معزوفة «بيروت» لهياف ياسين... حين تكون الموسيقى في خدمة الشعر

اختار مقام العشاق لترجمة مشاعره تجاه المدينة

مع الشاعرة ماجدة داغر (هياف ياسين)
مع الشاعرة ماجدة داغر (هياف ياسين)
TT

معزوفة «بيروت» لهياف ياسين... حين تكون الموسيقى في خدمة الشعر

مع الشاعرة ماجدة داغر (هياف ياسين)
مع الشاعرة ماجدة داغر (هياف ياسين)

تتناغم الموسيقى مع قصائد الشعر مرات عدة لتؤلف قالباً فنياً تنساب خلاله نوتاتها مع كلام شعر معبر، فتولّد حالة فنية بحد ذاتها تلمس إحساس السامع وتنقله إلى عالم من الخيال.

الموسيقي والملحن والباحث الدكتور هياف ياسين انطلق من هذه النقطة لإصدار معزوفته «بيروت». اختار كلاماً للشاعرة ماجدة داغر ولحنه على طريقة الموشّح الموسيقي المعروف في عصر النهضة. لماذا أطلق عليها هذا الاسم؟ يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تحمل قصيدة ماجدة داغر هذا الاسم، وهو ما حفزني على تلحينها بأسلوبي. وتحكي قصيدتها عن بيروت ما بعد انفجار أغسطس الدامي. ولأنها مدينة النور والقلم وستبقى منارة الثقافة في المنطقة، أهديتها معزوفتي هذه».

ياسين يلحن قصيدة «بيروت» لماجدة داغر (هياف ياسين)

ترجم ياسين الكلام بموسيقى اختار لها «مقام العشاق» ليبث مدى حبه للعاصمة. «كل منا يحمل في قلبه نوستالجيا لبيروت، فهي تاريخنا وحياتنا وطفولتنا وشبابنا. وفي الوقت نفسه نشعر بغصة كبيرة تجاهها، بعدما شهدت أياماً مريرة كثيرة عبر السنوات الأخيرة. ولعل انفجار بيروت الذي هدّها وكسر قلبها وملامح وجهها، كان من المشاهد التي تركت أثرها الكبير في ذاكرتنا».

وعلى الرغم من أن ياسين اختار نوعاً موسيقياً من العيار الثقيل، قلة من أبناء اليوم تعرفها، فإنه يشرح: «صحيح أننا نفتقد هذا النوع من الموسيقى في أيامنا الحالية، ولكن من المفترض أن يقدم الموسيقي حالة فنية أرقى من الواقع. فيدعو سامعها إلى التسامي والجمال. وهو ما يسمح له بالاطلاع على الموسيقى الأصيلة».

يقول إن السائد اليوم في الساحة الموسيقية خطير (هياف ياسين)

يؤكد ياسين أن السائد على الساحة خطير جداً ويرتبط بالموسيقى الرائجة أو التجارية. ويتابع: «لم نعد نملك القيم المطلوبة للتمييز بين موسيقى وأخرى، وكأنما علينا أن ننزل إلى درك الابتذال. ولأننا نحكي في هذه المعزوفة عن مكان مقدس برأيي، وهو بيروت، كان عليّ الارتقاء بالموسيقى التي تمثلها».

قلم الشاعرة داغر فيه معانٍ جميلة عن وحدة اللبنانيين، وفق ياسين الذي يوضح: «نعيش مشتتين ومبعثرين لا مكان نلتقي فيه لتبادل صحيح بين الأفكار. ويأتي شعرها ليطرح هذه المعادلة ويضم اللبنانيين. من هنا أخذت المعزوفة وجهة وطنية بامتياز تحت سقف بيروت».

تستغرق معزوفة «بيروت» نحو دقيقتين و45 ثانية، فهل كانت كافية لترجمة مشاعره حيال مدينته؟ «بالطبع لا، ولكنها تشكل مدخلاً لتذوق لحظة ما، خصوصاً أننا في عصر السوشيال ميديا، وأثره الكبير علينا الذي جعلنا نفقد ذائقة الاستماع إلى أعمال فنية طويلة. وهو ما يصعب علينا هذه المهمة لنبرزها كما هي وبعمقها. حاولنا تخطي هذه الإشكالية من خلال تطعيمها إلى حد ما بالنغمة الشابة».

