«رمي عيني» معرض يحتفي بدور الرواد وجامعي الأعمال الفنية

60 عملاً تعزف على موضوعات ترتبط بالهوية والانتماء والحب

قاعة المرايا في العلا (الهيئة الملكية للعلا)
قاعة المرايا في العلا (الهيئة الملكية للعلا)
TT

«رمي عيني» معرض يحتفي بدور الرواد وجامعي الأعمال الفنية

قاعة المرايا في العلا (الهيئة الملكية للعلا)
قاعة المرايا في العلا (الهيئة الملكية للعلا)

لا تهدأ مدينة العلا من نشاطاتها المتنوعة، ولا من زوارها، هناك دائماً الجديد والممتع لكل زائر لتلك المدينة المدهشة بتاريخها وجمالها. وبينما تفتح أودية العلا ذراعيها لتحتضن أعمالاً فنية ضخمة لفنانين من أنحاء العالم ضمن معرض الفن المفتوح «ديزرت إكس العلا»، تقدم القاعة الأعجوبة «المرايا» معرضاً يتميز بطابع خاص يرتبط بالثقافة المحلية ونماذجها.

المعرض يحمل عنوان «رمي عيني» للفن المعاصر. في حديث خاطف مع الدكتورة عفت فدعق، القيّمة الفنية على المعرض، تشرح الفكرة الأساسية التي اعتمد عليها التنسيق الفني.

د.عفت فدعق القيّمة الفنية لمعرض «رمي عيني» (الهيئة الملكية للعلا)

المعرض الذي تقيمه «فنون العلا» يعلن عنه باعتباره معرضاً للفن المعاصر، وهنا تشرح الدكتورة فدعق ما يتضمنه هذا التصنيف. بالنسبة إليها تسمية الفن المعاصر بدأت منذ سنوات طويلة، وتحديداً في الستينات من القرن الماضي. تتحدث عن جيل الرواد من الفنانين السعوديين الذين سافروا للخارج لدراسة الفن العالمي، وعادوا للمملكة برؤى فنية مختلفة.

عمل من دون عنوان للفنان عبد الحليم رضوي (مجموعة خاصة)

لكن فكرة المعرض تعتمد أيضاً على دور جامعي الفنون في المملكة في تنمية وإثراء المشهد الفني. تعود بنا فدعق للمعرض السابق في قاعة مرايا، الذي أقيم تحت عنوان «ما يبقى في الأعماق»، وقدم أعمالاً من مجموعة المقتنية السعودية بسمة السليمان، وهنا تشير إلى نقطة أساسية: «أردت التفكير على نحو مختلف، واضعة في حسابي أننا لن نجد مجموعة ضخمة مثل مجموعة بسمة السليمان التي تضم عدداً هائلاً من الأعمال الفنية السعودية».

تستطرد قائلة: «وقتها واجهتنا اختلافات في تعريف هوية جامع الأعمال الفنية والتفريق بين شخص يهوى الفن، ويحب اقتناء أعمال بهدف واستراتيجية واضحة، وبين فنان يقتني أعمالاً مختلفة بحكم عمله». تبدت استراتيجية القيّمة الفنية في تحديد دورها كراوية لقصة الفن المعاصر في المملكة ودور جامعي الأعمال الفنية.

تشير إلى نقطة مهمة، وهي الاختلاف الذي يطرأ على العمل الفني، بمجرد أن يخرج من إستديو الفنان ليدخل في مجموعة فنية لها سرديتها الخاصة: «هنا تكتسب الأعمال طبقات مرتبطة بسردية مختلفة»، وبما أن لكل مقتنٍ رؤية خاصة لطبيعة الأعمال التي يضمّها لمجموعته، فإن ذلك أيضاً يُكسب العمل أبعاداً إضافية».

«كعبة الله العليا» للفنانة شادية عالم (مجموعة خاصة)

يحتفي المعرض أيضاً بأصحاب المجموعات الفنية الخاصة الذين قدّموا الدعم والرعاية لأعمال الفنانين عبر السنين مقدماً رؤية أوسع تتوجه نحو بناء المجموعات الفنية المؤسساتية، وهو ما سيقدمه متحف الفن المعاصر في العلا، وهو في طور الإنشاء حالياً.

