«آردين»... آلة موسيقية موريتانية للمرأة فقط

حكاية كَسْر احتكار الرجل وصون الهوية

«آردين» صُنعت من أجل المرأة الموريتانية (وكالة أنباء العالم العربي)
«آردين» صُنعت من أجل المرأة الموريتانية (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

«آردين»... آلة موسيقية موريتانية للمرأة فقط

«آردين» صُنعت من أجل المرأة الموريتانية (وكالة أنباء العالم العربي)
«آردين» صُنعت من أجل المرأة الموريتانية (وكالة أنباء العالم العربي)

تتلمَّسُ الفنانة فرحة منت بوب جدو أوتارَ «آردين»، لعزف مقطوعتها بسلاسة. تتنقّل أناملها بين أوتار آلتها الموسيقية، التي ابتكرتها المرأة الموريتانية وصُنعت خصيصاً من أجلها، لتحتكرها دون أن ينازعها الرجل.

ووفق «وكالة أنباء العالم العربي»، بدت أنامل فرحة كأنها استسلمت للآلة، فأخذتها التجربة المثيرة إلى عوالم مختلفة تُعبّر عن المشاعر والأفكار بأكثر مما تُعبّر به الكلمات. أنصتَ المستمعون، وهي تعزف مقطوعات على تلك الآلة الوترية، التي تطرب لها الآذان.

تقول فرحة إنّ الآلة الموسيقية تلك من فصيلة القيثارة، التي كانت تُعزف في الحضارات القديمة، خصوصاً الفرعونية، ووصلت إلى موريتانيا في القرن الثامن عشر لتحتكرها النساء في صورة «آردين».

من جهته، يرى الفنان مراد ولد أحمد زيدان أنّ عزف النساء على «آردين» يعود إلى البيئة التي نشأت فيها هذه الآلة الموسيقية في مجتمع محافظ حَظَر الاختلاط بين الرجال والنساء قديماً.

ويتابع أنه، لهذا السبب، خُصِّصت الآلة للنساء، بينما يعزف الرجال على «تدينيت»، وهي آلة موسيقية موريتانية تُشبه العود، ولها 4 أو 5 أوتار.

وصلت «آردين» إلى موريتانيا في القرن الثامن عشر (وكالة أنباء العالم العربي)

تتكون آلة «آردين» من قدح كبير مصنوع من الأخشاب، تُركَّب به عصا طويلة أفقية؛ ويُقسم القدح إلى شطرين، ثم تُشدّ الأوتار بين العود والقدح عن طريق مفاتيح تُثبت في العامود لضبط الصوت والتنقُّل بين المقامات. ويُغطَّى القدح الدائري بالجلد ليُستخدم طبلاً، وتُرسم عليه كتابات ورسوم لها دلالات لا يمكن فكّها أو فهمها؛ فالفنانة وحدها تفهمها. على هذا النحو، تتشكل الآلة الثمينة التي أبدعتها المرأة.

في هذا الإطار، قالت فرحة بنت بوب جدو للوكالة، إنّ آلة «آردين» الموسيقية تجمع بين العزف والإيقاع، حيث لا تزيد النغمات على 5 أصوات. وأضافت: «تتميز عن باقي الآلات بأنها جامعة للأوتار والمقامات».

بدورها، ترى الفنانة كمبان بنت أعل وركان، وهي من أشهر الفنانات الموريتانيات، أنها لا يمكن أن تؤدّي وصلة غنائية إلا إذا كانت تعزف على «آردين».

وفي حديث للوكالة، تابعت بنت أعل وركان، التي تنتمي إلى أسرة فنية عريقة، أنّ أول ما تتعلّمه الفنانة هو طريقة العزف على هذه الآلة، فذلك جزء من هوية تاريخ الأجداد الفني.

العزف على تلك الآلة الوترية يُطرب الآذان (وكالة أنباء العالم العربي)

ولحماية هذا الموروث الشعبي من الاندثار والضياع، نظّمت مجموعة من الفنانات مهرجاناً خاصاً بآلة «آردين» للتعرف على دلالتها ومساهمتها في إضفاء الجمال والإبداع على الموسيقى الموريتانية الثرية.

وأُقيمت النسخة السادسة من المهرجان يومَي 24 و25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي في العاصمة الموريتانية نواكشوط، عُزفت خلالها الوصلات الغنائية، وأُقيمت عروض فلكلورية قدّمها فنانون شبان.

وقالت رئيسة المهرجان عيشة بنت شغالي، إنّ آلة «آردين» تمثّل أحد الرموز الوطنية التي يجب الحفاظ عليها وعدم السماح بأن يجرفها تيار العولمة.

وإذ يرى فنانون موريتانيون أنّ الفنون الموسيقية الشعبية تواجه خطر الاندثار في ظلّ النمو السريع لأنواع وأنماط جديدة من الموسيقى المُستورَدة من الخارج، قالت بنت شغالي إنّ اندثار الفنون الموسيقية التقليدية يشكل خطراً على التراث الثقافي للمجتمع الموريتاني، الذي له موسيقى خاصة به تميّزه عن باقي الشعوب.

وانتشرت أنماط جديدة من الموسيقى يؤدّيها فنانون موريتانيون شبان أثارت الجدل عبر مواقع التواصل، إذ يرى بعضهم أنها لا تمتُّ بصلة للهوية الثقافية للبلاد، لتؤكد بنت شغالي أنّ هذا المهرجان، الذي نُظِّم للمرة الأولى عام 2017، هدفه حماية آلة «آردين»، بعدما تراجع دورها ولم يعد الشباب يُقبِلون على تعلُّم العزف عليها.


مقالات ذات صلة

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

يوميات الشرق مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

«مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل».

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الوتر السادس أحمد سعد سيطرح ألبوماً جديداً العام المقبل (حسابه على {إنستغرام})

أحمد سعد لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يحقق كل طموحاتي

قال الفنان المصري أحمد سعد إن خطته الغنائية للعام المقبل، تشمل عدداً كبيراً من المفاجآت الكبرى لجمهوره بعد أن عاد مجدداً لزوجته علياء بسيوني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الوتر السادس الفنانة بشرى مع زوجها (حسابها على {فيسبوك})

بشرى لـ«الشرق الأوسط»: الغناء التجاري لا يناسبني

وصفت الفنانة المصرية بشرى الأغاني الرائجة حالياً بأنها «تجارية»، وقالت إن هذا النوع لا يناسبها

أحمد عدلي (القاهرة)

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».