اقتفاء سيرة الأغنية المصرية من «الطقطوقة» وحتى «المهرجانات»

عبر رحلة بحثية تقودها المطربة والباحثة فيروز كراوية

فيروز كراوية (الشرق الأوسط)
فيروز كراوية (الشرق الأوسط)
TT

اقتفاء سيرة الأغنية المصرية من «الطقطوقة» وحتى «المهرجانات»

فيروز كراوية (الشرق الأوسط)
فيروز كراوية (الشرق الأوسط)

لم يرتبط اسم الفنانة المصرية فيروز كراوية بممارسة الغناء فقط، بل هي تُبدي شغفاً مُتواصلاً بالدراسة الثقافية للموسيقى منذ سنوات، فبعد دراستها للطب، اتجهت للدراسة في معهد الموسيقى العربية وحصلت على دبلومة في العزف على آلة العود والغناء، وشاركت في العديد من الفعاليات الفنية، كما ظهرت بصوتها سينمائياً عبر أغنيتها «قبل الأوان» في فيلم «أسرار البنات» للمخرج مجدي أحمد علي، وهي تحضّر حالياً رسالتها للدكتوراه في الدراسات الثقافية بجامعة «السوربون» بباريس.

وأخيراً، حقق كتابها «كل ده كان ليه؟- سردية نقدية عن الأغنية والصدارة»، عن دار «ديوان» في مصر، صدى واسعاً بين القراء والنقاد، حتى وصّوله للقائمة الطويلة لجائزة «الشيخ زايد» للكتاب لهذه الدورة، ويبدو عنوان الكتاب استلهاماً من الأغنية الشهيرة لمحمد عبد الوهاب، إلا أنه سرعان ما ينقلنا إلى رحلة بحثية طويلة تقتفي بها كراوية رحلة الأغنية المصرية من نهايات القرن 19، مروراً بالمسرح الغنائي والقوالب الجديدة التي قدمها عبد الوهاب والقصبجي ومُلحنّي أم كلثوم، ومن ثمّ السينما، والإذاعة، والفيديو كليب، وصعود الأغاني الشعبية أمام جيل الشباب الذي صنعه حميد الشاعري أو الذين صنعوا أنفسهم مثل عمرو دياب، وصولاً لقوالب الراب والمهرجانات مع القرن الحالي.

فيروز كراوية (الشرق الأوسط)

تقول فيروز: إنّ «عملي بالغناء كان دافعاً رئيسياً للكتابة في النقد الموسيقي، لأنها كانت محاولة موازية لفهم ما أواجهه عملياً من صعوبات أو أسئلة غير مُجاب عنها. كنت ألاحظ دائماً فيما أقرأ من نقد موسيقي ابتعاده عن ملامسة المهنة وعالم الاحتراف ومتناقضاته. عادة ما تُبنى توقعات الناقد وملاحظاته على الناتج النهائي الذي يميل لتقييمه بعلامات سلبية وإيجابية تتناسب كذلك مع علاقات القوى السائدة، مثل درجة الشهرة والنجومية التي تفرض معيارية مثالية يعتمدها النقاد. فإن عملي وسط ظروف متغيرة ساعدني أن أنظر للمجال الغنائي بتعددية المشاهد فيه، والعوامل المتغيرة التي تنتج الصورة النهائية التي تصل للمستمع».

تُعدُّ فيروز كراوية الفنون الجماهيرية، والغناء على رأسها، شديدة التماس مع المجتمع وثقافته، وهما دوماً في حالة حراك «كل ما يظهر في الناتج الغنائي من ألفاظ ودلالات وتقنيات صوتية أو موسيقية يمكن أن يعطي صورة عن هذا الحراك في لحظة معينة، وهو أيضاً نتاج له. نميل عادةً لتخيل عملية الإنتاج الفني منزوعة من سياقها الثقافي، ونردها لفكرة رمزية عن الموهبة والتجلي والإلهام. لكن في رأيي أن العاملين لا يمكن أن ينفصلا» كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

غلاف كتاب «كل ده كان ليه؟» (دار ديوان للنشر)

