عبير نعمة بصوتها الملائكي تغنّي الميلاد وتعانق الطفولة

الأخت مارانا سعد لـ«الشرق الأوسط»: نُغلِّب الإيجابية

الدفء يتضاعف والعطاء يتكثّف حين تغنّي عبير نعمة للميلاد (جاك الجميّل)
الدفء يتضاعف والعطاء يتكثّف حين تغنّي عبير نعمة للميلاد (جاك الجميّل)
TT

عبير نعمة بصوتها الملائكي تغنّي الميلاد وتعانق الطفولة

الدفء يتضاعف والعطاء يتكثّف حين تغنّي عبير نعمة للميلاد (جاك الجميّل)
الدفء يتضاعف والعطاء يتكثّف حين تغنّي عبير نعمة للميلاد (جاك الجميّل)

الفستان الأبيض بأكمامه المزيّنة بالريش، أرادت به الفنانة عبير نعمة وقائدة أوركسترا جوقة «فيلوكاليا» الأخت مارانا سعد، نداء سلام. أطلّت بهدوء ملائكي وأناقة إنسانية، لتفلش الصوت العذب في فضاء مسرح «كازينو لبنان»، أمام آتين لسماعها تغنّي الميلاد وترنّم روحَ العيد. يتّخذ الثوب الأسود، وهو لباس الأخت، من الأبيض، وهي إطلالة نعمة، مزاجَه الفَرِح، فيصبح اللونان النقيضان لقاءَ رسالة واحدة تنادي بالمحبة والبركات.

بين أغنية وترتيلة، يحلّ صمت. تتأمّل عبير نعمة بعض الوجوه في مكان يمتلئ بمحبّيها، وتخبرهم ما يشعرون به: «أحياناً، نفقد الإيمان بأنّ للأشياء معنى. كل عام، يحلّ موسم الأعياد ليذكّرنا بأنّ غداً أجمل. عيد الميلاد يغيّر قلوبنا». شيء في هذه الكلمات يشكّل استجابة للحياة. تَثقُل الأيام بمعظمها، ليأتي العيد ويحيل الأحمال على الاستراحة. «الحب هو الأغلى»، تُكمل الفنانة اللبنانية كلمتها، ليلمع في العيون طيف مَن رحلوا وتركوا المرارة، ومَن يبقون ليحلو العيش.

عبير نعمة تغنّي الميلاد وترنّم روحَ العيد مع الأطفال (جاك الجميّل)

يصرخ صوت نسائي: «عبير، آي لوف يو»، فتبتسم وتردّ بأنّ المحبة متبادلة. تُغنّي للثلج والأجراس و«بابا نويل»، ولبيروت وفلسطين، وتُرنّم للمسيح ورجاء الخلاص. تسير شاشة كبيرة في الخلفية على إيقاع المشهد المتناغم. فحين تُغنّي الجمال الفيروزي، «تلج تلج عم بتشتّي الدني تلج»، وتحاكي «النجمات الحيرانين وزهور الطرقات البردانين»، يغطّي الشاشة البياضُ المُتساقط على طابات شجر العيد المُزيّن بالضوء. وحين تُرنّم «ضوّي بليالي سعيدة» من كلمات الأخوين رحباني، وتتطلّع إلى السماء لتُثلج «الأشعار والسلام»، يملأ الأبيض تلك الشاشة مرة أخرى، كأنه إعلان صفحة جديدة مع الحياة.

ومن كلمات الأخوين وحنجرة فيروز، اختارت قصيدة «أومن». روعة المناجاة هذه، تُبلسم كما تؤلم. هي الاستغاثة وفيض الدمع حتى اغتسال القلب. صرخة «كلّي إيمان»، توقُ الأرواح المستوحشة إلى حضن، وصلاة المقهورين للإفلات من قبضة التخلّي. غنّتها عبير نعمة بحجم مكانتها العالية. بالحب الكبير الذي تكلّمت عنه، وعدَّته المنقذ وغلاوة الوجود.

بهدوء ملائكي وأناقة إنسانية أطلّت عبير نعمة (جاك الجميّل)

استمرّت تُرنّم، وجوقة «فيلوكاليا» من نحو 100 شخص تمنح الأجواء مزيداً من الخشوع. صبايا الكورال بالفساتين الخضراء الداكنة، وراء الفنانة، يُشبهن صنف الشجر المُحافظ على خضرته رغم الهبوب؛ فإذا بهنّ، بدفء الصوت واللباس الموحَّد يُشكّلن مع مارانا سعد في قيادة الأوركسترا، ونعمة في الغناء، مقطوعة من نور.