الموسيقي والملحن والباحث الدكتور هياف ياسين (هياف ياسين)

علاقة صداقة وطيدة تربطه بالشاعرة داغر، كما يخبر «الشرق الأوسط»، بدأت منذ نحو 10 سنوات، حين أطلقت برنامجاً إذاعياً بعنوان «100 عام من الموسيقى العربية»، وهو من ألف شارة البرنامج الموسيقية لها، وأدت كلماتها بصوتها. يقول: «لم يستطع المستمعون يومها تحديد أسباب جمالية الشارة. صوتها كما الموسيقى المعزوفة، فقد تناغما بشكل لافت».

يؤكد ياسين أن من أكبر المشكلات التي تعتري الموسيقى الأصيلة اليوم، غياب جهة منتجة، تتبناها وتروّج لها وتوفر الفرصة للعودة إليها. ويختم: «نتمنى أن تكون هناك قريباً فرصة جدية للالتفاف حول الموسيقى الراقية. ومن المفترض أن تبنى استراتيجية خاصة حيال هذا الموضوع، تتبناها جهات ثقافية».


مقالات ذات صلة

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

الوتر السادس المخرج بول عقيقي لوّن مشاهد الكليب بسيارة «فولكسفاغن» قديمة صفراء (باسكال مشعلاني)

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

«ما حبيتش» هي الأغنية التي أصدرتها أخيراً الفنانة باسكال مشعلاني، وقد لوّنتها بلمسة تونسية تجيدها. فهي تعود للملحن والمغني التونسي علي الرياحي.

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس وائل الفشني خلال مشاركته في احتفالية «100 سنة غنا» (دار الأوبرا المصرية)

وائل الفشني: الكلمة الجذابة تحسم اختياراتي الغنائية

أكد الفنان المصري وائل الفشني الذي اشتهر بتقديم الابتهالات الدينية والشعر الصوفي أن هذا اللون الغنائي له جمهور عريض في الوطن العربي

داليا ماهر (القاهرة)
الوتر السادس الفنان مصطفى قمر طرح أخيراً أغنية منفردة بعنوان «صناعة مصرية» (حسابه على «فيسبوك»)

هل اكتفى نجوم التسعينات في مصر بطرح الأغاني «السينغل»؟

حقق مطربون مصريون شهرة واسعة، خلال تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة، عبر ألبوماتهم الغنائية التي كانوا يصدرونها عبر شرائط الكاسيت

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق فريق «كولدبلاي» البريطاني في جولته الموسيقية الأخيرة (إنستغرام)

ألبوم مصنوع من النفايات... «كولدبلاي» يطلق إصداره الجديد

يصدر غداً الألبوم العاشر في مسيرة «كولدبلاي»، الفريق الموسيقي الأكثر جماهيريةً حول العالم. أما ما يميّز الألبوم فإنه مصنوع من نفايات جمعت من أنهار جنوب أميركا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الأميركية سيلينا غوميز (أ.ب)

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«تيتا زوزو» يثير استياء «الموسيقيين» في مصر

إسعاد يونس في لقطة من مسلسل «تيتا زوزو» (منصة «واتش إت»)
إسعاد يونس في لقطة من مسلسل «تيتا زوزو» (منصة «واتش إت»)
TT

«تيتا زوزو» يثير استياء «الموسيقيين» في مصر

إسعاد يونس في لقطة من مسلسل «تيتا زوزو» (منصة «واتش إت»)
إسعاد يونس في لقطة من مسلسل «تيتا زوزو» (منصة «واتش إت»)

أثار مسلسل «تيتا زوزو» استياء «الموسيقيين» في مصر، الذين اعترضوا على مشهد تضمّن حواراً بين الفنانة إسعاد يونس بطلة العمل وأحد الفنانين المشاركين يتحدث عن التحاقه بكلية «التربية الموسيقية»، وخلال المشهد يتم وصم منسوبيها بـ«الفشل»، ووصفهم بـ«الآلاتية».

وأصدرت كلية «التربية الموسيقية» بجامعة «حلوان» بياناً استنكر «الحوار»، كما عدّت الكلية أن ما قِيل على لسان صُنّاع العمل يُعدّ إساءة بالغة للموسيقيين، كأنه يشير إلى أن من يتقدّم للالتحاق بكلية «التربية الموسيقية» شخص «فاشل».

وأكد بيان الكلية أن «الوصف يمسّ كرامة العاملين والطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ويقلّل من شأن مؤسسة عريقة أسهمت في تطوير الموسيقى المصرية على مدار عقود».