يتوقف الكتاب عند مدى تأثير محمد عبد الوهاب في الأغنية السينمائية، وإدخال الألبوم الغنائي داخل الفيلم الواحد، تقول: «عبد الوهاب وأم كلثوم علامتان رئيسيتان على تحوّل حالة الغناء في عصر الوسائط الجماهيرية، التي تنقل الإنتاج الفني لجماهير كبيرة مثل السينما والراديو. هذا الانتقال من الفن الذي يسعى الجمهور لحضوره - جسدياً - أو اقتنائه عبر شراء الأسطوانات، للفن الذي يبث على نطاقات أوسع وجماهير لا تتمتع بوضع نخبوي أو قدرة اقتصادية عالية. من ثم، تحوّل الرمزان وغيرهما من الفنانين لحالة النجومية الفردية والغناء الذي يصبح المطرب مركزه لأن تلك النجومية، وهي اصطلاح سينمائي ظهر في هوليوود للمرة الأولى، تُمكّن شركات الإنتاج من استثمارها في الدعاية وصناعة الأخبار الصحافية والاحتفاء بالنجاحات الاقتصادية التي يحققها الفيلم أو الحفل الغنائي».

أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب (أرشيفية)

وترى أن عبد الوهاب استطاع عبر أغنية «انت عمري»، 1964، أن يستوعب السياق الغنائي، الذي كانت تريد أم كلثوم تطويره «في تلك الفترة كانت نجومية جيل من المطربات الشابات مثل ليلى مراد (قبل توقفها) وشادية، وصباح، ونور الهدى، وهدى سلطان وغيرهن قد صنعت صورة منافسة للطابع الغنائي الكلثومي عبر الأفلام الغنائية».

يمُر الكتاب على تزامن طفرات الغناء الجماعي مع تحوّلات سياسية كبيرة، كما في ازدهار المسرح الغنائي بعد ثورة 1919 وتعاظم طموحات المصريين للاستقلال وترسيم هوية وطنية حديثة، تشير بقولها: «رأينا ما بعد هزيمة 1967 وفي فترة السبعينات، مشروعات موسيقية تبحث عن تجديد في أسلوب تقديم الغناء وتعمل جماعياً، مثل حالة فرق (المصريين)، و(طيبة)، و(الفور إم)، ثم (الأصدقاء)، عند انزواء هذه المشروعات نتيجة تضييق سياسي أو عدم قدرة اقتصادية على الاستمرار، ويأتي المطرب الفرد ليستفيد من نتاجات حالتها الموسيقية ويستوعبها، حدث هذا في حالة محمد منير الذي سبقه للمحاولة فنانون مثل علي كوبان وبحر أبو جريشة، وكذلك في حالة عمرو دياب وحميد الشاعري. النجوم الثلاثة هم بصورة ما نموذجاً لهذا الاستيعاب بصور واتجاهات مختلفة».

محمد منير (حسابه على «فيسبوك»)

ويحمل الكتاب فصلاً كاملاً بعنوان «ما قبل حميد الشاعري يختلف عما بعده»، تُعلق عليه فيروز بقولها: «المقصود هو الإشارة لعصرٍ كاملٍ، وليس حميد الشاعري فناناً فرداً، والعصر هنا هو عصر صعود البوب التجاري بالمعنى المضموني والاقتصادي أيضاً. قرأ حميد الشاعري هذا التحوّل بعد تقلص تجربة الفِرق الجماعية، واعتمد التبسيط الأسلوبي في التلحين والتوزيع الموسيقي لدرجة كبيرة سيطرت على السوق التجارية لغناء الطبقات المتوسطة لعقد كامل تقريباً. والهدف هنا كان التوجه لجيل الشباب عبر أقصر الطرق والقطع مع العالم الغنائي السبعيناتي وما سبقه من تراث، شكلاً ومضموناً وإنتاجاً».

ويستفيض الكتاب في تأمل تجربة عمرو دياب بداية من إدراكه لتغيرات السوق، وحتى طبيعة صوته الإيقاعية، وتقول: «هو حالة فريدة في استمرارية التواصل مع روح العصر لعقود طويلة»، وتتابع: «بهذا المعنى هو ظاهرة اجتماعية بقدر ما هو ظاهرة فنية، يمكن للمتأمل أن يتناولها من زوايا عدة، مثلاً توازيه مع العولمة الجغرافية وزيادة الجاليات العربية خارج المنطقة، وخطابات النجاح الفردي والتنمية البشرية، والتركيز على المواكبة التقنية لأكبر نجوم البوب في العالم».