تتعدّد لغات الأغنيات، وفي جميعها يُصاب المُصغي إلى الصوت بذهول. تغنّي عبير نعمة للحب والعلاقات، لكنّ، مسألة أخرى، غناءها للميلاد. هنا الدفء مُضاعَف والعطاء يتكثّف.

لم تغب فلسطين عن ليلة المناجاة. كان الحبّ أبعد من اقتصاره على مسرح مغلق. امتدَّ إلى كل مَن يحتاجه ويؤمن به. غنّت عبير نعمة للطفولة في كل مكان. وأغمضت عينيها بينما تنشد السلام والأمان. أرادت بالصوت أن تُهدّئ قلب طفل يخفق من الخوف، فتُخبره بأنه ليس وحيداً. الأصوات العذبة، حين تعانق الموسيقى العظيمة، تبلغ المنسيين وتشكّل بعض العزاء.

عبير نعمة وقائدة أوركسترا جوقة «فيلوكاليا» الأخت مارانا سعد على المسرح (جاك الجميّل)

تتحدّث رئيسة جمعية ومعهد «فيلوكاليا» الأخت مارانا سعد لـ«الشرق الأوسط» عن صداقة تجمعها بعبير نعمة. شاءت تميُّزَ الدورة الثالثة من مهرجان «دار الميلاد» بصوتها الفريد. تعلم أنّ صنفَ حنجرتها يمكن إدراجه في الخانة الاستثنائية، فاستدعتها لتُرنّم الميلاد مع موسيقيي جوقتها. تقول: «أنجزنا التمارين في أسبوعين فقط. انشغال الجوقة بحفل (يسوع ابن الإنسان) ضمن أمسيات (بيروت ترنّم)، قلَّص وقت الاستعدادات لهذه الليلة. لكنّ عبير جاهزة دائماً. والفرقة أيضاً. نستعدّ لحفل أكبر في العام المقبل، وهذا فعل صمود. السلبية مُتعِبة، هدَّت الحيل، وقرارُنا تغليبُ الإيجابية».

توجّهت الأغنيات للصغار والكبار، «فالأطفال زِينة العيد». بفساتين بيضاء، صعدت فتيات بالكاد يبلغن العقد الأول المسرح، وأحطن نعمة من كل صوب. غنّين معاً «Petit papa Noël»، بينما تُظهر الشاشة في الخلف ذلك الرجل الأسطوري بلحيته البيضاء وثوبه الأحمر، ممتطياً غزلانه وسابحاً في الفضاء. «أردنا الأبيض رسالة سلام»، تؤكد الأخت. «وبراءة وصدق وحب، وهذه قيم العيد»، تقول بعد ليلة تشبه الإقامة على الغيم.

جوقة «فيلوكاليا» من نحو 100 شخص تمنح الأجواء مزيداً من الخشوع (جاك الجميّل)

تلفت إلى أهمية الأغنية بالنسبة إلى الأطفال: «من خلالها يدركون المعنى من الأشياء. مزامير وترانيم سارعتُ إلى حفظها منذ صغري بفضل الأغنيات». وترفع الموسيقى إلى أعلى درجات: «لن يموت النغم ما دام نابضاً. الموسيقى حياة، أصواتُها تغمرنا في العيد». من تلك الغمرة، تولد اللحظات الحلوة. بعضنا يلتقطها بصورة، وبعضنا يخبّئها بين الذكريات، والنتيجة واحدة: معاندة الحياة بالجمال.

تستوقفها الظروف، فتؤكد الإصرار على مواجهتها: «في لبنان، لم نُشفَ بعد. وجعُنا يلتحق بوجع غزة. لكننا أبناء رجاء، اعتدنا هزيمة الصعب. نشعر بقسوة ما يحدث، لذا غنّت عبير نعمة للأمل وصلّت الموسيقى للأطفال».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

لنحو الساعة ونصف الساعة، تقول الشخصيتان الرئيسيتان ومعهما الراقصون إنّ الحبّ يستطيع مدَّ الحياة بالسحر. «ماجيك» على هيئة تفهُّم واحتضان وحكاية في قصر.