ويسعى المتحف إلى لعب دور أساسي في منظومة جمع الأعمال الفنية في المملكة، فضلاً عن التعاون مع جامعي الأعمال الفنية من جميع أنحاء المملكة.

نعود للقطع المعروضة في «رمي عيني» وتصنيفاتها، هل هي أعمال معاصرة فقط أم أكثر؟ تجيب قائلة: «كان من الصعب العثور على جامع أعمال تقتصر مجموعته على الفن المعاصر، ولهذا قررت أن أذهب إلى البداية انطلاقاً من تعريف الفن المعاصر وبداياته في السعودية كما تمثلت في أعمال جيل الرواد».

مرحلة الستينات والسبعينات تحظى بمنزلة كبيرة هنا بوصفها الأساس والمقدمة التي تقودنا للوقت الحاضر. تضيف د. فدعق عنصراً آخر، وهو القصص المتشابهة بين أعمال نفذت في القرن الماضي مع أعمال تناولت ذات الموضوعات اليوم.

يتضح هنا مغزى عنوان العرض «رمي عيني» ليصبح بمعنى المساحة المحدودة لما يرى الشخص: «هنا نريد أن نرى ما هو أبعد من رمي العين». تعلق د. فدعق مشيرة إلى تأثرها بأبيات شعر لابن حزم والصنعاني عن الارتباط بالمكان والتعلق به بعد الرحيل عنه. بالنسبة إلى أقسام العرض تقول القيّمة إنه مقسم إلى 8 مساحات، لكنها ليست مرتبة زمنياً: «التسلسل هنا هو اجتماعي ونفسي».

عمل للفنان فهد الحجيلان (مجموعة خاصة)

المساحة الأولى تعرض أعمال رواد الفن السعودي بعد عودتهم من الدراسة في الخارج ورغبتهم في التعبير عن هويتهم. على الجانب الآخر، وفي مقابل أعمال عمرها أكثر من 50 عاماً يقدم العرض أعمالاً تتعامل مع الموضوعات نفسها، لكن برؤية معاصرة. منها على سبيل المثال عمل للفنانة الشابة علياء الأحمد (23 عاماً) يتعامل مع ذات الفكرة: «علياء سافرت إلى بريطانيا للدراسة، ووجدت نفسها ترسم ذكرياتها عن طفولتها في الرياض. الأعمال يمكن رؤيتها على أنها أشبه بالحلقات المرتبطة معاً بغضّ النظر عن الزمن».

«حروف من نور» للفنان مهند شونو (مجموعة خاصة)

بوجهٍ عام، يستكشف المعرض الروابط والتأثيرات والقصص المشتركة بين أجيال من الفنانين السعوديين، من خلال تقديم أعمال لعدد من رواد الفن السعودي، أمثال عبد الحليم رضوي ومحمد السليم ومنيرة موصلي، إلى جانب كوكبة من رواد الفن المعاصر في المملكة مثل أحمد ماطر ومهند شونو ودانا عورتاني.

تستكشف أجزاء العرض أيضاً موضوعات متنوعة مثل المفاهيم الشعرية للوطن والهوية والانتماء والحب والمشاركة الاجتماعية. الهوية والتعبير عنها هو الأهم هنا، تضرب القيّمة المثل بعمل للفنان أيمن يسري الفلسطيني الأصل الذي نشأ في السعودية، العمل المعروض له يتحدث عن ارتباطه بالبلد وتحديد هويته.

من ناحية أخرى، تشير إلى عمل الفنان أحمد ماطر عن الكاوبوي وعلاقته بالمشهد المحلي في مقابل التأثر بالتيارات الغربية، مَن الكاوبوي؟ وكيف صورة البدو؟ وما هو الارتباط بينهم؟ معرض «رمي عيني» يتزامن مع «مهرجان فنون العلا»، الذي يجري من 9 فبراير (شباط) إلى 2 مارس (آذار) المقبل.


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.