عمرو دياب خلال إحدى حفلاته (حسابه على «فيسبوك»)

وعرجّت فيروز كراوية في الكتاب على الأغنية المُصوّرة، وتوقفت عند تجربة نادين لبكي في رسم ملامحها عبر ما وصفتها بـ«الصورة الشعبية» في عصر البوب، وتقول: «ربطت لبكي الفيديو الغنائي بعالم الفيلم السينمائي وحشدت رمزيات متنوعة محلية وعالمية، لذلك يمكن وصف أسلوبها بصناعة كولاج عابر لزمنه المعاصر، يفرد مساحة لصور نوستالجية ويحاكي أزمنة متداخلة، وأعتقد أن ارتكانها لصور عن الفتاة الشعبية في بعض الفيديوهات كان أحد أساليب هذه المحاكاة النوستالجية، مثل حالة نانسي عجرم في أغنيتي (أخاصمك آه) و(آه ونص)».

ترى صاحبة الكتاب أن الأغنية في عصرنا أحد أوجه الصناعات الإبداعية بالمعنى الذي فرضته منصات «الستريمينغ» وشبكات التواصل الاجتماعي: «أصبحت الموسيقى تتسابق على لفت انتباهه من بين منتجات لا نهائية مثل الألعاب، وتطبيقات الفيديو، وإبداع المستهلكين أنفسهم، الذي لا يكفّ عن ابتكار الترندات، ما نسميه (اقتصاد الانتباه) فتح الباب لتباديل وتوافيق لا نهائية بين الأشكال الفنية».


مقالات ذات صلة

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

الوتر السادس المخرج بول عقيقي لوّن مشاهد الكليب بسيارة «فولكسفاغن» قديمة صفراء (باسكال مشعلاني)

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

«ما حبيتش» هي الأغنية التي أصدرتها أخيراً الفنانة باسكال مشعلاني، وقد لوّنتها بلمسة تونسية تجيدها. فهي تعود للملحن والمغني التونسي علي الرياحي.

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس وائل الفشني خلال مشاركته في احتفالية «100 سنة غنا» (دار الأوبرا المصرية)

وائل الفشني: الكلمة الجذابة تحسم اختياراتي الغنائية

أكد الفنان المصري وائل الفشني الذي اشتهر بتقديم الابتهالات الدينية والشعر الصوفي أن هذا اللون الغنائي له جمهور عريض في الوطن العربي

داليا ماهر (القاهرة)
الوتر السادس الفنان مصطفى قمر طرح أخيراً أغنية منفردة بعنوان «صناعة مصرية» (حسابه على «فيسبوك»)

هل اكتفى نجوم التسعينات في مصر بطرح الأغاني «السينغل»؟

حقق مطربون مصريون شهرة واسعة، خلال تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة، عبر ألبوماتهم الغنائية التي كانوا يصدرونها عبر شرائط الكاسيت

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق فريق «كولدبلاي» البريطاني في جولته الموسيقية الأخيرة (إنستغرام)

ألبوم مصنوع من النفايات... «كولدبلاي» يطلق إصداره الجديد

يصدر غداً الألبوم العاشر في مسيرة «كولدبلاي»، الفريق الموسيقي الأكثر جماهيريةً حول العالم. أما ما يميّز الألبوم فإنه مصنوع من نفايات جمعت من أنهار جنوب أميركا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الأميركية سيلينا غوميز (أ.ب)

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نصائح لاجتياز مقابلة العمل بنجاح

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
TT

نصائح لاجتياز مقابلة العمل بنجاح

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)

تثير مقابلات العمل مخاوف الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون الطرق المثلى لاجتيازها بنجاح.

ووفقاً لشبكة «سي إن إن» الأميركية، يقول الكثير من مسؤولي التوظيف إن الأمر أصبح أكثر صعوبة خلال السنوات الأخيرة، إذ إن الكثير من خريجي الكليات يتصرفون بشكل غير احترافي أثناء مقابلات العمل، ولا يعرفون القواعد البديهية التي يجب اتباعها خلال هذه المقابلات.

ونقلت الشبكة عن عدد من مسؤولي التوظيف وخبراء علم النفس قولهم إن هناك عدة نصائح ينبغي اتباعها لاجتياز مقابلات العمل بنجاح.

وهذه النصائح هي:

التحضير قبل المقابلة

تقول ستايسي هالر، كبيرة مستشاري التوظيف في شركة (ResumeBuilder): «عند خوض أي مقابلة عمل، يجب عليك قبل أي شيء أن تجذب انتباه مسؤول التوظيف في ثوانٍ معدودة من خلال سيرتك الذاتية. لذلك؛ يجب أن تكون سيرتك الذاتية صفحة واحدة مقنعة وواضحة وغير مزدحمة، ومصممة خصيصاً للوظيفة التي تقدمت إليها، وتسلط الضوء على سبب كونك أفضل مرشح لها».