وأوضح البيان أن كلية «التربية الموسيقية» من القلاع الفنية في مصر، مثل: المعاهد المتخصصة الأخرى كـ«المعهد العالي للموسيقى العربية» و«الكونسرفتوار».

من جانبه قال وكيل ثانٍ «نقابة الموسيقيين»، أستاذ بكلية «التربية الموسيقية» بجامعة «حلوان» الدكتور محمد عبد الله، إن «خريجي الكلية يلعبون دوراً مهماً في مجالات التدريس الموسيقي، وتأليف الموسيقى التصويرية والتوزيع، وغيرها من أدوات العمل الفني».

الملصق الدعائي لمسلسل «تيتا زوزو» (الشركة المنتجة)

وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أكد عبد الله أن «الكاتب هو المسؤول الأول عن هذه الإساءة، وكان يتعيّن عليه الإشارة إلى الموسيقى وعدم أهميتها، ما دام أنه يرى ذلك أو يريد توصيل هذا المعنى، ولكن بوجه عام دون تحديد اسم الكلية».

ووصف عبد الله الحوار الدرامي بأنه «فخ وقع به المؤلف، الذي لم يتدارك الموقف خلال الحلقة ويصلح ما أفسده»، ويتابع: «كلمة (مشخصاتي) التي كانت تُطلق على الممثل قديماً طُمست ولم تعد تُقال، فلماذا تتم الإساءة للموسيقي ووصفه بـ(الآلاتي) إذن؟ وهي الكلمة التي كانت تُقال للشخص الذي يتقن العزف على آلة بعينها، في ثلاثينات القرن الماضي قبل إنشاء الكليات المتخصصة».

وقال وكيل ثانٍ «نقابة الموسيقيين» إنه «غير عاتب على الفنانة إسعاد يونس ولا غيرها من الممثلين، فهم أدوات في يد صناع العمل»، وفق قوله، ولكنه «عاتب على المخرج والكاتب والرقابة على المصنفات الفنية في مصر التي مررت المشهد دون حذفه أو تعديله، والسماح بالإساءة إلى صرح أكاديمي عريق يضم قيادات وطلبة وأساتذة جامعيين».

إسعاد يونس في لقطة من مسلسل «تيتا زوزو» (منصة «واتش إت»)

وطالب عبد الله باعتذار رسمي من صُنّاع العمل ومحاولة حذف المشهد، مؤكداً أن «الفن لغة للجمال وليس للإساءة، وأن كتابة النص تحتاج إلى الدقة والحرص البالغ، حتى لا يقع الكاتب في فخ الإهانة والسخرية من أي مهنة أو شخص».

وذكر عبد الله أن صُنّاع العمل لم يتواصلوا مع إدارة الكلية، ولم يقدم أحد اعتذاره عما قيل.

وتواصلت «الشرق الأوسط» مع بعض صنّاع العمل، لمعرفة موقفهم من بيان الكلية والرد عليه، ومن بينهم المخرجة شيرين عادل والكاتب محمد عبد العزيز، دون أن نتلقى رداً أو تعليقاً.

وترى الناقدة الفنية المصرية خيرية البشلاوي أنه «لا بد من التدقيق في جوهر العمل بكامله، وهل السياق العام يُهين خريجي الكلية أم مجرد مشهد عابر يمهد لتوضيح أهمية الموسيقيين خلال الحلقات المقبلة».

وتضيف البشلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «إسعاد يونس فنانة وإعلامية تعي جيداً ما تقدّم، ولن تقبل الإساءة إلى أي مهنة»، كما ترفض البشلاوي حذف المشهد من السياق؛ لكنها تطالب بمتابعة الأحداث للنهاية، لتكوين تصور عام يوضح ما دار بالمشهد.

لم تكن واقعة اتهام مسلسل «تيتا زوزو» بالإساءة إلى إحدى المهن هي الأولى، وإنما وُجهت اتهامات مماثلة إلى أعمال أخرى، من بينها اتهام صُنّاع مسلسل «البيت بيتي 2» بالإساءة لمزارعي مصر، وكذلك اتهام صناع مسلسل «أشغال شقة» الذي عُرض في رمضان الماضي بالإساءة إلى مهنة الطب الشرعي، وكذلك اتهام مسلسل «الكبير أوي»، بالإساءة إلى مهنة التمريض، واتُّهم صناع مسلسل «مع سبق الإصرار» بالإساءة إلى مهنة المحاماة، وواجه صناع فيلم «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» في وقت سابق اتهامات بالإساءة إلى مهنة التدريس.