الملكة العائدة... إليزابيث تودّع «التاج» بكامل سلطتها وهشاشتها

حضور ثلاثيّ الأبعاد للملكة إليزابيث في القسم الثاني من الموسم الأخير لمسلسل «The Crown» (نتفليكس)
حضور ثلاثيّ الأبعاد للملكة إليزابيث في القسم الثاني من الموسم الأخير لمسلسل «The Crown» (نتفليكس)
TT

الملكة العائدة... إليزابيث تودّع «التاج» بكامل سلطتها وهشاشتها

حضور ثلاثيّ الأبعاد للملكة إليزابيث في القسم الثاني من الموسم الأخير لمسلسل «The Crown» (نتفليكس)
حضور ثلاثيّ الأبعاد للملكة إليزابيث في القسم الثاني من الموسم الأخير لمسلسل «The Crown» (نتفليكس)

بعد 7 سنوات و6 مواسم و60 حلقة، تُسدَل الستارة على قصر باكنغهام ويوميّات العائلة البريطانية المالكة، وكل الأحداث التي صنعت تاريخها؛ من تولّي الملكة إليزابيث العرش، وصولاً إلى وفاة الأميرة ديانا.

يبدو وداع «التاج» (The Crown) باهتاً بالمقارنة مع وهج انطلاقته عام 2016. فالمسلسل الذي ساهم بشكلٍ كبير في صناعة مجد منصة «نتفليكس»، واجه مطبّاتٍ عدّة لا سيّما خلال مواسمه الثلاثة الأخيرة. أما القسم الثاني من الموسم السادس والأخير، فيقفل بهدوءٍ يَشوبُه بعض البطء والبرودة.

يضيء القسم الثاني من الموسم الأخير على قصة حب الأمير وليام وكيت ميدلتون (نتفليكس)

بعد أن خُصصت الحلقات الأربع الأولى للشهرَين الأخيرَين في حياة الأميرة ديانا ووفاتها المأساوية مع دودي الفايد في باريس، تتّجه الأضواء في الحلقات الستّ المتبقّية إلى ابنها الأمير وليام، وإلى الملكة التي كانت قد توارت قليلاً خلال الموسمَين السابقَين وانطلاقة الموسم الختاميّ على وجه التحديد.

هو ختامٌ مذيّل بختم إليزابيث الثانية، بكامل سلطتها وهَيبتها في مواجهة ولاية رئيس الحكومة توني بلير والتهديد الشعبيّ الذي يمثّله. بالموازاة، تطلّ بكامل أحاسيسها وهشاشتها؛ ففي وداع «التاج»، ينضح جانب الملكة الإنسانيّ أكثر من أي موسم.

نراها تحتضن حفيدَيها الأميرَين وليام وهاري وتستوعبهما بعد وفاة والدتهما. ترافق شقيقتها الأميرة مارغريت خلال شهورِها الأخيرة، بعد أن أقعدتها سلسلة من الجلطات الدماغيّة. تودّع والدتها الملكة الأمّ بعينَين دامعتَين. يأخذها الحنين إلى صور طفولتها وشبابها. ولا تخرج الملكة من الشاشة، قبل أن تشرف شخصياً على تفاصيل جنازتها.

الملكة إليزابيث تشرف على تفاصيل جنازتها التي بدأت التحضير لها عام 2005 (نتفليكس)

كان فريق العمل منشغلاً بتصوير الجزء الأخير، يوم توفّيت الملكة إليزابيث في سبتمبر (أيلول) 2022. وكان المؤلّف بيتر مورغان قد أعدّ نصّه من دون أخذ هكذا حدث في الاعتبار. ينتهي المسلسل عند زواج تشارلز وكاميلا، لكن في المقابل يستعيض مورغان عن رحيل الملكة بتصويرها وهي تشرف على تفاصيل يوم دفنها، أو ما يُعرف بعمليّة «سقوط جسر لندن».

