فاجعة وائل الدحدوح تثير تعاطفاً واسعاً

فقد ابناً ثانياً خلال القصف الإسرائيلي على غزة

الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح لحظة وداع نجله حمزة (رويترز)
الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح لحظة وداع نجله حمزة (رويترز)
TT

فاجعة وائل الدحدوح تثير تعاطفاً واسعاً

الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح لحظة وداع نجله حمزة (رويترز)
الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح لحظة وداع نجله حمزة (رويترز)

في الوقت الذي اعتاد فيه الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح نقل معاناة سكان غزة إلى العالم خلال السنوات الماضية، فإن الفواجع التي لحقت به توالياً حولت حياته إلى مادة إعلامية مثيرة للتعاطف في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع المنكوب.

وأفادت شبكة «الجزيرة» الفضائية القطرية، الأحد، بمقتل الصحافي حمزة الدحدوح نجل مراسل القناة في قطاع غزة، وائل الدحدوح في قصف من مسيّرة إسرائيلية جنوب قطاع غزة، وذلك بعد أسابيع من مقتل عدد من أفراد عائلته، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته وحفيده.

وكان حمزة الدحدوح قد كتب قبل مقتله بساعات عبر حسابه على منصة «إكس» موجهاً حديثه لوالده: «إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء، ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيراً لما صبرت».

وظهر الدحدوح في موقف مؤثر وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على نجله حمزة، حيث ظل يقبل يد نجله «البكري» مرات عدة، وهو يبكي بحرقة، لكنه ظهر بعد تشييع نجله بدقائق ووقف أمام الكاميرا وقال إننا «ماضون رغم الحزن والفقد، باقون على العهد في هذه الطريق التي اخترناها طواعية، وسقيناها بالدماء».

مضيفاً: «إن الإنسان يحزن ويتألم للفقد فكيف إذا كان الولد البكر؟»، وأشار إلى أن «نجله حمزة كان كل شيء بالنسبة له»، وأن هذه «دموع الحزن والفراق وليست دموع الخوف والجزع، دموع الإنسانية التي تفرقنا عن أعدائنا، نرجو أن يرضى الله عنا ويكتبنا مع الصابرين».

الدحدوح يودع نجله حمزة (د.ب.أ)

وأوضح وائل الذي تحول إلى أيقونة تحظى بتعاطف وحب كبيرين عربياً وعالمياً أن «هذه الحال هي واقع الفلسطينيين الذين يودعون أحباءهم»، مناشداً العالم لينظر إلى ما يحدث في قطاع غزة، وما يتعرض له الناس والصحافيون هناك، مطالباً العالم بأن يضع حداً لهذه المجزرة قائلاً: «أتمنى أن تكون دماء ابني حمزة آخر الدماء من بين الصحافيين والناس في القطاع».

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن قتل الصحافيين حمزة وائل الدحدوح ومصطفى ثريا يرفع عدد الصحافيين القتلى بغزة إلى 109 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، الدحدوح الذي اعتاد الجمهور رؤيته بالآونة الأخيرة وهو يودع أحباءه، كان قد ظهر قبل 3 أسابيع وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمان رفيق دربه سامر أبو دقة مصور شبكة «الجزيرة»، الذي قُتل في قصف إسرائيلي بعدما ظل ينزف ساعات، بينما نجا الدحدوح، وتعرض لإصابات بقي أثرها واضحاً على يده.

وباتت كلمة الدحدوح الشهيرة «معلش» التي قالها إثر مقتل عدد من أفراد أسرته في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، علامة مسجلة باسمه أخيراً، على غرار منشور زميلته شيرين أبو عاقلة التي قُتلت في شهر مايو (أيار) من عام 2022 بالضفة الغربية: «بدها طول نفس... خلي المعنويات عالية»، والذي أصبح جملة أيقونية تحفز الفلسطينيين على الصمود.

واستعان متابعون بمقولة الإمام علي بن أبي طالب الشهيرة عن الصبر لدعم الدحدوح: «سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري، سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر».

وكانت صحيفة «لوموند» الفرنسية قد ذكرت في تقرير لها نهاية شهر أكتوبر من العام الماضي، أن وجه وائل الدحدوح صار معروفاً لدى المشاهدين بإطلالاته الكثيرة على قناة «الجزيرة».

وقالت «لوموند» إن مساء 25 أكتوبر 2022 الذي تلقى فيه الإعلامي الفلسطيني نبأ مقتل أفراد من عائلته وهو على الهواء غيَّر حياته.

وخطف الدحدوح اهتمام وتعاطف الجماهير العربية خلال تلك الواقعة عندما اقترب من جثمان ابنه محمود الملفوف بكفن أبيض والبالغ من العمر (16 عاماً)، ثم وهو يضم شام، ابنته الصغيرة ذات الستة أعوام، وحفيده الرضيع آدم الذي قُتل وهو ابن 45 يوماً فقط.

