أطباق غزّة التقليديّة... بعيون الشيف سلام دقّاق ودموعها

مؤسِسة «بيت مريم» تحيي المطبخ الفلسطيني كي لا يُسرَق أو يندثر

الشيف سلام دقّاق الحائزة جائزة ميشلان ولقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 (صور دقّاق)
الشيف سلام دقّاق الحائزة جائزة ميشلان ولقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 (صور دقّاق)
TT

أطباق غزّة التقليديّة... بعيون الشيف سلام دقّاق ودموعها

الشيف سلام دقّاق الحائزة جائزة ميشلان ولقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 (صور دقّاق)
الشيف سلام دقّاق الحائزة جائزة ميشلان ولقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 (صور دقّاق)

في غزّة مجاعةٌ تلوح في الأفق المسدود؛ بساتين الزيتون أُحرقت، الثروة السمكيّة محاصَرة وقوارب الصيّادين مشلّعة، أما آخر أفران القطاع فبلا طحين.

في مطبخ «بيت مريم» في دبي، يُطهى الطعام على نارٍ هادئة، فالشيف سلام دقّاق تحبّ أن «تدلّل طبخها»، كما أوصتها والدتها مريم، ابنة بلدة ترشيحا الفلسطينية.

الكبّة اللبنيّة من تحضير الشيف سلام دقّاق (صور دقّاق)

خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، غالباً ما امتزجت دموع الشيف سلام بمكوّنات الطعام. «إذا بطبخ بدمّع، إذا باكل بغصّ»، هكذا تواكب الطاهية الفلسطينية الأردنية الحربَ على غزة كما تروي لـ«الشرق الأوسط». لكنها في المقابل، تحاول الصمود «لأن غزة وفلسطين بحاجة لصوتنا أكثر من أي وقت».

مطبخ غزّة باقٍ رغم التجويع

تقول سلام دقّاق الحائزة نجمة «ميشلان» العالمية وعلى لقب أفضل طاهية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2022، إنها رغم الوجع، ستواصل تحضير الطعام الفلسطيني والكلام عنه على مسامع العالم.

تحاول دقّاق الصمود رغم الألم «لأن غزة بحاجة لصوتنا» (صور دقّاق)

قد يكون من الصعب التصديق أن غزّة الجائعة اليوم، اشتُهرت في وقتٍ مضى بموائدها العامرة وبأبواب بيوتها المشرّعة للزوّار. «أهل غزة مضيافين. ممنوع تطلعي من عندهم من غير ما تاكلي»، تروي سلام دقّاق.

وسط المأساة الحاصلة، يُخشى على تلك التقاليد وعلى تراث غزّة المطبخيّ من أن تُدفنَ هي الأخرى تحت الركام. لكنّ الشيف سلام تبدو واثقة من أنّ ذلك لن يحصل، وهي هنا لتشهد بأن المطبخ الفلسطيني باقٍ، رغم إتلاف الأراضي الزراعية، وإحراق شجر الزيتون، وتجويع الكبار والصغار.

طبق الهندباء على طريقة الشيف سلام دقّاق (صور دقّاق)

لا تكتفي بقصة نجاح مطعمها المتواصلة منذ 7 سنوات، بل هي تحاول توظيفها في خدمة وطنها؛ «الطعام الفلسطيني قضيّة بحدّ ذاته، وبه نواجه أقوى ثقافات العالم. كما أنه رابطٌ روحيّ بين أهل البلاد أينما حلّوا، والآن أكثر من أي وقت نشعر بمتانة هذا الرابط». وما الالتفاف الفلسطيني والعربي حولها وحول «بيت مريم» في الآونة الأخيرة، سوى دليل على ذلك.

تؤمن الشيف سلام، ومثلُها طبّاخون فلسطينيون كثُر، بأنه ما دام هناك مَن يتحدّث عن مطبخ غزة ويحييه كلاماً وطهواً، فإنه لن يموت. وهي، إلى جانب تنظيمها أسبوعاً من الطهو ذهب ريع مبيعاته كاملاً إلى أهل غزّة، تحرص على أن تُضمّن قائمة أطباقها اليوميّة مأكولاتٍ غزّاويّة تقليديّة.

الشيف سلام دقّاق في مطعم «بيت مريم» الذي أسسته في دبي منذ 7 أعوام (إنستغرام)

لا تخشى على هذا الإرث من الاندثار بفعل الحرب، بقدر خشيتها عليه من السرقة بفعل تشويه الهويّة الفلسطينية. «فالعدوّ ينسب إليه الكثير من الأطباق الفلسطينية ويغيّر معالمها. لذلك أنا مصرّة على الحفاظ عليه والكلام عنه».

السمّاقيّة والرمّانيّة

منذ اندلاع الحرب، امتنعت، وهي الناشطة جداً على وسائل التواصل الاجتماعي، عن نشر أي محتوى له علاقة بالطعام. إلا أنها كسرت صمتها هذا لتشارك متابعيها وصفتَي «فطاير الزعتر» و«السمّاقيّة»، في تحيّة منها إلى غزة. تفصّل مكوّنات هذا الطبق الغزّاويّ فتعدّد اللحم، والسلق، والسمّاق مطحوناً ومعصوراً، وزيت الزيتون، والبصل، والثوم، والفلفل الحارّ، والطحين، والحمّص، والطحينة الحمراء. ثم توضح دقّاق أن هذا الطبق يُطبخ في قِدر كبيرة ويوزَّع على أهل الحارة جميعاً في الأفراح، «فأهل غزّة معروفون بمطبخهم الكريم والشعبيّ».