يخيّم الموت على الموسم السادس عموماً وعلى الحلقة الأخيرة تحديداً، إنما بشكلٍ موارب. وكما لو أنّ ظهور الأشباح بات تقليداً في «ذا كراون»، يلوح طيف الأميرة مارغريت على شقيقتها لتقنعها بالتنازل عن العرش لمصلحة ابنها الأمير تشارلز. طيفٌ آخر يزور الملكة، وهو طيف إليزابيث الشابة لتثنيها عن قرار التنازل.

يعاني الموسم الأخير من فقدان التجانس، فتبدو كل حلقة منفصلة عن الأخرى ولا سياق موحّداً يجمعها، لكن من بين الحلقات العشر، تتميّز الثامنة وهي بعنوان «ريتز»؛ إذ يسير الماضيان البعيد والقريب على خطَّين متوازيَين. صحيحٌ أنّ المدخل إليها حزين وهو مرض شقيقة الملكة إليزابيث، لكن على مقلب الماضي يبلغ الموسم ذروته مع استرجاع ليلة انتهاء الحرب العالميّة الثانية، واحتفال إليزابيث ومارغريت الشابّتَين آنذاك في فندق «الريتز» في لندن.

إليزابيث وندسور، أميرة جميلة في الـ19 من عمرها، ترقص بغبطة وقلّة اكتراث. ترافقها شقيقتها التي تربطها بها عاطفة متينة. لا يطول هذا المشهد الذي يبدو طالعاً من مخيّلة بيتر مورغان ومن أوّل مواسم «ذا كراون»، لكنّ العاطفة بين الشقيقتين تمتدّ عبر السنوات. فعندما تمرض مارغريت عام 2001، تجد إلى جانبها أختَها الملكة تقرأ لها الحكايات، وتأتي إليها بطعامها المفضّل، وتسهر على أنفاسها الأخيرة.

الممثلة ليزلي مانفيل بدور الأميرة مارغريت (نتفليكس)

تقدّم الممثلة ليزلي مانفيل أداءً يأسر القلوب. ولا يقلّ أداء إيميلدا ستونتون بدور الملكة أهميةً. أما مفاجأة الموسم الختاميّ، فهو الممثل إد ماكفي بدور الأمير وليام. فإلى جانب الشبه الصاعق بين ملامحهما، يبرع ماكفي في نقل شخصية وليام إلى الشاشة. مع العلم أنّ ابن تشارلز وديانا البكر شخصية محوَريّة في ختام الموسم الأخير، وتُخصّص له حلقتان ونصف من أصل ستّ.

يفتتح القسم الثاني من الجزء السادس على صدمة وليام وحزنه بعد وفاة والدته. يصبّ غضبه الصامت على والده محمّلاً إياه ذنب موتها. لا تشفيه موجة التعاطف الوطني معه ولا شعبيّته المتزايدة، الشبيهة بنجوميّة ديانا.

الممثل إد ماكفي بدور الأمير وليام (نتفليكس)

في مقابل الأداء الممتاز لفريق ممثّلي «التاج» جميعاً، يعاني السيناريو في معظم الأحيان من تطويلٍ لا فائدة منه سوى الحشو. تُصاب بعض المشاهد ببطء قد ينعكس مللاً لدى الجمهور. تأتي قصة حب الأمير وليام وكيت ميدلتون لتحاول إنقاذ الموقف، لكنّ تجسيدها التلفزيوني لا يذهب أعمق من أي علاقة عاطفية بين مراهقَين، قد تشاهدها في فيلمٍ أميركيّ رومانسيّ موجّه للشباب وتدور أحداثه في ملعب الجامعة وأروقتها.

