قصائد سعيد عقل... باقةٌ تُوقع في عطرها

أمسية غنائية في الذكرى العاشرة لغيابه بصوت كارلا رميا الدافئ

قصائد غنّتها رميا من كلمات أحد أعظم شعراء لبنان (الجهة المنظّمة)
قصائد غنّتها رميا من كلمات أحد أعظم شعراء لبنان (الجهة المنظّمة)
TT

قصائد سعيد عقل... باقةٌ تُوقع في عطرها

قصائد غنّتها رميا من كلمات أحد أعظم شعراء لبنان (الجهة المنظّمة)
قصائد غنّتها رميا من كلمات أحد أعظم شعراء لبنان (الجهة المنظّمة)

10 قصائد نحتها الشاعر اللبناني سعيد عقل، ولحَّن معظمها الأخوان رحباني بما يليق بحنجرة فيروز؛ استُعيدَت في الذكرى العاشرة لغيابه بصوت كارلا رميا. على مسرح «غولبنكيان» في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، ملأ المقاعد مَن سمّاهم مُنظّم الأمسية، الشاعر هنري زغيب، «الذوّاقة». الموسيقى المذهلة والشِعر الأسطوري، أتيا مكثّفَيْن بتقدير المغنّية لمنزلة الكلمة، وبوفاء الموسيقيين للنغم الخالد.

زاد لون الفستان النبيذي أناقة على إطلالة الفنانة اللبنانية الحائزة دبلوماً في الغناء الشرقي. تهامس حاضرون أنها تملك صوتاً يحلو انتظاره لقدرته على إتاحة المجال للعذوبة، وهو حين حُمِّل وزنَ القصائد ومسؤولية الألحان، أكد أنه بحجم الحِمْل. بجانبها المايسترو اللبناني أندريه الحاج يقود الفرقة الموسيقية. وإنْ اقتصرت على قلّة، فإنه يُخبر «الشرق الأوسط» عما يعنيه النوعُ أمام الكم، خصوصاً حين يخلُص إلى جمال النتيجة.

الفنانة اللبنانية الحائزة أستاذة الغناء الشرقي كارلا رميا (حسابها الشخصي)

10 قصائد غنّتها رميا، من كلمات أحد أعظم شعراء لبنان. 9 منها لحّنها الأخوان رحباني، وعاشرة من ألحان إياد كنعان. سمّاها هنري زغيب «باقة»، وتطلّع حوله في الوجوه وأشكال التفاعُل للتأكد من الوقوع في عطرها. كان له ما أراد، فالحضور صفّق وطُرِب، وردَّد القصائد بشغف التمسُّك بالنادر.

مرات سمعنا الأغنيات، منها «ردّني إلى بلادي» و«مشوار»، وسائر ما تردّد في الأمسية، لكنّ رميا تمنح إحساساً بالرغبة في سماعها بصوتها. امتاز كل شيء بالحميمية، وأصيب الحفل بلحظة التقاء الذروات. تصفها رميا بـ«اجتماع العناصر»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ اللحن العظيم والشِعر الخلّاق شكّلا مع صوتها والموسيقى بقيادة الحاج حالة من العَبَق الفني.

يكترثُ أندريه الحاج لـ«إبقاء الإرث حياً فنقدّر مكانة كبارنا» (حسابه الشخصي)

يصبح سعيد عقل المُتيّم بلبنان «شِلْح زنبق» يشاء أن يُكسر على ثرى بلاده. في القصيدة انعكاس لتجليات ولاء الشاعر لأرضه، حدّ الاستعداد للتكسّر على ترابه. امتدّ الغناء متّخذاً شكل التدفّق. وبينما عصا المايسترو تلوّح للنغمات، مرةً إلى اليمين ومرةً إلى اليسار، والوسط، مُرشدةً أنامل الموسيقيين نحو مسار النوتة الأجمل، عَبَرت 10 قصائد، بينها ما يضاعفه صوت فيروز عذوبةً: «أمي يا ملاكي يا حبي الباقي إلى الأبد».

وغنّت رميا «يارا الجدايلها شقر»، فسعيد عقل أراد من الشَعر أن يصنع أبهى الشِعر، متيحاً للعمر التأرجح على «الجدّولة»، و«كل نجمة تبوح بأسرارها»، وهو ينادي جميلته يارا.