من بين الأطباق الغزّاويّة المعروفة، «الرمّانيّة» التي اعتاد أهل القطاع أن يحضّروها خلال موسم الرمّان. فيها إلى جانب الرمّان حَباً وعصيراً، العدس، والطحينة، والباذنجان، والثوم، والفلفل الحارّ.

الرمّانية، من بين أشهر الأطباق التقليدية في غزة (إنستغرام)

تُضاف إلى لائحة الطعام الغزاويّ التقليدي، «القدرة» وهي طبق مكوّن من اللحم والأرزّ المطبوخَين مع السمن وأصناف متنوّعة من البهارات. ومن الأكلات المعروفة كذلك، «الزبديّة الغزّاويّة»، وهي عبارة عن طبق من الفخّار يُقدّم فيه القريدس (الجمبري) المطبوخ مع زيت الزيتون، والثوم، والفلفل الحارّ، والطماطم. أما في أيام الشتاء القارس، فاعتاد الغزّيون أن يعدّوا «فخّارة العدس»، وهو العدس المطبوخ على نار هادئة، والمُطيَّب بالفلفل الأحمر، والشبت (الشمرة)، والثوم، والكمّون.

وكما تشير أسماء الأطباق، فإنّ الأواني التي تُطهى وتقدَّم فيها مصنوعة من طين غزّة وتراب أرضها، كالقِدرة والفخّارة والزبديّة.

القدرة الغزّاوية المكوّنة من الأرزّ واللحم والسمن (إنستغرام)

جارة مصر والبحر

تشرح الشيف سلام دقّاق أن مطبخ غزّة متأثّر بموقعها الجغرافي المحاذي لمصر، وهذا ما يفسّر النكهة المصريّة الحاضرة بقوّة في الأطباق الغزّاويّة، كالفلفل الحارّ (الشطّة)، والطماطم، والشبت، والثوم المقلي. وتضيف أن اللحم عنصر أساسيّ في المطبخ الغزّاوي، وكذلك السمك بما أن غزّة جارة البحر ومعظم أهلها صيّادون. أما البصمة الخاصة فهي الطحينة الحمراء المصنوعة من حبوب السمسم المحمّصة على النار. ولزيت الزيتون خصوصيّته كذلك، إذ يحلف الغزّيّون باسمِه، مثلهم مثل سائر أهل فلسطين ولبنان والأردن.

بين الشيف سلام وزيت الزيتون حكاية، فهي تكشف أنها تستعمله بديلاً عن الكريمات فتدهن وجهها ويدَيها به. تسافر بها رائحته إلى «البلاد» التي لم تزُرها منذ أكثر من سنة. «صحيح أن إقامتي لم تكن في فلسطين، بل بين الأردن والسعودية والإمارات، لكني أحرص على زيارتها دَورياً. وبناءً على وصيّة أمّي، أول محطة لي هناك تكون دائماً قريتنا ترشيحا».

زيت الزيتون زينة مائدة الشيف سلام وموائد أهل فلسطين (إنستغرام)

الشيف سلام دقّاق التي انتقل إليها الشغف بالطبخ من والدتها مريم في سن الـ11، حقّقت حلمها منذ 7 سنوات وافتتحت المطعم إحياءً لذكراها وتحيّةً لروحها. تتحدّث عن «بيت مريم» قائلةً: «لم يكن هدفي الربح المادي، بل أردتُ مكاناً يشبهني في الغربة».

أما زوّار المكان فلا يجدون فيه صحناً ساخناً من الطعام فحسب، بل حضناً دافئاً يذكّرهم بأحضان أمّهاتهم. «كل حدا مشتاق لأهلو لمّا ييجي لهون بيحسّ بالأمان والألفة»، تقول سلام. هي كذلك وجدت في «بيت مريم» وطنها البديل، بعيداً عن وطنٍ شحّت في قطاعه المدمّر آخر قطرات زيت الزيتون، واختنق السمك في بحره، ودخلت مواسم الرمّان والسمّاق فيه حداداً طويلاً.


مقالات ذات صلة

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

يوميات الشرق تشبه موضوعاتها المكان وناسه وترسم مواسم الزيتون (آية دبس)

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

الوفاء للمكان جعل تناوُل إشكالية النزوح الطارئة جراء الحرب، مُلحَّاً. وها هي تحضُر في رسومها، كأنها تتدفّق لتشغل المساحة بمظاهر هذا التدفُّق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

نتنياهو يرفع مكافأة معلومات الرهائن إلى 5 ملايين شيقل مع ضمان الخروج الآمن من غزة

أعلن بنيامين نتنياهو رفع قيمة المكافأة المخصصة لتقديم معلومات موثوق بها بشأن مكانهم إلى 5 ملايين شيقل (1300 ألف) لكل رهينة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي فلسطينيون يجلسون بجوار أنقاض المنازل المدمرة في الهجوم الإسرائيلي على خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

داعية معروف في غزة يتساءل عن الضرر الذي أحدثه هجوم 7 أكتوبر

أثار هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 الذي أشعل فتيل الحرب في قطاع غزة، جدلاً بين رجال الدين الفلسطينيين في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية عند الحدود مع قطاع غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وجندي في اشتباكات بشمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، مقتل ضابط وجندي، وإصابة ثالث بجروح خطيرة في اشتباكات بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:33

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ ضربات على «أهداف إرهابية» في غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه نفذ ضربات عدة على «أهداف إرهابية» في منطقة بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.