49.5 جنيه)، بزيادة 30 في المائة عن عام 2021، وفق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
ويرجع الباحث في الإنثروبولوجيا، وليد محمود، استمرار هذه الظاهرة إلى «طبيعة زبائنهم»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «زبائنهم لا يتحملون دفع 50 جنيهاً (نحو دولار) لتوصيل السلع».
ربما حمل ذلك مبرراً لوجودهم بكثرة في المناطق «الشعبية» و«الريفية» أو بعض «المدن الجديدة»، لكنهم يتمددون أيضاً إلى مناطق مرفهة. ففي منطقة المهندسين (تبعد نحو 5 كيلو مترات عن وسط القاهرة)، يتجول باعة باستمرار، معلنين عن بضاعتهم بحناجرهم القوية، مزاحمين كبار المحال التجارية صاحبة «البرندات».
تداخل إنساني
فسر الباحث في علم الاجتماع والإنثروبولوجي، عصام فوزي، أسباب توغل الباعة الجائلين بـ«العلاقة الإنسانية التي تنشأ بينهم وبين أهالي المناطق التي يتجولون فيها»، ووصفها بـ«العلاقة الملتبسة، أحياناً ينزعجون منهم ومن أصواتهم العالية، وأخرى يمازحونهم ويشترون منهم وينتظرونهم».
بعدما اختار أبناء سيدة الشرفة ما يشتهونه، تفاجأت الأم بأن طلبات أبنائها جاوزت الـ100 جنيه التي أعطتها لهم، فطلبت من البائع أن تدفع الباقي في اليوم التالي عند مروره، ووافق دون تردد.
ويرجع البائع موقفه إلى «العلاقة الإنسانية» بينه وبين زبائنه، قائلاً: «لا بد أن أشعر بالناس، فأنا أبيع اللبن منذ كان سعره 180 قرشاً للكيلو، والآن أصبح بـ40 جنيهاً».
باعة في منطقة العتبة لا يتجولون لكن لا يستقرون في محال تجارية أيضاً (الشرق الأوسط)
اللحن المميز
يسود الصمت عادةً في منطقة حدائق أكتوبر (تبعد نحو 36 كيلومتراً عن وسط القاهرة) إلا من أصوات الباعة الجائلين، مرة يبيعون أسطوانات الغاز، وأداتهم النقر على الأسطوانة، أو الفواكه مستخدمين عبارات مبتكرة.
والأكثر وجوداً من بينهم في هذه المنطقة هم جامعو «الروبابيكيا»؛ يطلق أحدهم الكلمة «بيكيااااااا»، والآخر «روبابيكيا بيكياااا» ثم يزيد «أيّ كراكيب قديمة... أيّ كتب مدارس... أيّ تلاجات أيّ غسلات»، مستخدمين مكبرات صوت، لينفذ نداؤهم إلى الأدوار المرتفعة، وبعضهم يستخدم تسجيلاً.
ويرى فوزي أن «دخول هذه الأدوات على عمل الباعة انعكاس لتغليب الجوانب النفعية على الفنية»، موضحاً: «في الماضي كانت الجوانب الفنية أكثر وضوحاً حتى أن سيد درويش استلهم بعض ألحانه وأغنياته منهم».
جامع روبابيكيا يستخدم عجلة بصندوق فيما آخرون يستخدمون سيارات نصف نقل (الشرق الأوسط)
يسرح الباحث الاجتماعي الذي جاوز الستين عاماً بذاكرته في زمن طفولته، في مدينة الزقازيق، حين كان يمر بائع «العرقسوس» (مشروب مُثلج) مردداً مقطعاً غنائياً للترويج لمشروبه، والأطفال من حوله يرقصون على نغم الأغنية، مع الصاجات التي يستخدمها هؤلاء أداة إضافية للتنبيه، فضلاً عن ملابس خاصة تميزهم.
حسين الصياد، بائع المثلجات واحد ممن استبدل النداءات المسجلة بصوته، فقبل سنوات كان يتجول في شوارع منطقة العمرانية (جنوب العاصمة) منغماً كلمة «الطبيييييعي»، ويقصد أنه يصنع مثلجاته من فواكه طبيعية. الآن يتجول مع جهاز تسجيل ومكبر صوت يردد «بولة بولة» (وحدة تعبئته). يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «أكثر راحة له، يحافظ على جذب الانتباه وفي الوقت نفسه لا يكلف حنجرته عبء النداء».
ذاكرة للمدن وسلوكها
لا يحمل الباعة الجائلون فقط بضائعهم، لكنهم يحملون معها «ذاكرة المدن وسلوكيات قاطنيها»، وفق فوزي، قائلاً: «كل منهم قادر على رصد تفاصيلها بدقة، ويتغيرون فيعكسون تغير تلك المدن».
كان بائع الألبان هاني محمد يتجول حاملاً «زُمارة» لتنبيه زبائنه بقدومه، لكن «بسبب الأطفال الذين يتندرون عليّ، لم أعد أستخدمها، وأضطر للنداء الذي يرهق حنجرتي، خصوصاً أنني لا أستخدم مكبر صوت، حتى لا أزعج السكان». ويضيف بأسى: «الأخلاق لم تعد متوفرة مثلما كانت قديماً».
تغيُّر آخر يتمثل في حالة «الركود» التي يرصدها هاني، وكذلك بائع الخضروات شعبان رجب (30 عاماً) الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يبدأ عمله في الصباح بالتمركز في نقطة معينة، لكن مع تقدم اليوم، وركود البيع يتجول بحثاً عن الرزق».
وتواجه مصر أزمة اقتصادية منذ عام 2016، دفعت الحكومة إلى تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار أكثر من مرة، وكذلك اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي. وانعكس ذلك على مستوى معيشة الكثيرين وسط ارتفاع لنسبة التضخم، التي سجلت في مايو (أيار) الماضي، على مستوى سنوي 13.1 في المائة.
بائع الألبان هاني محمد خلال جولته بإحدى ضواحي الهرم (الشرق الأوسط)
ويقول بائع الألبان: «كنت أتجول ببضاعة 3 أضعاف الحالية، وتُباع في وقت أقل، الآن أحتاج إلى 6 ساعات حتى أتمكن من بيع بضاعتي رغم قلتها».
ويعدُّ فوزي أن «الباعة الجائلين ظاهرة تتجاوز الزمن»، إذ إنهم «موجودون منذ قرون، منذ كانوا ينادون (شكوكو بإزازة) فهؤلاء من أوائل الباعة الجائلين، كانوا يعدون لعبة بلاستيكية بسيطة على شكل الفنان الكوميدي محمود شكوكو (1912-1985)، حتى يشجعوا الأطفال على تقديم ما لديهم من زجاجات فارغة، تستخدم في عمليات إعادة التدوير».
ولا يبدي الباحث في الإنثروبولوجي وليد محمود التقدير ذاته لهم، إذ يذهب ذهنه إلى «باعة المترو ووسائل النقل» الذين وفق قوله «يبيعون بضائع غير مطابقة للمواصفات»، ويضيف: «بعضهم يمارس الشحاتة (التسول) تحت ستار البيع».
أما المتجولون في الأحياء الشعبية فيرى أنهم «يتهربون من الضرائب، ويزعجون السكان بنداءاتهم المتكررة»، على حد تعبيره.