وأكدت أن الشخص يجب أن يكون حذراً بشأن الأشخاص الذين يحصل منهم على النصائح الخاصة بالمقابلة. وأوضحت قائلة: «إذا كنت تعرف أشخاصاً آخرين يعملون في الشركة أو في صناعات مماثلة، فقد تكون استشارتهم أمراً جيداً. ومع ذلك، من المحتمل أن يكون لدى الآباء وغيرهم من الأشخاص في سنهم نوايا حسنة، ولكنهم ربما لم يجروا مقابلة للحصول على وظيفة منذ عقود، أو لم يعملوا في صناعتك من قبل، لذلك فإنني لا أنصح باستشارتهم قبل المقابلات».

قم بإجراء بحثك الخاص

يقول الدكتور نيكولاس رولين، أستاذ علم النفس بجامعة «سانت ماري» في كندا، إن أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها بعض المتقدمين لمقابلات العمل هو طرح أسئلة حول أشياء كان من الممكن أن يجدوها بسهولة بمجرد النظر إلى الصفحة الرئيسية لموقع الشركة على الإنترنت.

ومن جهة أخرى، فإن عدم طرح أي أسئلة على الإطلاق، يخبر المحاور أنك لم تجر بحثاً كافياً عن الشركة، وربما لا تهتم بالوظيفة.

ويقول الخبراء إنه يجب عليك إجراء بحث شامل عن الشركة، ويجب أن تكون قادراً على الإجابة على السؤال «لماذا تريد العمل هنا؟» والتعبير عن كيفية مساهمتك في إعلاء شأن الشركة وتحقيق أهدافها المستقبلية.

اكتب إجاباتك مسبقاً

أثناء المقابلة، ستحتاج أيضاً إلى إظهار مدى ملاءمتك للوظيفة، ومدى قدرتك على أدائها.

يمكنك الاستعداد لذلك من خلال التفكير في الأسئلة المحتملة وكتابة الإجابات مسبقاً بهدوء.

وينصح الخبراء بالتركيز على المواقف الصعبة التي نجحت في اجتيازها سابقاً، والمهمات التي نجحت في تنفيذها بمفردك أو كجزء من فريق.

حضّر أسئلتك

قال الخبراء إن تحضير أسئلة لطرحها على مسؤولي التوظيف هو أمر مهم بقدر أهمية إجاباتك، حيث يظهر ذلك اهتمامك بالوظيفة وحماسك لأدائها.

وفيما يلي بعض الأمثلة على الأسئلة التي يمكنك طرحها:

كيف يبدو يوم العمل؟ ماذا عن الأسابيع القليلة الأولى؟

هل هذه الوظيفة جديدة في الشركة أم أنها خاصة بموظف سابق ترك العمل؟

كيف تقيس الشركة نجاح الموظف خلال الأشهر الأولى؟

ما هي فوائد العمل هنا؟

ما نوع فرص التدريب المتاحة؟

ما هي فرصة الترقية بعد عام؟

ما هي أهداف الشركة القصيرة والطويلة المدى؟

اختر ملابسك بعناية

يقول الخبراء إن ارتداء ملابس رسمية للمقابلات الشخصية والافتراضية أمر مهم جداً.

وتقول هالر: «عادة ما يكون المظهر الرسمي هو الأفضل، لا ترتدي الجينز أو الشورت أو الملابس الكاشفة بشكل مفرط. في الوقت نفسه، لا تبالغ في ارتداء بدلة من ثلاث قطع، ما لم يطلب منك موظف الموارد البشرية هذا الأمر خلال المكالمة التي يتم تحديد موعد المقابلة خلالها».

لا تصطحب والديك

تؤكد هالر ضرورة عدم اصطحاب الوالدين لمقابلة العمل، مشيرة إلى أن هذا الأمر غير احترافي على الإطلاق، وقد يدل على عدم استقلالية الشخص أو عدم قدرته على تحمل المسؤولية.

بعد المقابلة

تنصح هالر بإرسال بريد إلكتروني في غضون 24 ساعة بعد المقابلة، تعبر فيه عن امتنانك لوقت المحاور والفرصة التي أتاحها لك. ولفتت إلى أن هذه الرسالة تعد لفتة لطيفة للغاية قد تساهم بشكل كبير في توظيفك.