رميا تمنح إحساساً بالرغبة في سماع القصائد بصوتها (الجهة المنظّمة)

أغنيتها الخاصة «لعبة»، ألّفها عقل ضمن ديوان «قصائد من دفترها»، ولحّنها إياد كنعان، أدّتها رميا بارتقاء طربي. الحبّ نفسه وزّعته بين أغنيتها الشخصية والأغنيات المستعارة، فغنّت كأنّ كلّ شيء لها، تماماً مثل العزف الذي ظلَّ حريصاً على ألا يغدر اللحنَ أو يباغته بأي نشاز.

ألقى هنري زغيب قصيدة «مشوار»، قبل أن تُجمّلها الألحان. مرات أصغينا إلى هذه التحفة «السعيد عقلية»، بلحن الأخوين وذهب فيروز، واستوقفنا الجمال المقيم في الشِعر وانسياب النغمات. صفّق الحضور لزغيب وهو ينثر الأغنية مجرّدة من الزوائد، فكانت شِعراً خالصاً من ثقيل العيارات. «وقالوا غمرني مرتين وشَدْ/ شوفوا الكذب لوين/ مرّة منيح... اتنين؟/ ولا ردّتو إيدي ولا هو ارتَدْ/ شو بيفضحوا أسرار»، مختومةً بعبرة الحياة: «مشوار جينا عالدني مشوار».

ليس على المرء أن يكون لبنانياً ليقدّر بأي عظمة نحت سعيد عقل أشعاره. باللهجة المحكية، نقلت رميا عن فيروز أغنية «بحبك ما بعرف»، والمايسترو الحاج في حالة انخطاف؛ يده وعصاها تخوضان غوصاً ما. وإن صعُب فكّ اللهجة لغير ممارسيها، فتفسيرُ «لأ دخلك هيأتي رح طير/ مرجحتني بقلبك/ اتركني بعد بكير/ تركني بحبك يا حلو بحبك»، مفادُه أنّ شيئاً لا يضاهي وَقْع الحب على المرء، بقدرته على الرَفْع وإحداث التحليق في عمق الظنّ أنّ الارتطام قدر العشاق.

المايسترو اللبناني أندريه الحاج يقود الفرقة الموسيقية (حسابه الشخصي)

شمل الغناء قصيدة «دقيت طلّ الورد عالشباك»، بجمالها وعبرة مقطعها الأخير «علّمتني حلوة الحلوين/ إنْ فلّيت اترك عطر بهالكون». وأمام حضور، بينهم رئيس الجامعة ميشال معوّض، ارتدى الختام طعم المسك، فقدّم ثلاثيّ الصوت والموسيقى والشِعر واحدة من أجمل ما كتب سعيد عقل، «قصيدة لبنان»؛ بديعة الأبيات، خصوصاً الطافح بالإقدام: «أهلي ويَغلُون، يغدو الموتُ لُعبتَهُم/ إذا تطلَّعَ صوبَ السَّفحِ عدوانُ».

يكترثُ أندريه الحاج لـ«إبقاء الإرث حياً، فنقدّر مكانة كبارنا»، يقول لـ«الشرق الأوسط». يضرب مثلاً بالمصريين: «يتمسّكون بعظمائهم، وليتنا نسلك مسارَهم». اتّسمت قيادته الفرقة بالشغف لأنها قصائد سعيد عقل وألحان الأخوين: «لم يمُت أساطير الموسيقى لأنّ أوركسترات عظيمة لا تزال تعزف مقطوعاتهم. لبنان صنعه كباره، وعلينا التعريف بهم. هذا واجبنا».

منذ شهرين، وهو يُحضِّر. انتقى موسيقيين محترفين، وأوكلهم عزف الألحان العبقرية. برأيه، «المسألة أيضاً متعلّقة بقيمة الصوت الذي يُغنّي». محق. كارلا رميا ملأت المسرح بصوتها الدافئ.

تُخبر أستاذة الغناء الشرقي، «الشرق الأوسط»، أنّ أداء القصائد هو المفضّل لديها: «كنتُ أمام نخبة ما كُتِب ولُحِّن. الشعِر إبداعي والموسيقى عظيمة، وأحسستُ بصدق التفاعل. هذا تكثيف لما أرغب في إعطائه». تغرف من إحساسها، فيحلو الإصغاء: «أغنّي من داخلي، وأدرك بُعد القصيدة وجمالية لوحاتها. أحفظُ الأصل وأجنّبه التشويه».