فاطمة عبد الله (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز) play-circle 01:11

ترمب يرسل التهنئة لـ«اليساريين المجانين» ويطالب بضم كندا

أمضى ترمب يوم الميلاد في كتابة منشورات وخصّ بالتهنئة بالعيد في إحداها «اليساريين المتطرفين المجانين الذين يحاولون باستمرار عرقلة نظام محاكمنا وانتخاباتنا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن (رويترز)

بايدن يندّد بالهجوم الروسي «الشائن» على أوكرانيا

قال الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، الأربعاء، إنه أصدر توجيهات لوزارة الدفاع لمواصلة زيادة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيسان بايدن وترمب في المكتب البيضاوي يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بعد فوز الثاني بالانتخابات الرئاسية الأميركية (أ.ب)

بايدن وترمب يبثان رسائل متباينة بمناسبة عيد الميلاد

بثّ الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب، رسائل متباينة بمناسبة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«مفكرة أبريل»: لقاء الفنّ والحوار في نسيج تكوينات جديدة

نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)
نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)
TT

«مفكرة أبريل»: لقاء الفنّ والحوار في نسيج تكوينات جديدة

نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)
نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)

في امتدادٍ حيٍّ نابض يتقاطع مع روحية بينالي الشارقة الـ16، تُطلق «مؤسّسة الشارقة للفنون» برنامجاً ثقافياً جديداً بعنوان «مفكرة أبريل: في رحالنا تكوينات جديدة»؛ من 18 إلى 20 أبريل (نيسان) الحالي، ضمن مواقع البينالي المتوزّعة في الإمارة.

يُمثّل البرنامج محطةً تأمّليةً وتجريبيةً في آن؛ فيلتقي الفنّ بالحوار، ويتشابك التعبير الأدائي مع النشاط المجتمعي، ليفتح مساحات جديدة للتفكير النقدي في أوضاعنا الراهنة، وفي الكيفية التي يمكن بها إعادة تصوّر واقعنا واستنطاقه عبر تجارب تشاركية متعدّدة الصوت.

بالإضافة إلى كونها حدثاً ثقافياً، تُشكِّل «مفكرة أبريل» دعوةً مفتوحةً لتكوين مقاربات جديدة نحو التبادل وبناء الشبكات المجتمعية، وإعادة تخيُّل الهياكل الداعمة للحياة. وطوال 3 أيام، تستضيف فعاليات حوارية وأدائية وفنّية تتناول موضوعات تتقاطع فيها الرؤى الفردية والجماعية، في مسعى لفهم التحولات البنيوية التي يشهدها عالمنا، وإعادة ترتيب علاقاتنا بالزمن والمكان والآخر. فمن خلال هذه البرمجة، تسعى «الشارقة للفنون» إلى خلق بيئة حاضنة للتفكير العميق والتنظيم الذاتي والإصغاء المتمعّن، فتنصهر التجارب الحيّة مع الأفكار الطازجة، وينشأ من هذا التفاعل حقلٌ خصب لإنتاج معرفة مجتمعية بديلة.

تتماهى «مفكرة أبريل» مع الأعمال المُشارِكة في البينالي، وتُسهم في تعميق النقاشات حول التغيّرات المجتمعية والتحولات الممنهجة واستعادة سرديات أُخضِعت للإسكات أو التمزيق، بالإضافة إلى تأمّل أشكال التنظيم الجماعي، وأنماط القيادة المجتمعية، والمعارف القديمة العائدة بحُلَل جديدة.

ويفتح البرنامج باب التأمّل هذا على مستوى الإنتاج الثقافي التعاوني، والإرث الصوتي، والبنى التحتية الإبداعية المُعرَّضة للتهديد، والحدود النفسية والمكانية التي تُقيّد حركة الإنسان والأفكار. وتُشجِّع رؤيته المُشاركين على اعتماد منهجيات بديلة وتجريبية في التفكير والممارسة، تستند إلى إعادة تأطير العلاقة بين الفرد والمجتمع، والمكان والذاكرة.

ومن قلب الشارقة، حيث يلتقي البرّ بالبحر، ينطلق البرنامج نحو استكشاف البُعد البحري بكونه رمزاً للتنقّل والانتماء وحرّية الملاحة والتبادل الثقافي المفتوح، مستفيداً من الجغرافيا المحيطة لإعادة صياغة أسئلة الهجرة والعبور، بما يتجاوز الحدود التقليدية للمكان والهوية.

