تختار جمعية «بربارة نصار لدعم مرضى السرطان»، زمنَ الأعياد لتُذكّر بصوت في داخل المصابين بهذا الخبيث يستعيد أشهر أشعار المتنبي: «عيد بأية حال عدتَ يا عيدُ». يساعد طقس بيروت المُشمس على غير عادته في الأسبوع الأخير من السنة، على تجمُّع مُطلقي صرخة الحق في الدواء. وأمام شجرة ميلادية «مُزيَّنة» بعلب الأدوية السرطانية المفقودة في لبنان، أو باهظة الثمن، يُوجّه عشرات تجمّعوا أمام السرايا الحكومية في وسط المدينة، رسالة قهر لا تزال تصدّق الأمل، وتعاند قسوة الانتظار.
يتساءل مؤسِّس الجمعية هادي نصار: «أي عيد يحلّ على مرضى السرطان وهم مُهدَّدون بحياتهم؟»، ويستعيد مع «الشرق الأوسط» لحظة تلقّيه خبر إصابة زوجته بربارة بالسرطان ذات ديسمبر (كانون الأول)، فأتى الميلاد وبعده رأس السنة بالأوجاع والأحزان. قضى المرض على جسدها، لكنّ روحها تسكُنه، ومن أجلها أسّس الجمعية بنُبل، وحوّلها حضناً لمَن لا يجدون صدى لأنّاتهم.
لن يطول الوقت قبل أن يُرفَع الدعم عن الدواء، ويستحيل تأمينه لمرضى لا يملكون المال. تشاء الجمعية جَعْل الصرخة تُدوّي، فتُطلقها من أمام السرايا الحكومية وسط بيروت، وتختزلها بشجرة لم تُزيَّن بالطابات الحمراء، ووجه «بابا نويل» الضاحك، والأضواء الملوَّنة المحتالة على السواد العام، بل بأغلفة الأدوية والأمصال، لهزّ الأبدان وإيقاظ الضمائر، وصَفْع كل متواطئ على تركيع المرضى والنيل من الكرامات لتعذُّر الحصول عليها، أو لتأمينها بعد عُسر وذلّ.
يقول نصار: «ماذا توضع تحت شجر العيد؟ الهدايا بالطبع. أغلى هدية بالنسبة إلى مرضى السرطان هي الدواء، فبدل أن يُتاح، نقاتل للحصول عليه». ينتقد غياب خطط التمويل الدائم لتأمين أدوية السرطان، ويتعمّق في شرح مناكفات البلد وأزماته التي يدفع ثمنها المتألمون بصمت، ومَن لا ملاذ لهم سوى الجمعية ورحمة السماء.
يؤلمه هذا التوصيف، ويورده إعلاناً للحقيقة المُرّة: «مرضى السرطان في لبنان يحملون توابيتهم بيد ومطرقة باليد الأخرى لكسرها والتمسّك بالحياة. هم لا يريدون الموت».
ضغطُ الجمعية يثمر حلولاً مؤقتة، فيأمل نصار في «سير الأمور على ما يرام يوماً ما». يواصل جهوده لفرض ضرائب على أصناف التبغ المُسبِّبة للسرطان، بما يتيح تأمين بيئة أكثر صحّية، رغم ذرائع طائفية وسياسية تتدخّل انتصاراً لمصالح فئوية، كعادة كل شيء في لبنان.
يعتاد نصار على شاب فلسطيني يرافقه كل عام لتفقُّد الوجوه الثابتة في كل وقفة، وتذكُّر مَن باغتهم المرض بالغدر وسلْب الأنفاس. العام الماضي، شعر بأنه سيغادر، فائتمنه على عدم نسيان ذِكر اسمه. خطفه السرطان كما خطف بربارة، ومن أجل هذه الأرواح يُكمِل الدرب الشاق.