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
TT

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

أبدى المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان سعادته بردود الفعل التي لمسها لدى عرض فيلمه الجديد «ثقوب» في افتتاح مسابقة «آفاق عربية» ضمن فعاليات الدورة 45 من مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي»، مؤكداً أنه لم يتوقَّع اختياره للافتتاح.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه حاول خلال الأحداث التعبير عن فكرة «العنف المكبوت» التي تُرعبه، بكونها الأساس الذي يُنتج الإرهابيين، مشيراً إلى قناعته بأنّ الإرهاب ليس مجرّد خيار أو فعل، وإنما حالة داخلية متأصّلة تنبع من أعماق الفرد.

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة بعدما تغيَّرت أفكاره. لكن حياته على المستوى المادي لم تكن الأفضل في ظلّ معاناته الضيق، وعمله في ورشة إصلاح سيارات بجانب إشرافه على بعض أعمال المقاولات.

ورأى الضبعان أنّ المشاركة في المهرجانات السينمائية تمنح الفيلم فرصة أكبر للوصول إلى جمهور أوسع قد لا يشاهده حين يُطرح في دُور العرض المحلّية، بالإضافة إلى أنها تساعد العمل على تحقيق «سمعة أفضل»، مشيراً إلى أنّ تجاربه السابقة التي عُرضت في مهرجانات كانت إيجابية رغم اختلاف المهرجانات التي شارك فيها كل عمل.

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان يتطلّع لأفكار مختلفة (القاهرة السينمائي)

وعن أبطال الفيلم، أوضح أنّ «اختيار مشعل المطيري لدور البطل جاء مناسباً مع طبيعته بوصفه فناناً مثقّفاً، يتمتّع بوعي عميق حيال الفنّ ورسالته، وقد فرض نفسه على الدور منذ كتابته».

ووصف التعاون بينهما بـ«الممتع»، فالمطيري «يقدّم الدور كما يريد المخرج عندما يثق في رؤيته الفنّية؛ الأمر الذي سهَّل عليَّ كثيراً خلال التحضيرات، في ظلّ مناقشات مستفيضة بيننا حول الشخصية والتفاصيل قبل التصوير».

وأضاف: «الفيلم كان مليئاً بالصعوبات خلال التحضير والتصوير. لكن الأصعب ارتبط بميزانيته المُحدَّدة قبل 3 سنوات من بدء المشروع، أي قبل الجائحة. وبعد انتهائها واستئناف التصوير، واجهنا صعوبات أخرى مرتبطة بارتفاع الأسعار وتغيُّر تكلفة جوانب ضرورية لخروج الفيلم إلى النور».

وردّاً على انتقادات واجهت الفيلم لاستخدامه الرمزية في بعض المَشاهد، ثم إعادتها بالحوار بين الأبطال ضمن الأحداث، أكد المخرج السعودي أنّ «السينما تُوفّر أدوات عدّة لتقديم المضمون الذي يُريده المبدع، ولا يروقني شرح الفكرة»، مشيراً إلى أنّ المونتاج يمنحه، بوصفه مخرجاً، فرصة لإعادة اكتشاف الفيلم والثغرات والمَشاهد غير المفهومة.

فيلم «ثقوب» يتناول ظاهرة العنف المكبوت (القاهرة السينمائي)

وأوضح أنه بمجرّد شعوره بتكرار يتعلّق بالرسالة، سيتراجع على الفور، مؤكداً حرصه على الإخلاص للفكرة التي يقدّمها، وقناعته بأنه ينبغي تقديمها بصورة يعتقد أنها الأفضل.

وعن اختيار الأفكار، أكد بحثه عن أفلام تحتوي أفكاراً وعناصر غير مألوفة لتقديمها في تجاربه الجديدة. فهو لا يتعجَّل بخطوته السينمائية التالية بعد «ثقوب»، ويقول: «سأتابع عروض الفيلم في الفترة المقبلة والانطباعات حوله»، لافتاً إلى أنه سيرغب لاحقاً في الحصول على «فترة من التأمل»، والبحث عن مشروعات سينمائية تتناسب والتطوّرات، بجانب عمله على مشروعات لأعمال درامية.