من بين الطلّاب، وليام هو محطّ الأنظار بطبيعة الحال. أمّا كيت فهي نجمة الطالبات بذكائها واجتهادها وجرأتها. مستنداً إلى تقارير إعلاميّة، يُظهر كاتب المسلسل بيتر مورغان والدةَ كيت، كارول ميدلتون، كأمّ دفعت بابنتها نحو الأمير، وقامت بكل ما في وسعها للتقريب بينهما. ووفق المسلسل، فهي شجّعت ابنتها على المشاركة في عرض الأزياء الجريء الذي حضره وليام عام 2002 في جامعة سانت اندروز.

إد ماكفي بشخصية الأمير وليام وميغ بيللامي بدور كيت ميدلتون (نتفليكس)

يخفّف حضور كيت في حياة وليام من وطأة فاجعة وفاة ديانا، لا سيّما خلال فتح التحقيق من جديد بضغط من محمد الفايد، الذي يتهم العائلة البريطانية المالكة علناً بالضلوع في مقتل ابنه دودي وأميرة ويلز. كما يستند الأمير الشاب إلى علاقة متينة مع جدّته الملكة، ويظهر ذلك في الحلقات من خلال حوارات معبّرة تجمعهما.

صحيح أن شخصية وليام في المسلسل تشكّل نقطة انطلاق للحظاتٍ مهمة في تاريخ العائلة، إلا أنّ العمل لا يغوص في عمق علاقته بشقيقه الأمير هاري.

هاري (لوثر فورد) وتشارلز (دومينيك وست) ووليام (إد ماكفي) في كندا عام 1998 (نتفليكس)

في البداية جمعت وليام وهاري مصيبة وفاة والدتهما فبديا متّحدَين، لكن مع مرور الوقت، ازداد التباين في وجهات النظر حول التعامل مع الوالد، ما باعدَ بين الشقيقَين.

يلمّح المسلسل في موسمه الختاميّ إلى الشرخ الذي وقع لاحقاً بين هاري والعائلة المالكة من خلال عبارات يتفوّه بها الأمير الأصغر، مثل «لدى الرقم اثنَين نزعة جنون»، لكنه لا يفرد مساحة كافية لأسبابه ولا لشخصية هاري.

تتحوّل العلاقة بين وليام وهاري عبر الحلقات من أخوّةٍ متينة إلى خلافات في وجهات النظر (نتفليكس)

«في المستقبل القريب، لن أكتب أي قصة تدور أحداثها في أي قصر»، بهذا الوضوح أجاب بيتر مورغان عمّا إذا كان يستعدّ لموسم جديد من «التاج». على طريقته، ترك الملكة تقفل باب باكنغهام خلفها، ليقفل هو أبواب مسلسل استهلك 7 أعوام وأكثر من مسيرته التلفزيونية والسينمائية.


مقالات ذات صلة

بقناصة ورشاش... شاهد الأمير ويليام يجري تدريبات عسكرية مع الحرس الويلزي

أوروبا الأمير ويليام يصوب باتجاه الهدف من بندقية قناصة (إكس)

بقناصة ورشاش... شاهد الأمير ويليام يجري تدريبات عسكرية مع الحرس الويلزي

انضم ويليام، أمير ويلز، إلى تدريب إطلاق الذخيرة الحية مع الحرس الويلزي، مرتدياً زيه العسكري و«البيريه».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية لمدة ثلاث سنوات، يخضع خلالها القصر التاريخي لعملية تجديد ضخمة بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأمير ويليام خلال تسجيل أول فيديو عبر منصة «تيك توك» (اندبندنت)

حاور طالبة تأخرت عن محاضرتها... الأمير ويليام يقتحم عالم «تيك توك» (فيديو)

ظهر الأمير ويليام لأول مرة على تطبيق «تيك توك» خلال زيارة إلى مركز حرم مدينة بلفاست.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز يلوّح بقبعته (أ.ف.ب)

بعيده الـ76... الملك تشارلز يحتفل عبر افتتاح مركزين لتوزيع الطعام

يحتفل الملك تشارلز ملك بريطانيا، اليوم (الخميس)، بعيد ميلاده السادس والسبعين بافتتاح مركزين لتوزيع الإمدادات الغذائية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.