وخلال أيامها الـ3، تنسج «المفكرة» طيفاً متنوّعاً من الفعاليات الفنّية والفكرية، من بينها جولات ميدانية بقيادة مرشدين، تُثري تجربة الزوار بإضاءة سياقية على الأعمال والمواقع، إلى جانب جلسة استماع مع مشروع «سينغينغ ويلز»، الذي يلتقط تردّدات الأرض والذاكرة عبر صوتيات عميقة.

تتماهى «المفكرة» مع أعمال البينالي وتُعمّق نقاشات حول التغيّرات المجتمعية (الشارقة للفنون)

وتُقام ورشات عمل للطباعة بتقنية الريزوغراف، وورشات للنشر الذاتي باستخدام تقنيات طباعة متعدّدة، منها الريزوغراف أيضاً. وتخوض ورشة يقودها مؤسِّسا مجلة «أول ذات بلو»، بوميكا ساراسواتي وسيدهِيش غاوتَم، تجربةً تُمكّن المشاركين من إنتاج معارفهم وتجاربهم بصيغة مادية ملموسة.

كما تستضيف «المفكرة» جلسات نقاشية مع فنانين بارزين مثل براين مارتن، ويونني سكارسي، وميغان كوب؛ تُطرح خلالها رؤى نقدية حول الممارسات الفنّية والهموم المجتمعية المتقاطعة. أما في عالم الصورة المتحرّكة، فيُعرَض فيلم «الحصان الأول» (2024) للفنانة أوانوي سيميتش بين، في مساحة تتيح تأمُّل السرد البصري بوصفه امتداداً للذاكرة والهوية.

ويجتمع كلٌّ من باشاك غوناك وبيركي كان أوزكان وساندي شمعون وهاوبتماير ريكر في عرض أدائي تركيبي مستوحى من عملهم الصوتي المُشارك في البينالي، فيُستَحضر الصوت بكونه أداةَ مقاومة ووسيطَ اتصال بين اللامرئي والملموس.

كما تقدّم الفنانة كوليكا بوتوما عرضاً أدائياً بعنوان «ماء (إعادة)»، تستدعي فيه حضور الماء بوصفه عنصراً حيوياً للتحوّل والتطهير وإعادة التكوين.

وأيضاً، تُقام سلسلة عروض أدائية مستندة إلى العمل الاستثنائي، «هي كورويرو بوراكاو مو تي أوانوي أو تي موتو: قصة نهر نيوزيلندي» (2011)، الذي يتمحور حول بيانو أحمر ضخم منحوت بالكامل من طراز «ستاينواي»، من إبداع الفنان الماوري مايكل باركوفاي، حيث يتحوّل الصوت إلى سيرة مكان وتاريخ.

وفي ختام البرنامج، تُعقد ورشة تقييمية مُغلقة للمدعوّين، تتيح مساحة للتأمّل الجماعي في روح البينالي، وما نرثه من معانٍ وتجارب، وما ينبغي أن نحمله معنا، وما يجب علينا إعادة تصوّره من أجل تشكيل تكوينات جديدة للدعم والمقاومة والاستمرارية.

وتُقام فعاليات «مفكرة أبريل» 2025 بوصفها امتداداً محورياً وحيوياً لبينالي الشارقة الـ16، الذي يحتفي بأكثر من 650 عملاً فنياً أبدعها نحو 200 فنان مُشارك، من ضمنها 200 تكليف جديد خُصِّصت لهذا الحدث. وحمل البينالي هذا العام عنوان «رحالنا»، بتقييم مشترك من علياء سواستيكا، وأمل خلف، وميغان تاماتي كوينيل، وناتاشا غينوالا، وزينب أوز؛ إذ قدَّمن مقترحاً فنّياً متعدّد الأصوات والرؤى، يتعمّق في الأسئلة المتنامية بلا انقطاع حول ما الذي نحمله، وكيف إنه نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة التي تتجسَّد عبر مقاربات القيِّمات الخمس، ودعوة لاستعراض أصداء البينالي ووَقْعه في الوعي الجمعي والفردي.

وتسعى «مؤسّسة الشارقة للفنون»، باستقطابها طيفاً متنوّعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، إلى تفعيل الحراك الفنّي داخل النسيج المجتمعي في الإمارة، وما يتخطّاها جغرافياً؛ فتُعلي من شأن الطاقات الإبداعية، وتدفع بها نحو آفاق من الإنتاج البصري المُغاير، المتّسم بروح البحث والتجريب والفرادة.