وتصدر هاشتاغ يحمل اسم وائل الدحدوح تريند موقع «إكس» في مصر، وكثير من الدول العربية، الأحد، إذ أعرب كثيرون عن تعاطفهم البالغ مع الإعلامي الفلسطيني، وكتب صاحب حساب على «إكس» يحمل اسم «ياسر»: «يودع ابنه ويحتضن ابنته ويتذكر زوجته وأبناءه الشهداء... هذا الحزن أكبر من أن يتحمله قلب شخص واحد».

ونشرت صفحة تحمل اسم «القدس ينتفض» مقطع فيديو قصيراً ظهرت فيه «نجلة الدحدوح وهي تحتضنه وتقول له وهي تبكي: «أمانة ظل لنا يابا... يابا ملناش حد غيرك». ونشرت صفحة «ضاد» منشوراً قالت فيه: «وائل الدحدوح هو غزة في هيئة إنسان».

الدحدوح مع أفراد من عائلته (د.ب.أ)

ونشرت الفنانة الأردنية فيدرا عبر حسابها على «إكس» مقطع فيديو لوائل وهو يرثي نجله الأكبر وهو يقول: «أشهد الله أن ابني البكري حمزة كان من البارين، وكان شهماً كريماً معطاءً، وكان حنوناً».

وعلق صاحب حساب يدعى «عثمان الثويني» على واقعة مقتل نجل الإعلامي الفلسطيني قائلاً: «أنت في الإنسانية وزن الشعر وقافيته، وأنت في الصحافة مبتدأها وخبرها، وأنت في غزة ماضيها وحاضرها ومستقبلها».

ونشر الفنان المصري أكرم حسني صورة الصحافي وائل الدحدوح عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام»، وعلق عليها قائلاً: «لا توجد كلمات توفي حقك وجهادك... ربنا يصبرك ويربط على قلبك».

بينما كتبت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي عبر حسابها على «إكس»: «منذ الأزل يبحث الشعب الفلسطيني عن رموز يلتف حولها، عن قدوة لا تباع ولا تُشترى يسير خلفها، عن حنجرة صادقة تدافع عنه لأنّها تقاسمه قدره من ساحات الحرب، لا من قاعات المؤتمرات، لم يختر الدحدوح أن يكون تلك الأيقونة. هو الصحافي الأعزل رفعته الفواجع إلى قامة أمّة، وفقداً بعد آخر غدا رمز الصبر لشعب بأكمله. الرجل الجبّار لفرط ضعفه الإنساني، اعتاد أن يتحدّى العدو بإخفاء دمعه. حتماً سيبكي هذا المساء في عزلته، أمّا الكاميرات فقد اعتاد أن يصوّر بها مآسي غيره».

مضيفة أن الدحدوح «دعس على قلبه الأبويّ، ووقف صامداً كجبل أمام الموت، وهو يخطف هذه المرة ابنه البكر، الذي أورثه لعنة الصحافة في زمن المذابح الفلسطينية. بيد مضمّدة وذراع مكسورة اخترقها الرصاص، أمسك وائل بيد ابنه الشهيد وقبّلها مراراً، فيده هي ما نجا من جسد شوّهه الحريق، سلام ليدين صامدتين تناوبتا على حمل رسالة الحقيقة حدّ الموت».


مقالات ذات صلة

مقتل 4 منهم عاملان في «وورلد سنترال كيتشن» بقصف إسرائيلي على غزة

المشرق العربي امرأة فلسطينية تحمل أمتعتها بالقرب من أنقاض مبنى مدمر في مخيم النصيرات للاجئين في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في المخيم (إ.ب.أ)

مقتل 4 منهم عاملان في «وورلد سنترال كيتشن» بقصف إسرائيلي على غزة

أفاد وسائل إعلام فلسطينية بمقتل أربعة أشخاص منهم عاملان بمنظمة «وورلد سنترال كيتشن» في قصف إسرائيلي على سيارة تابعة للمنظمة في خان يونس بجنوب قطاع غزة

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

قال مسعفون إن ما لا يقل عن 40 فلسطينياً لقوا حتفهم في ضربات للجيش الإسرائيلي في غزة، في حين تلقت جهود إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة دفعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون أواني معدنية انتظاراً لتلقي الطعام من خان يونس (إ.ب.أ) play-circle 01:35

«أطباء بلا حدود»: المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وصلت لأدنى مستوياتها منذ أشهر

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم (الجمعة)، من تراجع وتيرة دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي طائرة تقلع من مطار بيروت يوم 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

شركات طيران تعلق رحلاتها للشرق الأوسط مع تفاقم التوتر

دفعت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط شركات طيران عالمية إلى تعليق رحلاتها إلى المنطقة أو تجنب المجالات الجوية التي تنطوي على مخاطر.

المشرق العربي إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

مصر تحشد دولياً لمؤتمر «مساعدات غزة»

جددت القاهرة، الجمعة، تأكيدها ضرورة «وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية».

أحمد إمبابي (القاهرة)

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».